كيف ستتعامل المدن مع التزايد الهائل في أعداد الطرود البريدية؟

3 دقائق
كيف ستتعامل المدن مع التزايد الهائل في أعداد الطرود البريدية؟
MS TECH | ENVATO

أمازون (Amazon)، هيلو فريش (Hello Fresh)، ستيتش فيكس (Stitch Fix). ضغطة زر واحدة، وسيصل طلبك خلال 3 إلى 5 أيام، وربما يوم واحد حتى. طرود ورزم وعلب تحمل العديد من البضائع والسلع من كافة أنحاء العالم، وتصل إليك ببضع نقرات وحسب. ولكن هذه الذروة في الراحة الاستهلاكية أدت إلى تعقيد الحياة الحضرية منذ سنوات، وأدت إلى زيادة السرقات وازدحام حركة المرور، وهدر الطرود، إضافة إلى معاناة الأعمال المحلية. تقوم بعض المدن، خصوصاً في أوروبا واليابان، بتطبيق قوانين تؤدي إلى تخفيض كبير من المشكلات المتعلقة بالطرود. ولكن مدينة نيويورك لم تقم بهذا بعد.

تزايد هائل في الطرود

فمنذ 3 سنوات، كانت نيويورك تشهد توصيل أكثر من 1.8 مليون طرد في اليوم العادي، وذلك وفقاً لبيانات تم جمعها من قبل مركز الامتياز لأنظمة النقل الحضرية المستدامة في معهد رينسيلر بوليتكنيك (Rensselaer Polytechnic). ولكن، وبعد بدء تفشي الوباء ببضعة أشهر، قفز هذا الرقم إلى ما يقارب 2.3 مليون. ويشمل هذا العدد فقط طرود سلع التجارة الإلكترونية العادية، كما يقول مدير المركز، خوسيه هولغوين-فيراس. وإذا أضفنا طرود البقالة والمأكولات الجاهزة، تصل الطرود اليومية إلى أكثر من 3.7 مليون، وفقاً لتقديرات المركز. ويكفي هذا لتوصيل غرض واحد إلى كل شخص من نصف سكان نيويورك يومياً. وبعد سنتين من الوباء، في مارس/ آذار من عام 2022، لم ينخفض الرقم سوى بمقدار طفيف، ليصل إلى 3.6 مليون. وكما يعتقد هولغوين-فيراس، فقد اعتاد الناس ببساطة على طلب توصيل كل شيء إلى أبواب منازلهم.

يقول هولغوين-فيراس:"هذا أمر منطقي". فقد أثّر الوباء، دون شك، على طريقة حركتنا في العالم، خصوصاً فيما يتعلق بالتسوّق وتناول الطعام في الخارج. ولكن التجارة الإلكترونية تتطلب تكاليف كبيرة لا تنعكس على أسعار الشراء. وعلى سبيل المثال، فقد وجدت دراسة حديثة أن نيويورك تصنف كواحدة من أكثر المدن ازدحاماً بحركة المرور في الولايات المتحدة. وتساهم عمليات توصيل الطرود بدرجة كبيرة في هذه المشكلة، ووفقاً لتقديرات تقرير يعود إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2021، فإن توصيل أكثر من مليوني طرد تجارة إلكترونية يومياً يتطلب ما يقارب 7,800 مركبة نقل تحتل شوارع المدينة وطرقاتها لثماني ساعات. وهو ما يصل إجمالياً إلى أكثر من 60,000 ساعة-مركبة يومياً.

اقرأ أيضاً: برج الطائرات بدون طيار.. رؤية أمازون المستقبلية لتسليم الطرود بسرعة كبيرة

وعند ملاحظة الزيادة في حركة السير بسبب توصيلات التجارة الإلكترونية، خصص المحافظ في ذلك الحين، بيل دي بلاسيو، 38 مليون دولار في ميزانية نوفمبر/ تشرين الثاني في 2021 لشحن هذه الطرود عبر "الطريق السريع الأزرق"، أي باستخدام العبّارات المائية بدلاً من الشاحنات. وقد قال في 2021: "من أفضل أساليب مكافحة التغيّر المناخي الابتعاد عن المجتمع والاقتصاد اللذين تهيمن عليهما الشاحنات الكبيرة. وهذه هي الحقيقة في مدينة نيويورك وأميركا في الوقت الحالي، حيث يسود عهد الشاحنات العملاقة التي تسير على 18 عجلة. إن هذه الشاحنات منتشرة في كل مكان وعلى أوسع نطاق، وهو ما يهدد مستقبلنا".

ظهرت محاولات أخرى لتخفيف الازدحام الناجم عن التوصيل بالشاحنات. فهناك دراجات النقل، على سبيل المثال، مع تكلفة إضافية بمقدار 3 دولارات على عمليات التوصيل للطرود "غير الأساسية". تمثل تجمعات الخزائن أيضاً عاملاً مساعداً مهماً، فهي تساعد على التعامل مع مشكلة "الميل الأخير" –أي المرحلة الأخيرة من عملية التوصيل- بالاعتماد على مواقع مركزية لتوصيل الطرود وتوفير عبء توصيلها إلى أبواب المنازل. وتوجد خزائن حصرية لأمازون في متاجر سيفين إيليفين (7-Eleven) ورايت آيدز (Rite Aids) وهول فودز (Whole Foods) وبنوك تشيس (Chase). هناك أيضاً خدمات خزائن مستقلة عن متاجر التجزئة، مثل ستوفلاي (Stowfly). ويمكن العثور على خزائن هذه الشركة في عدد من المواقع، بما فيها بعض المتاجر العائلية الصغيرة. يقول الرئيس التنفيذي لستوفلاي، سيد كاتري، إن هذه المقاربة تحل مشكلتين في آنٍ واحد: تركيز توصيلات التجارة الإلكترونية، ومساعدة الأعمال المحلية "على تحقيق دخل إضافي وزيادة معدل حركة الزبائن في وقت يشهد تراجعاً في التسوّق نتيجة الحضور الفعلي ضمن متاجر التجزئة".

اقرأ أيضاً: أمازون تقول إنها ستبدأ في توصيل الطرود جواً خلال “أشهر” فقط!

لا يتعلق الأمر بالازدحام المروري فقط

يقول الزميل في شركة العمارة (WXY) في نيويورك، ديفيد فيغا-باراتشاويتز، إنه من المفيد أن نوسّع نظرتنا ونضع مشكلة الطرود في سياقها التاريخي. فمشكلة الطرود في المدينة لا تقتصر على ازدحام الشوارع والتوزيع القاصر للموارد، كما يقول. بل هي أزمة أخرى تتعلق بالراحة، مشابهة لما حدث في الخمسينيات، عندما بدأت مراكز التسوّق في الضواحي بمنافسة المناطق التجارية في وسط المدينة. ويقول: "نحن نعيش في مدينة تتمثل نقطة الجذب الأساسية فيها بأنك قادر على الخروج من باب منزلك لجلب علبة حليب، والذهاب إلى متجر كُتب، والذهاب إلى السينما، وما إلى ذلك، وتمثل ثقافة الراحة خطراً محدقاً بكل هذا".

ويتفق مدير التحليل في دائرة النقل في مدينة نيويورك مع هذه النظرة. ويقول: "يجلب الكثير من الناس القادمين إلى نيويورك معهم عقلية الحلم الأميركي"، ولكن المشكلة تكمن في أن هذا الحلم يتركز بشكل أساسي في الضواحي. فلا توجد مساحة كافية في المدينة حتى يمتلك كل شخص منزلاً خاصاً به مع حديقة وسيارة وغير ذلك من الأشياء الخاصة بهم. وبوجود النقل العام ومجازات الدراجات والأرصفة والحدائق ومباني الشقق السكنية، فإن نيويورك مصممة للمشاركة بين الجميع.

اقرأ أيضاً: ماذا لو استطعنا خلق التعاون بين الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة في توصيل الطرود؟

ومع محاولة الجميع، بدءاً من مشرفي التخطيط في المدينة وصولاً إلى مدراء المباني السكنية، للتكيف مع صعود التجارة الإلكترونية، يجد هولغوين-فيراس نفسه، بعد تأمل البيانات لسنوات، في مواجهة السؤال التالي: "من بين جميع هذه المشتريات، ما هي النسبة التي تمثل مشتريات مستعجلة حقاً؟".

المحتوى محمي