قدم لنا المسبار السطحي الروبوتي إنسايت التابع لناسا للتو أول نظرة عميقة على قلب كوكب غير الأرض.
فبعد أكثر من سنتين على إطلاقه، قدمت البيانات الزلزالية التي جمعها إنسايت لمحات للباحثين حول كيفية تشكل المريخ، وكيفية تطوره عبر 4.6 مليار سنة، وطبيعة اختلافه عن الأرض. وتشير ثلاث دراسات جديدة نُشرت مؤخراً في مجلة Science إلى أن المريخ يتمتع بقشرة أكثر سماكة مما كنا نعتقد، إضافة إلى نواة سائلة ذائبة أكبر مما كنا نعتقد.
في بدايات النظام الشمسي، كانت الأرض والمريخ كوكبين متماثلين للغاية، فقد كان سطحاهما مغطيين بالمحيطات بالكامل. ولكن، وعلى مدى 4 مليارات سنة، أصبحت الأرض معتدلة ومثالية للحياة، في حين فقد المريخ غلافه الجوي ومياهه وتحول سطحه إلى وضعه الحالي كأرض قاحلة جرداء. وقد تساعدنا معرفة المزيد من المعلومات حول قلب المريخ على معرفة سبب هذا التباعد بين الكوكبين.
قال مارك بانينج، وهو أحد علماء المشروع في بعثة إنسايت، خلال مؤتمر صحفي لناسا: "إن الانتقال من تخيل تقديري لبنية قلب المريخ إلى تصور دقيق له يسمح لنا بتوسيع نظرتنا حول تشكل هذه الكواكب الصخرية، وتشابهاتها وتبايناتها".
ومنذ أن هبط إنسايت على المريخ في 2018، قام حساسه الزلزالي الذي يرتكز على سطح الكوكب بالتقاط أكثر من 1,000 هزة متمايزة. معظم هذه الهزات كانت صغيرة لدرجة غير ملحوظة بالنسبة لشخص يقف على سطح المريخ. ولكن بضعة هزات كانت كبيرة بما يكفي لمساعدة الفريق في الحصول على أول لمحة حقيقية حول ما يحدث في الداخل.
تؤدي الزلازل إلى انتشار أمواج زلزالية يستطيع الحساس الزلزالي التقاطها. وقد قام الباحثون ببناء خريطة ثلاثية الأبعاد للمريخ باستخدام البيانات من نوعين مختلفين من الأمواج الزلزالية: أمواج القص وأمواج الضغط. تستطيع أمواج القص عبور الأجسام الصلبة فقط، وهي تنعكس عن سطح الكوكب.
أما أمواج الضغط فهي أسرع وتستطيع عبور الأجسام الصلبة والسوائل والغازات. وبقياس الفروقات بين لحظات وصول هذه الأمواج، يستطيع الباحثون تحديد مكان الزلازل واكتشاف أدلة تشير إلى تركيب القلب.
قام أحد الفرق، بقيادة سيمون ستالر، وهو أخصائي زلازل في المعهد السويسري الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، باستخدام بيانات 11 زلزال كبير لدراسة نواة الكوكب. وبدراسة طريقة انعكاس الأمواج الزلزالية عن النواة، استنتج الباحثون أنها مصنوعة من خليط سائل من النيكل والحديد، وأنها أكبر بكثير من التقديرات السابقة (بعرض يتراوح بين 3,589 کیلومتر و3,734 كيلومتر).
وقام فريق آخر، بقيادة أمير خان، العالم في معهد الجيوفيزياء في المعهد السويسري الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ ومعهد الفيزياء في جامعة زيور، بدراسة الوشاح المريخي، وهو الطبقة التي تقع بين القشرة والنواة. وقد استخدم الباحثون في هذه الدراسة البيانات لإثبات أن الغلاف الصخري للمريخ -على الرغم من أنه مماثل للغلاف الصخري للأرض من ناحية التركيب الكيميائي- يفتقر إلى الصفائح التكتونية. كما أنه أكثر سماكة من مثيله الأرضي بحوالي 90 كيلومتر.
وقد نتجت هذه السماكة الإضافية على الأرجح "من عمليات التبلور والتصلب المبكر للحمم المحيطية"، ما يعني -وفقاً للفريق- أن المريخ ربما كان قد تجمد في مرحلة مفصلية من سنوات تشكيله.
أما الفريق الثالث، وهو بقيادة بريدجيت نابمير إندرن، وهي أخصائية بالزلازل الكوكبية في جامعة كولونيا، فقد قام بتحليل قشرة المريخ، وهي طبقة الصخور السطحية. وقد وجد الفريق أنها أقل سماكة من المتوقع، على الرغم من أنها عميقة جداً على الأرجح.
وتقول نابمير إندرن: "هذه النتيجة مثيرة للاهتمام؛ لأنها تشير إلى الاختلافات بين قلب الأرض وقلب المريخ، وإلى الاختلافات في مكوناتهما، التي تقتضي وجود اختلافات في عناصر البناء الأساسية للكوكبين".
ستصل بعثة إنسايت إلى نهايتها في العام المقبل بعد أن تصبح خلاياها الشمسية عاجزة عن إنتاج المزيد من الطاقة، ولكن في هذه الأثناء، قد يتمكن الباحثون من كشف المزيد من أسرار المريخ.
تقول نابمير إندرن: "ما زالت هناك أيضاً الكثير من الأسئلة المفتوحة حول الدراسات الزلزالية التي قد يمكن إجراؤها في حال تمديد بعثة إنسايت".