ما هو الاحتباس الحراري؟

6 دقائق
ما هو الاحتباس الحراري
الصورة الأصلية: آدم ديريويكي عبر بيكساباي | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار درجة مئوية واحدة على الأقل خلال القرن الماضي، ومع هذه الزيادة ارتفع متوسط مستوى سطح البحر بمقدار 7 بوصات (176 ملم) منذ عام 1880. ومنذ بدء قياسات الأقمار الصناعية عام 1979، ينخفض الحد الأدنى لاتساع الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي بنسبة 12.85% كل عقد، كما ينخفض الجليد الأرضي عند القطبين بمقدار 413 جيجا طن سنوياً منذ عام 2002.

صحيح أن هذه الأرقام تبدو صادمة إلا أنها ضرورية عند بدء الحديث عن الاحتباس الحراري، لإظهار الأضرار الكارثية التي تخلفها هذه الظاهرة على الأرض والكائنات الحية، وتأثيراتها التي شعرنا بها خلال العقود الماضية في منطقتنا العربية بشكل خاص.

ظاهرة الاحتباس الحراري: تعريفها وأسبابها

يمكن تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري بأنها احترار يحدث خلال مدى زمني طويل عندما تحبس غازات معينة الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض. أي أن هذه الغازات –المعروفة باسم “غازات الدفيئة”– تمنع الحرارة من الخروج، مثلما تفعل الجدران الزجاجية للصوبة الزراعية.

ويُنسب الفضل في اكتشاف ظاهرة الاحتباس الحراري إلى العالم الفرنسي جوزيف فورييه، الذي أشار عام 1824 إلى أنه نظراً لحجم كوكب الأرض ومدى بعده عن الشمس فإنه يجب أن يكون أبرد مما هو عليه في الواقع، موضحاً أن الغلاف الجوي يعمل كما لو كان يحبس الحرارة. وقد أكمل العالم السويدي سفانت أرينيوس هذا الاكتشاف عام 1896، وذكر في كتابه “عوالم قيد الصنع” أنه لو تضاعفت كمية ثاني أكسيد الكربون في الهواء فسترتفع درجات الحرارة بمقدار 5-6 درجات مئوية.

ولا يعني مصطلح الاحتباس الحراري أن كل مكان في العالم سيصبح أكثر دفئاً، وإنما يعني فقط أن متوسط درجة حرارة الأرض آخذ في الازدياد. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن النشاط البشري ليس العامل الوحيد المؤثر على مناخ الأرض؛ إذ تلعب الانفجارات البركانية والتغيرات في مستويات الإشعاع الشمسي وموقع الأرض بالنسبة للشمس دوراً في هذا الإطار.

وأبرز الغازات المسببة للاحتباس الحراري هي بخار الماء (H2O) وثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) وأكسيد النيتروز (N2O). ويُعد ثاني أكسيد الكربون أخطر هذه الغازات لأنه الأكثر انتشاراً. وقد بلغت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 411.28 جزءًا في المليون في شهر أكتوبر الماضي، وهي أعلى مستوياته منذ 650 ألف عام.

وعلى الرغم من أن معظم هذه الغازات تنبعث من مصادر طبيعية، إلا أن الانبعاثات تزايدت بشكل كبير خلال القرنين الماضيين بسبب الأنشطة البشرية، لا سيما من حرق الوقود الأحفوري. وللمزيد من المعلومات حول هذه الغازات وتأثيراتها، يرجى قراءة مقالتنا حول غازات الدفيئة من هنا.

الاحتباس الحراري وتأثيره على البيئة

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة البشرية ساهمت في زيادة ​​درجة حرارة الأرض بنحو درجة مئوية واحدة على الأقل منذ فترة ما قبل الثورة الصناعية. وذكرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة (NOAA)، في تقرير نشرته العام الماضي، أن متوسط درجات الحرارة العالمية زاد بين عامي 1880 و1980 بمعدل 0.07 درجة مئوية لكل عقد. وتسارع معدل الزيادة منذ عام 1981 إلى 0.18 درجة مئوية لكل عقد.

ويتفق العلماء على أن الاحتباس الحراري يتسبب في زيادة تواتر موجات الجفاف، وتغير نمط هطول الأمطار، وزيادة عدد وقوة الأعاصير والعواصف الاستوائية. على سبيل المثال، وجد العلماء أن الأعاصير التي ضربت منطقة شمال الأطلسي ازدادت منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كما ازداد عدد العواصف التي وصلت إلى الفئتين الرابعة والخامسة. ويقول الخبراء إننا إذا واصلنا حرق الوقود الأحفوري بنفس الوتيرة الحالية فسيرتفع منسوب سطح البحر لعدة أمتار على مدى 50 إلى 150 سنة القادمة.

ومن بين التأثيرات الأخرى المترتبة على ارتفاع درجة الحرارة استمرار انحسار الأنهار الجليدية وذوبان الكتل الجليدية لا سيما تلك الموجودة في القطب الشمالي، وانكماش غابات الأمازون المطيرة، وانقراض العديد من أنواع الحيوانات، والتغييرات في المحاصيل الزراعية.

دب قطبي
يساهم الاحتباس الحراري في تدمير المواطن الطبيعية للحيوانات البرية مثل الغابات والأراضي المتجمدة.
مصدر الصورة: بيكساباي

كذلك يتسبب الاحتباس الحراري في ظاهرة تعرف باسم “تحمض المحيطات“، التي تشير إلى تناقص الأس الهيدروجيني للمحيطات نتيجة زيادة امتصاصها لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذات المصدر البشري. وتلتهم هذه الحموضة المتزايدة الأحياء الصدفية والطحالب التي تعتمد عليها الكائنات التي تعيش في المحيط، مثل الشعاب المرجانية، من أجل البقاء.

تأثير الاحتباس الحراري على الكائنات الحية

من المتوقع أن يتسبب الاحتباس الحراري العالمي في عواقب واسعة وبعيدة المدى على البشر والحيوانات.

ويشير تقرير صادر عن الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم إلى أن العديد من أنواع النباتات والحيوانات تتحرك حالياً بالفعل باتجاه الشمال أو إلى ارتفاعات أعلى نتيجة لارتفاع درجات الحرارة.

ويقول جوزيف فيرن، أستاذ الجيولوجيا وعلوم البيئة في جامعة بيتسبرج الأميركية: "إن هذه الحيوانات لا تتحرك شمالاً فقط، بل تنتقل من خط الاستواء نحو القطبين". ويحذر -في تصريحات لموقع (لايف ساينس)- من أن هذا الأمر سيتحول إلى مشكلة عندما يكون معدل سرعة تغير المناخ أسرع من المعدل الذي يمكن أن تهاجر به العديد من الكائنات الحية. ولهذا السبب، قد لا تتمكن العديد من الحيوانات من التنافس في النظام المناخي الجديد وقد تنقرض.

وبشكل أكثر تحديداً، فإن هناك تأثيرين رئيسين للاحترار العالمي على الحياة البرية: الأول هو اضطراب الموائل (habitat disruption)، حيث تشهد النظم البيئية التي قضت فيها الحيوانات ملايين السنين تغييرات سريعة بسبب تغير المناخ، ما يقلل من قدرتها على تلبية متطلبات بقاء هذه الحيوانات.

أما التغير الرئيس الأخر فهو ما يدرسه علم الفينولوجيا (phenology) -أي دراسة الأحداث البيولوجية الدورية- حيث يعتقد العلماء أن الاحتباس الحراري يتسبب في حدوث تحول في توقيت الأحداث الدورية الطبيعية في حياة الحيوانات. وقد غيرت بالفعل العديد من الطيور توقيت هجراتها الطويلة وروتينها التناسلي لتتوافق بشكل أفضل مع المناخ الدافئ. كما تصل الطيور والحشرات المهاجرة الآن إلى أراضيها الصيفية للتغذية والتعشيش قبل عدة أيام أو أسابيع مما كانت عليه في القرن العشرين، بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية.

ولا تتوقف تلك التأثيرات على الحيوانات والحشرات فقط، بل تمتد إلى المجتمعات البشرية، بشكل ربما يكون أشد خطراً. ويمكن أن نضرب هنا مثالاً صغيراً لأحد التأثيرات غير المباشرة للاحتباس الحراري، فقد وجدت دراسة أجراها الصندوق العالمي للحياة البرية أن هجرة اليرقات باتجاه الشمال في هولندا أدت إلى تآكل بعض الغابات هناك.

أما عن التأثيرات المباشرة على البشر فالأمثلة لا تعد ولا تحصى، حيث تحذر الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية من أن الحرارة الشديدة وسوء جودة الهواء يزيدان من المضاعفات الناجمة عن أمراض القلب والجهاز التنفسي مثل الربو والفشل الكلوي، وتزايد الولادات المبكرة، وتعطيل الخدمات الصحية والاجتماعية، وخفض الجودة الغذائية للسلع الأساسية مثل القمح والأرز.

وتشير جامعة ولاية نورث كارولينا أيضاً إلى أنه بالرغم من أن ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يزيد من نمو النباتات، إلا أنه قد يتسبب في انخفاض قيمتها الغذائية.

ما الذي نفعله لإيقاف الاحتباس الحراري؟

يرى خبراء المناخ في الأمم المتحدة أننا وصلنا إلى اللحظة الحاسمة، وأن التكيف مع تأثيرات الاحتباس الحراري سيكون أكثر صعوبة وتكلفة في المستقبل، إذا لم نتخذ إجراءات جذرية الآن. وتقول اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، في تقرير أصدرته عام 2018، إن إيقاف ارتفاع الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية سيتطلب إجراء تغييرات سريعة وذات تأثير طويل المدى في جميع جوانب المجتمع، بما فيها الأرض والطاقة والصناعة والمباني والنقل.

وأضافت أنه بحلول عام 2030 يجب خفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45% عن مستويات عام 2010، لتصل إلى “صافي الصفر” عام 2050. وهذا يعني أنه يجب موازنة أي انبعاثات متبقية عن طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

وبالرغم من أن العديد من الدول والحكومات اتخذت خطوات للحد من آثار الاحتباس الحراري، إلا أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن الوصول إلى الهدف المتمثل في إبقاء معدل ارتفاع درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.

وقد أثمرت بعض هذه الجهود عن التوصل إلى نتائج ملموسة. على سبيل المثال، أفاد تقرير نشره مركز حلول المناخ والطاقة -وهي منظمة بيئية غير ربحية تتخذ من أرلينجتون بولاية فيرجينيا الأميركية مقراً لها- أن انبعاثات الولايات المتحدة من غازات الدفيئة انخفضت بنسبة 12% خلال الفترة من عام 2005 إلى 2017 بسبب مجموعة من العوامل السياسة والسوقية. كما انخفضت انبعاثات قطاع الطاقة الكهربائية بنسبة 27% نتيجة للتحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، وتحول الولايات المتحدة تدريجياً من اقتصاد قائم على التصنيع إلى اقتصاد خدمي أقل إنتاجاً للكربون.

وتوقع تحليل أجراه المركز أن انبعاثات الولايات المتحدة يمكن أن تقل عن مستويات عام 2005 بنسبة تتراوح بين 14% و18% بحلول عام 2025، مشيراً إلى أن هذا الرقم أقل بكثير مما هو مطلوب لمعالجة أزمة تغير المناخ.

على المستوى الدولي، ساهمت الأمم المتحدة في عقد عدة اتفاقيات ومؤتمرات لبحث سبل التوصل إلى حلول لهذه الظاهرة، ووضع خطط ملزمة للدول لمكافحة الاحتباس الحراري. وتمثلت أولى ثمار هذه الجهود في توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خلال “قمة الأرض” عام 1992، التي صدقت عليها 197 دولة. وفي عام 1997، وقعت 192 دولة على “بروتوكول كيوتو”، الذي ألزم الدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات. وقد اعتبر هذا البروتوكول إنجازاً تاريخياً في حينه لأنه كان الاتفاق العالمي الوحيد الذي يفرض التزامات على الدول الصناعية.

وأخيراً، وقع 175 من رؤساء دول العالم في 22 أبريل 2016 على ما يعرف باسم “اتفاقية باريس للتغير المناخي”، التي تم التوصل إليها عقب مفاوضات عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس عام 2015. وأبرز ما نصت عليه الاتفاقية هو إلزام الدول المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لصالح قضايا المناخ، ووضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية التي بقيت اختيارية. ومن المقرر أن تجري أول مراجعة إجبارية عام 2025.

المحتوى محمي