كيف تعمل تطبيقات الصحة النفسية؟ وهل هي طوق نجاة أمْ وهم زائف؟

6 دقيقة
بوت دردشة يساعد في زيادة عدد الأشخاص الحاصلين على خدمات الصحة النفسية
حقوق الصور: Stephanie Arnett/MITTR | Getty

وفقاً للعديد من الأبحاث، فإن الأفراد نادراً ما يلجؤون إلى خدمات الصحة النفسية للحصول على العلاج في البلدان العربية، منها دراسة حديثة نُشِرت في مجلة المكتبة الوطنية للطب (NLM)، وجدت أن أحد الأسباب الرئيسية لذلك يتعلق بالوصمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية، التي غالباً ما ترتبط بالعار، ما يُثني الأفراد عن طلب الدعم المتخصص.

لكن مع انتشار الهواتف الذكية، أصبحت خدمات الصحة الإلكترونية المتمثلة في التطبيقات والمنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من أكثر الطرق التي يلجأ إليها الكثيرون للحصول على الدعم النفسي، كما يُظهر الأطباء اهتماماً متزايداً للاستفادة من التكنولوجيا لدعم الممارسة السريرية لإدراكهم قدرتها على تحسين تقديم الرعاية وإمكانية الوصول، ما يشير إلى تحول جذري في كيفية طلب دعم الصحة النفسية وتقديمه.

لكن هل يمكنك الوثوق بالتكنولوجيا عموماً والذكاء الاصطناعي خصوصاً لتحليل حالتك النفسية؟ وهل يُعدُّ بديلاً آمناً عن زيارة الطبيب البشري؟ وما هي الآثار السلبية المترتبة للاعتماد على التكنولوجيا لتشخيص الحالات النفسية بدلاً من طلب الدعم بشكلٍ مباشر؟

ما هي تكنولوجيا الصحة النفسية Mental Health Technology؟

تكنولوجيا الصحة النفسية (Mental Health Technology) المعروفة أيضاً باسم تكنولوجيا الصحة النفسية الرقمية (Digital Mental Health Technology، اختصاراً دي إم إتش تي DMHT) هي مجموعة من الأدوات والمنصات الرقمية المصممة التي تهدف إلى دعم الصحة النفسية والرفاهية، بالاستفادة من التطورات التكنولوجية المختلفة لتقديم وصول سهل ومريح، وربما أكثر تخصيصاً، مثل أدوات التثقيف والعلاج والوقاية.

يشمل مجال تكنولوجيا الصحة النفسية عدة فئات رئيسية منها:

  • تطبيقات الهاتف المحمول: تُقدّم مجموعة واسعة من الوظائف التي تهدف إلى دعم الصحة النفسية، مثل المراقبة الذاتية، ما يسمح للمستخدمين بتتبع مزاجهم وأعراضهم وسلوكياتهم مع مرور الوقت.
  • الأجهزة القابلة للارتداء: يمكنها مراقبة نقاط بيانات فسيولوجية مختلفة، بما في ذلك معدل ضربات القلب وأنماط النوم، التي بدورها توفّر رؤى مدعومة بالبيانات حول صحة المستخدم.
  • بوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي: تتميز بالقدرة على إشراك المستخدم في المحادثات وتقديم الدعم الفوري واستراتيجيات التأقلم لقدرتها على فهم اللغة الطبيعية وتفسيرها، ما يمكّنها من تحليل الكلام والنص بحثاً عن علامات الضيق النفسي مثل الاكتئاب والقلق أو الأفكار الانتحارية.
  • منصات العلاج عن بُعد والرعاية الافتراضية: من خلال استخدام تطبيقات مؤتمرات الفيديو للحصول على الاستشارة الطبية في الوقت الفعلي، وحتى القدرة على تقديم برامج للتعافي متضمنة دروساً تفاعلية، باستخدام تقنيات أكثر تطوراً مثل الواقع الافتراضي والمعزز.

لماذا أصبح الاتجاه إلى المنصات والتطبيقات لتحليل الحالات النفسية شائعاً؟

يكتسب التوجه نحو استخدام التكنولوجيا عموماً والمنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقات الهاتف المحمول في التحليل النفسي زخماً متزايداً، بفضل عدة عوامل رئيسية من ضمنها سهولة إمكانية الوصول، حيث تاهم أدوات الذكاء الاصطناعي مثل بوتات الدردشة والمنصات الرقمية في إزالة العوائق أمام رعاية الصحة النفسية، لا سيما للفئات المحرومة، حيث توفّر هذه التقنيات دعماً على مدار الساعة وتقييمات أولية وتدخلات موجّهة، ما يجعل موارد الصحة النفسية متاحة على نطاقٍ أوسع.

على سبيل المثال، تُشير دراسة حديثة نُشِرت في مجلة خدمات الطب النفسي (Psychiatric Services)، إلى أن الأفراد في المنطقة العربية أصبحوا أكثر ميلاً للبحث عن تطبيقات الصحة النفسية واستخدامها لدعم صحتهم النفسية، وأرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى عوامل متعددة مثل تزايد انتشار مشكلات الصحة النفسية وإمكانية الوصول إلى الموارد الرقمية عن بُعد، خاصة في المناطق التي لا تزال فيها وصمة العار المحيطة بالمرض النفسي موجودة.

علاوة على ذلك، تُعدُّ سهولة الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت في أي وقتٍ ومن أي مكانٍ حافزاً كبيراً بالنسبة للكثيرين، إذ يُنظر إليها على أنها بديل أسرع وأكثر فاعلية من حيث التكلفة، كما أن إخفاء الهوية يُعدُّ عاملاً رئيسياً لا سيما للأشخاص الذين يشعرون بالحرج أو الوصمة الاجتماعية عند مناقشة مشكلاتهم المتعلقة بالصحة النفسية مع شخص آخر.

اقرأ أيضاً: مَن يتخذ القرارات المتعلقة بتحديد متلقّي العلاجات الطبية التجريبية؟

الرعاية الرقمية للصحة النفسية مقابل التقليدية: هل يمكن للتطبيقات أن تحل محل الأطباء؟

على الرغم من أن الأدوات والتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحمل وعوداً كبيرة في تحسين الرعاية الصحية النفسية، فإن الاعتماد عليها في التشخيص ينطوي على مخاطر جوهرية عند مقارنتها بخبرة الطبيب النفسي البشري، أبرزها احتمالية التشخيص الخاطئ إذا كانت البيانات التي تُدرَّب عليها ناقصة أو متحيزة، أو لا تُمثّل طيفاً واسعاً من حالات الصحة النفسية.

كما أن عمليات اتخاذ القرار في بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تكون غامضة، وهو ما يُشار إليه غالباً بمشكلة الصندوق الأسود (Black Box)، ما يُصعب فهم كيفية توصلها إلى قرار تشخيص مُعين. من ناحية أخرى، فإن أبرز التحديات التي تواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي هي افتقارها إلى التعاطف وفهم السياق الكامل لحياة المريض، الذي يُعدُّ من الجوانب الحاسمة للتشخيص النفسي.

إذ يمكن للأطباء النفسيين البشريين التعاطف والتفهم والدعم العاطفي، وهي مكونات أساسية لرعاية الصحة النفسية لا يستطيع الذكاء الاصطناعي حتى مع قدرات معالجة اللغة الطبيعية المتقدمة التعبير عنها بشكلٍ حقيقي، أو استيعاب التفاعل المعقد بين التاريخ الشخصي وظروف الحياة والإشارات السلوكية الدقيقة التي تُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من التشخيص والعلاج الدقيق.

اقرأ أيضاً: كيف حوّلت شريحة نيورالينك مريضاً مشلولاً إلى شخصٍ يعتمد على نفسه؟

هل يمكن الوثوق في تطبيقات الصحة النفسية للتشخيص الطبي؟ وهل هي بديل آمن؟

أدّى تزايد شعبية تطبيقات الصحة النفسية إلى إجراء العديد من التحقيقات حول فاعليتها في مختلف حالات الصحة النفسية، وقد تباينت نتائج الأبحاث حول فاعليتها. على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشِرت عام 2019 درست أحد بوتات الدردشة المتخصصة في الصحة النفسية، أنها أظهرت إمكانات عالية للفائدة في التثقيف النفسي.

كما وجدت دراسة أجراها فريق من كلية الطب النفسي في جامعة ميشيغان الطبية، ونُشِرت في مجلة جاما نيتوورك المفتوحة (JAMA Network Open) عام 2024، أن تطبيقات الصحة النفسية التي تتضمن اليقظة الذهنية أو مبادئ العلاج السلوكي المعرفي أو المحفزات المحسنة للمزاج قلّلت بشكلٍ ملحوظ أعراض الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى الميول الانتحارية لدى المرضى الذين ينتظرون موعداً أوليّاً مع طبيب نفسي.

وقد وصف عالم النفس في كلية الطب في الجامعة نفسها وقائد فريق البحث آدم هورويتز (Adam Horwitz) النتائج بأنها مشجّعة للأفراد والعيادات على حد سواء، ويُضيف: "أن وجود هذا النوع من الخيارات خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم دوافع كافية للبحث عن موعدٍ مع الطبيب وانتظاره، قد يكون ذا قيمة كبيرة عندما يكون لدى العيادات قوائم انتظار طويلة".

اقرأ أيضاً: مقابلة مع الدكتور فيصل خان: الذكاء الاصطناعي يُتيح فرصاً لا محدودة في مجال الصحة

كما وجدت دراسة نُشِرت في مجلة الأوقات النفسية (Psychiatric Times) أدلة أولية تدعم فاعلية أنواع مختلفة من التطبيقات في تقليل الاكتئاب والقلق ومستويات التوتر وأعراض اضطرابات الأكل لدى طلاب الجامعات. علاوة على ذلك، يُشير بحث نُشِر في دورية الحدود للطب النفسي إلى أن التدخلات ذاتية التوجيه التي تقدّمها بوتات الدردشة قد أظهرت تأثيرات متوسطة إلى كبيرة في إدارة أعراض الصحة العقلية.

تُشير هذه الدراسات إلى فاعلية كبيرة للتطبيقات والمنصات المتخصصة في تقديم الدعم للصحة النفسية، ولكن جميعها تتوقف فقط عند حالات تقديم المشورة الأولية والمعلومات العامة التي قد تتطابق مع البيانات التي دُربت عليها، ومن ثَمَّ تُعدُّ في المقام الأول مكملة فقط لحالات التشخيص الذاتي، ولا تُعدُّ بديلاً موثوقاً به عن زيارة الطبيب البشري.

اقرأ أيضاً: أدوات ذكاء اصطناعي للحصول على النصائح الطبية أفضل من تشات جي بي تي

ما هي الآثار السلبية المترتبة على الاعتماد على التكنولوجيا لتشخيص الحالات النفسية؟

يُثير الاعتماد الأوسع على تقنيات الصحة النفسية العديد من المخاوف المحتملة أبرزها:

انتهاك الخصوصية وأمن البيانات

تجمع تطبيقات الصحة النفسية كميات هائلة من المعلومات الشخصية الحساسة، بما في ذلك التفاصيل الدقيقة حول الحالة النفسية للمستخدم وسلوكياته وحتى البيانات الفسيولوجية، ما يجعل المستخدم معرضاً بشدة لانتهاك خصوصيته.

التعرُّض للمعلومات المضللة أو غير الدقيقة

قد تقدّم بعض تطبيقات الصحة النفسية ادعاءات طموحة حول فاعليتها دون أدلة علمية كافية، وفي بعض الحالات قد تسبب التطبيقات سيئة التصميم أو غير المعتمدة ضرراً أو تفاقم الأعراض الموجودة.

تحدي الالتزام والتفاعل

أظهرت الدراسات أن نسبة كبيرة من الأفراد الذين يحمّلون تطبيقات الصحة النفسية يتوقفون عن استخدامها في غضون فترة قصيرة، غالباً خلال الشهر الأول فقط، ما يقلّل الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدّمها هذه التطبيقات.

الاعتماد المفرط على التكنولوجيا يأتي بنتائج عكسية

يُعدُّ الاعتماد الكامل على تطبيقات الصحة النفسية مصدرَ قلقٍ قد يُفاقم من المشكلة نفسها، إذ قد يؤدي إلى تقليل المستخدم تفاعلاته البشرية والعزلة الاجتماعية وانسحابه من التفاعلات الاجتماعية الواقعية، وهي ضرورية للصحة النفسية بشكلٍ عام.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد ألعاب الفيديو المدعومة بالذكاء الاصطناعي على كشف ألغاز العقل البشري؟

نصائح للاستخدام الآمن والمسؤول لتطبيقات الصحة النفسية

للحصول على الفوائد المحتملة لتطبيقات الصحة النفسية مع التخفيف من المخاطر المرتبطة بها، من الضروري أن تضع في اعتبارك النقاط التالية:

  • استشارة طبيب أو معالج نفسي قبل دمج التطبيق في روتينك اليومي، ما يضمن أن يعمل التطبيق على إكمال دوره لا أن يستبدله بالكامل.
  • من الضروري تقييم مصداقية التطبيق وقاعدته العلمية من خلال البحث عن التطبيقات الموصى به من قِبل متخصصي الصحة النفسية.
  • فهم سياسات الخصوصية وممارسات أمان البيانات لتطبيقات الصحة النفسية أمر ضروري قبل استخدامها، ويمكنك الرجوع إلى منصة Mindapps.org لفهم ممارسات الخصوصية للتطبيق الذي تريد استخدامه.
  • من المهم إدراك حدود تطبيقات الصحة النفسية وما يمكن أن تقدمه، فقد لا تكون مناسبة لمعالجة حالات الصحة النفسية المعقدة.

المحتوى محمي