نشرة خاصة من ماكنزي آند كومباني:
من المتوقع أن يزداد الطلب على السيارات الكهربائية إلى حد كبير؛ ففي 2016، كانت السيارات الكهربائية تشكل حوالي 1% فقط من المبيعات العالمية السنوية للسيارات و0.2% فقط من السيارات على الطرقات، ولكن وفقاً لتقديرات معهد ماكنزي، فسوف تتصاعد نسبة السيارات الكهربائية (بما فيها السيارات التي تعمل بالبطاريات والهجينة) إلى حوالي 20% من المبيعات السنوية العالمية (وحوالي 35% من المبيعات السنوية الأوروبية) بحلول العام 2030. ويمكن أن تزداد هذه النسبة بسرعة أكبر حتى في بعض السيناريوهات، فقد برهن العامل الديمغرافي على أهميته في هذه المسألة، حيث أظهرت استبيانات حديثة أن 30% من الأفراد الذين يشترون السيارات و50% من مواليد العقدين الأخيرين من القرن الماضي يفكرون في اختيار سيارة كهربائية في المرة المقبلة التي سيشترون فيها سيارة بدلاً من سيارة تعمل بمحرك احتراق داخلي.
وسيؤثر تزايد استخدام السيارات الكهربائية على موارد طبيعية مختلفة بشكل أكبر، وعدة صناعات ومناطق جغرافية مختلفة، إضافة إلى مستويات انبعاثات الكربون. وبالفعل، فإن المخاوف البيئية حاضرة بقوة في قرارات معظم المستهلكين بشراء سيارة كهربائية؛ فقد كانت رغبة المساهمة في دعم البيئة هي السبب الأول (وبفارق كبير عن غيره) الذي قدمه المشترون الأميركيون للسيارات الأميركية في استبيان من كارماكس عام 2017. كما وجدت دراسة من تريبل إيه في نفس السنة أيضاً أن المخاوف البيئية كانت العامل الأهم لشراء السيارات البيئية، وبنسبة ساحقة وصلت إلى 87%. غير أن بحث معهد ماكنزي يكشف أخطاء في عدة افتراضات وتصورات سابقة شائعة حول السيارات الكهربائية وموارد الكوكب. وفي بعض الأحيان، فإن هذه المعلومات تكاد تكون خاطئة كلياً.
الوقود الأحفوري: السيارات الكهربائية لا تعني وصول إنتاج النفط إلى ذروته
لنبدأ مع النفط الخام. حيث سيؤدي ازدياد السيارات الكهربائية إلى التقليل من الطلب على النفط بدرجة كبيرة، أليس كذلك؟ في الواقع لا؛ فمن المتوقع أن وجود المزيد من السيارات الكهربائية والهجينة على الطرقات سيقلل من الطلب على النفط بدرجة قليلة على مدى السنوات العشر أو الخمسة عشر المقبلة، لدرجة أنه في حال وجود تناقص في الطلب على النفط، فسوف يكون ناتجاً بشكل أساسي عن التحسينات في فعالية محركات الاحتراق الداخلي وتناقص وزن السيارات. وقد ارتفعت عوامل الفعالية هذه بنسبة 2% تقريباً في السنة منذ 2005 (وأدى هذا إلى ازدياد عدد الكيلومترات التي تقطعها السيارة العادية بالجالون الواحد من الوقود وسطياً في الولايات المتحدة من 42 في 2005 إلى 52 حالياً). ويتوقع معهد ماكنزي أن تستمر هذه المعاملات بالزيادة بوتيرة تتجاوز 2.5% سنوياً حتى 2025.
ولكن مع تزايد فعالية سيارات محرك الاحتراق الداخلي وتراجع انتشارها، سوف يستمر الطلب العالمي على النفط الخام بالتزايد، مع حدوث ارتفاع كبير لنسبة السيارات الكهربائية في السيارات العاملة على الطرقات، وسيكون هذا ناتجاً عن عدة أسباب، مثل صناعات الطيران والصناعات الكيميائية، والنمو في بعض المناطق مثل الصين وغيرها من الأسواق الناشئة، وتزايد مبيعات السيارات سنوياً، بما في ذلك السيارات التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي، مما يعني المزيد من المسافات التي تقطعها السيارات على الطرقات عالمياً.
غير أن انتشار السيارات الكهربائية سيؤثر بشكل كبير على وقود أحفوري آخر، وهو: الغاز الطبيعي؛ حيث إن ازدياد انتشار السيارات الكهربائية يعني ضرورة توليد المزيد من الكهرباء، وفي حين أن الفحم سيكون جزءاً من هذه المعادلة، فإن الغاز الطبيعي سيستخدم لتلبية 80% تقريباً من النمو المتوقع في الطلب على الكهرباء بالولايات المتحدة. وإذا كانت نصف السيارات على الطرقات الأميركية كهربائية، فمن المتوقع أن يزداد الطلب اليومي الأميركي على الغاز الطبيعي بنسبة تتجاوز 20%.
الأراضي: ضيق غير متوقع؟
هناك حالياً أكثر من 400,000 نقطة شحن عامة تدعم أكثر من 3 ملايين سيارة كهربائية تُستخدم حالياً على مستوى العالم. ويجب أن يزداد هذا الرقم بنسبة كبيرة لتلبية احتياجات تزايد انتشار السيارات الكهربائية المتوقعة بحلول العام 2030 (الشكل 1). ولكن مجرد استبدال محطات الوقود بنقاط الشحن أو إضافة المزيد من نقاط الشحن التي تضاهي محطات الوقود في حجمها لن يكون كافياً لتخديم العدد المتوقع من السيارات الكهربائية. وإذا أردنا مضاهاة محطة وقود عصرية عادية من حيث الطاقة المقدمة إلى السيارات، فنحن بحاجة إلى عدة محطات شحن سريع بثمانية مآخذ واستطاعة 120 كيلو واط.
ستكون الحاجة إلى المزيد من مساحات الأراضي في أوروبا والصين أكبر منها في الولايات المتحدة؛ حيث إن 40% فقط من مالكي السيارات الكهربائية الأوروبيين و30% فقط من مالكيها من الصينيين يمتلكون مواقف وتجهيزات خاصة للشحن، مقابل 75% من مالكي السيارات الكهربائية الأميركيين. كما أن المشكلة لا تقتصر على مكان توصيل السيارة أو شحنها، بل إن التوليد والتوزيع من العوامل المؤثرة أيضاً؛ حيث تستطيع المنشآت الكهربائية الحالية استيعاب الزيادة الكبيرة المستقبلية في عدد السيارات الكهربائية، بشرط أن يتم شحنها خارج أوقات الذروة، غير أن الشحن السريع في وقت ذروة الطلب سيكون له تأثير كبير. وفي الواقع، فإن ذروة الطلب من سيارة كهربائية واحدة باستخدام شاحن سريع من أفضل الأنواع يساوي ثمانين ضعفاً من ذروة الاستهلاك المتوقع لمنزل عادي واحد.
ومن المرجح أن يتم التعامل مع هذه القيود بأساليب متعددة، بدءاً من الابتكار وصولاً إلى القواعد التي تُطبق من القمة إلى القاعدة. فقد حددت الصين هدفاً بإنشاء 4.8 مليون محطة شحن بحلول العام 2020، ويتوقع معهد ماكنزي أن سجل حكومة هذا البلد في السياسات المركزية والتطبيق الإلزامي سيضمن تحقيق هذا الهدف. غير أن التمويل في البلدان خارج الصين سيكون أكثر صعوبة، فشركات الخدمات في كاليفورنيا مثلاً تتطلع إلى زيادة الاستثمارات ذات التمويل الحكومي، وبعوائد منظمة، أما التمويل الخاص فقد يأتي من شركات مثل شركات التجارة بالتجزئة. وقد بدأت بعض كبريات هذه الشركات بدراسة كيفية استغلال تجربة الشحن لمصلحتها، وذلك بإعطاء الزبائن فرصة الشراء أثناء الشحن. وكما أثارت المجمعات التجارية في أذهان الجميع صور كبرى شركات التجارة في التجزئة وهي تعزز تجربة الشراء، فقد تصبح محطات الشحن التابعة لشركات التجارة بالتجزئة جزءاً من المشهد التجاري.
خامات ومعادن: الخيارات الصعبة
ليس من المفاجئ أن ازدياد عدد السيارات الكهربائية على الطرقات سيؤدي إلى ارتفاع أسعار القطع التي تتألف منها. ويمكن أن نحلل تكلفة السيارة الكهربائية بشكل عام إلى تكلفة البطارية (40% إلى 50%)، وتكلفة مجموعة نقل القدرة الكهربائية (المحرك وعلبة التروس وعمود النقل ونظام التعليق والدواليب) (حوالي 20%)، وتكلفة العناصر الأخرى في السيارة (30% إلى 40%). ومن بين هذه العناصر، تُعتبر تكلفة البطارية الأكثر أهمية على المدى المتوسط. ولكن الطلب لن يكون العنصر الوحيد المؤثر على آليات التسعير؛ حيث إن البطارية تكلف حالياً حوالي 200 إلى 225 دولاراً لكل كيلو واط ساعي. ووفقاً لتقدير معهد ماكنزي، يجب أن تصل تكلفة البطارية إلى 100 دولار للكيلو واط الساعي لتحقيق التكافؤ السعري مع أغلبية سيارات محرك الاحتراق الداخلي من الفئة سي والفئة دي (تصنيفات للسيارات وفق الحجم) و75 دولار للكيلو واط الساعي لتحقيق التكافؤ السعري مع السيارات الأكبر حجماً، إلا في حال استمرار الدعم الحكومي، وهو أمر غير مرجح مع تراجع الدعم الحكومي على مستوى العالم. وإذا كانت مبيعات السيارات الكهربائية ستحقق المستويات المتوقعة، يجب أيضاً أن تزداد سعة تصنيع البطاريات إلى ثلاثة أضعاف بحلول العام 2020، وفق تحليل معهد ماكنزي كذلك، كما يجب أن تستمر التطورات التكنولوجيا أيضاً بنفس الوتيرة.
وسيساعد ازدياد مبيعات السيارات الكهربائية على تخفيض تكاليف البطاريات، إضافة إلى سعي كبار مصنّعي البطاريات إلى زيادة سعة التصنيع. وفي نفس الوقت، سيؤدي توسع انتشار السيارات الكهربائية إلى زيادة الضغط على موارد المكونات الأساسية للبطارية، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم، التي سيزداد الطلب عليها بشكل حاد. وقد بدأ هذا السيناريو بالظهور، حيث ازدادت تكاليف الكوبالت والليثيوم إلى أكثر من الضعف منذ 2015، وهو أثر أدى إلى زيادة صافية في تكاليف إنتاج السيارات الكهربائية مع مرور الوقت (الشكل 2).
هل ستؤدي حدود توافر هذه المواد إلى تقييد انتشار السيارات الكهربائية إلى حد أوسع؟ يمكننا القول إن الجواب هو النفي من وجهة نظر متفائلة. وحتى مع الارتفاع المتوقع في التكاليف الأولية، يمكن أن تقترب البطاريات من الحد المطلوب (75 إلى 100 دولار للكيلو واط الساعي) من أجل الاقتراب من التكافؤ السعري العام مع سيارات محرك الاحتراق الداخلي. ومع وجود مخاوف مثل تناقص الكوبالت، والمشاكل المؤقتة الناتجة عن الطلب، فإن التعامل مع القيود والعوامل غير المؤكدة لن يكون مستحيلاً؛ حيث يمكن أن يؤدي الانتقال إلى تراكيب كيميائية أخرى للبطارية إلى التخفيف من مخاطر نقص المواد الأولية، كما يجب زيادة التعدين بحثاً عن المزيد منها، وهو ما سيتطلب وفقاً لتقديرات معهد ماكنزي استثمارات بقيمة 100 إلى 150 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك، يجب أن نأخذ العوامل الأخرى المتعلقة بالتعدين بعين الاعتبار، مثل الزمن المطلوب لبدء الاستخراج -الذي يمكن أن يصل إلى سبع سنوات- بالإضافة إلى المخاوف البيئية والاجتماعية في مناطق مثل أفريقيا وأميركا الجنوبية، حيث تتوافر هذه المواد بكثرة. ويمكن أن نقول إن فوائد السيارات الكهربائية -حتى لو كانت تمثل حلاً صديقاً للبيئة- لن تأتي من دون تكاليف تؤثر على المجتمع والبيئة والموارد التي نستهلكها.