كيف سيغير تلسكوب ماجلان العملاق نظرتنا للكون؟

4 دقائق
كيف سيغير تلسكوب ماجلان العملاق نظرتنا للكون؟
الصورة الأصلية: مؤسسة سميثسونيان | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

تلسكوب ماجلان يجيب على السؤال المهم

لعل أبرز الأسئلة التي يحاول علماء الفلك الإجابة عليها في عصرنا الحالي تدور حول ماهية المادة المظلمة وهل تشكل فعلاً -مع الطاقة المظلمة- معظم الكون الذي نعرفه، وكيف تشكلت النجوم الأولى من الغاز الذي انتشر بعد الانفجار العظيم، وما مصير هذا الكون.

بيد أن السؤال الأكثر إثارة، والذي لم يجب عليه علم الفلك حتى الآن، هو: هل نعيش وحدنا في الكون؟ هذا ما يتطلع العلماء إلى معرفته، أو على الأقل الاقتراب خطوة أخرى من معرفته، عند تشغيل التلسكوب البصري الأول من نوعه في العالم: تلسكوب ماجلان العملاق (Giant Magellan Telescope)، والمعروف اختصاراً باسم (GMT).

وفقاً لمركز هارفارد- سميثسونيان للفيزياء الفلكية الذي يعد أكبر مراكز أبحاث الفيزياء الفلكية في العالم، فإن تلسكوب ماجلان العملاق -الذي يجري تشييده في مرصد لاس كامباناس في جبال الإنديز بتشيلي- سيكون واحد من بين عدد قليل من التلسكوبات الأرضية فائقة الضخامة التي تعد بإحداث ثورة في فهمنا للكون.

ومن المقرر أن يبدأ تشغيل التلسكوب الجديد عام 2029، ليكون حينها التلسكوب البصري الأكبر من نوعه في العالم، وسيتسنى من خلاله الحصول على صور كونية بمعدل وضوح أكبر عشرة مرات من تلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا.

تلسكوب ماجلان العملاق
جانب من عملية تركيب المرآة الخامسة للتلسكوب. مصدر الصورة: الموقع الرسمي لتلسكوب ماجلان العملاق.

 وتشترك مجموعة كبيرة من الجامعات والمؤسسات العلمية الرائدة في إنشاء وتشغيل هذا المشروع، أبرزها معهد سميثسونيان وجامعة هارفارد وجامعة أستراليا الوطنية وشركة أسترونومي أستراليا ليمتد ومؤسسة كارنيجي للعلوم ومعهد علوم الفلك والفضاء الكوري ومؤسسة ساو باولو للأبحاث في البرازيل وجامعة تكساس في أوستن وجامعة تكساس إيه آند إم وجامعة أريزونا وجامعة شيكاغو.

مرايا التلسكوب

يُعد تلسكوب ماجلان العملاق أحد التلكسوبات مجزأة المرايا، حيث يتمتع بوجود سبعة من أكبر المرايا التلسكوبية التي تم استخدامها على الإطلاق. ويبلغ قطر ستة منها 8.4 متراً، تحيط جميعها بمرآة مركزية، لتشكل كافة المرايا مجتمعة سطحاً بصرياً واحداً يبلغ قطره 24.5 متراً، بمساحة تجميع ضوء كلية تبلغ أكثر من (4000 قدم مربعة) 380 متراً مربعاً.

وقد صُنعت المرايا الرئيسية في التلسكوب في "مختبر المرايا بمرصد ستيوارد" التابع لجامعة أريزونا، والذي يعد أحد المختبرات القليلة في العالم التي يمكنها تصميم وبناء مرايا لتلسكوبات بهذا الحجم. ويصفها مركز هارفارد- سميثسونيان بأنها تُعد بمثابة أعجوبة هندسية، حيث صنعت من زجاج يدعى أوهارا إي 6 (Ohara E6) والذي يتميز بنخفاض معامل التمدد الحراري له، مما يجعله مقاوماً للصدمات الحرارية، وقد تم صبه في هيكل خفيف الوزن على شكل قرص العسل. وتتميز المرايا بانحناء دقيق للغاية يصل إلى حدود جزء من المليون من البوصة من الطول الموجي للضوء. ونظراً لأن هذه المرايا العملاقة جوفاء، فيمكن تبريدها بالمراوح للمساعدة في موازنة درجة حرارتها مع حرارة هواء الليل، وبالتالي تقليل التشوه الناتج عن الحرارة.

التشوه الناتج عن الحرارة.
التشوه الناتج عن الحرارة.

سينعكس الضوء القادم من حافة الكون أولاً عن المرايا السبع الرئيسية، ثم ينعكس مرة أخرى عن المرايا السبع الثانوية الأصغر حجماً، قبل أن ينتقل إلى الأسفل عبر فتحة في المرآة المركزية، ليتم تحليله بواسطة واحدة من أدوات تحليل الضوء المتقدمة الموجودة في التلسكوب، والتي تسمى مجسات سي سي دي، بغرض تحديد مدى بعد الأجسام ومما تتكون.

التغلب على التحديات

يشير الموقع الرسمي للمشروع على الإنترنت إلى أن حامل التلسكوب -الجزء الذي يحمل المرايا ويوجهها إلى أهداف محددة في السماء- يزن وحده حوالي 1800 طن، بينما ستكون الحاوية التي سيوضع فيها التلسكوب لحمايته من الغبار والشمس والظروف المناخية بطول مبنى مكون من 22 طابقاً. وبمجرد غروب الشمس، ستفتح الحاوية للسماح للهواء بالتدفق لمعادلة درجة الحرارة الداخلية مع درجة الحرارة في الخارج.

ومن ضمن التقنيات التي سيستخدمها تلكسوب ماجلان العملاق تقنية تُعرف باسم "البصريات التكيفية (adaptive optics)، والتي تعتمد على مرونة المرايا الثانوية للتلسكوب. فتحت كل مرآة ثانوية توجد المئات من المحركات التي تعمل على ضبط المرايا باستمرار لمواجهة الاضطرابات الجوية. وستعمل هذه المحركات على تحويل النجوم المتلألئة إلى نقاط ضوئية ثابتة وواضحة، حيث ستكون قادرة على دفع وسحب المرايا أكثر من 1000 مرة في الثانية الواحدة، لتصحيح التشوهات الناتجة عن الاضطرابات في الغلاف الجوي للأرض.

مصدر الصورة: الموقع الرسمي لتلسكوب ماجلان العملاق.

وقد تم اختيار موقع التلسكوب في مرصد لاس كامباناس تحديداً لارتفاعه الشاهق (2550 متراً) ومناخه الجاف وجودة الرؤية غير المسبوقة التي يوفرها، فضلاً عن أن التلوث الضوئي في المنطقة لا يكاد يذكر، وهو الأمر الذي يتوقع العلماء استمراره لعقود قادمة.

وأعلنت اللجنة المشرفة على إدارة المرصد، الشهر الماضي، أنها تمكنت من حل المشكلة الرئيسية الوحيدة المتعلقة بالموقع، حيث يتصادف أن المنطقة معرضة لنشاط تكتوني مرتفع، وتم تسجيل بعض أكبر الزلازل وأكثرها تكراراً حتى الآن بها. ولحل هذه المشكلة، استخدم المهندسون قاعدة عزل زلزالية مكونة من جزئين للحفاظ على سلامة الهيكل والأدوات البصرية للتلسكوب. ومن المفترض أن يسمح هذا النظام للتلسكوب بالعودة إلى العمل بعد الزلازل خلال فترة تتراوح بين عدة ساعات إلى عدة أسابيع، اعتمادًا على شدة الزلزال.

تلسكوب ماجلان العملاق
تعرضت منطقة لاس كامباناس لعدة زلازل في الماضي. مصدر الصورة: الموقع الرسمي لتلسكوب ماجلان العملاق.

مهمات استكشافية

بالعودة إلى السؤال الرئيسي المطروح في بداية هذه المقالة حول ما إذا كنا وحدنا في هذا الكون الفسيح، يقول المشرفون على المشروع إن تلسكوب ماجلان سيحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال مرسمة الطيف "Large Earth Finder" (G-CLEF)، والتي ستكون الجهاز الوحيد المثبت في البداية بالتلسكوب. وستتمثل مهمة هذه الأداة في اكتشاف عوالم أخرى تشبه الأرض، تكون واقعة في مناطق دافئة صالحة للحياة بالقرب من نجوم شبيهة بالشمس.

في النهاية، يرى العلماء أن تلسكوب ماجلان العملاق سيكون الأول في فئة جديدة من التلسكوبات الكبيرة للغاية، القادرة على استكشاف الكون بوضوح وحساسية غير مسبوقين. وسيعود التلسكوب بالزمن إلى الوراء، إلى ما بعد الانفجار العظيم بوقت قصير، عندما بدأت النجوم والمجرات والثقوب السوداء الأولى في التشكل. كما سيحاول استكشاف أصول العناصر الكيميائية (الكربون والأكسجين والنيتروجين وغيرها) التي يتكون منها كوكبنا.

المحتوى محمي