الألياف الضوئية (Optical Fibers) هي نوع خاص من الكابلات التي تنقل البيانات باستخدام الضوء بدلاً من الكهرباء، وتُعدّ الآن عنصراً أساسياً في قطاع الاتصالات. وفي أنحاء العالم كلّه، يتزايد الاعتماد على الألياف الضوئية لتحل محل الكابلات النحاسية التقليدية التي كانت تُستَخدم في الماضي.
وفقاً للتقارير، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نمواً ملحوظاً في الاشتراكات بخدمات الإنترنت عبر الألياف الضوئية. وفي عام 2024، احتفظت دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانتها الأولى عالمياً في أعلى نسبة لتوصيل الألياف الضوئية إلى المنازل للعام الثامن على التوالي بنسبة انتشار بلغت 99.3%.
اقرأ ايضاً: شرايين الاتصالات العالمية: تعرّف إلى الكابلات البحرية المخاطر التي تتعرض لها
تاريخ الألياف الضوئية
يعود تاريخ الألياف الضوئية إلى عام 1956، عندما تم تسجيل براءة اختراعها لمنظار المعدة. كان استخدام المنظار محدوداً لأن البيانات المنقولة عبره في شكل نبضات ضوئية كانت تنتقل مسافات قصيرة قبل أن تختفي.
جاءت نقطة التحول بعد سنوات قليلة، في الستينيات، عندما أدرك الباحث تشارلز كاو، الذي يحمل لقب أبو الألياف الضوئية، أن فقدان الإشارة كان بسبب سوء نقاء المواد المستخدمة.
في عام 1966، نشر كاو ورقة بحثية غيّرت تاريخ الألياف الضوئية إلى الأبد، وفتحت باب استخدامها في مجال الاتصالات الهاتفية. قال كاو في الورقة إن الضعف الشديد للإشارة في الألياف الضوئية يرجع فقط إلى الشوائب الموجودة في الزجاج الداخل في تصنيعها، وإن إزالة الشوائب ستتضمن انتقال الموجات مسافات طويلة جداً.
قبلت شركة كورنينغ غلاس (Corning Glass) الأميركية حل المشكلة، وفي عام 1970، أنتجت أول ألياف ضوئية مصنوعة من زجاج نقي للغاية قادرة على نقل الطاقة الضوئية مسافات طويلة وبقدرة نقل إشارة أكبر بـ 65000 مرة من النحاس.
أدّت الأنشطة البحثية المتعلقة بالألياف الضوئية إلى حصول كاو عام 2009 على جائزة نوبل في الفيزياء.
منذ عام 1970، لم تتوقف الأبحاث حول تطوير ألياف ضوئية أكثر قوة ودقة، وكان عام 1988 هو العام الذي تم فيه مد أول كابل ألياف ضوئية عبر المحيط الأطلسي.
اقرأ أيضاً: كيف يساعد تطوير الكابلات البحرية على استشعار أمواج التسونامي بكفاءة أعلى؟
ممَّ تتكون الألياف الضوئية؟
تتكون الألياف الضوئية من طبقتين رئيسيتين، الطبقة المركزية تُدعى النواة وتتكون من خيط رفيع واحد شفاف مصنوع من الزجاج عالي النقاء أو البوليمرات البلاستيكية، تحيط بكل خيط طبقة تُسمَّى الغلاف، وهي تتكون من مادة عاتمة تمنع خروج الضوء.
أمّا كابل الألياف الضوئية، فيضم عدة ألياف ضوئية مغلفة بطبقة واقية لحمايتها من التلامس مع الخارج ومقاومة العوامل الخارجية.
في كثيرٍ من الأحيان، تتشابك الألياف الضوئية مع خيوط متينة ضمن الكابل، هذه الخيوط لا تسهم في نقل البيانات بل لتقوية الكابل.
كيف تعمل الألياف الضوئية؟
تعتمد آلية انتقال البيانات عبر الألياف الضوئية على الضوء وسيلةً لنقل الإشارات بدلاً من الكهرباء في الكابلات النحاسية، وإليك شرحاً مختصراً لهذه الآلية:
- إطلاق الضوء: تتحول البيانات الرقمية في جهاز المرسل إلى نبضات ضوئية باستخدام مصدر ضوء مثل الليزر أو مصباح ليد.
- انتقال الضوء عبر النواة: تنتقل النبضات الضوئية داخل نواة الألياف الضوئية، وتبقى محصورة فيه بفضل الطبقة العاتمة التي تغلفها، والتي تمنع تسرب الضوء.
- استقبال الضوء: في نهاية الكابل، يتم استقبال النبضات الضوئية وتحويلها مرة أخرى إلى إشارات رقمية يتم تفسيرها بواسطة الأجهزة المستقبلة.
هذه الآلية تسمح بنقل كميات ضخمة من البيانات بسرعات عالية عبر مسافات طويلة.
اقرأ أيضاً: أبرز أسباب انقطاع الإنترنت في الدول والحلول الشائعة لهذه المشكلة
مميزات كابلات الألياف الضوئية مقارنة بالكابلات النحاسية
تتميز كابلات الألياف الضوئية بالعديد من الميزات مقارنة بالكابلات النحاسية، إليك أبرزها:
سرعة نقل البيانات
كابلات الألياف الضوئية قادرة على نقل كميات هائلة من البيانات بسرعات عالية جداً تتجاوز بكثير إمكانات الكابلات النحاسية. هذا يجعلها مثالية لتطبيقات الإنترنت العالية السرعة مثل البث المباشر.
فقدان أقل للإشارة
تعاني كابلات الألياف الضوئية فقداناً طفيفاً للإشارة حتى عند نقل البيانات مسافات طويلة، في حين أن الكابلات النحاسية تعاني فقداناً ملحوظاً للإشارة بزيادة المسافة، ما يتطلب تقوية الإشارة بشكلٍ متكرر، وهذا يعني استهلاك مزيد من الطاقة.
عدم التأثر بالتداخل الكهرومغناطيسي
لا تتأثر كابلات الألياف الضوئية بالتداخل الكهرومغناطيسي أو الضوضاء الكهرومغناطيسية، هذا يضمن نقل البيانات بشكلٍ أكثر استقراراً، في حين تتأثر الكابلات النحاسية بالتداخل الكهرومغناطيسي الذي يؤثّر في جودة الإشارة.
اقرأ أيضاً: خبراء يحسبون تكلفة انقطاع الإنترنت على مستوى العالم ليوم واحد
أمان أفضل
من الصعب جداً التنصت على الإشارات التي تمر عبر كابلات الألياف الضوئية مقارنة بالكابلات النحاسية، لذا تعتبر مثالية لنقل البيانات الحساسة.
المسافة
تستطيع كابلات الألياف الضوئية نقل البيانات مسافات أطول دون الحاجة إلى أجهزة تقوية الإشارة، بينما تحتاج الكابلات النحاسية إلى أجهزة تقوية للإشارة كل عدة كيلومترات لضمان عدم فقدان الإشارة.
الحجم والوزن
كابلات الألياف الضوئية أخف وزناً وأقل ثخانة من الكابلات النحاسية، ما يجعل نقلها وتركيبها أسهل.
مقاومة للتآكل
الألياف الضوئية مصنوعة من الزجاج أو البلاستيك، ولا تتأثر بالتآكل أو التفاعلات الكيميائية، بينما تكون الكابلات النحاسية عرضة للصدأ والتآكل بمرور الوقت خصوصاً في البيئات الرطبة.
تكلفة أقل على المدى الطويل
كابلات الألياف الضوئية أغلى من الكابلات النحاسية، إلّا أنها أقل تكلفة على المدى الطويل، فهي تدوم فترة أطول كونها غير معرضة للتآكل، كما أنها تتطلب صيانة أقل بفضل متانتها.
دعم تكنولوجيا المستقبل
كابلات الألياف الضوئية قادرة على دعم التكنولوجيا المستقبلية بفضل سعتها الكبيرة، في حين أن الكابلات النحاسية قد يكون أداؤها محدوداً مع تطور التكنولوجيا.
البيئة والطاقة
كابلات الألياف الضوئية تستهلك طاقة أقل لنقل البيانات مقارنة بالكابلات النحاسية، ما يجعلها أفضل بالنسبة للبيئة.
لهذه الأسباب، أصبحت كابلات الألياف الضوئية اليوم الخيار المفضل في شبكات الاتصالات الحديثة.