إذا كنت تعتقد أن تجنب المسنين لاستخدام التكنولوجيا يعود لسبب أنهم غير فادرين على استخدامها فربما أنت مخطئ.
ريتشارد ديفيت هو صاحب مطعم متقاعد يبلغ من العمر 86 عاماً ويعيش في ولاية ماساشوستس في الولايات المتحدة الأميركية، هو لا يملك حساب بريد إلكتروني ولا يزال يستخدم هاتفاً خلوياً قديماً قابلاً للطي. يقول عن الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي: "بصراحة، أنا لا أحتاج إليها ولا أريدها". لم يغير رأيه على الرغم من حقيقة أن المشاركة في خدمات دور العبادة وحضور حفلات أعياد الميلاد والمواعيد مع الأطباء أصبحت تتطلب جميعها الدخول إلى الإنترنت. فلماذا لا يستخدم المسنون التكنولوجيا؟
علاقة كبار السن مع التكنولوجيا
ثمة فكرة شائعة تقول إن المسنين أميون في التقنية أو يمقتون الأجهزة. لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك صحيحاً، فهم يستخدمون التقنيات التي يجدون فيها فائدة ويرفضون ما عدا ذلك. في الأوقات العادية، يمكن أن يسبب ذلك مشكلة فيما يتعلق بملء الاستمارات الإلكترونية عبر الإنترنت أو الحصول على نتائج الاختبارات. لكن في الجائحة، حيث يقوم التفاعل الاجتماعي والرعاية الصحية كلاهما على الاتصال بالإنترنت، يصبح هذا الاعتقاد الخاطئ مميتاً.
فقرابة 27% من الأميركيين الذين تجاوزوا 65 عاماً لا يستخدمون الإنترنت، ومن الضروري أن نفهم سبب ذلك كي نتمكن من تغييره. إذا صممت الشركات أجهزة وبرمجيات تحمل قيمة بالنسبة للمسنين، فلن يجد عدد كبير منهم أنفسهم على الجانب الآخر من الفجوة الرقمية، وذلك سيؤدي إلى إنقاذ كثير من الأرواح أثناء الجائحة.
وفقاً لمركز "بيو للأبحاث" (Pew Research Center) فإن 73% من الأشخاص الذين تجاوزوا سن 65 في الولايات المتحدة يستخدمون الإنترنت، بعد أن كانت هذه النسبة لا تتعدى 14% في عام 2000. وكلما تقدم الشخص في السن أكثر قلّت احتمالات استخدامه للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أو الهواتف الذكية، لكن من يستخدم هذه التقنيات منهم يستخدمها بكثافة ويتعلم مهارات جديدة كي يتمكن من ذلك. يشكل المسنون الشريحة السكانية الأكبر نمواً على الإنترنت، على الرغم من استمرار بعضهم بمقاومتها. وفي كثير من حالات المقاومة هذه لا يكون العائق الحقيقي لدخول المسن إلى عالم الإنترنت تقنياً، وإنما هو متعلق بالشخص نفسه.
يتعلم المسنون مهارات التقنيات الجديدة عندما تحمل هذه التقنيات قيمة لهم. أخبرني ديفيت أنه كان واثقاً من قدرته على إتقان استخدام "فيسبوك" أو الهاتف الذكي إذا رغب في ذلك. وقال: "يمكن لأي كان تعلم استخدامها، لكني لا أرغب في قضاء وقتي في ذلك". وقال إن أكثر أمر محزن يراه في مطعمه هو أن يحضر الناس للاحتفال بمناسبة ما، ويخرجوا هواتفهم الذكية ما أن يجلسوا حول المائدة. كما أنه يرى كثيراً من المتقدمين بالسن يلتصقون بهواتفهم بنفس قدر التصاق اليافعين بها، وهو لا يريد أن يكون مثلهم، ولا يريد أن يشعر بضغط للرد الفوري على أي أحد عدة مرات في اليوم. والآن في ظل الجائحة، لم تبد له شبكات التواصل الاجتماعي مغرية، ولا يزال هو وزوجته يجريان المكالمات الهاتفية الأسبوعية مع أفراد العائلة.
لورنس ستيفنز هو رجل يبلغ 91 عاماً ويعيش في ولاية ميسيسيبي الأميركية، وعلاقته مع منصة "فيسبوك" سلبية. فهو يدخلها لمعرفة ما يجري، وتحديداً عندما تسافر حفيدته، لكنه لا يتجرأ على نشر أي شيء. فهو يفهم ما لا يفهمه كثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من جميع الأعمار، يقول: "ما أن تدخل، تنسى أنك تتحدث إلى ملايين الأشخاص الآخرين، فأي شخص يستطيع الدخول". يحمل كثير من المسنين مخاوف بشأن الخصوصية، وهم محقون في ذلك. فالمحتالون على الإنترنت يستخدمون تقنيات مختلفة لاستهداف المسنين لدرجة دفعت بمكتب التحقيقات الفيدرالي لنشر تحذيرات على موقعه. في عام 2019، عقدت لجنة مجلس الشيوخ المعنية بالمسنين جلسات استماع حول عمليتي الاحتيال على المحاربين القدماء والاحتيال على الضمان الاجتماعي اللتين كلفتا المسنين 38 مليون دولار ذاك العام.
خصوصية بيانات المسنين على شبكات التواصل الاجتماعي
وفي حين تتولد مخاوف بشأن خصوصية البيانات لدى الناس على اختلاف أعمارهم، إلا أن هذه المخاوف تمنع بعض المسنين، مثل ستيفنز، من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، يقول: "أقدّر خصوصيتي وأهتم بها"، وأخبرنا أنه طلب بعض الأقنعة الواقية من متجر "وول مارت" عبر الإنترنت وصُدم عندما علم أن الشركة أخذت كل معلوماته الشخصية منذ اشترى إزميلاً منها قبل ثلاثة أعوام. يقول: "ستبيع الشركة هذه المعلومات كي يعرف الجميع أني أحمق كبير".
بران نوولز هي باحثة تركز على نقاط الالتقاء بين أنظمة البيانات والمسؤولية الاجتماعية، وهي تدرس طريقة استخدام المسنين للتقنيات وأسباب استخدامهم أو عدم استخدامهم لأجهزة أو منصات معينة. وتعكس نتائج بحثها ما يمر به ديفيت وستيفنز، إذ تُبين أن استخدام التقنيات يتعلق بخيارات الشخص. غالباً، يكون العائق حسب قول نوولز هو: "عدم التوافق بين القيم والمنتجات. فالشركات لا تعتبر المسنين مساهمين بحق". وهذا واضح في عدم تفكير الشركات باحتياجات المسنين حتى عند تصنيع منتجات مثل جهاز "جيترباغ" (Jitterbug)، وهو هاتف بأزرار كبيرة جداً مخصص للمسنين. لكن حجم الأزرار لا يؤثر على قرار المسنين بشأن استخدام التقنيات، وهذه الافتراضات تسلط الضوء على انحياز وادي السيليكون تجاه الشباب بوصفهم مساهمين ومستخدمين على حد سواء. يبدو أن تسويق جهاز "جيترباغ" موجه نحو الأطفال أو من يعتنون بالمسنين بدلاً من توجيهه نحو المسنين أنفسهم، ويبدو أن هؤلاء الأطفال ومقدمي الرعاية هم من يقدمون تقييمات المستخدمين حول هذا الجهاز. تقول نوولز: "يبدو أن من يتحكمون بتطوير التقنيات لا يعرفون ما يعنيه أن يكون المرء في سن الـ 80". تُدمج هذه المفاهيم الخاطئة في تصاميم الأجهزة، التي يفترض أنها مصنوعة للمسنين، وبنيتها وأساليب تسويقها، وإذا لم يستخدمها المسنون، يتم تصنيفهم بسهولة على أنهم يقاومون التقنيات.
يتجاهل الافتراض بأن التقنية "تستبعد" المسنين جوهر بحث نوولز الذي يقول إن مقاومة المسنين للتقنية هو خيار قائم على القيمة، وبالتالي يقاوم كثير من المسنين بعض التقنيات ويستخدمون تقنيات أخرى (تتفادى نوولز استخدام كلمة "تستبعد" بسبب السلبية الضمنية فيها). خذ ستيفنز مثلاً، فهو يستخدم جهاز الكمبيوتر وبرنامج "توربو تاكس" (TurboTax) للتجارة في سوق الأسهم وتقديم الإقرارات الضريبية، ويقول إن شركة "آبل" هي إحدى الشركات المفضلة لديه، وأنه اشترى لنفسه جهاز "آيفون" منذ عام مضى، لكنه أشبه بحبل يقيده على الرغم من فوائده الكثيرة، ولذلك فهو لا يستخدمه كثيراً. يقول: "عندما ترغب بالتفكير بأمر ما ملياً دون مقاطعة، لا تجدي الهواتف الذكية أي نفع".
بعض المسنين يستخدمون التقنيات الجديدة بهدف الحفاظ على الروابط الاجتماعية، مثل مارغريت كولين التي تبلغ من العمر 77 عاماً وتقطن في ولاية إلينوي الأميركية. اعتادت كولين على لقاء صديقاتها الثمانية شهرياً منذ عام 1976، والآن بسبب عدم قدرتهنّ على اللقاء وجهاً لوجه، نقلن لقاءاتهن إلى منصة "زووم". كتبت كولين في رسالة إلكترونية مزينة بالرموز التعبيرية (إيموجي): "جميع صديقاتي المسنات يشعرن بالتوتر عند تعلم أشياء جديدة". وتضيف أن الدافع للتعلم يكون قوياً خصوصاً إذا كان لديك أحفاد، وتقول: "جميعنا نرفض في البداية، ثم تتعلم واحدة منا شيئاً من أحد أحفادها، فتفكر الأخريات أنهن قادرات على التعلم مثلها. من المذهل كم تعلمت صديقاتي بسرعة!".
استخدام المسنين للتكنولوجيا خلال جائحة فيروس كورونا
حتى أثناء الجائحة، لا يزال كثير من المسنين يفتقدون الدافع لعبور الفجوة الرقمية. ويمكن أن تُديم أزمة "كوفيد-19" المفهوم الخاطئ الخطير الذي يقول إن المسنين الذين يقاومون التقنية إما غير قادرين على التواصل وإما لا يرغبون به، وكلاهما غير صحيح. يمكن لهذا الافتراض أن يديم العواقب المميتة للشيخوخة من خلال تثبيط عزيمة الأفراد والشركات للاستثمار في مبادرات جديدة أو مختلفة. تعتقد نوولز أن القسوة التي تلف نقص الدعم الموجه للمسنين والاقتراح الصريح الذي يقول إنهم مستهلَكون هي "نتيجة جزئية للتحول الرقمي في العالم، والذي لم يصمم بطريقة تتيح للمسنين الانضمام إليه". يمكن أن تتحول الشيخوخة إلى ظاهرة إلقاء اللوم على الضحية عندما تصرف المؤسسات النظر عن احتياجات المسنين. تخشى نوولز أنه إذا لم يتمكن شخص ما من ملء استمارة على الإنترنت للحصول على مساعدة حكومية في الأزمة الحالية، أو لم يفهم طريقة تفعيل منصة "زووم" من أجل الحصول على الرعاية الطبية عن بعد، فسيأتيه رد مثل: "هذه ليست مشكلتنا، فقد كان من الواجب عليك أن تتعلم طريقة استخدام الإنترنت".
وفي الوقت نفسه، تشعر نوولز بقلق من أن يعتقد المسنون أحياناً أنهم لا يملكون خياراً سوى استخدام التقنية، وأن الأزمة ستزيد هذا الاعتقاد قوة. ويمكن أن يتفاقم هذا الإنذار المحسوس ليصبح ما تسميه نوولز "تنازلاً أخلاقياً لصالح قطاع تقنية المعلومات"، أو مسوغاً لاستمرار استبعاد المسنين من أسواقه.
إذا استمرت الشركات بتجاهل الأسباب المتعلقة باستخدام كبار السن للتكنولوجيا وبالقيمة التي تدفع المسنين لمقاومة التقنيات المختلفة، واستمرت في عدم مراعاة هؤلاء المستخدمين المحتملين، فلن تدرك قطّ أنها تطرح أسئلة خاطئة منذ البداية. تقول نوولز إن السؤال الحقيقي ليس: "كيف سأدفع المسنين لاستخدام تقنيتنا؟" وإنما: "كيف نصنع تقنية يرغب بها المسنون فعلاً؟".