هذه ليلة الألعاب، وآمل بأن يحالفني الحظ كي أحصل على إعصار.
رميت حجر النرد، وأخذ يطقطق متدحرجاً على رقعة اللعب، وبعد أن انقلب عدة مرات توقف أخيراً، وظهر الوجه العلوي الذي يحمل صورة صغيرة لجذع شجرة مقطوع. أخبار سيئة: لقد تسببت للتو بإزالة الغابات في منطقة الأمازون. قُضي الأمر. لقد فشلت في إيقاف التغيّر المناخي، وفقاً لطريقة هذه اللعبة في تمثيله على الأقل.
قد تبدو الحاجة الماسّة إلى معالجة التغير المناخي موضوعاً غير مناسب لأمسية من المرح والتسلية، لكنْ، ثمة عدد متزايد من الألعاب التي تحاول طرح هذا الموضوع؛ بما فيها إصدار جديد لهذا الصيف من لعبة كاتان (Catan) الأكثر مبيعاً.
ونظراً إلى أنني مراسلة صحافية مختصة بالمناخ؛ فقد شعرت بالفضول إزاء قدرة هذه الألعاب على تمثيل تحديات الأزمة المناخية، وإن بصورة مجردة. أما الأهم من ذلك ربما، هل يمكن أن تكون هذه الألعاب مسلية فعلاً؟
اقرأ أيضاً: كيف تساعد ألعاب الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي على كشف ألغاز العقل البشري؟
هل يمكن أن تكون هذه الألعاب مفيدة؟
بدأت تحقيقاتي مع لعبة دايبريك (Dayrbeak)؛ وهي لعبة طاولة أطلقها فريق يضم في صفوفه مبتكر لعبة بانديميك (Pandemic) في أواخر عام 2023 (الأمراض المعدية، موضوع آخر من الموضوعات الخفيفة الظل والمناسبة للألعاب). دايبريك لعبة تعاونية يعمل فيها اللاعبون معاً على تخفيف الانبعاثات والنجاة من الكوارث، ويمكن أن تنتهي اللعبة بفوز جماعي أو خسارة جماعية للمجموعة بأسرها.
عندما فتحت الصندوق، كان من الواضح على الفور أن هذه اللعبة لن تكون مناسبة لضعاف القلوب. ثمة المئات من القطع الصغيرة المصنوعة من الورق المقوى والخشب، و3 مجموعات مختلفة من البطاقات، ودليل قواعد سميك إلى درجة مثيرة للدهشة، وقد تطلب تجهيز اللعبة وتعلم القواعد واللعب للمرة الأولى أكثر من ساعتين.
دايبريك غنية بالتفاصيل، وقد فوجئت بدقتها في تجسيد الكثير من هذه التفاصيل، فلا تقتصر بطاقات اللعبة على تمثيل كل شيء، بدءاً من المدن المصممة على وجه الخصوص للمشي فيها وصولاً إلى إزالة الكربون؛ بل إن كلاً منها تتضمن رمزاً للاستجابة السريعة (QR) يستطيع اللاعبون استخدامه للحصول على المزيد من المعلومات.
اقرأ أيضا: 3 أشكال بيانية تكشف المسؤول الأول عن التغير المناخي
تعلم تخفيف آثار التغير المناخي من خلال اللعب
في كل دور من أدوار اللعب، يحاول اللاعبون تخفيف التلوث المناخي من خلال تطبيق مجموعة من التكنولوجيات أو سنّ سياسات مناخية. كما يحدث في الحياة الواقعية؛ فإن للانبعاثات تأثيرات سلبية. يتطلب تحقيق الفوز خفض الانبعاثات الكربونية إلى أن تصبح صفرية (أي المرحلة التي يمكن فيها امتصاص أي شيء ينبعث من الغابات أو المحيطات أو التقاط الكربون من الهواء مباشرة). لكن خسارة المجموعة بأسرها يمكن أن تحدث وفق عدة طرق؛ بما فيها السماح بارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين، أو نتيجة استنفاد أدوار اللعب ببساطة.
وبالنسبة إلى شخص مثلي يمضي معظم ساعات يقظته وهو يفكر في التغير المناخي، فقد كان أدائي في اللعبة مدعاة للإحراج؛ حيث انتهت كل جولة لعبتها في لعبة دايبريك تقريباً بالفشل. وما يزيد الطين بلة، هو أنني لست متأكدة من أنني كنت أمضي وقتاً ممتعاً. لا شك في أن هذه الأحجية المجردة كانت جذابة وصعبة، وبعد الخسارة، كنت أتفقد الساعة حتى أعرف إن كان هناك وقت لجولة جديدة من اللعب. لكن ما إن أعدت القطع كلها إلى الصندوق، ذهبت إلى السرير وأنا أفكر في موجات الحر وزوال الغابات بسبب الوقود الأحفوري. ومن المحتمل أن مصممي اللعبة بالغوا بعض الشيء في دقة تمثيلها للتغير المناخي.
وتساءلت إن كان الإصدار الجديد من اللعبة الكلاسيكية سيكون أفضل حالاً. حققت لعبة كاتان (Catan) المعروفة سابقاً باسم "سيتلرز أوف كاتان" (Settlers of Catan)، وسلاسل الألعاب المرتبطة بها، مبيعات عالمية تجاوزت 45 مليون نسخة منذ إصدار اللعبة الأصلية في 1995. تهدف اللعبة إلى بناء الطرق والمستوطنات، وإنشاء حضارة كاملة.
في أواخر عام 2023، أعلنت شركة كاتان ستوديوز (Catan Studios) أنها ستطلق إصداراً جديداً من اللعبة يركز على التغير المناخي باسم "نيو إنيرجيز" (New Energies). تحمل النسخة الجديدة التي أصدرتها الشركة هذا الصيف السمات الأساسية نفسها للعبة الأصلية؛ لكن في هذا الإصدار، سيعمل اللاعبون أيضاً على بناء محطات للطاقة، وتوليد الطاقة بالاعتماد على الوقود الأحفوري أو الطاقات المتجددة. يتميز الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة بأنه أقل تكلفة، ويتيح التوسع بسرعة أكبر؛ لكنه من ناحية ثانية يؤدي إلى التلوث؛ ما قد يلحق الضرر بالمجتمعات التي يؤسسها اللاعبون؛ بل ويمكن حتى أن يؤدي إلى إنهاء اللعبة مبكراً.
قبل أن أحضر اللعبة، تحدثت إلى أحد مصمميها، بنجامين توبر، الذي طوّر اللعبة مع والده الراحل، كلاوس توبر؛ وهو العقل المدبر الذي صمم لعبة كاتان الأصلية.
هل التغيّر المناخي عنصر مناسب للألعاب؟
بالنسبة إلى توبر، يمثّل التغير المناخي عنصراً مناسباً للألعاب على نحو قد يتجاوز التوقعات. وقد أخبرني قائلاً: "نعتقد أن اللعبة الجيدة تتمحور على الدوام حول معضلة ما". يكمن السر في تبسيط المشكلة إلى درجة كافية، وهو تحدٍّ فرض على الفريق إجراء عشرات المحاولات خلال تطوير نيو إنيرجيز، غير أنه يعتقد أيضاً أنه ثمة حاجة إلى أن تكون اللعبة مشجعة إلى درجة ما. يقول توبر: "لا يمكن أن نُثير نفور اللاعبين من خلال تحويل أمسيتهم إلى جلسة كئيبة، على الرغم من أن موضوع اللعبة جدي للغاية، أو ربما لأن موضوع اللعبة جدي للغاية على وجه التحديد".
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يستهلك الطاقة بشراهة فما تأثير ذلك في التغيّر المناخي؟
في نيو إنيرجيز، يفوز اللاعب الذي يكسب 10 نقاط أولاً، بغض النظر عن مدى التلوث الذي يتسبب به مصدر الطاقة لذلك اللاعب المنفرد. لكن، إذا تجاوز مجموع محطات الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري التي بناها اللاعبون جميعاً حداً معيناً، وارتفع مستوى التلوث إلى درجة كبيرة، تنتهي اللعبة مبكراً، وفي هذه الحالة، يفوز اللاعب الذي أدى أكبر قدر من العمل لجعل مصادر الطاقة لديه أقل تسبباً بالتلوث؛ هذا ما حدث عندما جربت اللعبة أول مرة. وعلى حين كنت متأخرة عن اللاعبين الآخرين من حيث مجموع النقاط، انتهى بي المطاف إلى الفوز لأنني بنيت محطات طاقة تعتمد على الطاقات المتجددة أكثر مما بناه اللاعبون الآخرون.
انتابتني مشاعر متضاربة إثر هذه النهاية الوردية نسبياً، فقد كنت مسروراً من ناحية، وإن كان هذا الفوز أقرب إلى جائزة ترضية، لكنني شعرت من ناحية أخرى بالقلق إزاء الرسائل التي توجهها نيو إنيرجيز إلى اللاعبين. فاللعبة البسيطة التي تتوّج لاعباً واحداً بالفوز قد تكون أكثر قابلية للعب، لكنها لا تمثل مدى تعقيد الأزمة المناخية، أو حاجتنا الماسة إلى التعامل معها بصورة طارئة.
يسعدني أن التغير المناخي يشغل مكاناً على رف الألعاب في منزلي، وآمل بأن تجد هذه الألعاب وغيرها من الألعاب المماثلة طريقها إلى الجمهور، وتدفع الناس إلى التفكير في هذه القضايا. لكنني سأتفهم الحاجة إلى اللجوء إلى خيارات أخرى عندما تبدأ ليلة الألعاب لأنني لا أستطيع تجاهل الحقيقة التي مفادها أننا في العالم الحقيقي، على عكس الألعاب، لن نتمكن من إعادة ترتيب القطع والمحاولة مرة أخرى.