ملخص: هناك فجوة بين استخدام الموظفين لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي وتبنيها في الشركات. على الرغم من أن 91% من الموظفين يستخدمون هذه الأدوات ويظهرون حماساً كبيراً تجاهها، فإن 13% فقط من الشركات تمكنت من تطبيقها بشكل فعّال. لكن لا بد من دمج هذه التكنولوجيا مع استراتيجيات الأعمال لتحقيق قيمة استراتيجية، حيث يتوافق 63% من المتبنين الأوائل مع استراتيجياتهم العامة، بينما ينخفض هذا الرقم إلى 17% في الشركات التي لا تزال تتبنى تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بطريقة تجريبية. للاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على الشركات إعادة هيكلة نموذج التشغيل، تطوير مهارات القوى العاملة، وتعزيز التغييرات عبر سياسات رسمية. التركيز على مجالات محددة مثل تطوير المنتجات والتسويق يمكن أن يحقق نتائج ملموسة ويعزز التحول الرقمي داخل الشركة.
في الوقت الذي يزداد فيه اعتماد الموظفين على الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملهم، تجد الشركات نفسها أمام تحديات لمواكبة هذا التقدم. فمن الضروري لهذه الشركات أن تستفيد من الزخم الحالي، وذلك من خلال إجراء تحولات جذرية في عملياتها، وهياكلها التنظيمية، وطرق تعاملها مع المواهب.
بعد مناقشات استمرت قرابة العامين، توصلنا إلى قناعة راسخة بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد أثبت وجوده بقوة، مؤكداً بقاءه وتأثيره العميق في مجال الأعمال، فقد شهدنا تسارعاً كبيراً في الابتكارات المرتبطة بهذه التقنية، ما يبشّر بتحسينات ملحوظة في الأتمتة وزيادة الإنتاجية وتعزيز الابتكار وجودة العمل، بالإضافة إلى تحسين تجربة الموظفين والعملاء. ومع ذلك، فإن الشركات التي تتردد الآن في التكيُّف مع هذه التكنولوجيا قد تجد نفسها متأخرة في المستقبل، لذا فإن دمجها بشكلٍ استراتيجي في العمليات اليومية يعتبر خطوة حاسمة لضمان الريادة والنجاح في بيئة الأعمال المتطورة.
وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي التوليدي، لا تزال معظم الشركات في المراحل الأولى من استكشاف إمكاناته الواعدة، حيث أظهرت نتائج استطلاع عالمي أجرته ماكنزي أن الموظفين يتقدمون بخطوات أسرع من مؤسساتهم في استخدام هذه التكنولوجيا، ما يكشف عن تأخر الشركات في تبنيها بالشكل الذي يمكن أن يحقق فرصاً اقتصادية هائلة. وللاستفادة من هذه الفرصة، يجب على الشركات تبني نهج شامل يُعيد تصور نماذج التشغيل ويحوّل القطاعات بالكامل، فضلاً عن إعادة هيكلة المهارات والمواهب وتعزيز هذه التحولات من خلال حوكمة فعّالة وبنية تحتية قوية.
لتسخير حماس الموظفين والبقاء في طليعة القطاع، تحتاج الشركات إلى تبني نهج شامل يُعيد تشكيل طريقة عمل المؤسسة بأكملها مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فمن المهم أن ندرك أن مجرد توفر التكنولوجيا ليس كافياً لتحقيق القيمة المطلوبة، حيث يتطلب الأمر استخداماً استراتيجياً ومنهجية متكاملة تدمج هذه التكنولوجيا بعمق في العمليات اليومية لضمان تحقيق الفوائد المرجوة.
نقطة تحول في استخدام الموظفين التكنولوجيا في ظل تخلف الشركات عن الركب
وفقاً لبحثنا، يتقدم الموظفون بشكلٍ ملحوظ في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي تقنية متاحة للجميع وتوفّر إمكانات كبيرة، حيث أظهر الاستطلاع أن 91% من المشاركين يستخدمون هذه الأدوات في أعمالهم، ويظهرون حماساً كبيراً تجاهها، كما هو موضح في (الشكل 1). علاوة على ذلك، يؤمن تسعة من كل عشرة مستجيبين بأن لهذه الأدوات تأثيراً إيجابياً محتملاً في تجربتهم العملية، كما يرى معظم المشاركين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يعزز مهارات متنوعة تتراوح من التفكير النقدي إلى الإبداع.
في هذا السياق، يكشف استطلاعنا عن فجوة ملحوظة بين استخدام الموظفين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستوى تبنيها في مؤسساتهم. فعلى الرغم من أن استخدام الموظفين هذه التكنولوجيا مرتفع للغاية، فإ، مستوى استيعابها داخل الشركات لا يزال منخفضاً بشكلٍ واضح، حيث تمكنت 13% فقط من الشركات من تطبيقها في مجالات متعددة، وهذه الشركات تُصنَّف ضمن "المتبنين الأوائل"، كما هو موضح في (الشكل 2)، ويظهر المستخدمون النشطون في هذه المجموعة قدرة أكبر على استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف الأنشطة ويحققون مكاسب إنتاجية أعلى مقارنة بغيرهم.
أشار مدير المعلومات في شركة صناعية عالمية كبرى، في استطلاعنا، إلى أن الموظفين يستكشفون بنشاط تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام الأدوات المتاحة علناً والمدمجة ضمن الأنظمة الداخلية للشركة، ما يزيد فضولهم واستعدادهم لتجربة تقنيات جديدة ويعزز بيئة الابتكار داخل الشركة. ومع ذلك، يلاحظ أن تقديم دليل قاطع على الفوائد التجارية المباشرة لهذه التقنيات لا يزال صعباً نظراً لتطبيقها بشكلٍ مجزأ، وتظهر نتائج الاستطلاع أن تقييم القيمة التجارية لهذا التبني يظل تحدياً للإدارة.
نقطة التحول الثانية: من التجارب الفردية إلى تحقيق قيمة استراتيجية
تكشف نتائج استطلاعنا أن مجرد تبني التكنولوجيا لا يضمن خلق قيمة بحد ذاته، وهذا ينطبق بشكلٍ خاص على الذكاء الاصطناعي التوليدي. فمن الضروري أن يكون تطبيق هذه التكنولوجيا مرتبطاً بشكلٍ وثيق بفرص خلق القيمة وتحقيق نتائج قابلة للقياس. سواء كانت التكنولوجيا تمثّل الاستراتيجية الأساسية للشركة، (مثل تطوير منتجات تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي)، أو تدعم الاستراتيجيات التجارية الأخرى، يجب أن يتم دمجها بطريقة تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة. ولتوضيح هذه النقطة، أكد 63% من المشاركين في الاستطلاع من الشركات الرائدة في تبني الذكاء الاصطناعي أن استراتيجياتهم متوافقة بشكلٍ كبير مع استراتيجيات الأعمال العامة لشركاتهم، بينما يُبيّن فقط 17% من المشاركين في الشركات التي تُجرب هذه التكنولوجيا هذا النوع من التوافق الاستراتيجي.
للاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على الشركات إعادة التفكير بشكلٍ شامل في كيفية عملها، وذلك باتباع ثلاث خطوات رئيسية. أولاً، إعادة ابتكار نموذج التشغيل من خلال تحويل الرؤية إلى قيمة ملموسة عبر تطبيق التكنولوجيا في مختلف المجالات. ثانياً، إعادة تصور استراتيجية التوظيف وتطوير المهارات لضمان تأهيل القوى العاملة للتكيُّف مع هذه التكنولوجيا. وأخيراً، تعزيز هذه التغييرات من خلال سياسات وإجراءات رسمية لضمان التكيُّف المستمر مع التحولات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
إعادة هيكلة المجالات من خلال تحويل الرؤية إلى قيمة ملموسة
لتتمكن الشركات من تحقيق الفوائد الكاملة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تسريع الابتكار، وزيادة الإنتاجية، وتحسين تجربة الموظفين والعملاء، يجب عليها استخدام هذه التكنولوجيا لإجراء تغييرات جذرية. هذه التغييرات تشمل إعادة هيكلة نموذج التشغيل بشكلٍ شامل من خلال تحسين العمليات الأساسية، وتطوير أساليب العمل، وتعزيز القدرات، وتغيير الثقافة التنظيمية. وبما أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن استخدامه بسهولة من قِبل الجميع، فإنه يمكن أن يكون بوابة لتبني تقنيات رقمية أخرى وتحقيق تحول تكنولوجي أوسع داخل الشركة.
للبدء بالتحول الرقمي، ينبغي للشركات التركيز على وحدات محددة مثل تطوير المنتجات، والتسويق، وخدمة العملاء لضمان تحقيق التحول في المجالات التي تقدّم أكبر قيمة. يتطلب هذا النهج تحولاً كاملاً ومترابطاً داخل كل مجال، حيث يتم دمج استخدامات التكنولوجيا المختلفة في إطار سير عمل واحد يسهم في خلق قيمة حقيقية، وبما أن هذه المجالات غالباً ما تتجاوز حدود الأقسام التنظيمية، فإن تنفيذ الذكاء الاصطناعي التوليدي وغيره من التقنيات على مستوى المجال يمكن أن يحقق قيمة أكبر بكثير مقارنة بالحلول الفردية.
فيما يلي بعض الأمثلة التي توضّح كيف يمكن أن يؤدي التحول القائم على مجالات محددة داخل الشركة إلى نتائج ملموسة. سنستعرض كيف يمكن لهذه الاستراتيجية أن تؤثّر في الأدوار وتنفيذ المهام اليومية:
- يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يغيّر بشكلٍ جذري مجال تطوير البرمجيات من خلال تمكين الشركات من إنتاج منتجات عالية الجودة بسرعة فائقة، حيث يمكن اختصار فترة التطوير من أشهر إلى أيام. لتحقيق هذه الفوائد، يتعين على الشركات إعادة التفكير في دورة حياة المنتج بالكامل، وتعزيز التعاون بين فرق المنتجات والهندسة لضمان تكامل العمليات. على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات الشاملة للمنتج، والنماذج الأولية المبنية على توجيهات محددة، والأتمتة في جمع المتطلبات لتقليل الوقت بين الفكرة والنموذج الأولي، ما يسمح بإجراء المزيد من التحسينات المتكررة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقنيات مثل كتابة الشيفرات الذاتية، وإنشاء إرشادات المستخدم تلقائياً، والاختبار المستمر للشيفرات ستغيّر دور المهندسين من مجرد تنفيذ المهام إلى التركيز على تصميم الأنظمة بشكلٍ كامل.
- في مجال التسويق، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يحقق رؤية التخصيص الحقيقي على نطاقٍ واسع. على سبيل المثال، تقدّم شركات مثل (Netflix وSpotify) محتوى مخصصاً بناءً على تفضيلات المستخدمين، ما يعزز تفاعل العملاء وولاءهم. هذه الاستراتيجيات تساعد العلامات التجارية على التغلغل في حياة العملاء اليومية بشكلٍ سلس، ما يزيد إنتاجية إنشاء المحتوى ويحسّن العائد على الاستثمار عبر مراحل التسويق والمبيعات، كما أن تطبيق هذه الاستراتيجيات يمكن أن يعزز التعاون بين الفرق الإبداعية والتحليلية، ما يحّسن فاعلية العمليات التسويقية.
- يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يُحدِث تحولاً جذرياً في مجال خدمة العملاء من خلال تمكين الفرق من أن تصبح مراكز لإسعاد العملاء، وذلك عبر معالجة المشكلات بشكلٍ استباقي وتقديم منتجات جديدة تلبي احتياجاتهم مع خفض التكاليف. في هذا السياق، سيعمل الموظفون جنباً إلى جنب مع وكلاء الذكاء الاصطناعي، ما يُتيح لهم الاستفادة من التحليلات الفورية ورؤى العملاء بطرقٍ تعاطفية لتحسين تجربة العميل بشكلٍ عام. ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، سيصبح وكلاء خدمة العملاء والمشرفون أكثر كفاءة في أداء مهامهم، ما يسمح لهم بالتفكير بشكلٍ منهجي وموازنة التعاطف مع العملاء وتحقيق الأهداف التجارية. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل فرق خدمة العملاء بالتنسيق الوثيق مع فرق تجربة العملاء وفرق المنتجات لضمان تقديم تجربة شاملة ومتميزة للعملاء.
- من المتوقع أن يُحدِث الذكاء الاصطناعي التوليدي ثورة في مجالات متعددة داخل الشركات، مثل إدارة الأداء وإدارة الفرق، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفّر للمدراء إرشادات فورية تساعدهم على تقديم تدريب وتوجيه فعّال لفريقهم، كما يسهّل الوصول إلى الموارد المتعلقة بالموظفين، ما يغيّر كيفية استغلال المدراء وقتهم، فبدلاً من الانشغال بالمهام الإدارية الروتينية، سيتمكنون من التركيز على التواصل مع أعضاء الفريق وتطوير مهاراتهم الشخصية. هذا التحول سيسهم في تحسين الأداء الجماعي وبناء فرق أكثر تماسكاً وإنتاجية، ما يدفع الشركات نحو تحقيق أهدافها بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءة.
تركيز الجهود على الأفراد لإعادة تشكيل المواهب وتطوير المهارات
يُظهر استطلاعنا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤدي إلى تأثيرات كبيرة في احتياجات الشركات فيما يتعلق بالمواهب والمهارات، حيث إن هذه التكنولوجيا تمتلك القدرة على تسريع الأتمتة وإعادة تشكيل نماذج العمل بشكلٍ جذري. يعني ذلك أن الشركات ستحتاج إلى تطوير أدوار ومهارات جديدة تواكب هذا التحول. وفقاً لأبحاث ماكنزي، يمكن أتمتة نصف الأنشطة الوظيفية بحلول 2030-2060، ما يعجِّل التوقعات السابقة بعقد كامل. هذا التقدم السريع يتطلب من الشركات تحديد احتياجاتها المهارية بسرعة واعتماد استراتيجيات شاملة لسد هذه الفجوات من خلال تدريب الموظفين الحاليين وإعادة تأهيلهم لمهام جديدة. ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد فقط على التوظيف، لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤثّر في المؤسسة بأكملها، ما يتطلب تغييرات جذرية في كيفية إدارة العمل وتطوير المهارات.
وتشير أبحاثنا أيضاً إلى أن الشركات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي التوليدي في وقتٍ مبكر تولي اهتماماً أكبر لتطوير المواهب والجوانب الإنسانية للتكنولوجيا مقارنة بالشركات التي لا تزال في مرحلة التجريب، اطلع على (الشكل 3). ووفقاً للاستطلاع، فإن ما يقرب من ثُلثي هذه الشركات لديها فهم واضح للفجوات المهارية الموجودة، بالإضافة إلى استراتيجيات محددة لسد تلك الفجوات. في المقابل، نجد أن 25% فقط من الشركات المجربة تتمتعّ برؤية مماثلة، كما تركّز الشركات الرائدة بشكلٍ كبير على تطوير مهارات الموظفين الحاليين وإعادة تأهيلهم، مدركة أن التوظيف وحده لا يكفي لسد الفجوات، وأن الاعتماد على الاستعانة بمصادر خارجية قد يعوق تطوير المهارات الاستراتيجية داخل الشركة. وأخيراً، نجد أن 40% من المشاركين من الشركات الرائدة يؤكدون أن مؤسساتهم تقدّم دعماً كبيراً لتشجيع الموظفين على تبنّي التكنولوجيا، مقارنة بنسبة 9% فقط من الشركات التي لا تزال في مرحلة التجريب.
تشير نتائج استطلاعنا إلى أن الشركات التي تستثمر بفاعلية في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وفي تطوير المهارات اللازمة تستفيد من حماس الموظفين نحو هذه التكنولوجيا. ووفقاً لبحوث سابقة من ماكنزي، تظهر الاستثمارات الكبيرة في مجال التكنولوجيا والتطوير المهني مكاسب واضحة في الإنتاجية التي تعود بالنفع على الشركات. ولتحقيق هذه الفوائد، يجب على الشركات تبني نهج مخصص لتحسين وإعادة تأهيل مهارات الموظفين، مع التعاون الوثيق بين قادة الأعمال والتكنولوجيا وإدارة الموارد البشرية. وفي هذا السياق، تؤدي إدارة الموارد البشرية دوراً حيوياً، حيث لا تقتصر مهمتها على إدارة القوى العاملة، بل تشمل أيضاً قيادة التحول نحو تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي كجزء من حياة الموظفين اليومية. ويتطلب هذا التحول التنسيق مع قادة التكنولوجيا والأعمال لضمان أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يتم توظيفها بشكلٍ يحقق نتائج ملموسة، سواء من حيث تحسين الإنتاجية أو تعزيز تجربة الموظفين. وقد أكد أحد التنفيذيين في هذا السياق أن مقابل كل دولار يُنفق على التكنولوجيا، يجب أن يُنفق خمسة دولارات على تطوير الأفراد، ما يبرز أهمية الاستثمار في العنصر البشري لضمان نجاح التحول التكنولوجي وتحقيق العوائد المرجوة.
يكشف استطلاعنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب من الشركات بناء قدرات جديدة في الأقسام كافة. تتطور هذه التكنولوجيا بسرعة وهي متوفرة بشكلٍ واسع، ما يعني أن الموظفين بحاجة إلى تطوير مهارات جديدة للتعامل معها، (مثل كتابة الأوامر للأنظمة، والتعامل مع البيانات بطريقة فعّالة، وفهم السياقات المختلفة وصناعة القرارات المستندة إلى البيانات). فضلاً عن ذلك، يصبح من الضروري للموظفين تطوير مهارات معرفية واستراتيجية واجتماعية عاطفية للقيام بمهام أكثر تعقيداً تكمل العمل مع الآلة مع التغيرات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي في الأدوار الوظيفية. نتيجة لذلك، يجب على كل شركة اعتماد طريقة مرنة ومستمرة في تطوير المهارات، بحيث تتناسب مع التغيرات في طريقة عملها. تؤدي إدارة الموارد البشرية دوراً مهماً في هذه العملية، فهي تساعد على تحويل العنصر البشري للتكيف مع هذه التكنولوجيا وتعمل شريكاً أساسياً للموظفين جميعهم لضمان التكامل الفعّال للذكاء الاصطناعي في العمل.
يكشف استطلاعنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب من الشركات بناء قدرات جديدة عبر مختلف الأقسام، نظراً للتطور السريع لهذه التكنولوجيا وتوفرها الواسع، ما يستدعي تطوير مهارات جديدة لدى الموظفين، مثل كتابة الأوامر للأنظمة والتعامل بفاعلية مع البيانات وصناعة القرارات المستندة إلى البيانات، كما يصبح من الضروري تطوير المهارات المعرفية والاستراتيجية والاجتماعية العاطفية لتأدية مهام أكثر تعقيداً تكمل عمل الآلة. نتيجة لذلك، يجب على الشركات تبني نهج مرن ومستمر لتطوير المهارات يتماشى مع التغيرات في العمل، حيث تؤدي إدارة الموارد البشرية دوراً حيوياً في هذه العملية من خلال مساعدة الموظفين على التكيُّف مع التكنولوجيا والعمل شريكاً أساسياً لضمان التكامل الفعّال للذكاء الاصطناعي في بيئة العمل.
وفقاً لاستطلاعنا، سيحتاج العديد من العاملين في مجالات محددة إلى تطوير مكثّف للمهارات مع تطور أدوارهم بسبب التكنولوجيا المتقدمة. ويتطلب ذلك تقديم أنواع مختلفة من التعلم، مثل التدريب العملي في أثناء العمل والفرص التعليمية الرسمية. على سبيل المثال، قد يحتاج المهنيون في مجال الرعاية الصحية إلى حضور دورات تدريبية متخصصة في تخطيط العلاج الشخصي واستخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي. وسيتم دعم هذه الدورات بالتوجيه من خبراء في المجال وتطبيق المهارات المكتسبة من خلال مشروعات عملية تعكس تحديات العالم الحقيقي.
ومن الضروري أن يتعلم الموظفون جميعهم، بمن في ذلك القادة والمدراء، كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ آمن وفعّال. ولتحقيق هذا الهدف، يجب توفير برامج تدريبية شاملة تركّز على كيفية استخدام التكنولوجيا بشكلٍ مسؤول والتفاعل معها بكفاءة. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل هذه البرامج تدريبات تساعد المدراء على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين مهاراتهم في إبداء الملاحظات أو تقديم التقييمات للموظفين.
في إطار سعيها لتحسين أداء موظفي خدمة العملاء، استخدمت شركة اتصالات أوروبية أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتدريب الموظفين بشكلٍ مخصص، حيث يحلل المدرب الذكي نصوص المكالمات لتقييم أداء الموظفين في 20 مهارة مختلفة تشمل المهارات اللينة مثل التواصل والمهارات التقنية. فمن خلال لوحة تحكم مخصصة، يمكن للموظفين والقادة متابعة التقدم في تطوير المهارات والحصول على ملاحظات فورية بناءً على اقتباسات العملاء وأمثلة حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، يقدّم المدرب اقتراحات لتحسين الأداء ويوفّر محتوى تعليمياً مصمماً خصيصاً لكل موظف بناءً على احتياجاته الفردية. ونتيجة لاستخدام هذه الأداة، تمكنت الشركة من تقليل متوسط وقت معالجة المكالمات بنسبة 10%، وزيادة رضا العملاء بنسبة 20%، ورفع معدل الإجابات الصحيحة من المحاولة الأولى بنسبة 15%.
دعم التغيرات لضمان عملية تحول مستمر
لمواجهة التغييرات الكبيرة الناتجة عن تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، تحتاج المؤسسات إلى اتباع نهج شامل ومتكامل يركّز على خلق القيمة عبر التكامل الفعّال بين هذه التكنولوجيا والأنظمة الحالية. وقد أشار 60% من المشاركين إلى أن نجاح التكامل هو العامل الأساسي الذي يسهّل تبني التكنولوجيا مستقبلاً. ولضمان استمرارية التغييرات، يجب على المؤسسات بناء بنية تحتية قوية تدعم التكيف المستمر مع التغيرات التكنولوجية، بالإضافة إلى كسب دعم الموظفين وتغيير قناعاتهم لضمان تبني التكنولوجيا بنجاح على المدى الطويل، ما يخلق ثقافة مستدامة للتحول الرقمي.
تبدأ الشركات التي ترغب في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي بإنشاء نظام حوكمة مناسب، حيث يتضمن هذا عادةً تأسيس هيكل إداري مركزي يشرف على جوانب تطبيق الذكاء الاصطناعي كافة، بما في ذلك تعيين قيادة متخصصة مثل رئيس قسم الذكاء الاصطناعي. وأظهرت الإحصائيات أن 91% من الشركات التي سبقت في تبنّي الذكاء الاصطناعي قد أنشأت مثل هذه الهيكليات، بينما فعلت 77% فقط من الشركات التي ما زالت تجرب هذه التكنولوجيا ذلك. هذا النظام يساعد على متابعة تطبيق الذكاء الاصطناعي وتنسيقه لضمان توافقه مع الأهداف الاستراتيجية للشركة، كما يُتيح تقييماً مستمراً للنتائج وتعديل الخطط بناءً على التحليل الدقيق للأولويات والمخاطر، ما يمكّن الشركات من اتخاذ قرارات مدروسة حول توسيع المشروعات أو إيقافها عند الحاجة.
أمّا الخطوة الثانية في إحداث تغييرات جذرية داخل المؤسسات، فهي تتطلب معاملتها كعملية تحول شاملة. أولاً، يجب تحديد بنية التحول بدقة، وذلك بوضع تعريفات واضحة للبنية التحتية اللازمة، والأدوار المختلفة، ومعايير القياس التي ستُتبع. ثانياً، من الضروري ضمان المساءلة داخل كل وحدة تجارية، ما يعني أن كل فريق أو قسم يعرف بوضوح مسؤولياته وما يُتوقع منه في هذه العملية. أخيراً، يجب وضع جدول زمني منتظم لمراقبة التقدم المحرز وتقديم التعديلات اللازمة بناءً على النتائج والتحديات التي قد تظهر. يساعد هذا النهج المنظم على تحقيق التحول المستهدف ويضمن الفاعلية والاستمرارية في التنفيذ.
تتمثل الخطوة الثالثة الحاسمة في أي عملية تحول في تعديل عقليات وسلوكيات الموظفين عبر المؤسسة ووفقاً للأبحاث الواسعة والمحادثات العديدة التي تم إجراؤها مع قادة التنفيذ، فإن تغيير كيفية تفكير وتصرف الأفراد يُعدّ عنصراً أساسياً لنجاح التحول، ويظهر أن الشركات التي بدأت مبكراً بتبني التغيير تركّز على أربع ركائز أساسية: أولاً، القيادة بالقدوة الحسنة لتكون نموذجاً ملهماً للآخرين، ثانياً، دعم الفهم والإقناع لنشر الوعي حول أهمية التغيير، ثالثاً، تطوير القدرات لضمان اكتساب المهارات اللازمة، وأخيراً، تطوير طرق عمل جديدة تعزز التحول بشكلٍ دائم ومتكامل. (الشكل 4).
في سياق الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعني هذا:
- القدوة الحسنة: لضمان نجاح تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب على القادة أن يكونوا مثالاُ يُحتذى في استخدام هذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، إذا استخدم الرئيس التنفيذي للشركة أدوات الذكاء الاصطناعي لتبسيط العمليات، أو إذا استخدم المدير التنفيذي هذه الأدوات للحصول على تحليلات تعتمد على البيانات خلال المراجعات التجارية، فإن ذلك يُظهر بوضوح فوائد الذكاء الاصطناعي. هذا النهج يشجّع باقي الموظفين على استخدام الذكاء الاصطناعي في عملهم، لأنهم يرون بأنفسهم كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحسّن الكفاءة وتدعم اتخاذ القرارات السليمة.
- دعم الفهم والإقناع: لجعل التغييرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التوليدي فعّالة، يجب على المؤسسات أن تركّز على تثقيف الموظفين حول الأسباب والفوائد من خلال عملية تواصل واضحة ومستمرة. ويمكن القيام بذلك عبر عدة طرق: أولاً، من خلال تنظيم اجتماعات عامة، حيث يتم شرح كيف يمكن لهذه التكنولوجيا تحسين الأداء والدقة في العمل. ثانياً، ينبغي تقديم ورش عمل تعليمية تظهر استخدامات الذكاء الاصطناعي العملية وتأثيرها الإيجابي. أخيراً، يمكن استخدام مواد تعليمية مثل الفيديوهات التوضيحية ومشاركة قصص النجاح لبناء فهم أعمق وقناعة بأهمية التغييرات الجديدة.
- بناء القدرات: يتطلب تحقيق الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي من المؤسسات تنظيم دورات تدريبية متقدمة وشاملة. يجب أن تشمل هذه الدورات تعليم تحليل البيانات، واستخدام خوارزميات التعلم الآلي، وكيفية فهم النتائج التي تنتجها هذه الأدوات. ولتعميق هذه المعرفة، من المفيد التعاون مع منصات التعليم عبر الإنترنت لتوفير دورات متخصصة، ما يسهم في تطوير مهارات الموظفين بشكلٍ مستمر. كما يُعدّ إنشاء برامج تدريبية داخلية، مثل معسكرات تدريبية على الذكاء الاصطناعي، خطوة مهمة لتمكين الموظفين من ممارسة ما تعلموه بطريقة عملية، ما يزيد فهمهم وقدرتهم على استخدام الذكاء الاصطناعي بكفاءة في عملهم.
- دعم طرق جديدة للعمل: لضمان تبنّي التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي بنجاح، من المهم أن تدمج الشركات هذه التكنولوجيا في نظام تقييم أداء الموظفين. ويبدأ هذا بتحديد أهداف واضحة مرتبطة بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل استخدامه لتحليل العملاء أو تحسين العمليات، كما يمكن تقييم تأثير هذه الأهداف في الأداء العام للشركة وتقديم مكافآت للموظفين الذين ينجحون في دمج الذكاء الاصطناعي بشكلٍ فعّال في عملهم. ومن الضروري أيضاً متابعة الإنجازات والاحتفال بها، مثل التحسن في الكفاءة أو إدخال استخدامات مبتكرة للذكاء الاصطناعي. وأخيراً يشجّع الاعتراف بهذه الإنجازات على استمرارية العمل بالأساليب الجديدة ويعزز ثقافة الابتكار داخل الشركة.
حان الوقت المناسب للشركات للبدء أو الإسراع من وتيرة التغييرات التي تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يمكن لهذا النوع من التكنولوجيا أن يفتح العديد من الفرص الكبيرة، كما أن الموظفين لديهم رغبة قوية في استخدامه بشكلٍ أوسع في أعمالهم، وبعض الشركات بدأت بالفعل بتحويل تجاربها مع الذكاء الاصطناعي إلى فوائد ملموسة وقيمة إضافية. ومع تسارع تطور هذه التكنولوجيا، قد تجد الشركات التي لا تستجيب لهذا التحدي نفسها متأخرة عن المنافسة، لذا من المهم أن تعمل الشركات على كسر الحواجز التنظيمية التي تعوق تبني الذكاء الاصطناعي، مثل تحديث العمليات الداخلية وتأهيل الموظفين للتكيُّف مع التغييرات المستمرة، ويأتي ذلك من خلال استغلال الزخم الحالي وتحفيز الموظفين على قبول واعتناق التقنيات الجديدة، ما سيساعد الشركات على التطور والاستمرار في طليعة الابتكار.