هل تنجح مبادرة مارك زوكربيرغ وزوجته في استخدام الذكاء الاصطناعي للقضاء على الأمراض؟

5 دقائق
هل تنجح مبادرة مارك زوكربيرغ وزوجته في استخدام الذكاء الاصطناعي للقضاء على الأمراض؟
مصدر الصورة: إيفا ريدامونتي

تمثل الخلايا أصغر الوحدات الحية، ولهذا، فإنها مهمة للغاية في فهم الأمراض، لكن معلوماتنا عنها ما زالت ناقصة إلى حد كبير. فنحن لا نعرف، على سبيل المثال، كيف يمكن للمليارات من الجزيئات العضوية -مثل الحمض النووي (DNA) والبروتينات والدهون- أن تعمل معاً ضمن خلية واحدة. ولا نعرف كيف تتفاعل الكثير من أنواع الخلايا المختلفة معاً ضمن أجسامنا. إضافة إلى هذا، فإننا لا نمتلك سوى معلومات محدودة حول كيفية إصابة الخلايا والأنسجة والأعضاء بالأمراض، وما تحتاج إليه حتى تستعيد صحتها.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا في الإجابة عن هذه الأسئلة وتطبيق هذه المعرفة لتحسين الصحة والرفاهة في جميع أنحاء العالم، إذا تمكّن الباحثون من استخدام هذه التكنولوجيات الجديدة الفائقة القدرة واستثمار إمكاناتها.

ويمكن لنا أن نتخيل ما الذي سيحدث لو كان لدينا طريقة لتمثيل حالة كل خلية بجميع أنواعها باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي. ويمكن استخدام "الخلية الافتراضية" لمحاكاة شكل أي نوع معروف من الخلايا في أجسامنا وخصائصه المعروفة، بدءاً من العصي والمخاريط التي تستشعر الضوء في شبكيات أعيننا، وصولاً إلى الخلايا العضلية القلبية التي تبقي قلوبنا نابضة.

ويمكن للعلماء استخدام نظام المحاكاة هذا لتوقع الاستجابة المحتملة للخلايا لظروف ومحفزات مختلفة، مثل استجابة الخلية المناعية للمرض، وما يحدث على المستوى الخلوي عند ولادة طفل مصاب بمرض نادر، بل حتى استجابة جسم المريض لدواء جديد. وستصبح عمليات التوصل إلى اكتشافات علمية جديدة، وتشخيص الأمراض، واتخاذ القرارات العلاجية، أكثر سرعة وأماناً وفاعلية.

تسعى مبادرة تشان زوكربيرغ إلى المساعدة في توليد البيانات العلمية وتجهيز البنى التحتية الحاسوبية المطلوبة لتحويل هذه الفكرة إلى واقع، ومنح العلماء ما يحتاجون إليه من الأدوات للاستفادة من التطورات الجديدة في الذكاء الاصطناعي لمكافحة الأمراض.

اقرأ أيضاً: حرب تكنولوجيّة تلوح في الأفق: هل يمكن للبشرية تخطي الموت؟

البيانات

تمكن الباحثون من التنبؤ ببنية جميع أنواع البروتينات المعروفة تقريباً بالاعتماد على أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مقادير ضخمة من البيانات العلمية. فقد دربت شركة ديب مايند (DeepMind) نظامها ألفافولد (AlphaFold) على مقدار ضخم من البيانات المجموعة بدقة، التي تمتد على مدى 50 عاماً، وخلال خمس سنوات فقط، تمكنت الشركة من حل لغز بنية البروتينات. أما إي إس إم (ESM)، وهو نظام ذكاء اصطناعي آخر طورته شركة ميتا (Meta)، فهو نموذج لغوي للبروتينات، لكنه غير مُدَرّب على الكلمات، بل على أكثر من 60 مليون تسلسل بروتيني. يُستخدم هذا النظام في مجال واسع من التطبيقات، مثل التنبؤ بالبنى البروتينية وتأثيرات الطفرات الناتجة من تسلسل واحد.

سيتطلب نظام نمذجة الخلايا الافتراضية كميات ضخمة من البيانات أيضاً. ومنذ 2016، دعمت مبادرة تشان زوكربيرغ الباحثين على مستوى العالم في جهودهم المبذولة لتوليد البيانات حول الخلايا ومكوناتها وتصنيفها، وعملت على بناء الأدوات المطلوبة لدمج مجموعات البيانات الضخمة هذه، وجعلتها متاحة للباحثين على نطاق واسع للتعلم منها والبناء عليها.

وقد كان تجمع عالمي من الباحثين يعمل على بناء خريطة مرجعية لجميع أنواع الخلايا في الجسم، ويعمل مركزنا للدراسات الحيوية (Biohub) في مدينة سان فرانسيسكو على بناء أطلس خرائط للخلايا على مستوى الجسم بأكمله. وتمثل مجموعتا البيانات هذه أول نسخة من أطلس الخلايا البشرية (Human Cell Atlas) المفتوح المصدر، الذي سيوضح كل ما يتعلق بالخلايا في الجسم، بدءاً من مرحلة التطور وصولاً إلى مرحلة البلوغ. ويعمل مركزنا للدراسات الحيوية في سان فرانسيسكو ومعهد تشان زوكربيرغ لتطوير التصوير الحيوي في إطار شراكة مع شركة أوبن سيل (OpenCell)، وذلك لوضع خريطة لمواضع البروتينات المختلفة في خلايانا.

أيضاً، يعمل الباحثون على استخدام نماذج التعلم الآلي مثل جينفورمر (Geneformer) وإس سي جي بي تي (scGPT) لدراسة كميات ضخمة من البيانات حول الجينات والخلايا، بما فيها البيانات الموَلّدة من منصة البرمجيات المفتوحة المصدر سيل إكس جين (CELLxGENE) التي بنتها فرق العلوم والتكنولوجيا في مبادرة تشان زوكربيرغ لتسريع أبحاث الخلايا الإفرادية. وبالمثل، وبالاعتماد على نموذج أولي جديد لبوابة بيانات للتصوير المقطعي بالتجميد الإلكتروني، يعمل معهدنا لتطوير التصوير الحيوي وفرقنا للعلوم والتكنولوجيا على الاستعانة بخبراء التعلم الآلي لتطوير أنظمة تصنيف آلية لبيانات الصور المجهرية. وهو ما سيؤدي إلى تقليص وقت معالجة البيانات من أشهر أو حتى سنوات إلى مجرد أسابيع.

اقرأ أيضاً: في عصر الذكاء الاصطناعي: كيف يمكنك العيش طويلاً؟

نسعى إلى أن تكون بياناتنا ممثلة لجميع الحالات قدر الإمكان حتى يستفيد الجميع من الإنجازات العلمية غير المسبوقة. وهو ما يتضمن دمج بيانات طب الأطفال في أطلس الخلايا البشرية، ومعالجة الثغرات في معرفتنا حول الآليات الخلوية لأمراض الطفولة. وبفضل مِنح شبكتنا للأسلاف، ندعم أيضاً عمل الباحثين على توليد بيانات مرجعية حول الخلايا بناء على عيّنات النسج من الأشخاص ذوي البشرة السوداء واللاتينيين والمنتمين إلى جنوب شرق آسيا والسكان الأصليين، وغيرهم من الشرائح العرقية والإثنية والمتوارثة التي لم تحظ بما يكفي من الدراسة.

وقد حققت الفرق البحثية بعض الاكتشافات باستخدام هذه المجموعات من البيانات التي تخضع لإشراف دقيق. فقد اكتشف أحد الفرق أن الجين التالف المرتبط بالتليف الكيسي يعبّر عنه نوع من الخلايا لم يكتشفه العلماء من قبل، على حين تمكن فريق آخر من اكتشاف خلايا الجهاز التنفسي الأكثر عرضة لمرض سارس-كوف-2. تعتمد فرق أخرى على البيانات لاكتشاف خيارات جديدة لتوصيل الجينات، ما قد يتيح تصحيح التحولات التي تتسبب بالأمراض في خلايا معينة.

تمثل هذه الاكتشافات الخطوة الأولى نحو تطوير علاجات للأمراض، ونعتقد أن الذكاء الاصطناعي يستطيع زيادة وتيرة التوصل إلى اكتشافات جديدة لدى الباحثين في المستقبل.

اقرأ أيضاً: نظام ذكاء اصطناعي يكتشف دواء جديداً محتملاً في 46 يوماً فقط

الحسابات

لبناء خلية افتراضية، نعمل على بناء مجموعة حوسبة عالية الأداء تتضمن أكثر من 1,000 وحدة معالجة رسومية من نوع "H100" بحيث تتيح لنا تطوير نماذج ذكاء اصطناعي جديدة ومدرَّبة على مجموعات بيانات كبيرة ومتنوعة وتتعلق بالخلايا والجزيئات العضوية، بما فيها تلك التي ولّدتها مؤسساتنا العلمية. ونأمل، بمرور الوقت، أن يتمكن العلماء بفضل هذا النظام من محاكاة جميع أنواع الخلايا في حالاتها السليمة والمَرَضية، ودراسة عمليات المحاكاة هذه لرؤية مختلف مراحل التطور المحتمل للظواهر الحيوية التي لا نستطيع دراستها بسهولة، بما في ذلك تشكّل الخلايا، وتفاعلاتها في مختلف أنحاء الجسم، وكيف تؤثر فيها التغيرات التي تتسبب بالأمراض.

لن تكون مجموعتنا الحاسوبية بضخامة المجموعات المستخدمة في القطاع الخاص للمنتجات التجارية، ولكنها ستكون إحدى أضخم مجموعات الذكاء الاصطناعي الحاسوبية المخصصة للبحث العلمي اللاربحي على مستوى العالم. وستصبح هذه المجموعة من الموارد المهمة للفرق العلمية التي بدأت باستخدام مجموعات البيانات بطرق جديدة، ولكنها مقيدة في عملها بسبب التكاليف الباهظة التي تمنعها من استخدام أحدث تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي. وعلى غرار أدواتنا الأخرى، ستكون هذه النماذج الرقمية للخلايا، وما يرافقها من بيانات وتطبيقات، مفتوحة أمام جميع الباحثين في أنحاء العالم كافة.

اقرأ أيضاً: كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي مع البشر لمستقبل أفضل في الرعاية الصحية؟

الناس

يمثل توليد مجموعات البيانات هذه، وبناء تلك المجموعة الحاسوبية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم الحيوية، نموذجاً مثالياً عن الجهود المشتركة التي تضم العديد من الاختصاصات، والتي تعبّر عن عملنا.

فقد جمعت شبكة مركزنا للدراسات الحيوية خبراء من مختلف الاختصاصات والمؤسسات للتعامل مع بعض أضخم التحديات العلمية وأكثرها خطورة، وهي تحديات لا يمكن التغلب عليها في الأجواء الأكاديمية التقليدية. وعبر مشاريع مثل سيل إكس جين، ساعد الباحثون حول العالم في بناء مجموعة بيانات للخلايا الإفرادية، وهذا دليل على إمكانية تحقيق نمو فعال لمورد علمي مشترك ومفتوح مع تقديم المزيد من المشاركين للموارد والخبرات.

عندما دخلت مبادرة تشان زوكربيرغ المجال العلمي في 2016، التزمت بتحقيق هدف ضخم، وهو مساعدة الأوساط العلمية على شفاء جميع الأمراض أو منعها أو إدارتها بحلول نهاية هذا القرن. ونعتقد أن تحقيق هذا الهدف أمر ممكن، وأننا سنقطع شوطاً كبيراً نحو تحقيقه إذا عمل كبار العلماء ومختصي التكنولوجيا معاً على الاستفادة من أكبر قدر ممكن من الفرص التي ظهرت بفضل الذكاء الاصطناعي. ويمكننا أن نبدأ ذلك بكشف أسرار خلايانا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أعمال يمكن أن تساعد في القضاء على الكثير من الأمراض التي نعرفها.

المحتوى محمي