تتسبب الأنشطة الإجرامية السيبرانية في إحداث فوضى في جميع أنحاء العالم. ومع استعداد العالم الرقمي للانتقال إلى تجربة رقمية افتراضية أكثر تطوراً، من المتوقع أن تُكبد الجريمة السيبرانية العالم خسائر قد تصل إلى أكثر من 10 تريليونات دولار بحلول عام 2025، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الإنترنت الجديدة القائمة على تكنولوجيا الميتافيرس ستصبح هي السائدة في المستقبل القريب.
وكما هو الحال مع الإنترنت اليوم، هناك بعض المخاطر الكامنة وقضايا الأمان التي يجب معالجتها مع تقدمنا في عالم من الترابط الرقمي الافتراضي، فبعد كل شيء سيكون مجرمو الإنترنت نشطين في أي مكان توجد فيه أموال يمكن جنيها، وسيكون الميتافيرس عبارة عن محيط شاسع مليء بفرص لا حصر لها للمستهلكين والمبدعين والشركات ومجرمي الإنترنت، كلٌ يعمل بطريقته لكسب المال.
البيانات هي الهدف الأول للجميع
ستكون التحديات الرقمية والمخاطر المتعلقة بتكنولوجيا الميتافيرس موجودة بكثرة، وبالتحديد كمية البيانات غير المحدود التي ستوفرها التكنولوجيا الجديدة مع اتجاه المستهلكين لعوالم افتراضية غامرة لديها العديد من المتطلبات التي يجب على المستخدم التخلي عنها، التي لا تقتصر فقط على كلمة المرور أو عنوان الحساب، بل تتعداها لبيانات أكثر شخصية، مثل البيانات البيومترية (Biometric Data) والصحية وغيرها، حيث يمكن لشركات التكنولوجيا أو مجرمي الإنترنت استخدامها بطرق أكثر منهجية ما قد يؤثر بشكل كبير على خصوصية المستهلكين وأمانهم الرقمي.
اقرأ أيضاً: 5 من أبرز التكنولوجيات الناشئة التي ستشكل مستقبل الميتافيرس
وتمثل التكنولوجيات الناشئة المرتبطة بالميتافيرس، مثل تحليلات البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والواقع الافتراضي والواقع المعزز، الأدوات المثالية التي تساعد بفعالية في حصاد مستمر لبيانات المستخدمين. ومقارنةً بمنصات التواصل الاجتماعي التقليدية، يمكن لمنصات الميتافيرس جمع تفاصيل أكثر شخصية عن المستخدمين، نظراً إلى الطبيعة الغامرة للتكنولوجيا وطول الفترة التي سيتم استخدامها فيها.
وهذا يعني أن البيانات الشخصية التي يتم جمعها ستكون مفيدة للعلامات التجارية، وستساعدها على اكتساب فهم أعمق لسلوك المستخدم، والذي يمكن استخدامه لتخصيص الحملات الإعلانية بطريقة مستهدفة، وتوجيه المحتوى الإعلاني بشكل طبيعي للظهور أمام المستخدمين. على سبيل المثال قد يُصادف المستخدم لوحات إعلانية أسفل طريق سريع افتراضي، أو شخصية غير قابلة للعب تقف على الرصيف للإعلان عن منتج ما، وربما بشكل أكثر تخصيصاً، مثل اقتراب أشخاص من اللاعبين للتحدث عن منتج ما بطريقة غير رسمية.
والأمر الأكثر خطورة هو جمع البيانات الصحية للمستخدمين، مثل إمكانية جمع بيانات معدل ضربات القلب، والذي قد يزيد عندما ترى شيئاً مثيراً للاهتمام، ثم بعد ذلك، كما هو الحال حالياً، يمكن للشركات أخذ هذه البيانات وبيعها للمعلنين، والذين يمكنهم تصميم إعلانات لمنتجات ذات صلة يتم إظهارها خصيصاً للمستخدم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضاً استخدام هذه البيانات لإعلام خوارزميات الشركات لإبقائك على نظامها الأساسي لفترة أطول.
اقرأ أيضاً: التجارة في عالم الميتافيرس: كيف تحقق مبيعات في هذا العالم الافتراضي؟
ما هي أبرز الأخطار المحتملة لتكنولوجيا الميتافيرس؟
على الرغم من أن الكثير من النقاش الحالي حول الأخطار المحتملة التي يمكن أن يُنشئها الميتافيرس على خصوصية المستخدمين وأمنهم الرقمي لا يتجاوز كونه تكهنات حتى الآن، إلا أن هناك قلقاً حقيقياً بدأ بالفعل يظهر حول الجانب المظلم لهذه التكنولوجيا، بما في ذلك:
التنمر والمضايقات غير الأخلاقية
لا يزال التنمر عبر الإنترنت يمثل تهديداً خطيراً للكثيرين وخاصة فئة الشباب والمراهقين، وبما أن التجربة الإنسانية في الميتافيرس ستكون حقيقية مثل التجربة في العالم الحقيقي، فإن الألم والمعاناة التي قد يتعرض لها المستخدم في الميتافيرس سيكونان أكثر واقعية، ويمكن أن يشمل أي شيء من الإحساس المتدني بقيمة الذات إلى الميول الانتحارية، خاصة عند المراهقين.
وما يزيد الأمر سوءًا هو تطور التكنولوجيا اللمسية (Haptic Technology)، التي يمكن أن تزيد حالات التنمر والمضايقات بشكل يبدو أكثر حقيقية. على سبيل المثال، تهدف القفازات اللمسية (Tactile Gloves)، إلى توفير ردود فعل لمسية لتوفير إحساس أكثر دقة وواقعية لأي حركة. وفي حين أن هذا بالطبع يمكن أن ينشئ إحساساً أفضل بالواقع ويزيد من الترابط في البيئات الافتراضية، فإنه من المحتمل أيضاً أن يسيئ الكثيرون استخدامه بطرق قد لا تكون مفهومة تماماً حتى الآن.
سرقة الهوية والاحتيال
تعتبر مشكلات سرقة الهوية صناعة تقدر بمليارات الدولارات في العالم الحقيقي، فقد حددت دراسة نشرت حديثاً أن خسائر الاحتيال التقليدية المتعلقة بالهوية الرقمية، قفزت في عام 2021 لتصل إلى 24 مليار دولار، وهي زيادة بنسبة 79% مقارنة بعام 2020. هذه الأرقام قد تكون طبيعية مقارنة بما يحمله الميتافيرس من مخاطر رقمية وطرق احتيال أكثر تعقيداً، حيث من المتوقع أن يكون خطر الاحتيال أو سرقة الهوية أعلى بكثير وأكثر سهولة، وفي الوقت نفسه قد يكون القبض على الجاني أكثر صعوبة وتحدياً لسلطات إنفاذ القانون.
اقرأ أيضاً: 5 طرق فعّالة لحماية هويتك الرقمية على الإنترنت
عدم التمييز بين العالمين الواقعي والافتراضي
اكتشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة ستانفورد، أن كلاً من تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وهما اثنان من الركائز الأساسية التي ستشكل عالم الميتافيرس، يمكن أن يكون لهما تأثير على كيفية إدراك الناس للعالم الحقيقي. على سبيل المثال عند التجول في عوالم الميتافيرس، ستشعر وكأنك تتجول بالفعل مع أناس آخرين يمكنهم رؤيتك، والتفاعل معك، ورؤية كل إيماءاتك، وهذا من شأنه أن يطمس الحدود الفاصلة بين العالمين الواقعي والخيالي، ما قد يؤدي إلى نوع من الإدمان بمثل ما نراه الآن مع منصات التواصل الاجتماعي التقليدية.
انتشار المعلومات المضللة والمزيفة
بينما نشهد الآن انتشاراً كبيراً للمعلومات المزيفة والمضللة عبر الإنترنت، والتي غالباً ما تكون في شكل نصوص، إلا أن الخطر القادم مع انتشار الميتافيرس هي حملات المعلومات المضللة والكاذبة التي سيتم تقديمها عبر مقاطع الصوت والفيديو، باستخدام تكنولوجيا التزييف العميق (Deep Fakes)، والأكثر خطورة أن هذه المواد المضللة من الصعب أن يميزها المستخدم العادي.
هجمات الهندسة الاجتماعية
مع كمية البيانات الشخصية التي سيتم تخزينها في الميتافيرس، فمن المحتمل أن تصبح منجم ذهب لمجرمي الإنترنت الذين يتطلعون إلى بيع المعلومات الشخصية على شبكات الويب المظلم، حيث يمكن لجلسة افتراضية مدتها 20 دقيقة أن تولد ما يقرب من مليوني نقطة بيانات وتسجيلات فريدة للغة الجسد، وهذا يتيح لمجرمي الإنترنت في حالة عدم وجود إجراءات أمان قوية في المنصة، التقاط هذه البيانات الشخصية، وانتحال شخصية صديق ودعوتك للتسكع في غرف افتراضية ضارة، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة.
مشكلات الصحة النفسية والعقلية
وفقاً للعديد من الخبراء، فإن التكنولوجيات الجديدة عند استخدامها بشكل مفرط، يمكن أن تؤثر على الصحة العقلية والنفسية لمن يستخدمها، وهذا يعود إلى أن الميتافيرس كتجربة افتراضية غامرة، لديها القدرة على التسبب في ضرر حقيقي نفسياً وعقلياً للمستخدمين، مثل الاكتئاب والذهان والتفكير بجنون العظمة.
وفقاً لمقال في مجلة علم النفس اليوم، فإن هناك أدلة علمية تربط الإفراط في استخدام التكنولوجيات الرقمية بمشكلات الصحة العقلية، والذي من الممكن أن يؤدي إلى تفضيل المستخدمين للواقع الافتراضي على العالم الحقيقي. على سبيل المثال، إذا كان استخدام الميتافيرس يحل محل السلوكيات غير المتصلة بالإنترنت التي تكون داعمة للصحة العقلية والنفسية، مثل التمارين الرياضية، والمشاركة في العلاقات الواقعية، والنوم الصحي، فيمكن أن يكون ضرره في هذه الحالة كبيراً على المستخدم.
لماذا نحتاج أن نبدأ الآن لمعالجة مخاطر الميتافيرس قبل ازديادها؟
على الرغم من أن شركة ميتا أعلنت أن الخصوصية والأمان والأخلاق هي أهداف رئيسية ويجب دمجها في تكنولوجيا الميتافيرس منذ اليوم الأول، فإن ترك الحبل على الغارب للشركات التجارية ليس كافياً، لأن هذه الشركات بطبيعتها سوف تنظر إلى الأرباح أولاً، قبل التفكير في أي مشكلات أمنية رقمية أو صحية لمعالجتها لاحقاً، وقد يحالفها النجاح أو الفشل في مسعاها.
وهذا السبب في أنه من الضروري للغاية وجود قوانين ولوائح جديدة، بحيث يتم تجريم الأشياء غير المسموح بها في العالم الحقيقي بالمثل في عوالم الميتافيرس الافتراضية، وهذا يتطلب الكثير من العمل الشاق من المستهلكين والمنظمين والشركات التي تنشئ الميتافيرس، ففي النهاية هي تكنولوجيا ناشئة وجديدة ينظر إليها كل طرف بمنظوره الخاص، ولا ينبغي أن نتوقع أن يتم حل المشكلات والمخاطر المرافقة لها بنفسها.
بدلاً من ذلك، سيتطلب الأمر البدء الآن وليس غداً لحل المشكلات الفنية الجادة، وفرض لوائح صارمة، وضمان التثقيف اللازم والمبكر لجميع الفئات حول فوائد ومخاطر الميتافيرس بشكل شامل، وذلك قبل اكتمال نشرها وتشغيلها بشكل واسع، وإذا انتظرنا حتى ذلك الحين ربما سيكون الوقت قد فات، وحينها سيتفرغ الجميع لمعالجة التداعيات بدلاً من التطوير، وهو ما سيكون مكلفاً للغاية سواء على الصعيد المالي أو التكنولوجي.