ما هي الحوسبة الكمومية؟ وكيف تعمل وما الفائدة منها؟

الحوسبة الكمومية هي نوع جديد من الحوسبة تقوم على فكرة معالجة وتخزين ونقل البيانات بالاعتماد على مبادئ فيزياء الكم.

تختلف الحوسبة الكمومية عن الحوسبة التقليدية التي نستخدمها في حواسيبنا العادية في آلية العمل، فهي تعتمد على وحدة تسمى البت الكمومي المعروفة أيضاً باسم الكيوبت (QUBIT) بدلاً من البت (BIT).

لا تزال الحواسيب الكمومية في مرحلة التطوير والاختبار، وهي تعدنا بمزايا وإمكانات فائقة جداً، حيث تستطيع إجراء عمليات حسابية كبيرة ومعقدة للغاية خلال فترة قصيرة لا تتعدى بضع ثوانٍ، حيث تحتاج أفضل الحواسيب المتوفرة حاليّاً إلى آلاف السنين لإجرائها.

اقرأ أيضاً:

مفهوم الكيوبت

الكيوبت هو نظير البت الذي يشكل حجر الأساس في الحواسيب العادية، وهو يشير إلى أصغر وحدة تخزين ممكنة في الحاسوب.

الكيوبتات على عكس البتات، يمكن أن تتصل مع بعضها بعضاً، تُعرف هذه الحالة باسم التشابك الكمومي (Quantum entanglement)، بفضل هذه الحالة، يمكن أن تتجاوز الكيوبتات حدود الترابط الفيزيائي وترتبط مع بعضها كمومياً، فيصبح أي تغيير في الكيوبتات سبباً في حدوث نفس التغيير في الكيوبت الآخر المتشابك معه.

بالإضافة إلى التشابك الكمومي، يستطيع كل كيوبت أن يعبّر عن نفسه بعدة حالات كمومية في نفس الوقت.

تزداد قوة الحاسوب الكمومي بأضعاف مضاعفة كلما زاد عدد الكيوبتات، وحتى لو كان عددها قليلاً، فإنه سيكون قادراً على حل مسائل ومشكلات معقدة جداً بشكل أسرع بكثير من أفضل الحواسيب العادية. حالياً، يمكن إجراء عمليات حوسبة كمومية بنحو 50 إلى 70 كيوبت، وتستثمر العديد من الشركات والحكومات في العالم الملايين من الدولارات لتطوير حواسيب كمومية تضم عدداً أكبر من الكيوبتات تمكنها من أداء عمليات معالجة أكبر.

آلية عمل الحوسبة الكمومية

لكي نفهم بشكل جيد آلية عمل الحوسبة الكمومية، علينا أن نلقي نظرة على آلية عمل الحوسبة التقليدية.

أجهزة الكمبيوتر التقليدية التي نستخدمها اليوم تعمل باستخدام البتات، والبت هو أصغر وحدة تخزين للمعلومات. يمكن أن يكون البت بإحدى حالتين، فهو يأخذ إما الرقم 0 الذي يمثل ترانزستوراً غير متصل بالتيار الكهربائي، أو الرقم 1 الذي يمثل ترانزستوراً متصلاً بالتيار الكهربائي.

في المعالج وقرص التخزين داخل كل حاسوب عادي، توجد الملايين من الترانزستورات، وكلما زاد عدد الترانزستورات، كان الحاسوب أكثر قوة وقدرة على تخزين البيانات ومعالجتها.

لكن عدد الترانزستورات التي نستطيع حشرها في الحاسوب محدود، وذلك لأن كل ترانزستور يشغل حيزاً من الفراغ مهما كان صغير الحجم، وسوف نصل إلى يوم لا نستطيع فيه أن نحشر مزيداً من الترانزستورات في الحاسوب، وبالتالي، لن نكون قادرين على تطوير حواسيب أفضل.

انطلاقاً من هذه الحقيقة، برزت الحاجة لتطوير أنواع جديدة من الحواسيب تعتمد على آليات أخرى غير الترانزستورات المحكومة بحجمها وترابطها المادي. قدمت فيزياء الكم حلاً واعداً من خلال الكيوبت، فلا حاجة بالكيوبتات لأن تكون مترابطة ماديّاً كالترانزستورات=، بل يمكن أن تتشابك وترتبط مع بعضها كمومياً عن بُعد دون الحاجة لترابط مادي.

الشيء الأكثر أهمية أن كل كيوبت يمكن أن يمثل عدة حالات في نفس الوقت، على عكس الترانزستور الذي لا يستطيع أن يمثل سوى الرقم 0 أو 1. أي أن الكيوبت قادر على أن يمثل الرقم 0 و1 في نفس الوقت.

لهذا السبب، يستطيع الحاسوب الكمومي إجراء عدد كبير من العمليات الحسابية باستخدام عدد قليل من الكيوبتات، فالحاسوب الذي يحتوي على 4 كيوبت يمكن أن يمثل 16 حالة. أما الحاسوب الذي يحتوي على 20 كيوبت، يمكن أن يمثل أكثر من مليون حالة. أدى هذا إلى أن الحاسوب الكمومي لا يتطلب الكثير من الكيوبتات ليوفر قدرات حوسبة فائقة جداً تتجاوز بملايين المرات الحواسيب العادية.

فوائد الحوسبة الكمومية

حين تصبح الحواسيب الكمومية متوفرة للاستخدام التجاري، ستقدم فائدة كبيرة في العديد من المجالات التقنية والعلمية، وذلك بفضل قدراتها الهائلة. سيساعدنا ذلك على إيجاد حلول للكثير من المشكلات المعقدة خلال فترة زمنية قصيرة.

على سبيل المثال، تستطيع محركات البحث مثل جوجل ومايكروسوفت بينج أن توفر سرعة بحث أعلى بكثير في قواعد البيانات. وفي مجال العلوم، يمكن أن تستخدم الحواسيب الكمومية لإجراء عمليات المحاكاة المعقدة، مثل محاكاة الخلايا البشرية والحمض النووي لفهم التفاعلات الحيوية داخلها لمعرفة كيف تعمل وفهم آلية حدوث الطفرات التي تسبب الأمراض المختلفة.

من المتوقع أن تكون لذلك فوائد غير مسبوقة تتعلق بتطوير الرعاية الصحية والأدوية واللقاحات، بالإضافة إلى التنبؤ بالإصابة بالأمراض قبل فترة طويلة، ما يساعد في علاجها.

ستكون المحاكاة أيضاً مفيدة في العلوم الأخرى مثل الكيمياء. حيث يمكن إنشاء محاكاة لتفاعلات الذرات والجزيئات وفهم آلية عملها، وفي الفضاء، يمكن إجراء محاكاة لنشأة الكون أو نشأة المجموعة الشمسية أو المجرات.

في مجال التشفير، يمكن أن تشكل الحوسبة الكمومية مخاطر كبيرة، إذ يخشى الكثير من خبراء التكنولوجيا من أن تتمكن بعض الشركات أو الدول من استخدام الحواسيب الكمومية في كسر تشفير الاتصالات والتجسس. هذا الأمر يستدعي تطوير بروتوكولات تشفير جديدة مقاومة للحواسيب الكمومية.

اقرأ أيضاً:

كيف يمكنك البدء مع الحوسبة الكمومية؟

توجد حالياً حواسيب كمومية يمكنك الوصول إليها من خلال السحابة واستخدامها لتشغيل الأكواد المكتوبة بلغة بايثون (Python) أو لغات البرمجة الأخرى. لكنها حواسيب غير مستقرة ويؤدي استخدامها إلى الكثير من الأخطاء.

شركة آي بي إم هي واحدة من الشركات التي تبذل الكثير من الجهد لبناء مجتمع كمومي. إنهم وراء حزمة بايثون الأكثر استخداماً للحوسبة الكمومية Qiskit.

Qiskit عبارة عن حزمة مفتوحة المصدر تتيح لك تنفيذ ومحاكاة وتشغيل الخوارزميات الكمية على حواسيب آي بي إم. لذلك، إن كنت تبحث عن مكان ممتاز لبدء تعلم الحوسبة الكمومية، فابحث عن قناة Qiskit على يوتيوب وابدأ تعلمها. تشرح القناة أساسيات الحوسبة الكمومية وطرق تطبيق هذه الأساسيات باستخدام التعليمات البرمجية. إنها قناة نشطة ويتم نشر محتوى جديد عليها كل أسبوع.

ما أنواع التقنيات الكمومية الأخرى؟

يسعى العلماء والباحثون إلى الاستفادة من قوانين فيزياء الكم بعدة طرق منها:

تشفير الاتصالات

يقوم المرسل والمستقبل بإنشاء رابط اتصال آمن بين أزواج من الجسيمات المتشابكة. تستخدم هذه الجسيمات لإنشاء مفاتيح تشفير خاصة معروفة للشخصين فقط. وحين يتم تغيير أي مفتاح، يتغير المفتاح الآخر في الجسيم المتشابك معه.

نقل البيانات بسرعة

واحدة من الاستخدامات الأخرى التي يريد العلماء الاستفادة منها هي نقل البيانات بسرعة أكبر من الضوء بالاعتماد على ظاهرة التشابك الكمومي. تقوم الفكرة على ربط جسيمات لتتشابك كمياً عند المرسل والمستقبل. هذا يعني أن إحداث أي تغيير في الجسيم الموجود عند المرسل سيؤدي إلى نفس التغيير في الجسيم الموجود عند المستقبل حتى لو كان بعيداً جداً. بهذه الطريقة، يمكن نقل المعلومات بسرعة أكبر من الضوء.

مستقبل الحوسبة الكمومية

لا تزال الاستخدامات العملية للحواسيب الكمومية قيد البحث والاختبار، ويعتقد الكثيرون أن هذه الحواسيب ستكون متوفرة تجارياً في المستقبل القريب، على الأغلب خلال هذا العقد، وسوف تكون قادرة على حل المشكلات التي كنا نظن نحن البشر أنه من المستحيل حلها.

اقرأ أيضاً:

نحن لا نعرف بالضبط ما هو مستقبل هذه الحواسيب وكيف ستؤثر على التكنولوجيا، لكن من المؤكد أن استخدامها بشكل أخلاقي سيكون من مصلحة البشر، لأنها ستحقق اختراقات كبيرة في علوم الطب والأدوية والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء وغيرها. لكن إذا تم استخدامها بطريقة غير أخلاقية، فإنها ستشكل خطراً حقيقياً على الجميع، حيث يمكن أن تكسر تشفير الاتصالات، ما يجعل كل ما نرسله ونستقبله عبر الإنترنت عرضة للتجسس. كما يمكن أن تستخدم في تنفيذ هجمات سيبرانية واسعة النطاق تستهدف البنى التحتية في الدول، ما يشكل خطراً على الناس الذين يستفيدون منها.

قد يهمك أيضاً: