أتطلع هذا الربيع إلى زراعة بعض النباتات المعدلة جينياً في فنائي الخلفي للمرة الأولى. وقد أصبح هذا ممكناً بفضل الشركات الناشئة التي بدأت تبيع النباتات المعدلة جينياً إلى المستهلكين مباشرة؛ بما فيها نبتة طماطم بثمار زاهية أرجوانية اللون، وزهرة بيتونيا تتوهج في الظلام.
وقد طلبت الحصول على كلتا النبتتين من خلال الضغط على بضعة أزرار عبر الإنترنت، لقاء 73 دولاراً.
تشكل البذور التي تنتجها شركات التكنولوجيا الحيوية عملاً تجارياً ضخماً منذ فترة. في الواقع، من حيث الكتلة وحدها، ربما تكون الكائنات المعدلة جينياً أهم منتج للهندسة الجينية على الإطلاق. غير أن معظمنا لا يزرع صفوفاً متراصة من نباتات القطن أو الذرة القادرة على مقاومة الديدان أو تحمّل رشة من المبيد الحشري راوند آب (RoundUp)، وهي الابتكارات المهمة الناتجة عن عمليات تقطيع الجينات، التي طرحتها شركات مثل مونسانتو (Monsanto) أو بايونير هاي بريد (Pioneer Hi-Bred) أول مرة في التسعينيات.
اقرأ أيضاً: هل ينجح التعديل الجيني بإعادة الماموث الصوفي إلى الحياة؟
تتميز هذه النباتات الجديدة بأنها متاحة للشراء من الشركات المنتجة لها مباشرة، ويمكنك زرعها بعد ذلك في حديقتك أو على شرفتك أو في وعاء عادي لزراعة النباتات.
الطماطم الأرجوانية
بدأتُ جولة التسوق من شركات التكنولوجيا الحيوية بإنفاق 20 دولاراً كي أطلب 10 بذور طماطم من شركة نورفولك هيلث بروديوس (Norfolk Health Produce)، وهي شركة صغيرة في مدينة ديفيس بولاية كاليفورنيا، والتي ابتكرت ما تطلق عليه اسم "الطماطم الأرجوانية". تتضمن هذه البذور جيناً مأخوذاً من زهرة التنين، ويضيف هذا الجين إلى الطماطم مادة الأنثوسيانين المغذية، التي تمنح هذه الثمرة أيضاً لونها المذهل.
وفقاً لعالم الجينات والعميد في جامعة توسكيجي، تشانا براكاش؛ فإن ثمار الطماطم هذه "المحصول الغذائي الأول من نوعه المعدل جينياً الذي يُسوّق مباشرة إلى البستانيين المنزليين".
كان الرئيس التنفيذي للشركة، ناثان بومبلين، يوضب البذور عندما اتصلت به هاتفياً. ويزعم أن مادة الأنثوسيانين مفيدة للصحة، فهي مضادة للأكسدة؛ لكنه يوافق على أن اللون عامل تسويقي مفيد.
يقول بومبلين: "لا أحتاج إلى صنع لصاقة تقول إن هذه الطماطم الحمراء أفضل لك من تلك الطماطم الحمراء الأخرى. يمكننا ببساطة أن نطرح الطماطم الأرجوانية في السوق، وسيذهل الناس لمنظرها الجذاب. يمثل شكلها الجميل خاصية مميزة يستطيع الناس رؤيتها وفهمها على الفور".
ثمة خطة لإنتاج الطماطم الأرجوانية بكميات كبيرة لبيعها في المتاجر. لكن بومبلين يقول إن الشركة لم تستطع تجاهل طلبات الآلاف من البستانيين العاديين. ويقول: "ليس هذا المجال محط التركيز الرئيسي لعملنا؛ لكننا مهتمون للغاية برغبة الناس في زراعة هذه النباتات في المنزل. وإذا رغب البستانيون المنزليون في توفير هذه البذرة لإعادة زراعتها في حدائقهم لأغراض الاستخدام الشخصي، فهذا مقبول بالنسبة إلينا".
الزهرة المتوهجة
قررت بعد ذلك شراء بيتونيا فايرفلاي (بيتونيا اليراعة)، التي سُمِّيَت بهذا الاسم لأنه من المفترض للنبتة أن تتوهج في الظلام. يمكن شراء هذه النبتة من لايت بايو (Light Bio)، وهي شركة ناشئة تحظى بدعم شركة رأس المال المغامر إن إف إكس (NFX).
تسببت هذه النبتة بتهافت طلبات الشراء عليها، إلى درجة أنها تُباع وفق نظام الطلب المسبق، مع وعود من الشركة بتسليمها في مايو/أيار. تكلف زهرة البيتونيا الواحدة مبلغ 29 دولاراً، إضافة إلى 24 دولاراً للشحن. تعِد الحملة التسويقية للشركة بأن النبتة "ستصدر تلألؤاً أخاذاً بعد وقت الغسق" وأن "هذا الضوء الهادئ ناتج عن طاقة حية، ويعبر عن علاقة أعمق مع روح هذه النبتة".
وأخيراً، "ستكافئك النبتة على عنايتك بها بمزيد من التلألؤ والسطوع الرائع".
أصبحت هذه النبتة جزءاً من مجموعة صغيرة من نباتات الزينة المعدلة جينياً. ومن النباتات الأخرى في هذه المجموعة زهرة البيتونيا البرتقالية التي حصلت على الموافقات الرسمية في الولايات المتحدة عام 2021؛ والتي تستمد لونها المميز من جين الذرة. (عندما انتشرت بعض النسخ من هذه الزهرة قبل الموافقة، طالب المسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا بإبادتها في إجراء أصبح معروفاً باسم "مجزرة البيتونيا").
يشغل المختص بالبيولوجيا الاصطناعية في مختبر مجلس البحوث الطبية للعلوم الطبية في المملكة المتحدة، كارين ساركيسيان، منصب كبير العلماء في لايت بايو، بالإضافة إلى أنه أحد العلماء الذين عملوا على تصميم هذه البيتونيا. من المجالات التي يركز عليها مختبره استخدام الإضاءة الحيوية بمثابة نظام للإبلاغ، فعلى سبيل المثال؛ يمكن للنبتة أن تكشف عن كيفية استجابتها إلى مادة سامة أو لعدوى فيروسية في التجارب المخبرية بالاعتماد على الضوء.
ويقول متحدثاً عن بيتونيا فايرفلاي: "عموماً، نسعى إلى صنع أشياء مفيدة، ولهذا فإن هذه الزهرة أقرب إلى حالة استثنائية. لم تكن الفائدة هي السبب الذي دفعنا إلى صنعها؛ بل كان السبب أقرب إلى دمج علم الأحياء مع الفن".
على غرار الكثير من الأشياء في التكنولوجيا الحيوية، لم يكن صنع البيتونيا المتوهجة أمراً سهلاً، ولم يكن إنجازاً فجائياً كما قد يبدو؛ بل كان نتيجة عقود كاملة من البحث في العمليات الكيميائية التي تسمح لبعض الحيوانات والنباتات أن تصدر وهجاً خافتاً.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا التعديل الجيني النباتات على مواجهة الاحترار العالمي؟
لم يؤدِّ فرض هذه "الدارات الجينية" في النباتات إلى نتائج جيدة في البداية. على سبيل المثال؛ تمكن مشروع على منصة كيك ستارتر (Kickstarter) من جمع 500,000 دولار تقريباً من أجل صنع ورود متوهجة؛ لكنه أخفق في الوفاء بوعوده بعدما تبين أن المسألة صعبة للغاية.
يقول ساركيسيان، الذي أسهم لاحقاً في اكتشاف بعض الجينات التي أُخِذَت من الفطر المتوهج وأُضِيفت إلى البيتونيا وأتاحت لها أن تتوهج بدرجة كافية لتحويلها إلى سلعة جديدة جذابة للغاية: "كان الأمر واضحاً للغاية، فلم تكن التكنولوجيا في ذلك الحين جيدة بما يكفي".
ما زال العمل متواصلاً. يقول ساركيسيان إن الشركة تعمل على "زيادة التوهج، وصنع المزيد من الألوان". كما أنها تعمل على جعل أنواع أخرى من النباتات تتوهج، على الرغم من أنها لم تفصح عن هذه الأنواع. يقول ساركيسيان: "لا يمكنني الإفصاح في الواقع عن أي معلومات تخص الأنواع المحددة التي نعمل عليها"، مع أنه عرض عليّ صورة لزهرة أقحوان متوهجة مذهلة.
قال لي ساركيسيان إنه يروق له في بعض الأحيان أن يسترخي قليلاً بين النباتات المتوهجة، في جلسة تأمل هادئة. ومن المفارقة أنه يستطيع فعل هذا في المختبر فقط، لا في منزله، نظراً إلى أنه يعيش في المملكة المتحدة. لم توافق المملكة المتحدة التي تتخذ موقفاً أشد صرامة من الكائنات المعدلة جينياً على بيع هذه النباتات، وقد فعلت أوروبا الشيء نفسه.
لكنه يعتقد أن البيتونيا ستتمكن من الرد على منتقديها في نهاية المطاف. ويقول: "في خضم هذا الجدل والمخاوف حول المنتجات المعدلة جينياً، على وجه الخصوص، هذه هي المرة الأولى التي يمكن أن نضع فيها نبتة منزلية آمنة لطيفة وجميلة ومعدلة جينياً في كل منزل. نعتقد أنه مشروع مثير للاهتمام إلى درجة كبيرة، لأنه أحد المشروعات الأولى في مجال التكنولوجيا الحيوية الاستهلاكية. وأعتقد أننا سنرى المزيد من المشروعات المماثلة في المستقبل".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام كريسبر في إنقاذ المحاصيل من الدمار الناجم عن الآفات؟
لم تصل بذور الطماطم ونبتة البيتونيا المتوهجة بالبريد حتى الآن، وما زال الثلج يغطي المنطقة التي أقيم فيها؛ لكنني آمل أن أزرع أول محاصيلي المعدلة جينياً بحلول الربيع.