ما هو تشات جي بي تي (ChatGPT)؟ وهل سيزلزل عرش جوجل ويهدد وظائف البشر؟

7 دقائق
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم مهدي أفشكو.

غصّت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي بلقطات شاشة لمحادثات مذهلة بين المستخدمين ونظام ذكاء اصطناعي جديد يسمى تشات جي بي تي (ChatGPT)، وهو نموذج لغوي جديد طوّره مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي أوبن أيه آي (Open AI)، أظهر قدرات متقدمة في إجراء المحادثات والإجابة عن الأسئلة العامة والخوض في مواضيع متنوعة معقدة. ولو أردنا أن نصف هذه المحادثات وتعليقات المستخدمين عليها بكلمتين لقلنا إنها "مبشِّرة ومنذرة" في آنٍ معاً.

اقرأ أيضاً: دليل شامل ومبسط حول مفهوم الذكاء الاصطناعي

فالبعض يرى أن النموذج يمثل قفزة كبرى في مجال معالجة اللغات الطبيعية وينقلنا إلى مرحلة جديدة كُلياً في الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية. بينما اعتبر البعض الآخر أنه يمثل تهديداً لمهن عديدة، وسيؤدي إلى الاستغناء عن الصحفيين والكتّاب والمبرمجين في غضون سنوات قليلة، وأنه يمثل إيذاناً بنهاية محركات البحث مثل جوجل، وسيؤدي إلى نمو كرة ثلج من الأكاذيب والنصوص المسيئة التي ستفضي إلى نهاية الويب كما نعرفها.

ما هو تشات جي بي تي (ChatGPT) ببساطة؟

هو نظام تم تصميمه لتقديم معلومات والإجابة عن الأسئلة عبر واجهة نصية تخاطبية. يقوم النظام على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهذا يشمل تقنيات التعلّم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية. وقد تم تدريبه على كمية هائلة من النصوص على شبكة الإنترنت حتى يتمكن من التفاعل مع المستخدمين.

يُتيح النظام للمستخدم تقديم تعليمات أو تساؤلات بسيطة ومعقّدة ليقوم بتقديم إجابات تفصيلية. كما تقول أوبن أيه آي إنه قادر على مواصلة الحوار بالإجابة عن أسئلة متابعة حول السؤال الرئيسي نفسه، وإنه يعترف عندما يرتكب خطأ.

وقد تخطى عدد مستخدمي النموذج المليون شخص في غضون 5 أيام فقط بعد إطلاقه. وتقول الشركة إنها أتاحته مجاناً في 160 بلداً بهدف اختبار النموذج وإجراء التعديلات اللازمة قبل إطلاق النسخة النهائية منه.

يمكنك تجربة النموذج من هنا، لو كان متاحاً في بلدك. لكن تجدر الإشارة إلى أنه غير متاح حتى الآن في المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر وبعض الدول الأخرى، وهو ما أثار استياء العديد من المستخدمين والخبراء في هذه الدول.

وفي بيان صحفي، قالت أوبن أيه آي إنها اعتمدت على التعلّم المعزز القائم على الاستجابة البشرية (RLHF)، حيث قام أشخاص بكتابة محادثات يؤدون فيها أحياناً دور الإنسان وأحياناً دور نظام ذكاء اصطناعي. وتم تزويد المدربين بنصوص معدة مسبقاً ومولدة بالذكاء الاصطناعي لمساعدتهم حين تأدية دوره. ثم قام الباحثون بضبط قدرات النموذج من خلال المقارنة بين الإجابات المختلفة واختيار الأفضل منها. وهذا ما مكّن النموذج في نهاية المطاف من الإجابة عن الأسئلة واكتشاف الأخطاء ورفض الطلبات المسيئة.

وأضافت الشركة في بيانها، أن النموذج الجديد هو نموذج مطوّر عن نموذج (InstructGPT)، ويمثل الاثنان امتداداً لسلسلة النماذج اللغوية (GPT) التي تطوّرها الشركة، وتقول إن النسخة الأحدث منها "الإصدار 3.5"، انتهى تدريبها في مطلع عام 2022 بالاعتماد على منصة آزور للحوسبة الفائقة.

اقرأ أيضاً: ما الذي يعرفه نموذج الذكاء الاصطناعي جي بي تي 3 عني؟

هل يشكل تشات جي بي تي بداية نهاية محركات البحث؟

وصف العديد من المستخدمين هذا النموذج بأنه "بديل جوجل"؛ نتيجة قدرته على تقديم إجابات وحلول ومعلومات نبحث عنها عادة على جوجل، حتى إن أحد المستخدمين غرّد على تويتر: "هذه نهاية جوجل، انظروا إلى هذه المقارنة بين إجابة جوجل وإجابة تشات جي بي تي".

 

 لكن يبدو حتى الآن أن جوجل سيبقى مصدراً للبحث عن الحقائق والمعلومات الحديثة في مجالات مثل الأسواق المالية والأحداث الرياضية، والبحث عن الأشخاص والمعلومات الرسمية من مصادرها. وهذا واضح إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أحدث البيانات التي تدرب نموذج تشات جي بي تي عليها تعود إلى مطلع عام 2022. إضافة إلى ذلك، تعمل جوجل نفسها على تطوير أدوات جديدة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ويرى الكثيرون أن النموذج الجديد يمثل منافسة غير متوقعة لعملاق محركات البحث قد تدفعها للعمل على توفير تقنيات وأدوات أفضل حتى من تلك المتاحة الآن.

في المقابل تنبأ المهندس السابق في جوجل والشخص المسؤول عن تطوير بريد جيميل، بول باشيت، أن تشات جي بي تي "سيزعزع عمل شركة جوجل خلال عام أو اثنين، وسيؤدي إلى الاستغناء عن صفحة نتائج البحث، والتي تشكل مصدر الدخل الرئيسي للشركة". وتوقع باشيت، أن يتم استبدال شريط البحث في المستعرض بنموذج ذكاء اصطناعي يوفر الإكمال التلقائي لفكرتك أو سؤالك ليقدم في الوقت نفسه أفضل إجابة. ورأى أن هذا النموذج سيستخدم الهيكلية القديمة لمحركات البحث لجمع المعلومات والروابط وتلخيصها للمستخدم.

اقرأ أيضاً: هل تمثل النماذج اللغوية مثل جي بي تي 3 بداية نوع جديد من محركات البحث؟

بعض تجارب المستخدمين مع تشات جي بي تي

يستطيع تشات جي بي تي توليد المحتوى لمواقع الويب، والإجابة عن أسئلة العملاء، وتقديم اقتراحات للزبائن، وحل الواجبات المدرسية، وكتابة الملخصات الجامعية، ومساعدة الكتاب على استلهام الأفكار لكتبهم ورواياتهم، وكتابة سيناريو لمشاهد في مسلسلات شهيرة.

 

وبإمكان تشات جي بي تي كتابة الأكواد البرمجية لأداء مهمة معينة، مثل تطوير تطبيق دردشة، وبناء موقع ويب، وكتابة أسطر من الكود البرمجي بعدة لغات برمجة، كما يمكنه تحديد الأخطاء في الكود البرمجي.

 

تشات جي بي تي يساعد مبرمجاً في تحديد الخطأ في الكود/ مصدر الصورة أوبن أيه آي

 

كما جرب العديد من المستخدمين تقديم أعراض مرضية للنموذج، ليقدم له التشخيص الدقيق للمرض.

 

نشر العديد من الخبراء والمغردين العرب تجربتهم مع النموذج، فيما يلي بعض منها:

حتى إن أحد الباحثين في مجال معالجة اللغات الطبيعية طلب من النموذج أن يكتب قصيدة باللغة الإنجليزية حول فوز المغرب على البرتغال في ربع نهائي كأس العالم:

 

اقرأ أيضاً: مختبر أوبن إيه آي يمنح مايكروسوفت حقَّ الوصول الحصري إلى نموذجه اللغوي جي بي تي 3

"تشات جي بي تي: هل خرج المارد من القمقم؟"

هذه الكلمات كتبها الدكتور مازن مليباري، كبير مهندسي الأبحاث والابتكار في الشركة السعودية لتقنية المعلومات (سايت)، والأستاذ المساعد في جامعة أم القرى، والذي تم اختياره ضمن قائمة إم آي تي تكنولوجي ريفيو لأبرز خبراء الذكاء الاصطناعي العرب 2022، في تغريدة على تويتر. وأوضح الدكتور مليباري، أن "تشات جي بي تي لن يسيطر على العالم لكنه خطوة مهمة في مسيرة الذكاء الاصطناعي"، وأضاف أن إدراك القدرات الحالية للذكاء الاصطناعي مهم للجميع، ورأى أن الاختراق العلمي الضخم و المتسلسل قد يحدث في أي لحظة.

 

في الحقيقة، يشير الدكتور مليباري إلى مصطلح معروف في مجال الذكاء الاصطناعي وهو "تراكم القدرة" (capability overhang)، والذي يقصد به القدرات الخفية لأنظمة الذكاء الاصطناعي؛ أي المهارات والإمكانات الكامنة ضمن الأنظمة والتي لم يبدأ الخبراء باستكشافها بعد.

فعلى مدى سنوات، كان يتم إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي، المختصة بمعالجة النصوص والصور وتوليدها، من قِبل الباحثين والجامعات بوتيرة أسرع من تحويلها إلى منتجات تجارية. علاوة على ذلك، لم يكن الوصول إلى معظم هذه النماذج متاحاً للعموم، واقتصر اختباره على حفنة من المستخدمين. كما أن التفاعل مع تلك النماذج واستخدامها كان معقداً بالنسبة للمستخدم العادي. ما حدث مع تشات جي بي تي، هو أن الوصول أصبح متاحاً للملايين من المستخدمين لاستكشاف القدرات الكامنة للنموذج. فشهدنا انفجاراً في عدد حالات الاستخدام بل وحتى بدء ظهور العديد من المنتجات القائمة على النموذج الجديد.

اقرأ أيضاً: نظرة عن كثب إلى البرمجيات التي ستشكل ساحة الحرب المقبلة بين أميركا والصين

إيلون ماسك وسام ألتمان: هل تشات جي بي تي أول نظام ذكاء اصطناعي عام (AGI)؟

يقصد بالذكاء الاصطناعي العام الأنظمة الكلية التي تتمتع بذكاءٍ مماثل للذكاء البشري أو تتفوق عليه؛ أي أنها تتمتع بالقدرة على الفهم والإدراك والتعلم والتخطيط تماماً مثل الإنسان، وبإمكانها دمج جميع هذه المهارات لتحقيق هدف معين. وتستطيع هذه الأنظمة القيام بنطاقٍ واسع جداً من المهام المعقدة. 

وفي حين أن نموذج تشات جي بي تي قد أظهر قدرات متفوقة على جميع النماذج السابقة المماثلة، ما دفع العديد من المستخدمين للقول إنه نظام ذكاء اصطناعي عام، إلا أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لأوبن أيه آي، نفى ذلك تماماً. وقال في تغريدة إننا "لسنا قريبين حتى [من الذكاء الاصطناعي العام]". ليرد عليه إيلون ماسك: "إنه جيد لدرجة مخيفة، لسنا بعيدين عن تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قوية لدرجة خطيرة".

أجاب ألتمان: "أتفق معك في أننا قريبون من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قوية لدرجة مخيفة من منظور تطوير ذكاء اصطناعي يشكّل تهديداً سيبرانياً هائلاً على سبيل المثال". ليختم رده بتصريح واثق بأنه قد يتم تطوير ذكاء اصطناعي عام خلال العقد المقبل.

لا شك أن المهارات التي يمتلكها تشات جي بي تي- وأي نموذج مماثل في المستقبل، ستطرح تحديات غير مسبوقة في العديد من القطاعات. ففي مجال التعليم مثلاً، لا بُدّ من بدء العمل على كيفية التعامل مع الواجبات والنصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي. وفي مجال صناعة المحتوى، قد نشهد تغييرات كبرى في كيفية إنتاج المحتوى والكتابة والتصميم. وفي مجال صناعة الأخبار وحتى الأمن الاجتماعي، لا بُدّ من التفكير بعمق في كيفية مواجهة الموجات المتوقعة من الأخبار والصور الكاذبة المولدة بالنماذج اللغوية، ناهيك عن توليد المحتوى العنصري والمسيء.

إن المراقب لوتيرة تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي خلال هذا العام فقط سيتوقع بثقة أن العام القادم سيشهد إنجازات غير مسبوقة ليس فقط في معالجة اللغات وتوليد الصور، وإنما في مختلف المجالات التي بدأ الذكاء الاصطناعي اقتحامها منذ سنوات. وقد قال الرئيس التنفيذي لأوبن أيه آي، سام ألتمان، في تغريدة، إن نموذج تشات جي بي تي ما هو إلا "استعراض مبكر لما هو ممكن، وقريباً ستكون لديك مساعِدات مفيدة تتحدث معك وتجيب عن أسئلتك وتنصحك، وفي نهاية المطاف، ستكون بين يديك أداة تعمل لوحدها لتكتشف آفاقاً جديدة من المعرفة نيابةً عنك".

المحتوى محمي