في الساعة 11:23 صباحاً بالتوقيت المحلي، يوم الخميس، في وينتشانج بجزيرة هاينان، أطلقت الصين تيانهي-1، أول وحدة في محطتها الفضائية المدارية الجديدة. ومن المفترض أن تكون جاهزة للعمل بحلول نهاية العام 2022. جرت عملية الإطلاق بشكل مثالي، وتمثل بداية لعامين مليئين بالعمل والنشاط للصين مع سعيها للبناء على أساس نجاحاتها في هذا العقد، والمضي قدماً بواحد من أكثر المشاريع الفضائية طموحاً حتى الآن.
وعلى الرغم من أن المشروع ظهر وحاز على الموافقات اللازمة في بدايات 1992، فقد بدأ أخيراً يتحول إلى حقيقة واقعة في وقت أصبح فيه مستقبل البشر في المدار الأرضي الأدنى مفتوحاً للمنافسة أمام الجميع. لقد دخلت محطة الفضاء الدولية المراحل الأخيرة من عمرها. وفي الواقع، فقد تقرر روسيا ترك محطة الفضاء الدولية باكراً لبناء محطتها الفضائية المستقلة أيضاً. كما أن الشركات مثل أكسيوم سبيس وسييرا نيفادا كوربوريشن تعمل بشكل محموم على وضع خطط لمحطات فضائية تجارية تخلف هذه المحطة.
تقول نامراتا جوسوامي، وهي خبيرة في سياسات وجيوبوليتيك الفضاء، وأحد مؤلفي كتاب "Scramble for the skies": "إن المحطة الفضائية هي محطة فضائية ببساطة". إنها دليل واضح يثبت أن الصين قادرة تكنولوجياً على إرسال البشر إلى الفضاء لفترات طويلة من الوقت. وتضيف: "إن الفوائد الجيوسياسية لاستضافة التجارب ورواد الفضاء الأجانب تماثل ما تجلبه محطة الفضاء الدولية، ولكن الصين هذه المرة ستكون الطرف الأساسي".
تمثل وحدة تيانهي-1 -التي أُطلقت مؤخراً- الجزءَ المركزي مما يفترض أن يكون محطة فضائية من ثلاثة أقسام. ظاهرياً، قد تبدو هذه المحطة قليلة الأهمية مقارنة بمحطة الفضاء الدولية التي تبلغ من العمر 22 عاماً. فهي عبارة عن وحش هائل بحجم ملعب كرة القدم، وتزن 420 طناً، فين حين أن محطة الفضاء الصينية CSS لن تتجاوز في الوزن 80 إلى 100 طن، وستكون أقرب في الحجم إلى محطة مير الروسية السابقة. يبلغ وزن وحدة تيانهي-1 22 طناً ويبلغ طولها 16.6 متراً فقط. وبعد 12 بعثة لهذه السنة والسنة المقبلة لتجميع المحطة بالكامل، فإن المحطة المكتملة ستكون تقريباً بنصف طول محطة الفضاء الدولية.
ويبدو أن هذا الأمر لا يمثل مشكلة بالنسبة للصين. قال جو ييدونج، العالم الرئيسي في برنامج الاستكشاف البشري الصيني، لمجلة ساينتفك أميركان (Scientific American): "ليس هدفنا منافسة محطة الفضاء الدولية من حيث الحجم".
هذا لا يعني أن المحطة لا تتمتع ببعض القدرات المفيدة في الفضاء. تشكل وحدة تيانهي مقر المعيشة الأساسي لجميع رواد الفضاء على متن المحطة، كما أن الوحدتين التاليتين، وينتيان ومينجتيان، ستدعمان مجموعة من التجارب العلمية التي ستستفيد من حالة الجاذبية شبه المعدومة في المحطة. وعلى سبيل المثال، فقد تُجرى هناك دراسات على ديناميك الموائع وتغيرات أطوار المادة، أو نمو وتطور المتعضيات.
ستحوي المحطة 14 محطة تجارب بحجم الثلاجات، إضافة إلى 50 نقطة تثبيت للتجارب التي يمكن إجراؤها في الخارج لتعريض المواد إلى جو الفضاء الخالي. وقد بدأت الصين بالتواصل مع مجموعة من الشركاء الدوليين لاجتذاب التجارب. إضافة إلى ذلك، فهناك خمس مراكز رسوّ ومجموعة من الأذرع الروبوتية لضمان سلامة الزائرين من المركبات الفضائية الأخرى، إضافة إلى الاستعداد لاحتمال توسيع المحطة نفسها.
أما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، فهو أن المحطة قد تلعب دوراً هاماً في مساعدة الصين على إطلاق وتشغيل تلسكوب فضائي جديد، شونتيان، الذي يهدف إلى منافسة هابل، التلسكوب الفضائي المتقادم التابع لناسا، بمجال رؤية أكبر من مثيله في هابل بمقدار 300 ضعف، إضافة إلى دقة مماثلة لدقة هابل.
سيجري هذا التلسكوب عمليات رصد في المجال المرئي وفوق البنفسجي، وذلك في إطار دراسات متعلقة بالمادة المظلمة والطاقة المظلمة، والكونيات، وتطور المجرات، وكشف الأجسام القريبة. يُفترض أن يتم إطلاق شونتيان في 2024، وسيكون قادراً على الالتحام مع محطة الفضاء الصينية لإجراء الإصلاحات والصيانة بسهولة.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب المحطة دور منصة لاختبار التكنولوجيات التي ستلعب دوراً أساسياً في تأسيس حضور طويل الأمد على القمر والمريخ يوماً ما. ومن هذه التكنولوجيات: أنظمة السكن ودعم الحياة، والطاقة الشمسية، والتدريع ضد الإشعاع، ومقاومة آثار النيازك الميكروية.
هذا مثير للإعجاب، ولكن، وكما يشير ليكولكن هاينز من جامعة كورنيل، فإن الهدف الحقيقي من إطلاق هذه المحطة على ما يبدو هو المكانة، أي دخول الصين إلى النادي الحصري للقوى العالمية الفضائية التي تشرف على مقر دائم في المدار، ما يدعم التوجه القومي ضمن حدودها.
يقول هاينز: "من المؤكد أن الأوساط العلمية في الصين تضم الكثيرين ممن يشعرون بحماس حقيقي إزاء ما يمكن تحقيقه بمحطة الفضاء الصينية، ولكن، ومن وجهة نظر الحكومة المركزية التي تدعم هذا المشروع الضخم والطموح للغاية، فإن هذه المحطة تمثل رمزاً قوياً للغاية يثبت لمواطني الصين تطورها التكنولوجي وقدرتها على منافسة الولايات المتحدة".
كما أنها تدفع بالصين إلى الأمام في نطاق منافستها مع الولايات المتحدة من حيث "القوة الناعمة". تمثل الولايات المتحدة الممول الرئيسي لمحطة الفضاء الدولية، وتنفق أموالاً طائلة على هذا المقر الذي يقدم العديد من الفوائد لباقي أنحاء العالم؛ حيث تساعد على إنجاز بعض التجارب العلمية والتكنولوجية المثيرة للاهتمام، كما يرى الكثيرون أن أهم تأثير لهذه المحطة ينبع من كونها رمزاً للتعاون العالمي.
ويمكن أن نتوقع أن تقدم محطة الفضاء الصينية نفس الفوائد الدبلوماسية للصين بالمساعدة على تقوية علاقات البلاد مع الدول الأخرى، خصوصاً في وقت تتعرض فيه إلى انتقادات حادة حول انتهاكات حقوق الإنسان للأويجور، والمنشقين السياسيين، والناشطين في حركة هونج كونج الديمقراطية.
تقول جوسوامي: "إن العمل الصيني جديد ويضج بالحيوية"، في حين يبدو مستقبل محطة الفضاء الدولية غامضاً. وتضيف: "إنها إشارة واضحة تقول للعالم إن الصين تنافس الولايات المتحدة على الصدارة في جميع المجالات الفضائية، وإنها شريك يتمتع بالقدرات الكاملة".
وحتى لو لم يتم تحقيق أي من هذه الفوائد المحتملة، فلن يمثل هذا فرقاً كبيراً بالنسبة للصين. فعلى عكس المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة، ليس الحزب الشيوعي الصيني مضطراً لتبرير نفقاته للمواطنين.
يقول هاينز: "من وجهة نظري، فإن الهدف الأول للحكومة الصينية هو الحفاظ على نفسها. ولهذا، فإن هذه المشاريع تبدو معقولة للغاية مع هذه المصالح المحلية، حتى لو لم تكن منطقية على المستوى الجيوسياسي الأكثر شمولية، أو لم تقدم مساهمة علمية تُذكر".