كنت أتحدث مع مجموعة مؤخراً حول التكنولوجيا الأكثر أهمية لمعالجة مشكلة التغير المناخي. وعلى ضوء التنبيه الذي مفاده أننا سنحتاج بالتأكيد إلى مجموعة كاملة من الحلول لمواجهة هذا التحدي، خياري الشخصي هو البطاريات.
قد لا يكون هذا مفاجئاً؛ إذ إني أتحدث باستمرار عن البطاريات، إذ ستُحدث البطاريات تغييراً كبيراً في مجال النقل، ويمكن أن تؤدي دوراً أساسياً في تخزين الطاقة من المصادر المتجددة مثل الرياح أو الشمس عندما لا تتوفر هذه الموارد. لذلك؛ البطاريات هي تكنولوجيا بالغة الأهمية للقطاعين المسؤولين عن النسبة الأكبر من الانبعاثات: الطاقة والنقل.
إذا أردت أن تعرف مستقبل البطاريات، ستحتاج إلى إلقاء نظرة على الوضع الراهن للمواد المستخدمة في صناعتها. أصدرت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً تقريراً جديداً عن حالة المعادن الحرجة المستخدمة في مجال الطاقة، وهو يحتوي على بعض المقاطع المثيرة للاهتمام المتعلقة بالبطاريات. لذلك؛ دعنا نتعمق في بعض البيانات حول مواد البطاريات.
اقرأ أيضاً: هل يزيح الصوديوم المتوفر بكثرة الليثيوم عن عرش صناعة البطاريات؟
ما الجديد في مجال المواد الخام للبطاريات؟
ربما علمت من قبل أن مبيعات السيارات الكهربائية تنمو بسرعة؛ إذ إنها مثّلت نسبة 14% من مبيعات السيارات الجديدة العالمية في عام 2022، وستصل هذه النسبة إلى 18% في عام 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. هذا النمو العالمي هو أحد الأسباب التي دفعتنا إلى وضع "السيارات الكهربائية الحتمية" على قائمة التكنولوجيات الاختراقية لعام 2023.
بالإضافة إلى النمو المطّرد لسوق السيارات الكهربائية، فإن بطاريات هذه السيارات تزداد حجماً في مختلف دول العالم، وليس فقط في الولايات المتحدة التي تشتهر بسياراتها الكبيرة للغاية. لا تزال البطاريات الأميركية تتمتع بالسعة المتوسطة الأكبر في العالم لكن ازدياد حجم البطاريات هو ظاهرة عالمية؛ إذ شهدت الدول الآسيوية والأوروبية قفزة مشابهة أو حتى أكثر دراماتيكية في حجم البطاريات خلال السنوات الأخيرة.
إذا أخذت في الاعتبار كلاً من الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية وازدياد سعة البطاريات حول العالم والدور الذي يمكن أن تؤديه البطاريات في تخزين الطاقة ضمن شبكة الطاقة الكهربائية، ستستنتج أننا على وشك أن نشهد ازدياداً هائلاً في الطلب على المواد الضرورية لصنع البطاريات.
اقرأ أيضاً: هل سيكون هاتف آيفون 17 مزوداً ببطارية معادة التدوير؟
خذ الليثيوم مثالاً، وهو من المواد الرئيسة المستخدمة في بطاريات الليثيوم-أيون اليوم. إذا أردنا صناعة ما يكفي من السيارات الكهربائية للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري، سيزداد الطلب على الليثيوم بنحو 10 أضعاف من الآن حتى عام 2040. الليثيوم هو أحد الأمثلة الأكثر تطرفاً؛ لكن الطلب على المعادن الأخرى مثل النحاس والنيكل سيزداد أيضاً في العقود القادمة (يمكنك الاطلاع على مستكشف البيانات في موقع وكالة الطاقة الدولية بنفسك هنا).
كما كتبت في وقت سابق من عام 2023؛ لن تنفد المواد التي نحتاج إليها لتوليد الطاقة المتجددة. قد تكون حالة البطاريات أعقد؛ لكن عموماً، يقول الخبراء إن الأرض تحتوي على ما يكفي من الموارد لصنع البطاريات التي نحتاج إليها. ومع انتشار إعادة تدوير البطاريات على نطاق أوسع، يُفترض أن نتمكن في النهاية من الحصول على إمداد مستقر من المواد المستخرجة من البطاريات القديمة.
مع ذلك، بدأنا بالفعل نشهد تبعات الزيادات الهائلة في الطلب على المواد في سوق البطاريات على المدى القصير. شهدت أسعار الليثيوم وبعض المعادن الأخرى مؤخراً ارتفاعات هائلة، وعانت الشركات المصنّعة للبطاريات في تلبية الطلب الفوري. تسبب ذلك بارتفاع أسعار بطاريات الليثيوم-أيون العام الماضي لأول مرة على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: بطاريات جديدة تخفض تكلفة السيارات الكهربائية
ما تبعات ذلك كله؟
إذاً ما نشهده حالياً هو زيادة كبيرة في الطلب ستستمر بالارتفاع، وعلى الرغم من وجود كمية كافية من المواد على المدى الطويل، يمكن أن نواجه بعض الصعوبات في توفير مواد البطاريات النقية والمعالجة على المدى القصير. وسيؤثر ذلك في مستقبل البطاريات بطريقتين:
أولاً، ستؤدي شركات السيارات دوراً أوسع في إنتاج المواد الخام التي تحتاج إليها لصنع البطاريات. تعتمد الأعمال التجارية لهذه الشركات على التوفّر الدائم لهذه المواد، وهي تتّخذ بالفعل خطوات لتأمين إمداداتها الخاصة.
اقرأ أيضاً: الرئيس السابق لقسم التكنولوجيا في تسلا: إليكم توجهات إعادة تدوير البطاريات
واعتباراً من عام 2023، وقّعت أكبر 10 شركات لتصنيع السيارات الكهربائية في العالم، باستثناء واحدة، نوعاً ما من صفقات الشراء المسبقة الطويلة الأجل لتأمين المواد الخام. استثمرت 5 من هذه الشركات في قطاع التعدين، بينما استثمرت 5 في قطاع التكرير، وأُبرمت هذه الصفقات جميعها تقريباً منذ عام 2021.
ستؤدي القيود في العرض أيضاً إلى تحفيز الابتكار في تكنولوجيا البطاريات.
شهدنا بالفعل بداية هذه الابتكارات؛ إذ مثَّل الكوبالت مكوناً مهماً في مهابط بطاريات الليثيوم-أيون لسنوات لكن خضعت عمليات تعدين هذا المعدن للتدقيق لأنها ارتبطت بالعمالة القسرية وعمالة الأطفال على نطاق واسع.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت شركات التكنولوجيا العملاقة وشركات تصنيع السيارات الكهربائية بتقديم تعهدات باستخدام الكوبالت الذي استخرجته الشركات بطريقة مسؤولة فقط. في الوقت نفسه، بدأت شركات تصنيع البطاريات باستخدام طرائقَ كيميائية تتطلب كمية أقل من الكوبالت، أو حتى التخلّي عن هذا المعدن تماماً؛ ويعود ذلك جزئياً إلى سعيها نحو خفض التكاليف.
لا تحتوي بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم على الكوبالت، وازدادت نسبتها من بطاريات السيارات الكهربائية من نسبة منخفضة إلى نحو 30% من السوق في بضع سنوات فقط. ازداد استخدام البطاريات التي تحتوي على نسبة منخفضة الكوبالت منذ عام 2019، وأعتقد أننا سنشهد باستمرار تطوير خيارات جديدة ومثيرة في عالم البطاريات؛ ويعود ذلك جزئياً إلى القيود في مجال إنتاج المواد الخام. على سبيل المثال؛ يمكن أن تؤدي البطاريات المعتمدة على الحديد دوراً رئيساً في تخزين الطاقة على نطاق الشبكة، ويمكن أن يزداد استخدام البطاريات المعتمدة على الصوديوم في السيارات الكهربائية المنخفضة التكلفة قريباً.
اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟
ليس لدي خيار مفضّل عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا المناخ ولكني أتابع عالم البطاريات عن كثب بصورة خاصة دائماً؛ لذلك ترقبوا المزيد حول الدور الحاسم للمواد الخام في مستقبل البطاريات.