لا يزال مستقبل لقاح جونسون آند جونسون ذي الجرعة الواحدة مجهولاً بعد أن أوصت لجنة استشارية بإجراء مراجعة أعمق للتقارير بخصوص الآثار الجانبية النادرة، والتي تكون مميتة في بعض الأحيان.
فقد أوصت مؤخراً المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها وإدارة الغذاء والدواء الأميركية بتعليق لقاح جونسون آند جونسون بعد ورود تقارير تفيد بأن ست نساء تلقين جرعة لقاح أصبن بجلطات دموية نادرة الحدوث في الدماغ، بالإضافة إلى اضطراب آخر يثبط تجلط الدم. وتعرضت إحدى المريضات للوفاة.
بعد مناقشة الأمر، قال مستشارو المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بأن التوقف المؤقت سيستمر لمدة أسبوع على الأقل أثناء جمع المعلومات ومراجعتها.
وقالت غريس لي، الأستاذة في جامعة ستانفورد ورئيسة المجموعة الفرعية التقنية لسلامة لقاح كوفيد-19 التابعة للجنة الاستشارية، وذلك في اجتماع حديث للمجموعة: "لن تتوافر لدينا بيانات مثالية أبداً، وستظل هناك دوماً حالة من الشك. بالنسبة لي، فإن حقيقة الأمر تتعلق بالحصول على تقديرات أفضل للمخاطر".
وافق أعضاء اللجنة على الاجتماع مرة أخرى بمجرد أن يتوافر لديهم المزيد من الوقت لجمع وتقييم البيانات حول الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالمضاعفات، وكيف يمكن مقارنة ذلك بخطر الإصابة بالفيروس وانتشاره.
حدثت جميع الحالات الستة التي تم الإبلاغ عنها بعد توافر اللقاح على نطاق واسع عند النساء، وكان قد تم الإبلاغ عن حالة أخرى لدى رجل أثناء التجارب السريرية. تراوحت أعمار جميع المريضات بين 18 و48 عاماً، وخضعت العديد منهن للعلاج بدواء الهيبارين المميّع للدم، الذي يستخدم عادةً لعلاج الجلطات، ولكنه أدى إلى تفاقم حالة هؤلاء النساء. تبدو الأعراض مشابهة جداً للأعراض المرافقة للقاح أسترازينيكا لفيروس كورونا، الذي قامت العديد من الدول الأوروبية بالحدّ منه أو حتى التوقف عن استخدامه. في كلا اللقاحين، يتم تقديم المكونات النشطة إلى الخلايا عن طريق فيروسات غدانية تم تعديلها بحيث لا تتمكن من التكاثر.
ولكن نظراً لوجود علاجات أخرى تستخدم طرقاً مختلفة تماماً، فإن الخبراء يقولون بأن التعليق أمر منطقي إلى أن تتوافر المزيد من المعلومات. لم يشكل لقاح جونسون آند جونسون إلا 7.5 مليون جرعة من أصل 195 مليون جرعة تم إعطاؤها في الولايات المتحدة، بينما كانت الجرعات المتبقية من لقاحي فايزر-بيو إن تك ومودرنا، اللذين يعتمدان على الحمض النووي الريبي المرسال بدلاً من الفيروسات الغدانية.
تقول سيما شاه، أخصائية الأخلاقيات الحيوية في مستشفى لوري للأطفال في شيكاغو: "لا يمكن النظر إلى مخاطر وفوائد الاستمرار في إعطاء لقاح جونسون آند جونسون بمعزل عن غيرها. إذا كان لدى الناس بدائل أخرى، وذلك على الأقل أثناء قيام إدارة الغذاء والدواء بتقصي الأمر، فمن المنطقي توجيه الناس نحو تلك البدائل".
ومع ذلك، فإن استئناف لقاح جونسون آند جونسون قد لا يعني إعطاءه للجميع. يعد ضمان سلامة اللقاحات أمراً مهماً بشكل خاص لأنها تُعطى للأشخاص الأصحاء وليس لعلاج الأشخاص المرضى بالفعل، وقد يؤدي التوصل إلى الفئات التي يمكن أن تكون الأكثر استفادةً أو تضرراً إلى توصيات متعددة المستويات؛ فعلى سبيل المثال، قالت العديد من دول الاتحاد الأوروبي إن لقاح أسترازينيكا يجب أن يُعطى لكبار السن المعرضين لخطر الإصابة بمضاعفات كوفيد، بدلاً من الأشخاص الأصغر سناً الذين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات اللقاح.
يقول آرثر رينجولد، رئيس مجموعة عمل مراجعة السلامة العلمية لكوفيد-19 في كاليفورنيا وعضو سابق في لجنة اللقاحات الاستشارية التابعة لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها: "في النهاية، فإن القضية الحاسمة هي أنني إذا كنت امرأة بعمر 30 عاماً وحصلت على هذا اللقاح، فما مدى ازدياد خطر إصابتي بتلك الأمور السيئة؟".
السؤال الأكثر تعقيداً هو عن طبيعة البيانات التي ستراجعها اللجنة لاتخاذ القرار النهائي.
عدم وجود بيانات شاملة
قد تكون المعلومات محدودة لأن المشكلة اكتشفت بسرعة ولأن لقاح جونسون آند جونسون لم يتم إعطاؤه حتى الآن إلا في الولايات المتحدة (قالت الشركة إنها كانت تؤجل إعطاءه إلى دول الاتحاد الأوروبي). لكن اتخاذ القرار قد يكون صعباً أيضاً لأن البيانات الطبية في الولايات المتحدة غير موحدة أبداً.
دون وجود نظام رعاية صحية على المستوى الوطني، لا توجد طريقة شاملة لتقييم المخاطر والفوائد بين الفئات المختلفة التي تلقت اللقاح. ولا يمكن بشكل روتيني ربط بيانات المرضى بسجلات اللقاح على المستوى الفدرالي. بدلاً من ذلك، تأمل الهيئات التنظيمية بأن يسمع الأطباء عن التعليق وأن يبلغوا بشكل فعال عن الحالات التي لم يسبق لهم ربطها باللقاحات.
يقول رينجولد: "قد يحفز ذلك بعض الأطباء لأن يقولوا يا إلهي، لقد عانت السيدة جونز من ذلك قبل ثلاثة أسابيع". ويضيف: "لا يزال هناك عدد غير قليل من الأشخاص الذين تلقوا جرعة خلال الأسبوعين الماضيين، ويمكن أن يتعرض بعضهم لهذا التأثير الجانبي النادر".
قد يبدو النظام التطوعي قديماً جداً، ولكن هذه هي الطريقة التي لفتت انتباه السلطات إلى الحالات الستة قيد المراجعة؛ إذ تم الإبلاغ عنها إلى مراكز مكافحة الأمراض من خلال قاعدة بيانات على الإنترنت تسمى نظام الإبلاغ عن التأثيرات العكسية للقاحات، أو VAERS اختصاراً. وهو موقع ويب متاح بشكل مفتوح ويمكن للكادر الطبي والمرضى ومقدمي الرعاية استخدامه لإبلاغ الحكومة بشأن الآثار الجانبية المحتملة للقاح.
ونظراً لأن النظام مفتوح للجميع، ويتطلب المشاركة من قِبل الراغبين، فمن المستحيل حساب المخاطر بدقة باستخدام بيانات هذا النظام. ينظر علماء الأوبئة عموماً إليه على أنه مكان للبحث عن الفرضيات التي تربط اللقاحات بالآثار الجانبية، لا على أنه مصدر يمكن استخدامه لتأكيد شكوكهم.
يقول مارك سويَر، عضو اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية المرتبطة بها التابعة لإدارة الغذاء والدواء، والتي استعرضت الاستخدام العام للقاحات كوفيد-19: "إنه نظام فوضوي. يمكن لأي شخص الإبلاغ عن أي شيء، سواءً كان منطقياً من الناحية البيولوجية أو مرتبطاً باللقاح أم لا. ثم تأتي مهمة الفرز ومعرفة ما إذا كانت البيانات تحتوي على إشارة فعلاً؟".
الأمر الذي يلي نظام الرعاية الصحية الوطني هو ما يسمى بارتباط بيانات سلامة اللقاح التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وهو مؤلف من مجموعة من شركات التأمين الصحي الأميركية التي تقدم الرعاية الطبية للمرضى في المنزل. يشتمل النظام على سجلات لنحو 10 ملايين مريض. ولسوء الحظ، لم يكشف هذا النظام سوى عن 113 ألف لقاح من شركة جونسون آند جونسون حتى الآن.
يقول رينجولد: "لم يكن هناك ما يكفي من جرعات لقاح جونسون آند جونسون في سياق أنظمة الترصد الأخرى لاكتشاف أي مشكلة. فحدوث هذا التأثير نادر جداً. إذا كان كل ما هو متاح هو نظام VAERS أو أي نظام إبلاغ غير فعال آخر، فهذا أفضل ما يمكن".
هناك العديد من المخاوف الأخلاقية والعملية حول هذا التعليق، كما تمت مناقشتها في اجتماع اللجنة مؤخراً. ونظراً لأن لقاح جونسون آند جونسون يتطلب جرعة واحدة فقط ولا يحتاج إلى تبريد شديد، فقد يكون من الأسهل إعطاؤه للأشخاص الذين لديهم وصول محدود إلى العيادات الصحية. في غضون ذلك، أعرب أعضاء آخرون في اللجنة عن قلقهم من أن استمرار التعليق من شأنه أن يزيد من تردد الناس في أخذ اللقاح.
قام العديد من المتحدثين بمناقشة قيود البيانات المتاحة، لا سيما فيما يتعلق بتفصيل المخاطر حسب الفئات المختلفة من الناس.
وقالت غريس لي من جامعة ستانفورد خلال المناقشة: "من الممكن ألا يتوافر لدينا أي معلومات أخرى، ولا يزال يتعين علينا في تلك المرحلة اتخاذ قرار. لكني آمل أن نتمكن خلال الأسبوع المقبل أو الأسبوعين المقبلين من التوصل إلى [الخطر] بطريقة أقوى".
شاركت ميا ساتو في التغطية.
تمثل هذه المقالة جزءاً من مشروع تكنولوجيا الجائحة، الذي تدعمه مؤسسة روكفيلر.