أمضيت أسبوعاً كاملاً منذ فترة وجيزة في واشنطن العاصمة، ووزعت وقتي بين تأمل براعم الكرز، والاطلاع على أحدث الأفكار وأكثرها عجباً في مجال الطاقة.
تموّل وكالة المشاريع البحثية المتقدمة المتخصصة بالطاقة، المعروفة باسم أربا-إي (ARPA-E) اختصاراً، المشاريع البحثية العالية المخاطر والعوائد في مجال الطاقة، كما تستضيف هذه الوكالة في كل عام قمة تجمع الباحثين والشركات في مجال الطاقة من متلقّي التمويل وغيرهم للحوار حول أحدث المستجدات المتعلقة بالطاقة.
وفي أثناء استماعي إلى العروض التقديمية واللقاء مع الباحثين والتجول في المعرض -على وجه الخصوص- كنت أحس بشعور غامض من التقلبات الفجائية. فقد كنت أقف عند إحدى حجيرات العرض في محاولة لاستيعاب كيفية قياس الكربون الذي تختزنه النباتات، فيما أنظر إلى مجموعة أخرى تركز على تصميم الاندماج النووي بطريقة أكثر سهولة في محاولة لتوفير الطاقة للعالم.
اقرأ أيضاً: كيف ستغير التكنولوجيا الخضراء ملامح كوكب الأرض مستقبلاً؟
ثمة الكثير من الحلول المجربة والموثوقة التي يمكن أن نستخدمها على الفور للبدء بمعالجة التغير المناخي، فقد أُقيمت مشاريع الطاقة الريحية والشمسية على نطاق واسع للغاية، كما بدأت السيارات الكهربائية بتحقيق انتشار ملحوظ، إضافة إلى التكنولوجيات الجديدة التي تساعد الشركات على التقليل من التلوث، حتى في عمليات الإنتاج التي تعتمد على الوقود الأحفوري. ولكن، وفيما نحقق بعض الانتصارات السهلة، علينا أيضاً أن نكون أكثر إبداعاً للتعامل مع القطاعات التي تعاني مشاكل مستعصية للوصول إلى صافي انبعاثات صفري. وفيما يلي بعض مشاريع أربا-إي المثيرة للاهتمام، التي لفتت نظري في المعرض:
الصخور المتبخرة
"لقد سمعت أن ثمة صخوراً لديكم هنا!" هذا ما قلته بصوت مرتفع مع اقترابي من حجيرة العرض لشركة كوايز إينرجي (Quaise Energy).
تضمنت حجيرة كوايز شاشة تعرض بعض المعلومات السريعة ومقاطع الفيديو التوضيحية. وبطبيعة الحال، كانت هناك طاولة تحمل قطعتين مسطحتين من الصخور. بدت القطعتان مهترئتين بعض الشيء، وكانتا مثقوبتين في المنتصف بفتحة بحجم العملة المعدنية تقريباً، مع آثار احتراق على الحواف.
وقد نالت هاتان الصخرتان شرف حمل علامات الاحتراق هذه في خدمة هدف سامٍ، وهو جعل الطاقة الحرارية الأرضية متاحة في كل مكان. ففي الوقت الحالي، لا يمكن الحصول على الحرارة العالية المطلوبة لتوليد الكهرباء من طاقة باطن الأرض إلا في نقاط قريبة من السطح وموجودة في أماكن محددة، مثل آيسلندا أو غرب الولايات المتحدة.
ويمكن، من الناحية النظرية، استخدام الطاقة الحرارية الأرضية في أي مكان، إذا تمكّنّا من إحداث ثقب عميق بما يكفي في الأرض. ولكن الوصول إلى هذه المناطق ليس سهلاً، ويمكن أن يتطلب الحفر إلى عمق 20 كيلومتراً تقريباً تحت سطح الأرض. وهو أكثر عمقاً من أي عملية حفر للتنقيب عن النفط أو الغاز على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة مورد المستقبل: مزايا واسعة وعقبات في الطريق
وبدلاً من محاولة اختراق طبقات الغرانيت بتكنولوجيات الحفر التقليدية، تخطط كوايز لاختراق الأجزاء الأكثر استعصاء من قشرة الأرض باستخدام أمواج مليمترية عالية الاستطاعة لتبخير الصخور. وهي تشبه الليزر نوعاً ما، ولكن ليس تماماً.
أما العينات المثقوبة التي كانت الشركة تعرضها فهي نتائج اختبارات هذه الطريقة. وقد كانت إحدى القطعتين بازلتية، على حين كانت الأخرى عموداً من الغرانيت، وهما نوعان شائعان من الصخور التي يجب على الشركة اختراقها للحصول على الحرارة الثمينة المخبأة في أعماق الأرض.
لقد كانت كوايز تجري الاختبارات على تكنولوجيا الحفر الخاصة بها في المختبرات، حيث بدأت بإحداث ثقوب قليلة العمق، لتواصل العمل على زيادة عمقها بالتدريج. وتخطط الشركة للبدء بالتجارب الميدانية في وقت لاحق من هذه السنة في تكساس.
قطع من الفطريات
عادة ما تكون الفطريات آخر شيء يمكن أن تتمنى العثور عليه داخل جدران منزلك، ولكن بعض الباحثين يعتقدون أنها يمكن أن تساعد في عزل الأبنية في المناطق النائية.
تُستهلك نسبة الربع تقريباً من الطاقة على مستوى العالم في عمليات التدفئة والتبريد للمنازل والأبنية التجارية. ومن ثم، يمكن لتعزيز عزل المباني أن يساعد في خفض الطلب على الطاقة، والحفاظ على راحة البشر داخلها مع زيادة حدة تقلبات الحرارة بسبب التغير المناخي. ولكن مواد العزل، التي تتراوح بين المواد البلاستيكية مثل البولي ستيرين والألياف الزجاجية وصولاً إلى القطن والورق المعاد تدويره، قد تكون باهظة التكلفة. وفي المناطق النائية، يمكن أن تزداد التكاليف إلى درجة كبيرة بسبب مسافات الشحن.
ويعمل بعض الباحثين في المختبر الوطني للطاقات المتجددة على تزويد المناطق النائية، مثل ألاسكا، بمواد العزل الطبيعية. وبمزج عجينة السيلولوز من الأشجار المحلية مع الغزل الفطري (أي البنى الفطرية الشبيهة بالجذور)، يأمل الباحثون في تصميم حل مثالي يمكن صنعه محلياً لتفادي شحن ألواح البولي ستيرين من مناطق أخرى من العالم.
ويُعتبر هذا المشروع من المشاريع الجديدة، فقد تلقّى تمويله من أربا-إي هذه السنة. ويعمل أعضاء الفريق على تطوير عملية صالحة للتطبيق في أي مكان لتصنيع هذه المواد العازلة، كما يحاولون أيضاً زيادة قدرة هذه المواد على العزل، وضمان مقاومتها للنار.
طائرة كهربائية هجينة
لم تكن الطائرة الحقيقية موجودة ضمن قاعة العرض، ولكن نموذجها كان كافياً ليستوقفني، لا سيما بوجود مقاطع فيديو لاختبارات الطيران للطائرة الحقيقية.
أما الشركة المسؤولة عن هذا فهي شركة أمباير (Ampaire) الناشئة في ولاية كاليفورنيا، التي استكملت في وقت سابق من هذا العام اختبار طيران لطائرتها الهجينة القابلة للشحن الخارجي، إيكو كارافان (Eco Caravan). وبإضافة بطارية صغيرة فقط، كما تقول الشركة، تستطيع تخفيض استهلاك الوقود بنسبة 50-70% بالمقارنة مع الطائرات التقليدية.
لقد أثارت هذه المقاربة اهتمامي، وذلك لقدرتها على حل مشكلة قانونية تُعتَبَر من أهم الصعوبات التي تعترض تكنولوجيات الطائرات الكهربائية.
اقرأ أيضاً: نقل جوي صديق للبيئة: هل ستسيطر الطائرات الكهربائية على السماء قريباً؟
فالبطاريات أثقل بكثير من وقود الطائرات، ومن ثم، فإن تكنولوجيات البطاريات الحالية تفرض على الطائرات الصغيرة حمل عدد محدود لا يتجاوز بضعة ركاب لمسافة بضع مئات من الكيلومترات. ولكن هذا المدى النظري يصبح أقصر بكثير بسبب شيء يسمى شرط المخزون الاحتياطي. ويعني هذا الشرط القانوني، بشكل أساسي، أن الطائرة يجب أن تحمل على متنها ما يكفي من الوقود لحالات الطوارئ. وفي حال التعرض لمشكلة ما، يجب أن تكون الطائرة قادرة على التحليق لبعض الوقت، أو حتى الوصول إلى مطار قريب للهبوط فيه. إنها متطلبات السلامة وما إلى ذلك ببساطة. ولهذا، فقد تكون طائرة كهربائية بسعة 19 مقعداً قادرة نظرياً على التحليق مسافة 257 كيلومتراً تقريباً (160 ميلاً)، ولكن تطبيق شرط المخزون الاحتياطي يعني أن المدى العملي قد يكون أقرب في الواقع إلى نحو 48 كيلومتراً (30 ميلاً)، أي ما يكافئ نزهة طويلة بالدراجة.
وبالتالي، فإن حمل المخزون الاحتياطي على شكل وقود طائرات، وتخصيص بطارية بطاقة كافية فقط للرحلة الفعلية، يتيح للطائرة الكهربائية الهجينة تحقيق مدى بعيد بتكلفة أقل بكثير. وتأمل أمباير بالحصول على الترخيص اللازم لنظامها في العام المقبل.