يعشق الناس في وادي السيليكون فكرة الدخل الأساسي الشامل. والكثيرون من نخبة مجال التقنية يرونها الحل لفقدان الوظائف بسبب الأتمتة، فقط لو حصل الناس على فرصة ونفذوها.
الفكرة هي حصول جميع المواطنين على مبلغ محدد من النقود من الحكومة، يغطي تكاليف الغذاء والسكن والملابس، دون اعتبار لدخل المرء أو لموقفه من العمل، سواء كانت لديه وظيفة أم عاطل. ويمكن استكمال هذا الراتب الأساسي الذي يغطي الحد الأدنى بالأجور التي يحصلها المرء من العمل. ويقول أنصار الفكرة إنها ستساعد في مكافحة الفقر عن طريق إعطاء الناس المرونة للعثور على العمل وعن طريق تقوية شبكات الأمان الخاصة بهم، أو أنها تتيح الدعم للناس لمكافحة الآثار السلبية للأتمتة.
ويحتاج إقناع الناس بفكرة الدخل الأساسي للجميع إلى بيانات، وهو ما تحاول اختبارات عديدة التوصل إليه. لكن هذا العام تم إيقاف عدد من التجارب وإنهاء تجارب أخرى بعد فترة وجيزة من بدايتها. ويعني هذا أيضاً انقطاع تدفق تيار البيانات المحتمل تحصيلها.
في يونيو قلنا عبر موضوع لنا أن "الدخل الشامل قد ينجح إذا تم على طريقة كندا". تحدثنا إلى الناس من بين 4 آلاف شخص يحصلون على شيكات في أونتاريو، ضمن تجربة تجري هناك، ورأينا كيف غير هذا من طبيعة المجتمع. ثم وبعد شهرين تم إعلان انتهاء البرنامج في السنة الجديدة بدلاً من مدّه لثلاث سنوات. وسيتم تسليم آخر شيكات للمشاركين في مارس 2019.
إننا ننتظر الحصول على بيانات عن الدخل الشامل منذ فترة. في عام 2016 تنبأ إم آي تي تكنولوجي ريفيو بأنه "في عام 2017 سنكتشف إن كان الدخل الأساسي الشامل فكرة معقولة وعملية" وكان هناك اختباران بانتظار هذه الأجندة. الأول هو برنامج الدخل الشامل الفنلندي الموعود، الذي أثار اهتمام الكثيرين لدى إطلاقه في عام 2017. ثم في 2018 تبين أن البرنامج لن يُطبق بعد انتهاء فترته التجريبية. وهناك تجربة أخرى، من حاضنة التقنية "واي كومبينيتور" (Y Combinator) واجهت بدورها بعض التأخيرات، ما أرجأ التجربة إلى عام 2019.
ولا يعني هذا أن جميع تجارب الدخل الشامل قد انهارت. ففي أميركا الشمالية وحدها كان هناك برنامجان يعملان منذ أكثر من 20 عاماً. وفي إسبانيا وكينيا أيضاً اختبارات واعدة وكبيرة تجري حالياً. لكن المشكلات التي ابتلت تجربة أونتاريو وفنلندا وحاضنة "واي كومبينيتور" تبرز مشكلات تواجهها دائماً برامج الدخل الأساسي الشامل.
برامج الدخل الأساسي الشامل والتحويلات النقدية الجارية والمقترحة في أميركا الشمالية
المشروع |
الموقع |
التاريخ |
الحاصلون على الخدمات |
المبلغ ومعدل تحصيله |
صندوق أرباح ألاسكا الدائم |
ألاسكا |
1982 - |
جميع سكان ألاسكا |
نحو ألف إلى ألفي دولار – سنوياً |
سنوات الطفل الأولى (دراسة الدخل ونمو المخ) |
نيويورك، نيو أورليانز، لوس أنغلس، أوماها، توين سيتيز |
2017-2022 |
1000 أم تعاني من تدني مستوى الدخل لمواليد جدد |
333 دولاراً في الشهر لمدة 40 شهراً للأمهات اللائي يعالجن أطفالهن و20 دولاراً شهرياً للأم في مجموعة الأمهات الخاضعات للتجربة |
مشروع الدخل الأساسي |
يُعلن عنه في 2019 |
يعلن عنه لاحقاً |
1000 من السكان في الأحياء محدودة إلى متوسطة الدخل |
1000 دولار شهرياً |
مبادرة عائلات شيكاغو المقاومة للأزمات (مقترح) |
شيكاغو، إلينويز |
يعلن عنه لاحقاً |
مقترح: 1000 أسرة |
مقترح: 500 دولار شهرياً |
مختبر العطاء المباشر |
شيكاغو، إلينويز |
2017 - |
70 عائلة محدودة الدخل (مقترح بالتوسع حتى 200 عائلة) |
100 دولار شهرياً |
صندوق أرباح كازينو الهنود الشيروكي الشرقيين |
نورث كارولينا |
1996 - |
جميع الأعضاء المشاركين في الصندوق |
نحو 3500 إلى 6000 كل ستة أشهر |
مساعدات عامة |
ميركيد، كاليفورنيا |
حالياً |
الأفراد محدودي الدخل المستحقين لمعونة CalWORKS ودون أطفال في البيت |
يحتسب بحسب احتياجات الفرد |
صندوق أمهات ماغنوليا |
جاكسون، ميسيسيبي |
2018-2019 |
16 أم من أصول أفريقية، محدودات الدخل |
1000 شهرياً |
مشروع الدخل الأساسي الشامل الرائد في أونتاريو |
3 مواقع في أونتاريو ، كندا |
2017 – 2019 |
4000 شخص منخفض الدخل (18 إلى 64 عاماً) |
بحد أقصى 16,989 دولارا كنديا في السنة للشخص الواحد وحد أقصى 24,027 دولارا في السنة للزوج والزوجة، وأقل بـ 50% من أي دخل يتم ربحه. بحد أقصى 500 دولار شهريا إضافية للمصابين بإعاقات |
"حفاظاً على تنوعنا" |
سانتا مونيكا، كاليفورنيا |
نوفمبر 2017 |
21 من المستأجرين المسنين المحملين بأعباء أقساط الإيجار (مقترح بالتوسع إلى عدد 300) |
يحتسب بناء على دخل الأسرة بطريقة "دعم الاحتياجات الأساسية"، متوسط 500 دولار شهرياً |
المصدر: مختبر الدخل الشامل في ستانفورد وتم تصميم الجدول بالاستعانة بـ Daatawrapper
المشكلة الأولى: السياسة
في فنلندا، تم الإبقاء على حجم التجربة صغيراً نسبياً. وربما كان هذا نتيجة أن الحكومة المحافظة "لم تكن تعتزم إجراء تجربة كبيرة حول الدخل الشامل"، بحسب مؤسسي مركز "باريكون" البحثي في فنلندا، الذي وصف التجربة بأنها "فاشلة منذ بدايتها".
وتم إغلاق مشروع أونتاريو على يد الحكومة المحافظة الجديدة للمقاطعة. تم إطلاق المشروع في البداية على يد الحكومة الليبرالية السابقة، لذا كان هناك دائماً قلق حول هل سينجو البرنامج من الانتخابات أم لا. إذن فالتغيرات السياسية تصعب من عملية استمرارية هذه التجارب، ما لم تكن مصممة بشكل يتيح دعم الأحزاب المختلفة لها.
المشكلة الثانية: التمويل
كما يمكننا أن نتخيل، فإن منح النقود مجاناً مسألة باهظة التكلفة. فالاختبارات الخاصة يجب أن تعتمد على مانحين أسخياء، وعادة ما تكافح هذه المبادرات في جمع الأموال اللازمة لها. اضطر مختبر "واي كومبينيتور" إلى جمع 60 مليون دولار من الأفراد والمؤسسات الوطنية والجمعيات الخيرية المحلية. وقال إن الاختبار لن يبدأ حتى يتم تحصيل مبلغ التمويل بالكامل. أما المشروع الحكومية على الجانب الآخر فيجب أن تنال دعم المواطنين (دافعي الضرائب) والساسة. ذكرت ليزا ماكلويد وزيرة الخدمات الاجتماعية بأونتاريو، ارتفاع تكلفة المشروع (150 مليون دولار كندي) كسبب للاقتطاعات في المشروع وقالت إنه "بالقطع ليس بالحل لعائلات أونتاريو".
المشكلة الثالثة: التداخل مع برامج الدعم القائمة
قالت كاثرين توماس الباحثة في مختبر ستانفورد للدخل الأساسي الشامل: "هناك مخاوف في دوائر الباحثين أن يصبح وضع من يحصلون على الدخل الشامل في حقيقة الأمر أسوأ، على المدى البعيد، على سبيل المثال قد يصبحون غير مستحقين لبرامج دعم أخرى". ولتفادي هذا الأمر، من الضروري التنسيق مع البلديات وهيئات الدولة بشأن المستحقين لبرامج الدعم التجريبية. لكن هذا التنسيق يستغرق الكثير من الوقت ويحتاج للتعامل مع البيروقراطية. وأضافت توماس: "تأخرت بحوث واي كومبينيتور بسبب العمل مع الهيئات الحكومية المحلية لعمل التنسيق وإعفاء المستحقين من إنهاء دعمهم ببرامج دعم أخرى، وللعثور على خيارات مصرفية معقولة ولا تحمل محدودي الدخل بالأعباء الكبيرة". كذلك كانت النتائج التي ظهرت من تجربة فنلندا مختلطة على امتداد فترة التجربة، فيما يتعلق بموقف الدولة من الامتيازات الممنوحة للعاطلين عن العمل.
وعلى الجانب الآخر فإن أندرو وانغ الذي سيترشح للرئاسة عام 2020 عن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، يقول إن التجارب التي تمت إلى الآن أثبتت إمكانية نجاح برامج الدخل الشامل. وأضاف قائلاً لـ إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "من الخطأ التفكير بأننا لا نتملك المعلومات حول هذا المخطط، فالمعلومات متوفرة". وتابع: "تم تطبيق برامج الدخل الشامل مرات كثيرة على مدار العقود القليلة الماضية".
إنه محق في أنها ليست بالفكرة الجديدة، فهناك برامج كثيرة تتبنى نفس الفكرة منذ فترة، بما يشمل صندوق ألاسكا الدائم، الذي يوفر لنا بيانات حول الدخل الشامل منذ عام 1982. وقد سبق أ، دعم الاقتصادي المحافظ ميلتون فريدمان الفكرة في مرحلة سابقة، في الستينيات، وقام أيضاً ريتشارد نيكسون وغريمه الديمقراطي في الانتخابات جورج مكغوفرن، بدعم تصور مشابه للفكرة في انتخابات 1972، وكانت قضية نادرة من نوعها أجمع عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي.
بالنسبة لمناصري الفكرة – وهم كثيرون في سيليكون فالي تحديداً – فالدخل الشامل فكرة ثورية لن تؤدي فحسب إلى القضاء على الفقر، إنما ستتصدى أيضاً لتداعيات الأتمتة على المدى البعيد. لكن بالنسبة للآخرين، فمن المحتمل أن تؤدي إلى انكماش قوة العمل أو تؤدي إلى خسارة كبيرة للشرائح الأفقر بالمجتمع.
ولا يمكن التخلص من هذه الاختلافات بطريقة بسيطة فقط عن طريق التحاور وسوق الحجج المختلفة. فالطريقة الوحيدة لتنفيذ الفكرة على نطاق واسع وعلى مستوى كبير هي مع توفر بيانات أكثر واختبارات أكبر. ودون هذه البيانات والاختبارات – وبغض النظر عن حجم تأييد سيليكون فالي للفكرة، فمن غير المرجح أن يقتنع الجمهور – على الأقل بالولايات المتحدة – بهذه الفكرة.