ضمن جهود منصة تويتر لتبسيط بنود سياسة الخصوصية الخاصة بها وتشجيع المستخدمين على قراءتها، ولتكون أكثر قابلية للفهم، قامت بتحويل سياسة الخصوصية المكونة من 4500 كلمة إلى لعبة فيديو عبر المتصفح أطلقت عليها اسم "تويتر داتا داش" (Twitter Data Dash)، يمكن لعبها باستخدام أزرار الأسهم في لوحة المفاتيح.
كما قامت شركة ميتا أيضاً بإعادة كتابة سياسة الخصوصية بصورة أكثر تبسيطاً، لكن في الوقت نفسه ازداد عدد كلماتها ليصل إلى 12,000 كلمة، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف النسخة السابقة. وكل هذه الجهود التي قامت بها شركتا تويتر وميتا وغيرهما من الخدمات والتطبيقات الأخرى عبر الإنترنت، تهدف إلى تشجيعنا على قراءتها وفهمها لإخلاء مسؤوليتها عن أي مطالبات قانونية أو أخلاقية.
اقرأ أيضاً: كيف جعلت شركة أبل من الخصوصية ميزة تنافسية بارزة مع الشركات الأخرى؟
ولكن بالتعمق والبحث أكثر في سياسات الخصوصية هذه نجد أن قابلية الفهم ليست أكبر مشكلة تواجهنا بشأنها، بل يتعلق الأمر بالشعور بالارتباك. فكيف يمكن جعلها قابلة للقراءة وسهلة الفهم للمستخدم العادي؟
لا أحد يقرأ سياسة الخصوصية
وفقاً للعديد من الدراسات فإن الشركات والخدمات لا تتوقع أن يقوم المستخدمون بقراءة سياسات الخصوصية الخاصة بها. في الواقع وجد استطلاع أجرته مؤسسة بيو للأبحاث في عام 2019 أن 9٪ فقط من الأميركيين ذكروا إنهم يقرؤون دائماً سياسات الخصوصية، وهذا يعني أن الغالبية العظمى من المستخدمين الأميركيين لا يلقون بالاً لها ويقومون بالضغط على زر الموافقة مباشرة.
ويعود الأمر إلى أن المستخدم لا يمتلك الخيار للمطالبة بتعديل أو تغيير أي بند، بالإضافة إلى ذلك فإن العبارات والكلمات التي تُكتب بها هذه السياسات عادةً ما تكون بلغة تتسبب لقارئها بالارتباك والتشتت، ومع كثرة الخدمات والتطبيقات التي يتم استخدامها يصبح من الصعب على المستخدم إيجاد وقت كافٍ لقراءة كل سياسة خصوصية على حدة.
اقرأ أيضاً: كيف حولت الشركات التكنولوجية الكبرى قوانين الخصوصية إلى تمثيليات فارغة؟
على سبيل المثال، في عام 2008 قدرت أستاذة الهندسة والسياسة العامة في جامعة كارنيجي ميلون الأميركية " لوري كرانور" أن قراءة جميع سياسات الخصوصية والموافقة عليها على مواقع الويب التي يزورها الأميركيون ستستغرق 244 ساعة في السنة، وهذا بدون الحاجة إلى التذكير أن هذا التقدير كان قبل أكثر من عقد مضى، فكيف سيكون الحال الآن مع إضافة التطبيقات والخدمات التي ظهرت منذ ذلك الوقت؟
هل الخصوصية قضية خاسرة؟
يعتقد الكثير من المستخدمين أن لا خصوصية عبر الإنترنت، ويقومون ببساطة بالضغط على زر "موافق" لأنهم يعتقدون أن الخصوصية هي قضية خاسرة بالفعل، وأن سياسات الخصوصية مخترقة بحسب المفوضة "ريبيكا كيلي سلوتر" من لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية التي تذكر: "إن هذا النظام مبني على افتراضات خاطئة مفادها أن المعلومات ستكون سهلة الهضم، ومفهومة، وقابلة للاستخدام من قبل المستخدمين، وأن لديهم خياراً ذا مغزى".
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإصلاح سياسات الخصوصية، مثل توجه شركة تويتر لجعل سياسات الخصوصية الخاصة بها مفهومةً قدر الإمكان بالاستعانة بعنصر المتعة، إلا أن الكثير من الشركات الأخرى تستخدم أبسط الحلول القانونية الممكنة بهدف جمع أكبر قدر ممكن من بيانات مستخدميها. على سبيل المثال تبذل شركات بطاقات الائتمان قصارى جهدها لإخفاء من تبيع بياناتك إليه.
اقرأ أيضاً: ما هي أبرز مشكلات الخصوصية الرقمية التي ستعالجها شبكة الويب 3؟
وبالنظر إلى نهج سياسة الخصوصية الخاصة بشركة تويتر، فإن الغموض لا يزال مسيطراً على محتواها على الرغم من تقديمها على شكل لعبة ليسهل فهمها واستيعابها، حيث هناك مصطلحات لن تتمكن من فهمها إلا إذا كنت محامياً. على سبيل المثال، تحوي سياسة الخصوصية 11 إشارة إلى "الشركات التابعة"، وست إشارات إلى كلمة "معينة"، كما تحتوي على عبارة "تُشارك تويتر معلومات معينة" وهو أمر غامض يمكن فهمه بعدة أوجه وطرق.
ومع ذلك تدافع تويتر عن نهجها بالقول إن استخدام لغة أكثر تفصيلاً من شأنه أن يجعل عدد كلمات سياسة الخصوصية أطول، حيث كانت الفكرة الأولى هي وضع سياسة خصوصية يمكن قراءتها أيضاً كسلسلة من التغريدات، لكن المنظمين أرادوا أن تكون أبسط وأن تنقل أيضاً مزيداً من التفاصيل.
طريقة مبسطة لم تلتزم بها معظم الشركات
في شهر يناير الماضي قدمت مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية تشريعات تطلب من المواقع عمل ملخصات سهلة الفهم لشروط الخصوصية الخاصة بها. أطلقوا عليه اسم قانون "طويل جداً، لم أقرأ" (Too long, didn’t read) –اختصاراً تي إل دي آر TLDR- والهدف هو وضع سياسات خصوصية بشكل يشبه ملصقات التغذية على الأطعمة المعبأة، يضمن اطلاع المستهلكين على كيفية جمع مواقع الويب والتطبيقات المختلفة لبياناتهم واستخدامها.
ومع ذلك، فإن عدداً محدوداً فقط من الشركات قد صنعت ملصقات خصوصية يُعتقد أنها تؤدي هذه المهمة بالفعل، مثل شركتي آبل وجوجل اللتين قامتا بدفع ميزة "ملصقات الخصوصية" في متجري تطبيقاتهما، لكنها مع ذلك لم تكن واضحة بشكل خاص، أو بصورة أكثر تحديداً ليست دقيقة دائماً.
اقرأ أيضاً: حيلة أحد الناشطين تكشف الخلل الكبير في سياسة فيسبوك للإعلانات السياسية
وحتى بالنسبة لجهود شركة تويتر في جعل سياسة الخصوصية بسيطة وممتعة، فإنها لم تغير فعلياً أي شيء بخصوص مقدار البيانات التي تجمعها أو ما تفعله بها، حيث لا تزال رسائل المستخدمين المباشرة غير مشفرة، وينطبق الشيء نفسه على شركة ميتا التي غيرت طريقة عرض سياسة الخصوصية الخاصة بها لتحتوي على المزيد من القوائم الفرعية والنوافذ المنبثقة، حيث لم تغير شيئاً يشير إلى تأثير تغيير إعدادات الخصوصية الافتراضية على المستخدم.
ما هي أفضل طريقة لحماية خصوصيتنا الرقمية؟
يعتبر سن قوانين ولوائح واضحة لفرض سياسات الخصوصية بطريقة مبسطة وسهلة الفهم ولا تدعو إلى التشتت وإلزام الشركات والخدمات عبر الإنترنت بتطبيقها أمراً ضرورياً، بالإضافة إلى تطوير بعض التكنولوجيات الجديدة لقراءة وإدارة كل سياسات الخصوصية هذه بسهولة. ولكن أفضل شيئ يمكن أن تقوم به الشركات والخدمات للحفاظ على خصوصية المستخدم هو الالتزام بمنهجين أساسيين، هما:
-
أولاً: جمع بيانات أقل وحسب الحاجة
أي أن تقوم الشركات طوعياً ببساطة بجمع بيانات أقل وحسب حاجتها فقط، حيث من المناسب أن تجمع التطبيقات والخدمات فقط المعلومات التي تحتاجها بشكل حقيقي لتقديم خدماتها، ما لم يقم المستخدم بالسماح لها بجمع المزيد.
وعلى الرغم من أنه من الصعب أن تلتزم الشركات والخدمات جميعها بهذا الأمر طواعية، إلا أن وجود قوانين صارمة سيُسهل من الأمر كثيراً. على سبيل المثال يفكر مسؤولو لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية حالياً في كيفية استخدام سلطاتها لمتابعة الممارسات -بما في ذلك جمع البيانات واستخدامها وإساءة استخدامها- غير العادلة للشركات، حيث أن جهوداً مثل هذه في حالة تحويلها إلى قوانين ملزمة سيكون لها أثر كبير في حماية خصوصية المستخدمين من الممارسات اللاأخلاقية للشركات بشكل إجباري وليس طوعي.
اقرأ أيضاً: ما أهم ميزات تطبيق سيجنال التي منحته سمعة جيدة في مجال الخصوصية؟
-
ثانياً: خيارات حقيقية وأكثر مرونة
عندما تُظهر معظم المواقع والخدمات نافذة سياسة الخصوصية الخاصة بها، لا تقدم سوى زر واحد فقط وهو "الموافقة" ما يقيد المستخدم لاتخاذ القرار الوحيد المتاح له بالضغط على الموافقة. ولكن عندما يكون لدى المستخدم خيارات أخرى بجانب هذا الزر فإن هذا من شأنه أن يدفعه على الأقل إلى دراسة خياراته قبل الموافقة أو الرفض أو حتى تخصيص ممارسات جمع البيانات التي تقوم بها الخدمة أو الموقع بحسب تفضيلاته التي يراها مناسبة.
والأفضل تقديم هذه الخيارات في الوقت المناسب وحسب الحاجة فقط، بمثل ما تقوم به شركة تويتر حالياً، من خلال عدم جمع بيانات الموقع الجغرافي الدقيق بشكل افتراضي، حيث تطالبك بذلك فقط عندما تريد وضع علامة على موقعك الجغرافي في تغريدة تريد نشرها.
كما يمكن أن تساعدنا التكنولوجيا أيضاً في إدارة خياراتنا والمحافظة على خصوصيتنا بشكل أفضل عبر الإنترنت، مثل أداة "مراقبة الخصوصية العالمية" (Global Privacy Control) – اختصاراً GPC - التي تستند إلى قانون حماية المستهلك في ولاية كاليفورنيا الأميركية (CCPA) و لائحة حماية البيانات العالمية في أوروبا (GDPR)، حيث يتفاعل التطبيق مع مواقع الويب عبر الإنترنت ويطلب منهم صراحة عدم بيع بيانات المستخدمين.