هل تساءلت يوماً كيف يجري إتمام العقود والاتفاقيات عن بعد؟ فقد أثبت نموذج العمل عن بعد والهجين نجاحه منذ بدء تطبيقه بصورة واسعة مع انتشار الجائحة وبعد انحسارهه، إلا أنه لا يزال يواجه تحدياً رئيسياً وهو استمرارية الاعتماد على العمليات الإدارية الورقية التقليدية لتوقيع المستندات وإدارتها، والتي لا تزال شائعة في العديد من المؤسسات.
إذ لا تزال الشركات تنفق مبالغ طائلة على إدارة المستندات الورقية التي يتم توقيعها، ولكن مع ازدياد الطلب على العمليات الإلكترونية السريعة والآمنة بشكل كبير، ظهرت التوقيعات والعقود الرقمية حلاً رئيسياً لإدارة الأعمال، إذ من المتوقع أن ترتفع سوق أدوات التوقيع الرقمي إلى نحو 48 مليار دولار بحلول عام 2030 وفقاً لتقرير صادر عن شركة أبحاث السوق ريسيرش آند ماركتس عام 2023.
لذا بالنظر إلى المستقبل القريب، لا يعد استخدام أدوات التوقيع الرقمي والعقود الآمنة ترفاً بل ضرورة ملحة، للحفاظ على مرونة العمليات. في هذا المقال نشرح ماهية التوقيعات والعقود الرقمية وكيفية مقارنتها بالطرق التقليدية وأهميتها للإدارة عن بُعد.
ما هو التوقيع الرقمي؟ وكيف يختلف عن التوقيع الإلكتروني؟
التوقيع الرقمي هو نوع خاص من التوقيعات الإلكترونية يستخدم التشفير للتحقق من هوية المُوقِع وضمان سلامة المستند. وبحسب وكالة الأمن السيبراني الأميركية، فإن التوقيع الرقمي هو خوارزمية تنشئ بصمة افتراضية للمستند وتربطه بالمُوقِع، ثم تشفر هذه البصمة بعد ذلك باستخدام المفتاح الخاص للمُوقِع (رمز سري خاص به وحده) وترفق بالمستند.
لاحقاً يمكن لأي شخص لديه المفتاح العام للمُوقِع (رمز متاح للجميع) فك تشفيره للتحقق من صحة التوقيع، وبهذه الطريقة تضمن سلامة التوقيع ومصداقيته. وعلى النقيض من ذلك، يمكن أن يكون التوقيع الإلكتروني أي علامة رقمية تشير إلى الموافقة مثل كتابة اسمك أو النقر على مربع "أوافق" أو حتى تحميل صورة ممسوحة ضوئياً لتوقيعك اليدوي.
جدير بالذكر أنه في حين أن التوقيعات الإلكترونية واسعة النطاق وسهلة الاستخدام، إلا التوقيعات الرقمية هي نوع فرعي محدد يستخدم تشفير المفتاح العام. عملياً يعني هذا أن التوقيع الرقمي يوفر ميزات أمان إضافية؛ فهو يتحقق بدقة من هوية المُوقع ويكشف أي تلاعب بالوثيقة، ومن ثم إذا غير شخص ما المحتوى بعد التوقيع فلن يكون التوقيع مطابقاً، حيث يخبره النظام بأنه غير صالح، بعكس التوقيع الإلكتروني الذي يمكن نسخه أو تزويره بسهولة.
اقرأ أيضاً: دليل القادة لاكتشاف فجوات المهارات باستخدام تحليل البيانات
ما هي العقود الرقمية؟
العقد الرقمي هو ببساطة اتفاقية ملزمة قانوناً تنشأ وتوقع وتخزن إلكترونياً بدلاً من الورق، بمعنى آخر هو نفس الوعد أو شروط الصفقة التي قد تكون على الورق ولكن تدار بالكامل عبر الإنترنت. عملياً يمكن أن يكون العقد الرقمي أي اتفاقية توقعها مثل اتفاقية خدمة أو عقد إيجار أو موافقة خصوصية.
تتوفر العقود الرقمية بأشكال مختلفة مثل اتفاقيات عدم الإفصاح أو نماذج الموافقة أو طلبات التصاريح الحكومية، حيث يستخدم كلا الطرفين التوقيعات الإلكترونية، ومن الأمثلة الأكثر تطوراً العقود الذكية على سلاسل الكتل، التي تتميز بإمكانية الوصول إليها من أي مكان وقابلية البحث فيها والتذكيرات التلقائية بمواعيد التجديد.
لكن الفكرة الأساسية بسيطة: لا ورق، إذ يمكن صياغة العقد الرقمي والتفاوض عليه وإصداره إلكترونياً مع جمع التوقيعات في منصة توقيع إلكتروني، وبهذه الطريقة يسهل إنتاجها وحفظها دون الحاجة إلى خزائن ملفات.
على سبيل المثال، قد ترسل إدارة الموارد البشرية خطابات عروض التوظيف الجديدة كعقود رقمية، ثم يراجعها المرشحون وينقرون عليها للتوقيع، بعدها يحفظ العقد المكتمل في نظام الشركة أو قد يكمل البائع والعميل اتفاقية خدمة بالكامل عبر آلية التوقيع الإلكتروني، دون الحاجة إلى طباعة صفحة واحدة.
اقرأ أيضاً: ثورة مكان العمل القادمة: إليك كيف ستحول المكاتب الذكية تجربتك المهنية بحلول 2030
ما هي أهم مزايا التوقيعات والعقود الرقمية التي تجعلها تتفوق على العقود التقليدية؟
يغير الانتقال من الأساليب الورقية التقليدية إلى الحلول الرقمية كيفية إنشاء العقود وتطبيق التوقيعات، إذ تتفوق الأدوات الرقمية بتقديمها مزايا رئيسية يمكن تلخيصها في الجدول التالي الذي يوضح الفارق بينها وبين الطرق التقليدية:
الميزة | التوقيعات والعقود الرقمية | التوقيعات والعقود التقليدية |
---|---|---|
السرعة والفاعلية | تنجز في دقائق عبر الإنترنت | تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين (طباعة، إرسال، توقيع) |
الأمان | تستخدم فيها تقنيات تشفير قوية تضمن سلامة المستند | يمكن تزوير التوقيع اليدوي، كما أن المستندات معرضة للتلف أو الضياع |
التكلفة | تقلل تكاليف الطباعة والورق والشحن والتخزين | تتطلب نفقات عالية على إدارة المستندات الورقية |
المصادقة | تستخدم وسائل أكثر أماناً مثل المصادقة الثنائية | تعتمد على التحقق البصري اليدوي |
التخزين والاسترجاع | تخزن على السحابة أو في أنظمة رقمية ويمكن البحث عنها واسترجاعها بسهولة | تحتاج إلى مساحة تخزين مادية وعملية البحث والاسترجاع بطيئة ومعرضة للفقدان |
الوصول | تسمح بالوصول والتوقيع من أي مكان في العالم | محدودة بالموقع الجغرافي وتتطلب الحضور الفعلي أو الشحن الدولي |
اقرأ أيضاً: ما هي المهارات التقنية التي يجب أن يكتسبها كل مدير في 2025؟
كيف تسهل تقنيات التوقيع والعقود الرقمية العمل الإداري عن بعد؟
تقدم التوقيعات والعقود الرقمية حلولاً عملية وفعالة للإدارة عن بعد، إذ تغني الشركات عن استخدام الطرق التقليدية. دعنا نستعرض بعض حالات الاستخدام الأكثر شيوعاً التي توضح تأثيرها الفعلي:
الموارد البشرية والتوظيف
تسهل التوقيعات الرقمية عملية توظيف الموظفين الجدد بشكل كبير، إذ تسمح للشركات بإرسال العقود والنماذج عبر البريد الإلكتروني ليراجعها الموظف ويوقعها ويعيدها على الفور. هذه العملية تقلل الوقت اللازم لإتمام إجراءات التوظيف من أيام أو أسابيع إلى ساعات.
قطاع التصنيع وسلاسل التوريد
يمكن للشركات إنجاز العقود واتفاقيات البيع وأوامر الشراء بشكل روتيني عبر الإنترنت. فبدلاً من التأخير الناتج عن الأوراق، يستطيع بائع التجزئة مثلاً إرسال طلب شراء إلى المورد إلكترونياً ليتم التوقيع عليه فوراً، ما يسرع عملية شراء المخزون.
الخدمات القانونية والمالية
يعد استخدام التوقيعات الرقمية في قطاعي القانون والأمور المالية شائعاً ومقبولاً، فالمحامون والمحاسبون يستخدمونها في المستندات القانونية واتفاقيات عدم الإفصاح وأوراق القروض ونماذج الضرائب، كما تعتمدها الحكومات والبنوك وشركات التأمين في مستندات مختلفة، مثل الإقرارات الضريبية ووثائق القروض والتأمين وذلك لضمان الموثوقية والأمان.
قطاع الرعاية الصحية
أصبحت نماذج موافقة المرضى والوصفات الطبية إلكترونية بشكل متزايد، إذ تستخدم المستشفيات منصات التوقيع الرقمي للتعامل مع الأوراق عند قبول المرضى أو تسجيلهم، ما يسمح بإدخال السجلات تلقائياً.
المعاملات اليومية للمستهلك
تستخدم التوقيعات الرقمية بشكل متزايد في المعاملات اليومية للمستهلكين، إذ تتمتع بالشرعية القانونية نفسها للتوقيعات اليدوية.،حيث توقع عقود الإيجار أو عضويات صالات الألعاب الرياضية وحتى إيصالات تسليم الطرود رقمياً على الهواتف الذكية، ما يسهل على العملاء إتمام المعاملات البسيطة بسرعة وفاعلية.
في هذه الأمثلة جميعها نجد أن التوقيعات الرقمية أصبحت عنصراً أساسياً في العمليات الإدارية الحديثة، إذ توفر السرعة والراحة والثقة، ما يسهم في توفير الوقت والمال وزيادة الكفاءة، وتعد جزءاً من منظومة رقمية متكاملة لتحليل البيانات، ومن المتوقع أن تدمج قريباً مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لقراءة العقود وتحديد المصطلحات المهمة، ما يضمن في النهاية إبرام المعاملات بشكل آمن ويجعل العمليات عن بعد سهلة وموثوقة كالعمليات الشخصية.
اقرأ أيضاً: ما هي أدوات لوحات المعلومات التفاعلية؟ وكيف تستخدمها لمراقبة الأداء؟
هل التوقيعات والعقود الرقمية معتمدة قانونياً على مستوى دول العالم؟
نعم، في معظم الحالات تكون التوقيعات الرقمية صالحة قانونياً وقابلة للتنفيذ. وقد أقرت معظم الدول حول العالم قوانين تمنح صراحة التوقيعات والعقود الرقمية الأثر القانوني نفسه للتوقيعات اليدوية، شريطة استيفاء معايير معينة.
على سبيل المثال، أصدرت الولايات المتحدة قانون التوقيعات الرقمية في التجارة العالمية والوطنية الذي ينص على أن التوقيع الرقمي قانوني للمعاملات كلها تقريباً. وبالمثل أقر الاتحاد الأوروبي لائحة تعتمد التوقيعات الإلكترونية والرقمية في الدول الأعضاء كافة.
علاوة على ذلك، تعتبر التوقيعات والعقود الرقمية قانونية بشكل عام في العديد من دول المنطقة العربية، ومع ذلك، غالباً ما تخضع قانونيتها وقابليتها للتنفيذ لقوانين ولوائح وطنية محددة قد تختلف باختلاف البلد نفسه.
على سبيل المثال، يمنح القانون في الإمارات العربية المتحدة التوقيعات والعقود الرقمية القوة القانونية نفسها التي تتمتع بها نظيراتها الورقية، إلا أن بعض المعاملات تتطلب توقيعاً تقليدياً أو توثيقاً مثل معاملات العقارات والوصايا وغيرها من الوثائق المتعلقة بالتركة والوثائق المتعلقة بالأحوال المدنية.
بينما في المملكة العربية السعودية ينص القانون صراحة على أن التوقيعات والسجلات الرقمية معترف بها قانونياً ومقبولة أمام المحاكم، ومع ذلك ينبغي أن تستوفي شروطاً معينة مثل ارتباطها بشهادة رقمية صادرة عن مزود خدمة معتمد، وهي بمثابة هوية إلكترونية موثوقة تضمن هوية الموقع وسلامة الوثيقة.
ما الذي ينبغي لك مراعاته قبل استخدام التوقيعات والعقود الرقمية في مؤسستك؟
قبل البدء ينبغي لك كقائد أو مدير مراعاة بعض الاعتبارات الرئيسية لضمان النجاح وهي:
- مراجعة القواعد والقوانين الخاصة بقطاعك لضمان توافق توقيعك الرقمي معها، فبعض القطاعات تتطلب أنواعاً معينة من التواقيع الرقمية للمستندات.
- تأكد من أن الأطراف كلها توافق على استخدام التوقيع الرقمي، حيث إن العديد من القوانين تتطلب موافقة متبادلة لاستخدام التوقيعات والعقود الرقمية.
- اختر مزود خدمة موثوقاً يتمتع بميزات أمان قوية، مثل تشفير المستندات ومسارات تدقيق وطوابع زمنية مقاومة للعبث وتفعيل المصادقة الثنائية.
- تأكد من أن التقنية مناسبة لسير عملك وتتكامل مع أنظمة إدارة المستندات التي تستخدمها والأجهزة كلها مثل الهواتف الذكية.
اقرأ أيضاً: التكنولوجيا والأدوات اللازمة لجعل فرق العمل أكثر استقلالية وذاتية التنظيم
أهمية الاستعداد لمستقبل العمليات الإدارية عن بعد بالأدوات الرقمية الذكية
من المتوقع أن تكون المرحلة التالية من التطور في صناعة التوقيعات والعقود الرقمية مدفوعة بدمج الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه جعل الاتفاقيات أذكى وأسهل وأكثر أماناً، من خلال إمكانية تحديد المخاطر المحتملة في العقود الرقمية عبر تحليلها وتحديد الشروط غير المواتية وحتى إنشاء نماذج عقود بناءً على بنود محددة مسبقاً، ما يمكن الشركات من تبسيط عملياتها وتسريع نموها وإثبات التزامها بثقافة عمل حديثة ومرنة وفعالة.
بالنسبة لقادة الأعمال والمديرين فإن الرسالة واضحة: التوقيعات والعقود الرقمية لم تعد إضافة اختيارية بل هي بنية تحتية حيوية لقدرتها على تقديم قيمة حقيقية للعمليات التشغيلية. ومع انتشار الموظفين والعملاء عبر مناطق جغرافية مختلفة، فإن تبني التوقيعات الرقمية من شأنه أن يمكن الشركة للمحافظة على قدرتها التنافسية بشكل فعال.