كيف تساعد التكنولوجيا علماء الآثار على كشف أسرار المدن القديمة؟

9 دقائق
تقنيات التنقيب الحديثة
حقوق الصورة: ماكس- أو- تيك.

j;kفي عام 1991، كان عمال البناء في حي مانهاتن الجنوبي في نيويورك يحفرون الأساسات لبناء مبنى فدرالي جديد عندما اكتشفوا مئات التوابيت. وكلما حفروا أكثر، وجدوا المزيد منها. وفي النهاية، كانوا قد اكتشفوا رفات ما يقرب من 500 شخص، وقد دفنت مع العديد منهم أشياء شخصية مثل الأزرار والأصداف والمجوهرات. وكشفت التحقيقات اللاحقة أن عمر هذه الرفات يتراوح بين 200 و300 عام، وتعود جميعها لإفريقيين أو لأميركيين من أصل إفريقي.

جاء هذا الاكتشاف في مرحلة انعطاف يمر بها التاريخ العلمي؛ حيث سمحت آخر الاكتشافات في مجال التحليل الكيميائي والجيني للباحثين بمعرفة مكان ولادة العديد من هؤلاء الأشخاص، وأنواع التحديات الجسدية التي واجهوها، وحتى الطريق الذي سلكوه من إفريقيا للوصول إلى أميركا الشمالية. أصبح الموقع، المعروف باسم المقبرة الإفريقية، أحد أشهر الاكتشافات الأثرية في البلاد وتم تصنيفه اليوم نصباً تذكارياً وطنياً.

أخبرني جوزيف جونز، عالم الأنثروبولوجيا في كلية ويليام آند ماري وأحد المحققين في الموقع، أن التكنولوجيات العلمية كانت متوفرة حتى عندما كان فريقه لا يزال يقوم بالتنقيب. في بداية عمليات الحفر، قاموا بتحليل بقايا الهياكل العظمية باستخدام نفس التكنولوجيات التي لطالما استخدمها علماء الآثار لما يقرب من قرن من الزمن في قياس حجم العظام وفحص الأضرار التي لحقت بها لاستنتاج بعض التفاصيل عن حياة أصحابها. أما اليوم، يستخدم الفريق تكنولوجيات حديثة كانت تمثل حلماً للأجيال السابقة من الباحثين مثل استخدام الليزر لتقسيم القطع الدقيقة الميكروية من مينا الأسنان بشكل يتيح تحليل النظائر المحبوسة داخلها، وتسلسل الحمض النووي القديم لتحديد الرابط بين الأشخاص المتوفين منذ قرون وأولئك المنحدرين من سلالتهم.

جاء اكتشاف المقبرة الإفريقية أيضاً في خضم حقبة من الاكتشافات الثقافية؛ فقد كان المؤرخون يعكفون على دراسة الدور الذي لعبه العبيد في بناء المدن الشمالية، بينما كان العلماء من ذوي البشرة السمراء مثل هنري لويس جيتس جونيور ومؤلفون مثل طوني موريسون يدرسون محورية الأميركيين الأفارقة في تاريخ الولايات المتحدة.

أضاف التحليل العلمي في الموقع بيانات مقنعة إلى هذه الحركات الاجتماعية وغيَّر الطريقة التي ينظر بها العديد من الأميركيين إلى تاريخ تأسيس أمتهم. وكشف أن المستعبدين من إفريقيا قد بنوا العديد من المدن، في الشمال والجنوب، والتي لا يزال الأميركيون يعيشون فيها حتى اليوم. كما أظهر كيفية تحولنا من نوع بدوي يتنقل في مجموعات صغيرة إلى نوع يتشارك حواضر سكنية مكتظة بملايين الأشخاص الآخرين.

كان مشروع تنقيب المقبرة الإفريقية أحد أوائل المشاريع التي تستخدم كوكبة جديدة من أدوات "علم الآثار الحيوي" التي تطورت كثيراً منذ أن كانت الفأس والفرشاة الأدوات التقليدية المستخدمة. لكن هذه كانت ببساطة المرحلة الأولى من ثورة أوسع نطاقاً بكثير في علم الآثار جمعت العلماء وباحثي العلوم الإنسانية معاً لتوليد بيانات عن أسلافنا. وفي الوقت الحاضر، يتمم الباحثون علم الآثار الحيوي بتكنولوجيات التصوير ثلاثي الأبعاد والليدار وصور الأقمار الصناعية والكثير غيرها.

من خلال استخدام تكنولوجيات الاستشعار عن بعد مثل الليدار، يمكن للباحثين اكتشاف شبكة مدينة كاملة، مما يمنحنا صورة أفضل حول ما كان عليه التجول بين الأحياء ويوفر لمحة عن المتاجر التي كانت موجودة فيها.

يعتبر هذا النوع من الاستكشاف القائم على التكنولوجيات المتقدمة، والذي يُطلق عليه أحياناً اسم "علم الآثار القائم على البيانات"، مناسباً تماماً لدراسة التاريخ الحضري. فمن خلال استخدام تكنولوجيات الاستشعار عن بعد مثل الليدار، يمكن للباحثين اكتشاف شبكة مدينة كاملة، مما يمنحنا صورة أفضل حول ما كان عليه التجول بين الأحياء ويوفر لمحة عن المتاجر التي كانت موجودة فيها.

 

يتيح هذا النوع من البيانات إمكانية إعادة إنشاء رقمية دقيقة للمدن، مما يعني أنه يتيح للمؤرخين تحويل موقع بعيد يتعذر الوصول إليه إلى مكان رقمي يمكن لأي شخص زيارته عبر الإنترنت. كما تضفي هذه البيانات طابعاً ديمقراطياً على التاريخ؛ إذ يستطيع العلماء حالياً فحص المئات، إن لم يكن الآلاف، من الرفات ومعالجة مجموعات بيانات كبيرة لتشكيل رؤية عميقة حول تجارب الناس العاديين، وليس فقط القلائل المحظوظين الذين كانوا يمتلكون الأرض، أو ممن حفروا أسماءهم على المعالم الأثرية، أو شغلوا مناصب عامة.

اقرأ أيضاً: فترة الحجر الصحي كانت أطول فترة هدوء في التاريخ البشري المعروف

قصص ترويها الأسنان

يحمل علم الآثار القائم على البيانات فائدة خاصة للمؤرخين الذين يدرسون المدن، لأن الأماكن الحضرية غالباً ما تكون حاضنة لقصص المهاجرين الذين قد يصعب تتبعهم دون الاعتماد على هذا العلم. قال الاختصاصي في علم الآثار الحيوي مايكل بلاكي، الذي قاد مشروع تنقيب المقبرة الإفريقية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، إن فريقه لم يكن لينجح أبداً في تحديد المكان الذي أتى منه الأشخاص في المقبرة لو لم يكونوا قادرين على إجراء عدة أنواع من التحليل الكيميائي على مينا أسنانهم. بما أن هذه المينا تتراكم في طبقات مع تقدم البشر في العمر، يمكن للكيميائيين دراسة مقطع عرضي للأسنان ومعرفة المواد التي تعرض لها الأشخاص عندما كانوا أطفالاً. يشبه الأمر إلى حد ما تحليل حلقات الأشجار، حيث تمثل كل طبقة من المينا فترة من حياة الشخص.

تقنيات التنقيب الحديثة
حقوق الصورة: ماكس- أو- تيك.
وسرعان ما وجد الباحثون مادة واضحة تميز الأشخاص الذين ولدوا في إفريقيا عن أولئك المولودين في الأميركيتين: الرصاص. فعلى الرغم من أن الحضارات الإفريقية قد تعاملت مع مجموعة من المعادن، إلا أن الرصاص كان يستخدم بشكل حصري تقريباً من قبل الأوروبيين في أشياء مثل الأنابيب وأطباق القصدير. وبالتالي، فإن وجود الرصاص في مقطع مينا الأسنان الخاص بمرحلة الطفولة لشخص ما كان دليلاً شبه مؤكد على أنه وُلد في أميركا.

 

مع تطور العلم، استخدمت مجموعة بلاكي أيضاً تقنية تسمى تحليل نظائر السترونتيوم لمعرفة المزيد حول أصل هؤلاء الأشخاص. عندما يأكل الناس ويشربون في منطقة معينة لفترة طويلة، فإن أسنانهم تمتص كمية صغيرة من السترونتيوم، وهو عنصر يتسرب من الأرض الصخرية إلى الطعام ومياه الشرب. يحتوي سترونتيوم الكتل الأرضية القديمة على بصمة كيميائية مختلفة قليلاً عن سترونتيوم الكتل الأحدث. لذا فإن دراسة النظائر الموجودة في مينا أسنان الأشخاص يتيح للباحثين تحديد المكان التقريبي الذي عاشوا فيه حياتهم.

أوضح بلاكي أن دراسة النظائر سمحت لفريقه باكتشاف أن بعض الأشخاص المدفونين في نيويورك الحديثة قد أمضوا طفولتهم المبكرة في إفريقيا ثم عاشوا بعد ذلك لبعض الوقت خلال فترة المراهقة في منطقة البحر الكاريبي التي غالباً ما كان يتم إرسال الرجال المستعبدين إليها من أجل "إعدادهم للاستخدام" أو، على حد تعبير بلاكي، "تحطيم نفوسهم". وقد تم الكشف عن شكل هذا الشتات من خلال دراسة سن واحدة.

منذ ذلك الحين، لجأ العلماء إلى هذه التقنية لاستكشاف كيفية تطور المدن في جميع أنحاء العالم. وبفضل ذلك، نعلم الآن أن روما القديمة كانت تعجّ بالمهاجرين من جميع أنحاء أوروبا وشمال إفريقيا.

يجري علماء الآثار في الأميركيتين أبحاثاً حول كيفية استيطان المدن الأصلية مثل كاهوكيا في جنوب إلينوي اليوم من قبل أشخاص ولدوا في أماكن أخرى. حتى إن مدينة مثل كاتالهويوك في وسط تركيا، التي يبلغ عمرها 9,000 عاماً، كان يقطنها أشخاص أتوا من من أماكن بعيدة جداً.

بفضل هذه الأبحاث، نحن ندرك اليوم أنه لطالما كان المهاجرون يبنون المدن ويعيشون فيها منذ أن ظهر مفهوم المدينة. وفي حين أن بعضهم، مثل المستعبدين في نيويورك، قد هاجروا رغماً عنهم، فإن هناك آخرين ممن هاجروا بملء إرادتهم بحثاً عن عمل أو سعياً إلى حياة أفضل، وهي نفس الآمال التي تدفع الناس للهجرة اليوم.

اقرأ أيضاً: كيف ستسهم ألعاب الفيديو في تدريس الأحداث التاريخية الهامة

أدوات التنقيب

رادار استكشاف باطن الأرض

يستخدم موجات راديوية عالية التردد تمر عبر سطح الأرض وترتد عن الأجسام والهياكل في باطنها، ليقوم جهاز استقبال بتسجيل هذه الأنماط.

تسلسل الحمض النووي

أحدث ثورة في علم الآثار من خلال السماح بتحليل مفصل للرفات التي يمكن أن تكشف عن تاريخ عائلة الشخص وأنماط الهجرة. ولتوضيح أهميتها، تخيل أنها مثل الاختبارات الجينية التي يمكن إجراؤها في المنزل، مع فارق أنها تستخدم لدراسة العظام.

المسح التصويري

يتضمن التقاط معلومات ثلاثية الأبعاد حول موقع أو غرض باستخدام مجموعة من التكنولوجيات، بما في ذلك الرادار والسونار. يمكن أن يشمل أيضاً نظام الليدار، وهو نظام ليزر يعتمد على الانعكاسات لتقدير المسافات.

تحليل النظائر

يتيح تتبع تاريخ غرض ما وتحديد عمره ومنشئه من خلال البحث عن المؤشرات الكيميائية في الأشياء المصنوعة والمواد العضوية، مثل العظام في المقبرة الإفريقية.

تفادي تدمير الآثار

في حين أن البيانات الأثرية الحيوية يمكن أن تكشف الكثير عن هوية الأشخاص الذين عاشوا في مدينة ما، يمكن لبيانات المستشعرات المتطورة أن تحدد بدقة المكان الذي عاشوا فيه ونوع العمل الذي قاموا به. وهنا يأتي دور رادار استكشاف باطن الأرض أو (GPR). غالباً ما يؤدي الحفر إلى تدمير الطبقات الموجودة بين سطح الأرض والأغراض المدفونة عميقاً والتي غالباً ما تكون قيّمة في حد ذاتها، وهو ما يشكل واحدة من المآسي الكبرى في العديد من المواقع الأثرية المدفونة. يقوم رادار باطن الأرض- مثل الرادار التقليدي- بإرسال موجات راديوية ويقيس كيفية ارتدادها من أجل تحديد مواقع الأشياء، لكنه يوجهها نحو باطن الأرض بهدف تجنب التدمير غير المرغوب فيه.

في بومبي، على سبيل المثال، استخدم الباحثون مؤخراً هذا النوع من الرادار للمساعدة في استهداف مناطق للاستكشاف في جزء من المدينة ظل مدفوناً تحت التراب لمدة 2,000 عام. وعلى مدى القرون الثلاثة الماضية، لم يتم حفر إلا ثلثي بومبي فقط، وكان المنقبون يستخدمون حينئذ الفؤوس لإنجاز مهمتهم. لكن اليوم، يقوم الباحثون باستكشاف الثلث المتبقي من المدينة مستخدمين أكبر عدد ممكن من الأدوات عالية التقنية.

وفي أوائل عام 2021، آتت جهودهم أُكُلها؛ فقد اكتشف العلماء مقهى محفوظاً بشكل رائع حيث كان العمال يستمتعون بوجبة سريعة وبعض النبيذ. كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو اكتشاف عربة احتفالية نادرة وسليمة كانت تستخدم غالباً في المسيرات الاحتفالية وساعدت الباحثين في تصور ما كان عليه شكل حركة المرور في الشوارع الرومانية.

يستطيع رادار استكشاف باطن الأرض أن يكشف أيضاً عن مستويات متعددة من التاريخ. وعلى سبيل المثال، أظهر مسح حديث لمنزل فخم في بومبي أنه بني على أسس مبنى أقدم بكثير.

يشير ذلك إلى أن الحي كان منطقة سكنية خاصة بالأثرياء حتى قبل بدء احتلال الرومان للمدينة في حوالي العام 89 قبل الميلاد. وقد كشفت دراسة لطبقات تحت سطح الأرض أن العمال أعادوا بناء المنزل وتوسيع حدائقه بشكل كبير بعد زلزال مدمر وقع عام 62 بعد الميلاد. ووفقًا لباحثة الكلاسيكيات في جامعة كورنيل كيتلين باريت وزملائها، فإن النتائج التي توصلوا إليها "ربما تفضي إلى إعادة كتابة تاريخ أحد أقدم الأحياء وأكثرها شهرة من الناحية السياسية في بومبي".

للأسف، لا يمكن إجراء جميع دراسات الآثار بالاعتماد على الاستشعار عن بعد. حيث إن معظم المدن مبنية في طبقات؛ تقام البنى الجديدة فوق القديمة وتدفنها تدريجياً تحتها. لذا لا بد أن يقوم المنقبون بتدمير الطبقات العليا للوصول إلى الطبقات التي تعود إلى حقبة أقدم. ولهذا السبب بالذات أصبح المسح التصويري، وهو ممارسة تنطوي على التقاط المعلومات ثلاثية الأبعاد باستخدام السونار والليدار والكاميرات الرقمية، وسيلة معتمدة اليوم في جميع مواقع التنقيب الكبرى تقريباً.

تتيح هذه الأساليب للباحثين تسجيل تفاصيل البنى حتى دقة الميليمتر واستخدام البرمجيات لإعادة إنشاء نسخة رقمية منها.
وتبرز أهمية هذه الأساليب بشكل خاص في مواقع مثل كاتالهويوك، حيث ينبغي على الباحثين الحفر في طبقة عليا من المدينة للوصول إلى البنى القديمة تحتها. من خلال مسح هذه الطبقات العليا أولاً، يتاح للعلماء إمكانية إعادة الدراسة الافتراضية لأي بنى اضطروا إلى تدميرها.

زيارات افتراضية

قدمت البيانات الناتجة عن المسح التصويري الركيزة الأساسية لمشروع فيرتشوال أنجكور (Virtual Angkor) الحائز على جوائز عديدة والذي أعاد إنشاء المدينة التي كانت تشكل عاصمة إمبراطورية الخمير في جنوب شرق آسيا لمدة 500 عام حتى تم نهبها واحتلالها في عام 1431 بعد الميلاد. وكان هذا المشروع ثمرة تعاون بين سينسي لاب في جامعة موناش وجامعة فليندرز وجامعة تكساس في أوستن، وهو يستخدم عمليات مسح ثلاثية الأبعاد من مناطق حول المعبد البوذي في أنجكور وات (Angkor Wat) لإنشاء تمثيلات مرئية مذهلة- بعض مقاطع الفيديو والصور الثابتة- لما كان يراه الناس العاديون الذين زاروا المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي.

وقد تمكن الباحثون من إنجاز مشروع فيرتشوال أنجكور بفضل اكتشاف آخر في جمع البيانات الأثرية. لقد بقي مخطط مدينة أنجكور مخفياً في الأدغال لمئات السنين. حتى تم اكتشافها في أوائل عام 2010 عندما استخدم داميان إيفانز، عالم الآثار في الكلية الفرنسية لدراسات الشرق الأقصى، وفريقه جهاز ليدار مثبتاً على طائرة هليكوبتر لرسم خريطة حول مرفقات المعبد. وقد أحدثت النتائج التي توصلوا إليها تغييراً في فهم العالم لهذه المدينة الاستوائية.

عندما ننظر إلى ناطحات السحاب اللامعة والانتشار الواسع للمدن الكبرى اليوم، فمن السهل أن ننسى العظام القديمة الراقدة تحتها.
تعمل تقنية ليدار عن طريق ارتداد أشعة الليزر عن سطح الأرض وعودتها إلى جهاز استقبال، ويشير الوقت الذي استغرقته هذه الانعكاسات إلى المسافة التي قطعها الضوء قبل أن يصطدم بشيء ما. كانت هذه التقنية الأداة المثالية للكشف عن الطرق وأسس المنازل والمسابح التي انتشرت في أرجاء المكان ذات يوم.

 

ثم باستخدام خرائط الليدار، تمكن علماء الآثار أخيراً من التحقق من أن أنجكور كانت- في أوج ازدهارها- موطناً لما يقرب من مليون شخص، وهو أمر كان موضع جدل كبير سابقاً. استخدم مشروع فيرتشوال أنجكور هذه الخرائط لإنشاء شبكة مفصلة كاملة لمركز المدينة تحتوي صور الأحياء المتواضعة حيث كان يعيش عمال المهن اليدوية والمهاجرون. فنظراً لأن هؤلاء الأشخاص كانوا يعيشون في منازل خشبية تحللت منذ فترة طويلة، كان من الصعب على الأجيال السابقة من علماء الآثار معرفة ما إذا كان هناك أناس يعيشون في المناطق المحيطة بقصر أنجكور الحجري وتحديد أماكن سكنهم. ولكن بفضل مسوحات الليدار، يمكن لعلماء الآثار اليوم رؤية العديد من الهكتارات من الأساسات الأنيقة التي تصطف على امتداد الطرق.

يساعدنا المسح التصويري في الكشف عن فن وعمارة إمبراطورية الخمير، لكن ليدار يخبرنا عن حياة الأشخاص الذين بنوا هذه المدينة الأسطورية. وباستخدام التكنولوجيات المتقدمة لتطوير أنواع جديدة من مجموعات البيانات ، تمكن علماء الآثار في المقبرة الإفريقية أيضاً من رسم ملامح حياة بناة المدن. كما أن تحليل النظائر الذي كشف ماضي نيويورك المنسي قدم لنا معلومات حول المهاجرين الذين بنوا المدن الرومانية القديمة.

عندما ننظر إلى ناطحات السحاب اللامعة والانتشار الواسع للمدن الكبرى اليوم، فمن السهل أن ننسى العظام القديمة الراقدة تحتها. ولكن كلما تقدم العلم، اقتربنا أكثر من تقدير جهود أولئك الذين بنوا عالمنا وفهم كيف كانت حياتهم حقاً.

أحدث كتاب من تأليف آنالي نيوتز هو "أربع مدن: التاريخ السري للعصر الحضري".

 

 

المحتوى محمي