لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد وعد بعيد المنال، بل أصبح محركاً خفياً يدفع عجلة التحول في الشرق الأوسط. من شوارع دبي الصاخبة إلى القاعات الدراسية الذكية في الرياض، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وهو أمر يحدث في الغالب دون أن يدرك الناس ذلك. هذه الثورة الصامتة لا تعيد تعريف طريقة عيش المواطنين وعملهم وتفاعلهم فحسب، بل إنها تضع منطقة مجلس التعاون الخليجي في موقع الريادة العالمية في مجال الابتكار الرقمي. مع تزايد اعتماد الحكومات والشركات على الذكاء الاصطناعي، فإن الآثار المترتبة على الأفراد والمجتمع عميقة، وتطال كل شيء من الرعاية الصحية والتعليم إلى السلامة العامة والتخطيط الحضري.
يتمتع المشهد الديموغرافي في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي بموقع فريد يمكنه من تعزيز مجتمع متمرس في مجال التكنولوجيا، بفضل سكانه الشباب والمتحضرين والمتنوعين للغاية. أكثر من 50% من المواطنين القاطنين في دول مجلس التعاون الخليجي تقل أعمارهم عن 25 عاماً، ما يخلق بيئة ديناميكية يمكن أن يزدهر فيها التحول الرقمي والابتكارات الرقمية بسرعة. على سبيل المثال، في دولة الإمارات العربية المتحدة، يشكل البالغون في ذروة سنوات العمل (25-54 عاماً) أكثر من 64% من السكان، بينما يشكل الشباب (15-24 عاماً) نسبة 12.7% أخرى، وهو مؤشر واضح على وجود قوة عاملة قوية وقادرة على التكيف ومستعدة لتبني التقنيات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، تعد مدن المنطقة وجهات مستقطبة للمواهب العالمية: إذ يشكل المغتربون ما يصل إلى 90% من السكان في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، جالبين معهم ثروة من الخبرة الدولية والمهارات الرقمية.
المزايا الرئيسية للعيش في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي
من المزايا الفريدة للأشخاص الذين يعيشون في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي هي الحجم والرؤية غير المسبوقين للاستثمارات الحكومية في المبادرات القائمة على الذكاء الاصطناعي والمصممة لجعل الحياة أسهل وأكثر أماناً وازدهاراً. تخصص الحكومات في أرجاء المنطقة كلها مليارات الدولارات لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية والبنية التحتية الذكية وبرامج التحول الرقمي. على سبيل المثال، فإن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة لعام 2031 ورؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 ليستا مجرد خطط طموحة، بل يجري العمل على تحقيقها من خلال مشاريع ملموسة مثل تطوير مراكز بيانات من الطراز العالمي ومنصات رعاية صحية مدعومة بالذكاء الاصطناعي وحلول المدن الذكية التي تعود بالفائدة المباشرة على المواطنين في حياتهم اليومية.
وينعكس هذا الالتزام في التبني السريع للخدمات الحكومية الرقمية في المنطقة، التي تحظى بنسبة قبول صافية تبلغ 81% من المواطنين ومستوى ثقة يبلغ 71% في الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، وكلاهما يتجاوز بكثير المتوسطات العالمية. وتساهم الشراكات الاستراتيجية مع شركات التكنولوجيا العالمية الرائدة، مثل آي بي إم ومايكروسوفت وجوجل، في تسريع تطبيق التكنولوجيات المتطورة، ما يضمن حصول السكان على أحدث الابتكارات في الخدمات العامة والأمن والتعليم.
ونتيجة لذلك، يتمتع سكان الشرق الأوسط ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي بموقع فريد للاستفادة من مزايا مجتمع يضع الحلول الرقمية في المقام الأول، حيث تعمل الاستثمارات التي تقودها الحكومات على تشكيل مستقبل أكثر أماناً وكفاءة وثراء بالفرص للجميع.
فهم تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتك اليومية في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي
يمتد نطاق الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من الروبوتات المستقبلية أو المختبرات العالية التقنية. في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي، تتجسد تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في عدد لا يحصى من التفاعلات اليومية. وفيما يلي بعض الأمثلة (قائمة غير شاملة):
- البنية التحتية للمدن الذكية: تستفيد مدن مثل دبي وأبوظبي من الذكاء الاصطناعي لتحسين انسيابية حركة المرور وإدارة استهلاك الطاقة وتنظيم حركة وسائل النقل العامة. تساعد النماذج التنبؤية وأجهزة الاستشعار في الزمن الحقيقي على تخفيف الازدحام وتجعل التنقل أكثر كفاءة.
- الرعاية الصحية عند الطلب: توفر منصات العلاج الطبي عن بعد المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل "طبيب لكل مواطن" في الإمارات العربية المتحدة، خدمات التشخيص والرعاية الشخصية عن بعد، ما يتيح علاجاً أسرع وأدق لملايين الأشخاص6.
- الخدمات الحكومية الرقمية: تتولى المساعدات الافتراضية وبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي الآن كل شيء بدءاً من تحديد المواعيد وصولاً إلى تجديد بطاقات الهوية الشخصية، ما يجعل الخدمات العامة متاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ويقلل أوقات الانتظار.
- توصيل الطعام: عندما يطلب السكان الطعام من خلال تطبيقات التوصيل، تتنبأ خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتفضيلاتهم، وتحسن مسارات التوصيل، وتتنبأ حتى بالطلب لضمان تزويد المطاعم بالمخزون الكافي.
- الخدمات المصرفية: أصبحت الخدمات المصرفية أكثر تخصيصاً، حيث تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحليل أنماط الإنفاق لتقديم مشورة مالية مخصصة واكتشاف المعاملات الاحتيالية في الزمن الحقيقي.
- التعليم المخصص: تستخدم منصات التعلم التكيفي الذكاء الاصطناعي لتخصيص الدروس لكل طالب على حدة، والتنبؤ بالأداء الأكاديمي، وتحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي، ما أحدث ثورة في تجربة القاعة الدراسية>
يتجاوز هذا التحول حدود الخدمات المذكورة أعلاه بكثير. في القطاع الخاص، أفادت 91% من الشركات الإماراتية بأنها تستخدم أداة واحدة على الأقل من أدوات الذكاء الاصطناعي في سير عملها، ما يحدث تأثيراً متسلسلاً يمس كل جانب من جوانب تجربة المستهلك.
هذه الابتكارات متكاملة بصورة سلسة للغاية لدرجة أن العديد من السكان يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي يومياً -سواء كان ذلك في أثناء التنقل في شوارع المدن، أو من خلال الوصول إلى الخدمات الحكومية، أو استخدام تطبيقات الخدمات المصرفية- وغالباً دون أن يلاحظوا أن هذه التكنولوجيا تعمل.
توصيتنا لك لتبني الذكاء الاصطناعي في حياتك اليومية
لكي ينجح الأفراد في هذا العصر الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، يجب عليهم اتخاذ خطوات استباقية:
- التعلم مدى الحياة: تبني المعرفة الرقمية والبحث عن برامج تدريبية تركز على الذكاء الاصطناعي، والعديد من هذه البرامج مدمج الآن في أنظمة التعليم الوطنية والمنصات الإلكترونية. تقدم منصات مثل كورسيرا وإدكس، بالشراكة مع جامعات إقليمية مثل الجامعة الأميركية في الشارقة، دورات في التعلم الآلي وعلوم البيانات. توفر شركات التكنولوجيا مثل آي بي إم أومايكروسوفت تدريباً مجانياً على الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت.
- الاستفادة من المبادرات الحكومية: استفد من الخدمات العامة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من العلاج الطبي عن بعد إلى بوابات الحكومة الإلكترونية، المصممة لتحسين تجربة العملاء وتعزيز الراحة والكفاءة.
- الاستفادة من بيئات العمل المتكاملة المحلية: انضم إلى مجتمعات الذكاء الاصطناعي مثل مركز قطر للذكاء الاصطناعي، أو برامج مكتب الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة. توفر هذه المراكز الإرشاد والتمويل والتواصل، ما يعزز فرص ريادة الأعمال. على سبيل المثال، دعم مركز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي في البحرين أكثر من 50 شركة ناشئة منذ عام 2020.
- استكشاف فرص جديدة: ابحث عن طرق لدمج أدوات الذكاء الاصطناعي في الروتين اليومي، سواء من خلال الأجهزة المنزلية الذكية أو تطبيقات التعلم المخصصة أو الخدمات المالية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
- تعرف على دراسات الحالة الجديدة في منطقتك: على سبيل المثال، يستخدم المواطنون في الإمارات العربية المتحدة بانتظام بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لإجراء المعاملات الحكومية، بينما يستفيد بعض رواد الأعمال السعوديين من تحليلات الذكاء الاصطناعي لتحسين قراراتهم التجارية. يتبنى المزارعون في المنطقة الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لزيادة غلة المحاصيل وتعزيز استدامتها.
تسلط هذه الأمثلة الضوء على الإمكانات التي يتيحها تبني الذكاء الاصطناعي في تحقيق تحسينات ملموسة في الإنتاجية والرفاه والفرص الاقتصادية.
الخلاصة والدعوة إلى العمل
يعمل الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل الحياة في الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي بهدوء، ولكن بصورة ملحوظة ووتيرة متسارعة. فهو يؤدي دوراً خفياً في توجه كل شيء من الرعاية الصحية إلى التعليم وتخطيط المدن والابتكار في الأعمال. وقد أرست الاستثمارات الجريئة والرؤية الاستراتيجية للمنطقة معياراً عالمياً، لكن الإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي لن تتحقق إلا من خلال تفاعل الأفراد والمؤسسات بفعالية مع هذه التقنيات.
الآن هو الوقت المناسب لتبني التعلم مدى الحياة، والاستفادة من الأدوات الرقمية، والمشاركة في التحول الذي يقوده الذكاء الاصطناعي. وبذلك، لن يتمكن سكان الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي من مواجهة تحديات العالم الجديد فحسب، بل سيتمكنون أيضاً من اغتنام الفرص الهائلة التي تنتظرهم، ما يضمن بقاء المنطقة في طليعة الابتكار والازدهار والريادة العالمية في عصر الذكاء الاصطناعي.
جميع الأفكار الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب الشخصي.