لم يعد الحديث عن الروبوتات ودورها في حياة الإنسان ضرباً من الخيال العلمي، فمع التسارع الكبير في مجال التكنولوجيات والتعلم العميق والذكاء الاصطناعي، بات عصر الروبوتات أقرب مما كانت قصص الخيال العلمي تنبئنا به. لكن، وفي خضم هذا التسارع الكبير في بزوغ عصر الروبوتات قد يخطر في بال أحدكم ما خطر في بالي وهو:
ما هي اللغة التي سوف يتخاطب بها الإنسان مع الروبوتات إن غزت الروبوتات حياتنا؟
هل سنتخاطب مع الروبوتات عن طريق الأصوات واستخدام لغاتنا الطبيعية كما يحصل الآن مع "أليكسا" مثلاً؟ أم سنتواصل معها عن طريق الريموت كونترول؟
أو لعلنا سنكتفي بالتواصل معها عن طريق اللمس والضغط على الأزرار كما هو حادث اليوم مع بعض أجيال الروبوتات التي بدأت تنتشر في بعض المعارض والمطاعم؟
لكن، ماذا لو استخدمنا لغة الإشارة للتواصل معها؟
اقرأ أيضاً: هل يتسبب إدخال الروبوتات إلى المصانع بزيادة وفيات البشر؟
يُقال إن الإنسان تعلم لغة الإشارة قبل أن يتعلم اللغة المنطوقة، لكن مع تطور جهاز النطق لديه، وبذله المزيد من الوقت على تطوير اللغة المنطوقة ووضع قواعدها وتطوير مخارجها ومعانيها ومفرداتها ومعاجمها، ومع زيادة التقارب المكاني للإنسان الحضري، اضمحلت شيئاً فشيئاً لغة الإشارة، ولم تعد مستخدمة إلا عند من لا يستطيعون الكلام أو السمع بالإضافة إلى بعض القبائل التي ما زال التباعد المكاني بين أفرادها كبيراً لذلك تعتمد الإشارة بدل الصوت للتواصل.
ومن هنا، قمنا قبل فترة بمراجعة لهذه المقدمات وطرحنا على أنفسنا السؤال التالي:
لماذا لا نحاول إعادة الحياة إلى لغة الإشارة ونعمل على تطويرها لكي تكون لغة تواصل بين البشر أولاً وبين البشر وعالم الروبوتات؟ فما دام قد نسي لغة الإشارة، لماذا لا نعيد نحن لها الحياة؟
أحد عيوب لغة الإشارة التي طورها سمع من لا يستطيعون الكلام لعلى مدى أجيال عديدة هو صعوبة تلك اللغة، فلغة الإشارة الإيحائية التي يستخدمها من يعانون صعوبات في النطق والسمع حالياً صعبة ومعقدة وتتطلب حفظ الآلاف من الإشارات لكي نستطيع التواصل بها، بالإضافة إلى أن أغلب لغات الإشارة الحالية التي يفوق عددها 300 لغة هي لغات إيحائية وليس هجائية، والفرق بين اللغة الهجائية واللغة الإيحائية هو كالفرق بين الكتابة الهيروغليفية والكتابة الألفبائية!
اقرأ أيضاً: منصة أبجديات لتعلم اللغة العربية تتوسع في دولة الإمارات وخارجها
لذلك من أجل تطوير لغة الإشارة لكي يتمكن جميع البشر من استخدامها، ولكي تكون وسيلة تواصل قابلة للحياة بين عالم الإنسان وعالم الروبوتات، كان لا بد من إنتاج لغة إشارة جديدة سهلة ودقيقة وقابلة للتعلم بسرعة.
برنامج الأصابع الناطقة
بعد بحث واستقصاء، وعودة إلى التاريخ بضع خطوات، وجدنا أن شفرة مورس تستخدم إشارتين فقط (النقطة والشخطة)، ولغة الآلات هي إشارتين أيضاً (الصفر والواحد)، إذاً لماذا لا نستخدم شفرة مورس كلغة إشارة جديدة؟
لم نكن نحتاج سوى إلى تحديد الإشارة التي سنستخدمها لتحديد أيهما الخط وأيهما النقطة، ووجدنا أن إصبع الإبهام القصير يمكن أن يشير إلى النقطة، وأصبع السبابة يمكن أن يشير إلى الخط (أو الشخطة)، وبهذا أنتجنا "هجائية الإصبعين"، وهي عبارة عن لغة إشارة جديدة تعتمد على الإشارة بأصبع الإبهام والسبابة فقط لكتابة كل الحروف.
وحينها لم يبق لنا سوى أن نستعين بالتعلم العميق والبرمجة لإنتاج برنامج حاسوبي قادر على يدرك هذه الإشارات ويحولها إلى حروف وكلمات منطوقة.
وبالفعل، وبعد عمل امتد لأكثر من ستة أشهر، تمكنا من إنتاج أول برنامج قادر على أن ينطق الحروف والكلمات والجمل عن طريق الإشارة بأصبعين فقط، وأطلقنا على هذا البرنامج اسم "الأصابع الناطقة"، وبات بإمكاننا عن طريق الإشارة للحاسبة بأصبعين فقط أن نجعل الحاسوب ينطق لنا ما نريد من كلمات وحروف.
(برنامج الأصابع الناطقة الذي حصلنا به على جائزة أفضل ستة برامج في جائزة المليون مبرمج عربي).
لقد طورت الكثير من الشركات مثل جوجل ومايكروسوفت الكثير من البرامج القادرة على تحويل لغة الإشارة إلى حروف وكلمات، لكن أغلب تلك البرامج كانت تعاني من مشكلة ارتفاع نسبة الخطأ، بسبب عدم قدرة تلك البرامج لحد الآن على التشخيص الدقيق للإشارات الصادرة إليها، لأنها اعتمدت على لغة الإشارة الإيحائية التي تعاني هي أصلاً من كثرة وتشابه إشاراتها. لذلك فإن ما يميز برنامج الأصابع الناطقة هو أنه اعتمد على هجائية الإصبعين التي بدورها اختصرت لغة الإشارة كلها بإشارتين فقط، لذلك كانت دقته وسرعته عاليتين نسبة لباقي البرامج.
اقرأ أيضاً: أدوات التوظيف التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تثير قلق مناصري حقوق ذوي الهمم
شفرة مورس هي شفرة بسيطة يتعلمها الأطفال بسهولة في دورات الكشافة المدرسية، وبالتالي فإن تحويل شفرة مورس إلى "هجائية الإصبعين"، لتكون هجائية الإصبعين هي لغة تواصل بشرية جديدة يتعلمها الأطفال بالمدرسة بدل تعلم شفرة مورس، يمكن أن يعيد الحياة للغة الإشارة، لكي يستخدم الإنسان إصبعيه بدل شفتيه للتواصل مع باقي البشر، أو حين يستخدمها قريباً للتواصل مع أخيه الروبوت.