كيف يمكن للتنقيب في بيانات التجارب الفاشلة أن يعلمنا أسرار النجاح

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تيك | إديسون: مكتبة الكونجرس، مصباح كهربائي: بيكساباي.

كثيراً ما يوصف توماس إديسون بأنه أعظم مخترعي أميركا. حيث تشمل نجاحاته توليد الطاقة الكهربائية، وتسجيل الصوت، والمصباح الكهربائي.

لكن إديسون لم يكن غريباً عن الفشل. فقد اشتُهر أنه اختبر 1,000 تصميم مختلف قبل أن يستقر على فتيل الكربون الذي أصبح أول مصباح كهربائي تجاري، وقد ميزته هذه المثابرة عن غيره. يقول إديسون: "إن العديد من الإخفاقات التي تشهدها الحياة تمثل أناساً لم يتمكنوا من إدراك مدى قربهم من النجاح في اللحظات التي استسلموا فيها".

قام العديد من الأفراد والمجموعات بدراسة طبيعة النجاح، وقد أسفرت هذه الدراسات عن درجات متفاوتة من الآراء المستنيرة. أما على المقلب الآخر، فقد حظيت طبيعة الفشل بعدد أقل بكثير من الدراسات ولكن يمكن القول إنها أكثر أهمية. ثمة قدر ضئيل من المعلومات عن الآليات التي تحكم ديناميات الفشل.

يتغير هذا الأمر اليوم، جزئياً على الأقل، وذلك بفضل عمل ييان يين وزملائه في جامعة نورث ويسترن في إيفانستون بولاية إلينوي. فقد قام هذا الفريق بتحليل طبيعة الفشل في 3 مجموعات ضخمة من البيانات التي تتتبع حظوظ الشركات الناشئة، ومحاولات الباحثين لتأمين التمويل، والهجمات الإرهابية.

يكشف العمل عن ديناميات الفشل والعلامات الخفية التي يمكنها أن تفصل بين حالات الفشل الوشيك وحالات النجاح في مرحلة مبكرة.

تعتمد طريقة الفريق على تحليل 3 مجموعات من البيانات. المجموعة الأولى تضم جميع المقترحات البحثية المتعلقة بالمجال الصحي، والتي تم تقديمها إلى المعاهد الصحية الوطنية الأميركية NIH بين العامين 1985 و 2015.

تُعد NIH أكبر ممول لأبحاث الطب الحيوي في العالم، لذا فإن مجموعة البيانات هذه ضخمة للغاية، حيث تتألف من 776,721 تطبيقاً من قبل 139,091 باحثاً. كما أنها تتضمن معلومات عما إذا كان مقترحٌ ما قد تم تمويله أم لا؛ وبعبارة أخرى، عما إذا كان ناجحاً أم لا.

قاعدة البيانات الثانية تمثل سجلات الاستثمار في الشركات الناشئة من فينتشر إكسبرت VentureXpert، وهي قاعدة البيانات الرسمية الخاصة بالرابطة الوطنية لرؤوس الأموال. تتتبع قاعدة البيانات هذه مصير كل شركة ناشئة تم تمويلها من قبل أصحاب رؤوس الأموال بين العامين 1970 و 2017، أي ما مجموعة 58,111 شركة تضم 253,579 مبتكراً.

في هذه الحالة، تعتبر الشركة الناشئة ناجحة إذا تمكنت من الطرح الأولي لأسهمها للعامة، أو حققت اندماجاً أو استحواذاً ذا قيمة مرتفعة خلال 5 سنوات من تأسيسها.

أما مجموعة البيانات الأخيرة فهي تعود إلى قاعدة البيانات العالمية للإرهاب، والتي تمتلك سجلات عن 3,178 منظمة إرهابية بين العامين 1970 و 2017. في هذه الحالة، فإن الهجوم الناجح هو الذي يزعم سقوط ضحية واحدة على الأقل، في حين أن الهجمات الفاشلة هي التي تفشل في قتل أي أحد.

من الميزات الأساسية لمجموعات البيانات هذه هي أنها تسمح لين وزملائه بتتبع حظوظ الباحثين، والمبتكرين والمجموعات الإرهابية الذين يجرون الكثير من المحاولات لتحقيق أهدافهم. والسؤال الرئيسي الذي يبحثون عنه هو كيف تتغير المحاولات بمرور الزمن، وما هي العوامل التي تشارك في هذه التغيرات.

قام يين وزملاؤه على وجه الخصوص بدراسة اثنين من العوامل التي يُعتقد أنها تلعب دوراً هاماً في النجاح والفشل: الصدفة والتعلم. حيث ينظرون أولاً إلى الصدفة، وهي المفهوم القائل بأن الأحداث العشوائية تلعب دوراً هاماً في عرقلة أو تعزيز فرص النجاح.

يؤدي هذا الأمر إلى نموذج بسيط، فإذا كانت الصدفة هي العامل الرئيسي الذي يحدد النجاح، فعندئذ يمكن لكل محاولة أن تتكلل بالنجاح باحتمال محدود. في الواقع، سيتحقق النجاح في نهاية المطاف إذا بٌذل عددٌ كافٍ من المحاولات. يشير هذا إلى أن عدد المحاولات قبل تحقيق النجاح ينبغي أن يتبع توزيعاً على شكل تابع رياضي أسي.

لاختبار هذه النظرية، قام يين وزملاؤه بدراسة تسلسل حالات الفشل التي مُني بها نفس الأفراد أو الفرق قبل أن يحققوا النجاح. وقد تبين أن هذه التسلسلات لا تتبع نوع التوزيع الذي يتنبأ به نموذج الصدفة.

قام يين وزملاؤه أيضاً بتقييم المحاولات الأولى وما قبل الأخيرة في سلاسل الفشل هذه، ثم قارنوا فيما بينها لمعرفة الكيفية التي تغيرت بها. إن كان الحظ هو الأمر المهم الوحيد، فينبغي عدم وجود فوارق كبيرة.

ولكن المحاولات ما قبل الأخيرة أفضل بكثير من المحاولات الأولى، كما يقول الفريق. هذا يشير إلى وجود آلية أخرى مؤثرة: لا بد أن الأشخاص المشاركين يتعلمون. بتعبير آخر، فإن تجربة الفشل تقدم دروساً قيّمة يمكن استخدامها لتحسين الأداء في المرات القادمة.

بما أنه يفترض للتعلم أن يقلل من عدد المحاولات المطلوبة قبل تحقيق النجاح، لذا ينبغي له أن يضيّق من نطاق توزيع سلاسل الفشل مقارنة بالشكل الأسي الذي يتنبأ به نموذج الصدفة.

لكن الأمر الذي أدهش يين وزملاءه، هو أن سلاسل الفشل لا تتبع هذا النمط أيضاً. في الواقع، لديهم تابع توزيع أكثر التواء بكثير. يقول الباحثون: "تدل هذه الملاحظات على أنه لا يمكن لأي من الصدفة أو التعلم لوحده أن يفسر الأنماط التجريبية الكامنة وراء حالات الفشل".

إذن ما هي العوامل الأخرى المهمة؟ لمعرفة ذلك، قام يين وزملاؤه بنمذجة الطريقة التي يتعلّم بها الناس من التجارب، وكيف يؤثر ذلك على محاولاتهم التالية. على وجه الخصوص، قاموا بنمذجة ما إذا كان الناس يأخذون في الاعتبار جميع تجاربهم السابقة، أو بعضاً منها فقط.

إن النموذج الحالي يأخذ في عين الاعتبار مجالاً يغطي كامل حالات التعلم، من الوسطاء الذين يأخذون في الحسبان كافة تجاربهم السابقة إلى أولئك الذين لا يأخذون في الحسبان أياً منها، والحالات التي تتراوح بين هاتين الفئتين.

يقول الفريق إن النموذج يتنبأ بحدوث تغيرات في السلوك الذي يتطابق مع البيانات التجريبية. عندما يكون مستوى التعلم من التجارب أدنى من عتبة معينة، فإن المحاولات المستقبلية لن تتحسن أبداً بما يكفي لتحقيق النجاح. في الواقع، يمكن أن ينتهي الأمر بالمجموعات إلى حد التدني في نوعية الأعمال التي يقومون بها.

ولكن عندما يكون مستوى التعلم من التجارب أعلى من هذه العتبة، فإن المحاولات المستقبلية تتحسن أكثر فأكثر إلى أن يتمكنوا في النهاية من تحقيق النجاح. والعامل الرئيسي في هذه الحالة، هو الأسلوب الذي يتبعه الناس في التعلم.

هذا الأمر له انعكاسات هامة. فهو يعني، على سبيل المثال، أن عملية التعلم التي يتبعها فريق معين، تُعد مؤشراً جيداً على ما إذا كان سينجح في مرحلة ما أم لا. يقول يين وزملاؤه: "تكشف النتائج التي توصلنا إليها عن إشارات مبكرة قابلة للتمييز لم تكن معروفة من قبل، تسمح لنا بتحديد ديناميات الفشل التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى النصر أو الهزيمة".

ستكون الخطوة التالية هي تحليل التعلم الناجح في المكان، بحيث يمكن تمييزه عن التعلم الفاشل ليتم تدريسه بشكل منهجي في نهاية المطاف. قد يمثل هذا الأمر وسيلة حاسمة بالنسبة للفرق للحصول على الأفضلية في المنافسات. ومع وجود قدر كبير من المخاطر فيما يتعلق بالتمويل والاستثمار، فإن المتعلمين الناجحين لديهم الكثير من الحوافز لبذل المزيد من الجهود. سيكون إديسون منبهراً عندها بلا شك.

مرجع: arxiv.org/abs/1903.07562: التحديد الكمي لديناميات الفشل في كل من مجالات العلوم، والشركات الناشئة، والحلول الأمنية.

المحتوى محمي