تصفح الإنترنت ليس مجرد نشاط بريء بالنسبة للأطفال. من مقاطع الفيديو المضللة إلى الإعلانات الجنسية، أصبحت الإنترنت مليئة بالمخاطر التي يصعب على الأهل ملاحظتها أو السيطرة عليها. ومع تزايد هذه التهديدات، بدأت الحكومات وشركات التكنولوجيا بالتحرك بشكل غير مسبوق لحماية الأطفال من المحتوى الضار، مدفوعة بموجة عالمية من القلق الشعبي والتشريعات الجديدة.
لكن هل يكفي هذا التحرك؟ وهل هناك ما يمكن أن نفعله كآباء أو معلمين لحماية الأطفال؟
أرقام صادمة: الأطفال في مرمى الاستهداف
وفقاً لتقارير متعددة من منظمات دولية، يتعرض الأطفال بشكل متزايد للاستهداف عبر الإنترنت:
- وفقاً لتقرير حديث من كومون سينس ميديا Common Sense Media، وهي مؤسسة أميركية تساعد العائلات والمعلمين على اتخاذ قرارات ذكية بشأن استخدام الأطفال للتكنولوجيا والوسائط الرقمية. يمتلك 40% من الأطفال جهازاً لوحياً في سن الثانية، ويمتلك 1 من كل 4 أطفال هاتفاً محمولاً في سن الثامنة. ومتوسط وقت استخدامهم للشاشات يبلغ نحو ساعتين ونصف الساعة يومياً، وهذا يزيد فرص تعرضهم للمحتوى الضار.
- بحسب تقرير صدر عام 2023 عن مؤسسة كومون سينس ميديا بعنوان "المراهقون والمواد الإباحية"، شاهد 73% من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً مواد إباحية على الإنترنت، وأفاد 54% بأنهم شاهدوا محتوى إباحياً أول مرة في سن 13 عاماً.
- ذكر تقرير صادر عن منظمة ثورن Thorn المتخصصة في حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت، أن نحو نصف الأطفال تواصلوا مع شخص غريب سواء عبر تطبيقات الألعاب أو منصات التواصل الاجتماعي.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل ناقوس خطر يدق في كل بيت.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على إبقاء طفلك آمناً على شبكة الإنترنت
دور الذكاء الاصطناعي في حماية الأطفال
في مواجهة هذا الواقع، بدأت شركات التكنولوجيا بتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متخصصة في حماية الأطفال. هذه الأدوات لا تكتفي بحجب الكلمات أو الصور غير المناسبة لهم، بل تستخدم تقنيات متقدمة لفهم السياق وتحليل المحتوى بشكل لحظي:
اكتشاف المحتوى الضار وتصفيته
من أبسط تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأكثرها تأثيراً في حماية الطفل الكشف عن المحتوى الضار على الإنترنت وتصفيته. تستخدم شركات مثل جوجل وميتا خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة تفحص ملايين المنشورات والصور ومقاطع الفيديو يومياً، وتحدد المحتوى الذي قد يكون ضاراً بالأطفال وتزيله. تدرب هذه الأنظمة على مجموعات بيانات ضخمة للتعرف إلى المواد غير المناسبة وإزالتها دون تدخل بشري.
مكافحة التنمر الإلكتروني
التنمر الإلكتروني مشكلة متفشية على الإنترنت، تؤثر في أعداد لا تحصى من الأطفال والمراهقين. يقدم الذكاء الاصطناعي حلاً استباقياً ضده، إذ يحدد سلوك التنمر في الرسائل النصية والبريد الإلكتروني وتفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي. وقد طورت منصات مثل إنستغرام أدوات ذكاء اصطناعي ترصد التعليقات المحتملة المسيئة قبل نشرها، ما يدفع المستخدم إلى إعادة النظر. لا يقتصر هذا التطبيق للذكاء الاصطناعي على وقف التنمر الإلكتروني فحسب، بل يعزز أيضاً ثقافة اللطف بين مستخدمي الإنترنت.
منع استغلال الأطفال
في المعركة الحاسمة ضد استغلال الأطفال، أصبح الذكاء الاصطناعي حليفاً لا يقدر بثمن. تستفيد منظمات مثل ثورن والمركز الوطني الأميركي للأطفال المفقودين والمستغلين (NCMEC) من الذكاء الاصطناعي لتحديد ضحايا الاتجار بالأطفال والاستغلال الجنسي وإنقاذهم. تساعد أداة ثورن المعروفة باسم سيفر Safer المدعومة بالذكاء الاصطناعي شركات التكنولوجيا على تحديد مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال وإزالتها من منصاتها من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو على نطاق واسع، كما تساعد على توثيق صور ومعلومات الأطفال والبالغين الذين يظهرون في هذه الصور والفيديوهات من أجل التعرف إليهم، ما يؤدي إلى إنقاذ الأطفال الضحايا والقبض على الجناة.
تعزيز العادات الآمنة على الإنترنت
يمتد دور الذكاء الاصطناعي في حماية الأطفال إلى التعليم، حيث يرشدهم في تعزيز عادات الإنترنت الآمنة. على سبيل المثال، طورت شركة جوجل لعبة إنترلاند Enterland المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعليم الأطفال سلوكيات سليمة لاستخدام الإنترنت بطريقة تفاعلية وجذابة. من خلال اللعب، يتعلم الأطفال كيفية اكتشاف التصيد الاحتيالي وحماية معلوماتهم الشخصية والتنقل على الإنترنت بمسؤولية، ما يزودهم بالمعرفة اللازمة لحماية أنفسهم على الإنترنت.
الرقابة الأبوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
دمجت بعض تطبيقات المراقبة الأبوية الذكاء الاصطناعي لمساعدة الآباء أو الأوصياء في الحفاظ على سلامة أطفالهم على الإنترنت دون انتهاك خصوصيتهم. تنبه هذه التطبيقات الآباء إلى المخاطر المحتملة، مثل التنمر الإلكتروني أو التواصل مع الغرباء، مع احترام استقلالية الطفل وخصوصيته. ومن خلال تحليل أنماط التواصل ومحتواه، يمنح الذكاء الاصطناعي الآباء راحة البال حين يعلمون أن لديهم الأدوات اللازمة لحماية أطفالهم.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تطبيق جوجل فاميلي لينك لحماية الأطفال عند تصفحهم الإنترنت؟
هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟
على الرغم من التقدم الكبير، فلا تزال هناك عقبات:
- الذكاء الاصطناعي قد يخطئ في تصنيف المحتوى، ما يؤدي إلى حجب محتوى بريء أو السماح بمحتوى ضار.
- بعض المنصات تستخدم أدوات الحماية كواجهة تسويقية دون تطبيق فعلي فعال.
- هناك مخاوف من أن أدوات المراقبة قد تنتهك خصوصية الأطفال أو تجمع بياناتهم دون إذن.
لذلك، الحل لا يكمن فقط في التقنية، بل في إشراك الأهل والمدارس والمجتمع في إنشاء بيئة رقمية آمنة للأطفال.
كيف تحمي طفلك اليوم؟
حتى مع وجود الذكاء الاصطناعي، يظل دور الأهل محورياً. إليك بعض الخطوات العملية:
- استخدم أدوات الرقابة الأبوية المتوفرة على الأجهزة.
- راقب التطبيقات التي يستخدمها طفلك، وراجع إعدادات الخصوصية فيها.
- تحدث إلى أطفالك بانتظام عن مخاطر الإنترنت، وعلمهم كيف يتعاملون مع المحتوى المريب.
- شجع طفلك على التحدث إليك إذا واجه شيئاً غير مريح أو غريب.
التحرك العالمي نحو حماية الأطفال على الإنترنت هو خطوة إيجابية، لكنه لا يزال قاصراً. الذكاء الاصطناعي يقدم أدوات قوية، لكن فاعليتها تعتمد على كيفية استخدامها، وعلى مدى تبنيها. لذلك تذكر، حماية الأطفال ليست مسؤولية شركات التكنولوجيا فقط، بل هي مسؤولية إنسانية جماعية تقع على عاتق الأهل والمعلمين والمؤسسات التعليمية وشركات التكنولوجيا وصانعي القرارات والسياسات.