إن كنت تصدق المتفائلين بالتكنولوجيا، فإن بعد مرور 10 سنوات سوف نجد السيارات ذاتية القيادة في كل مكان، وستقوم الطائرات المسيرة بتوصيل طرودنا، وستحضر لنا الروبوتات ما نطلبه من مشتريات البقالة. ويوماً ما قريباً، سيتم رسم مدننا بواقع معزز يبدو كأنه جزء من ناصيات الشوارع التي يوضع فيها.
وسواء تحقق أيٌّ من ذلك أو لم يتحقق، فهناك جزء من الأحجية سيكون حاسماً بالنسبة لهذا المستقبل وهو تكنولوجيا الموقع فائق الدقة. ففي حين يلعب كل من نظام تحديد المواقع العالمي GPS والنقطة الزرقاء المتجولة ضمن تطبيقات الخرائط على الهواتف الذكية دوراً مفيداً لشخص ما يتجول في مدينة غير مألوفة، لكن ذلك لا ينفع الآلات، فهي بحاجة لمعرفة مواقع الأشياء بدقة تصل إلى مرتبة السنتيمترات.
وتعتقد الشركة الناشئة سكيب التي يقع مقرها في لندن أن هذا ما يمكنها تقديمه. فخدمة تحديد المواقع المرئية الخاصة بالشركة تستخدم نظام GPS وعدداً من الصور التي تم التقاطها بالكاميرا لكي تمكنك من معرفة موقعك بدقة في غضون ثانيتين أو 3 ثوانٍ، وذلك وفقاً لما يقوله المؤسس المشارك إدوارد ميلر.
حيث قامت الشركة بجمع أكثر من ملياري صورة طرقية لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد بدقة لأكثر م 100 مدينة حول العالم، بما في ذلك لندن، وسان فرانسيسكو، وباريس، وموسكو، وطوكيو. تم جمع جزء من البيانات على يد موظفين تجولوا في أرجاء المدن على الدراجات الهوائية مع كاميرات معلقة على متنها، إلا أن منصة سكيب البرمجية قادرة على معالجة الصور أياً كان مصدرها.
من الناحية العملية، تقوم خوارزميات سكيب باستخراج النقاط المهمة (مثل اللافتات الطرقية، واجهات المتاجر، أو أعمدة الإنارة) من أي من الصور لتقارنها مع المليارات من الصور المخزنة سابقاً في قاعدة بياناتها. ثم يستخدم نظام الشركة عملية التثليث لاستنتاج الزاوية والمسافة اللتين تمت مشاهدة الجسم وفقهما، والتي تعطي المستخدم النهائي الموقع الدقيق للجسم.
هذا النوع من الدقة سوف يربط الواقع المعزز ربطاً وثيقاً بالعالم أفضل مما يمكن تحقيقه باستخدام GPS أو غيره من التقنيات، مما يجعله أكثر إثارة للإعجاب وأكثر مرونة.
يقول ميلر: "يتعلق مشروع سكيب بنقل هذا الأمر إلى مستوى متقدم. إنه يتعلق بتوسيع هذه القدرة لتشمل النطاق الكلي لمدينة تعج بالحياة".
وهناك بعض التطبيقات المثيرة المتوافرة اليوم للواقع المعزز، حيث ينتمي معظمها إلى عالم الترفيه، فقبل بضعة أيام فقط، احتفل سناب شات بإطلاق آخر موسم من مسلسل لعبة العروش Game of Thrones بإطلاق تنانين افتراضية في نيويورك.
ولكن العديد من الشركات التجارية تريد أيضاً منتجات للواقع المعزز يتم تثبيتها في أماكن معينة خدمةً للعملاء أثناء تجوالهم في المدن. فالاعتماد على نظام GPS للقيام بذلك لا يقدم حلولاً فعالة في الوقت الحالي (نتحدث عن تطبيقات تتعدى نطاق الألعاب مثل بوكيمون جو).
يقول كريستيان ميكولاجيك، خبير الرؤية الحاسوبية في جامعة إمبريال: "باستخدام التقنيات المتوفرة حالياً في مجال تحديد المواقع، يمكنك التجول عبر المدن بدقة تقع ضمن نطاق بضعة أمتار. لا بأس بذلك، إلا أنه بالنسبة للواقع المعزز، فأنت بحاجة إلى مستوى مختلف تماماً من الدقة".
وبالطبع لن يكون هذا النوع من الدقة مفيداً لتطبيقات الواقع المعزز فحسب، فالكثير من الشركات تواجه التحدي المتمثل في كيفية جعل الآلات تدرك البيئة المحيطة بها.
وعلى سبيل المثال، تقوم شركة وايمو بتجهيز سياراتها بنظام GPS، ونظام ليدار، وكاميرات، وأجهزة استشعار رادارية لتساعدها على التنقل بشكل ذاتي. كما أن شركة ستارشيب تكنولوجيز، التي تقدم خدمات التوصيل الروبوتية، تستخدم أسلوباً مشابهاً.
ويكمن الفارق هنا في مستوى الدقة، وحقيقة أن سكيب ينفذ الأمر باستخدام الكاميرات فقط، وهي أرخص بكثير من الليدار وغيرها من تقنيات الليزر.
كما أن منصة سكيب تختلف أيضاً عن غيرها من المنصات في توليد الخراط، الأمر الذي يمكنه التعامل مع التغيرات التي تطرأ على البيئات المحيطة، وهو أمر حاسم لإنشاء نسخة واحدة موحدة عن العالم لكل من الأشخاص والأجهزة الحاسوبية. وسيلعب هذا الأمر دوراً هاماً في السماح للبشر بتلقي خدمات التوصيل التي يتم تقديمها باستخدام الروبوتات أو الطائرات المسيرة.
وترغب سكيب في استخدام خدمات المواقع الجغرافية لكي تصبح البنية التحتية الأساسية التي تعتمد عليها كل من السيارات العاملة من دون سائق، والروبوتات، وخدمات الواقع المعزز.
يقول ميلر: "إن هدفنا النهائي هو وضع خريطة تطابق العالم الحقيقي بحيث تغطي كل شيء فيه. طموحنا هو أن تصبح غير منظورة بالنسبة للمستخدمين مثلما هو حال خدمة GPS اليوم".