ما الذي يجعل النظارات الذكية عملية ومفيدة؟

5 دقيقة
ما الذي يجعل النظارات الذكية عملية ومفيدة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Sasin Paraksa

ملخص: يبدو أن النظارات الذكية ستصبح الصيحة التكنولوجية الأكبر قريباً؛ إذ أصدرت شركة ميتا مؤخراً مجموعة جديدة من نظارات الواقع المعزز التي تحمل اسم "أورايون"، وأصدرت شركة سناب أيضاً نظارات سناب سبيكتاكلز، وأعلنت شركة جوجل أنها ستصدر نظارات ذكية خاصة بها. أصبحت هذه التكنولوجيا أخيراً واقعاً، لكن ما يميّزها ليس تكنولوجيا الواقع المعزز، بل الذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه؛ إذ إنها تمكّن المستخدم من التفاعل بسلاسة مع الذكاء الاصطناعي في أثناء ممارسة النشاطات اليومية، بالإضافة إلى أنها تغنيه عن الاستعانة بالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة لاستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. يتوقّع البعض أن كلاً من الذكاء الاصطناعي المتعدد النظم القادر على فهم الكلام ومقاطع الفيديو والصور والنصوص، إلى جانب النظارات التي تتيح له رؤية ما يراه المستخدم وسماع ما يسمعه، سيغيّر الطريقة التي نتفاعل وفقها مع العالم جذرياً تماماً كما فعلت الهواتف الذكية.

في حال فاتك الخبر، ستصبح النظارات الذكية قريباً أحدث صيحة بين الأجهزة الاستهلاكية. قدّمت شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) مجموعة جديدة ومذهلة من نظارات الواقع المعزز التي أطلقت عليها اسم "أورايون" (Orion) في مؤتمر مطوري البرمجيات فيها الذي عقدته في أواخر شهر سبتمبر/أيلول 2024.  وقدّمت شركة سناب (Snap) أيضاً نظارات سناب سبيكتاكلز (Snap Spectacles) في أواخر الشهر نفسه. أعلنت شركة جوجل أنها ستصدر نظارات ذكية خاصة بها في مؤتمر جوجل آي أو (Google IO) في شهر يونيو/حزيران 2024. وهناك إشاعات تفيد بأن شركة آبل تعمل على تطوير طراز خاص بها من النظارات الذكية أيضاً. يا لها من أخبار! خصصت شركتا ميتا وسناب حالياً دفعة من نظاراتهما الذكية الجديدة ليستخدمها المراسلون، وأثبتت الشركتان أخيراً أن تكنولوجيا نظارات الواقع المعزز أصبحت واقعاً ملموساً بعد تقديم الوعود على مدى سنوات. لكن ما يميّز هذه النظارات ليس الواقع المعزز، بل الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: إليكم نتائج تجربتي لنظارات الواقع الافتراضي الجديدة من شركة سناب

نظارات الواقع المعزز أصبحت واقعاً ملموساً

لنأخذ نظارة شركة ميتا الجديدة على سبيل المثال. ما تزال هذه النظارة مجرد نموذج أولي تجريبي؛ إذ إن تكلفة صنعها، التي أشارت التقارير إلى أنها تبلغ 10 آلاف دولار، مرتفعة للغاية. لكن الشركة قدّمتها على أي حال مؤخراً، ما أذهل أي شخص تمكّن من تجربتها. تبدو وظائف التصوير المجسم التي تتمتع بها النظارة رائعة للغاية، كما يبدو أن عناصر التحكم بالإيماءات تعمل جيداً. ربما ما هو أفضل من ذلك كله هو أن النظارة شبيهة للغاية بالنظارة العادية، وإن كانت سميكة (أرجو الانتباه إلى أن معايير النظارات العادية بالنسبة لي قد تختلف عن معايير معظم الناس). إذا أردت معرفة المزيد عن ميزات نظارة ميتا الذكية، يمكنك الاطلاع على مقالة عملية ممتازة نشرها أليكس هيث في الموقع الإلكتروني المتخصص بأخبار التكنولوجيا ذا فيرج (The Verge).

ما يثير اهتمامي في مجال النظارات الذكية هو الطريقة التي تمكّنك وفقها هذه الأجهزة من التفاعل بسلاسة مع الذكاء الاصطناعي في أثناء ممارسة النشاطات اليومية. أعتقد أن هذه الميزة ستكون مفيدة أكثر بكثير من عرض الأغراض الرقمية في الحيز المادي. بتعبير أبسط، السمة الأهم ليست التأثيرات البصرية، بل التكنولوجيا الكامنة وراء النظارات الذكية.

إذا أردت اليوم طرح سؤال على تشات جي بي تي أو نموذج جيميناي من شركة جوجل أو أي نموذج آخر، ستضطر غالباً إلى استخدام هاتف ذكي أو كمبيوتر محمول. وعلى الرغم من أنك قادر على طرح السؤال نطقاً، فإنك ستحتاج إلى أحد هذه الأجهزة ليؤدي دور الوسيط. يصح ذلك بصورة خاصة إذا كان سؤالك متعلقاً بشيء ما تراه؛ إذ إنك ستحتاج إلى كاميرا الهاتف الذكي في هذه الحالة. حققت ميتا تقدماً بالفعل في هذا الصدد من خلال منح المستخدمين القدرة على التفاعل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي طورتها عبر نظارات راي بان ميتا الذكية (Ray-Ban Meta). يمنحك التخلّص من الحاجة إلى استخدام الشاشات شعوراً بالتحرر. في الواقع، التحديق في الشاشات مزعج نوعاً ما.

ما يميز النظارات الذكية هو الذكاء الاصطناعي

لهذا السبب، عندما جربت نظارة سناب سبيكتاكلز قبل أسبوعين، لم أنبهر بقدرتها على محاكاة ملعب الغولف في غرفة المعيشة بقدر ما انبهرت بأني كنت قادراً على النظر تجاه الأفق وطرح سؤال على وكيل الذكاء الاصطناعي في النظارة عن السفينة الشراعية الكبيرة والبعيدة التي رأيتها، وجعله يحدد لي نوع السفينة، بل ويقدم لي وصفاً موجزاً لها أيضاً. على نحو مشابه، يشير هيث في مقالته في موقع ذا فيرج إلى أن الجزء الأكثر إثارة للإعجاب في العرض الذي أجرته ميتا لنظارة أورايون هو عندما نظر إلى مجموعة من المكونات الغذائية وأخبرته النظارة ما هي وكيف يحضّر عصيراً مثلّجاً باستخدامها.

لن تكون الألعاب مثل تنس الطاولة المعتمدة على الواقع المعزز السمة الأكثر تميّزاً في نظارات أورايون وغيرها من النظارات الذكية؛ إذ إن ضرب كرة غير مرئية براحة اليد أمر سخيف. لكن التمتّع بالقدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط لفهم العالم المحيط والتفاعل معه والاستفادة منه بقدر أكبر دون استخدام الشاشات على نحو مفرط سيكون مذهلاً.

اقرأ أيضاً: تقنية جديدة تجعل من النظارات العادية نظارات واقع افتراضي وواقع معزز

وفي الواقع، هذا ما يثير اهتمام المستخدمين بهذه التكنولوجيا منذ البداية، أو يثير اهتمامي شخصياً على الأقل. عندما كتبت عن نظارة جوجل غلاس (Google Glass) في عام 2013، كانت الميزة الأكثر ثورية في كمبيوتر الوجه الشديد الحداثة هذا هي قدرته على تقديم معلومات سياقية ذات صلة باستخدام جوجل ناو (Google Now)، وهو مساعد رقمي أطلقته جوجل في ذلك الوقت لمنافسة نظيرته سيري من شركة آبل، دون الاعتماد على الهاتف.

على الرغم من أن مشاعري كانت مختلطة بشأن جوجل غلاس عموماً، عبرت عن رأيي قائلاً: "ستحب للغاية دمج أداة جوجل ناو في نظارة جوجل غلاس". ما زلت أعتقد أن هذا الكلام صحيح.

مرحلة جديدة في عالم الحوسبة

ستبّشر الأدوات المساعدة التي تمكّن المستخدم من أداء المهام في محيطه، دون الحاجة إلى أن يمنحها تعليمات معقدة أو إلى التعامل مع الشاشات على الإطلاق، ببدء مرحلة جديدة في مجال الحوسبة. على الرغم من أن أداء الإصدار التجريبي من بروجكت أسترا (Project Astra) من شركة جوجل، وهو وكيل ذكاء اصطناعي لم تصدره الشركة بعد ولكنها قدّمته في صيف عام 2024، كان ممتازاً في الهواتف الذكية، فإنه لم يصبح مثيراً للاهتمام حقاً إلا بعد تشغيله في زوج من النظارات الذكية.

قبل سنوات، حاول متحدث رسمي باسم شركة ماجيك ليب (Magic Leap)، التي كانت تعمل على تطوير نظارات للواقع المعزز، إقناعي بأن ترك أغراض افتراضية يستطيع الآخرون العثور عليها، مثل باقة زهور رقمية، في أرجاء حيز مادي سيكون أمراً ممتعاً. حسناً، لا شك في ذلك، ولا شك في أن لعبة بوكيمون غو (Pokemon Go) نالت شعبية واسعة. لكن ما جعل النظارات الذكية عملية هو الذكاء الاصطناعي التوليدي، وليس حيل الواقع المعزز.

سيغيّر الذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط القادر على فهم الكلام ومقاطع الفيديو والصور والنصوص، إلى جانب النظارات التي تتيح له رؤية ما يراه المستخدم وسماع ما يسمعه، الطريقة التي نتفاعل وفقها مع العالم من حولنا جذرياً، تماماً كما فعلت الهواتف الذكية.

اقرأ أيضاً: ما الجديد الذي أضافته نظارات الواقع المعزز الجديدة من أكسريال إلى الحوسبة؟

وأخيراً، أود أن أذكر ملاحظة جانبية: أورايون هو الاسم الذي حمله صياد عظيم في الأساطير اليونانية، وهو اسم لكوكبة نجمية تستطيع رؤيتها في السماء أيضاً. هناك روايات عديدة لقصة أورايون، لكن الرواية الأكثر شيوعاً هي أن ملك خيوس اقتلع عينيه بعد أن اعتدى أورايون على ابنة الملك وهو ثمل. استعاد أورايون بصره في النهاية من خلال النظر إلى الشمس وهي تشرق.

إنها قصة درامية، وربما إطلاق اسم "أورايون" على نظارة ليس بالخيار الأفضل.

المحتوى محمي