مع اندلاع الحرائق في غابات الأمازون البرازيلية هذا العام، أعادت التقارير الإعلامية إلى الواجهة أحدَ السيناريوهات المخيفة، والمعروف باسم "تموّت الأمازون".
تقول الفكرة إن زوال نسبة معينة من أكبر الغابات المطيرة في العالم سيدفع بها إلى نقطة التحول، بحيث يؤدي الأثر الرجعي المتراكم إلى تحويل أغلبها إلى مناطق سافانا. وعلى حين غرّة، ستصبح هذه الغابات مصدراً كبيراً للكربون، بعد أن كانت أشبه بإسفنجة هائلة تشفط غازات الدفيئة، وتحتبس حوالي 17% من الكربون في العالم ضمن نباتاتها.
ستكون هذه كارثة هائلة من دون شك، ولكن ما مدى واقعية هذا الخطر؟
لم يتمكن العلماء حتى الآن من حسم هذه المسألة؛ حيث إن بعض النماذج تبين إمكانية حدوث هذه الظاهرة فعلاً، على العكس من نماذج أخرى تنفي هذا الاحتمال. ويعتقد بعض الباحثين بوجود نقطة تحول محددة في البيانات (أي أن هذه الظاهرة ستستمر على الرغم من زوال السبب المؤدي إليها)، في حين يرى باحثون آخرون أن المسألة لا تتعدى كونها تراجعاً تدريجياً يمكن إيقافه. وقد وجدت دراسات أخرى أيضاً أن هذه الظاهرة ستؤدي على الأرجح إلى تحويل الغابة المطيرة إلى غابة موسمية بدلاً من السافانا.
إذن، ما الذي يجب أن نفعله من دون معلومة مثبتة علمياً؟ قد يكون من الأفضل ألا نجازف بأي احتمالات مدمرة، ونأخذ جانب الحذر الشديد، على غرار جميع نقاط التحول المناخية، التي تتصف جميعاً بأنها غير مؤكدة، وأن الوصول إليها يعني الوصول إلى مرحلة اللاعودة.
يقول جوناثان فولي، وهو المدير التنفيذي لمجموعة بحثية تركز على إزالة الكربون باسم مشروع دروداون: "حتى لو كان حدوث هذا الأمر مجرد احتمال بعيد، فلا يمكننا أن نغامر بتجاهلهP لأنه يمثل كارثة مطلقة بالنسبة لدورة الكربون ودورة المياه والمناخ والتنوع الأحيائي في الأرض، ناهيك عن السكان الذين يعيشون هناك".
لماذا يمكن أن يحدث أمر كهذا؟
تنتج الأمازون حوالي نصف الأمطار التي تهطل عليها، وذلك عن طريق إعادة تدوير الرطوبة بشكل متواصل بالتبخر والنتح مع حركة الهواء عبر حوض الأمازون. ولهذا يخشى البعض من أن تقلص الغابة سيؤدي إلى تراجع توليد الأمطار، وهو ما سيؤدي بدوره إلى القضاء على المزيد من الأشجار في حلقة مغلقة خبيثة تنتهي بتحول أجزاء كبيرة من الغابات إلى سهول عشبية، وهو ما يعرف باسم "التحول إلى السافانا".
وقد لحظ التقرير المناخي لعام 2014 الذي أصدرته الأمم المتحدة أن التغير المناخي وحده لن يؤدي غالباً إلى زوال مساحات واسعة من غابات الأمازون في هذا القرن. غير أن موجات الجفاف التي يمكن أن يؤدي إليها -إضافة إلى عوامل أخرى مثل الحرائق البرية والتوسع في استخدام مساحات الغابة بطريقة تؤدي إلى تغييرها، كقطع الأخشاب أو حرق الأشجار لتوسيع مراعي المواشي- "قد تؤدي إلى التقليل من كثافة غابات الأمازون، وتحولها إلى نظم بيئية أقل مقاومة للجفاف والحرائق"، كما أورد التحليل. وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تقليل قدرة الغابة على إزالة ثنائي أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وكما نرى، فإن كل هذا يحدث فعلاً. وكما ورد أعلاه، فقد ازدادت الحرائق بشكل حاد في غابات الأمازون البرازيلية هذه السنة، ويبدو أن بعضها تم إشعاله عمداً من قِبل المزارعين الذين زادت جرأتهم بعد أن اقتنعوا بمنطق وسياسات الرئيس جاير بولسونارو الذي ينتمي إلى أقصى اليمين (اقرأ مقال "ازدياد حرائق الأمازون بنسبة 80% عن العام الماضي: لماذا يعد الأمر مهماً بهذا الشكل؟")، إضافة إلى موجات الجفاف في 2005 و2010 و2015.
هل اقتربنا من نقطة التحول؟
وجدت دراسة محاكاة في 2007 أن فقدان حوالي 40% من الغابة سيقلل من تساقط الأمطار ويطيل من موسم الجفاف في مساحات واسعة من المناطق الأمازونية، ويحول أغلبية القسم الشرقي إلى سهول عشبية لا يمكن أن يتواجد فيها سوى عدد قليل من الأشجار. غير أن مقالة أحدث في Science Advances -شارك في تأليفها عالم المناخ البرازيلي البارز كارلوس نوبري، أحد مؤلفي البحث السابق- أوردت أن انحسار الغابة بنسبة 20% إلى 25% يمكن أن يؤدي إلى إطلاق بدء هذه التغييرات.
يقول توماس لوفجوي البروفسور في جامعة جورج مايسون -وهو المؤلف الآخر في هذه الدراسة- في رسالة بالبريد الإلكتروني أننا فقدنا على الأقل 17% من الأمازون، أي أنه لا يفصل بيننا وبين نقطة التحول سوى 3%، ما يعادل عشرات الملايين من الأفدنة.
وفي الفترة الماضية القريبة، بذل عدد من الباحثين والمعلقين جهوداً كبيرة لإقناعنا بأن المخاوف حول الحرائق في البرازيل مبالغ فيها للغاية، وأشاروا إلى أنها لم تزدد هذه السنة في عموم منطقة الأمازون، وأن مستويات زوال الغابات تراجعت عن قيمتها منذ العقد الماضي.
هذا صحيح، ولكن انحسار الغابات -بأية وتيرة كانت- سيقربنا من هذه العتبات النظرية، كما أن زيادتها ضمن الدولة التي تحوي 60% من الأمازون سيوصلنا إلى هذه المرحلة بسرعة أكبر. وكما كتب نوبري ولوفجوي: "نعتقد أن الإجراء المنطقي يجب ألا يقتصر على التعامل بحزم مع تراجع الغابات، بل أيضاً بناء هامش أمان يحمينا من نقطة التحول في الأمازون، وذلك بتقليل مساحة الانحسار إلى أقل من 20%؛ لأن المنطق السليم يقول إنه لا جدوى في اكتشاف نقطة التحول بدقة عن طريق الوصول إليها فعلياً".