كيف تسيطر على فوضى الإشعارات التي تعوق نجاحك؟

5 دقيقة
إشعارات
حقوق الصورة: shutterstock.com/thirasap phaknara

تخيل أنك منغمس بعمق في صباح يوم عمل في مشروع مهم، لتجد نفسك فجأة في ساحة معركة رقمية تنهال عليك الإشعارات من كل حدب وصوب: بريدك الإلكتروني، منصات التعاون، تطبيقات الدردشة، وحتى إشعارات الرسائل القصيرة والرسائل المباشرة لمنصات التواصل الاجتماعي كلها تتنافس على جذب انتباهك، ما يجعل من الصعب للغاية عليك التركيز أو تحديد أولويات مهامك.

هذا الصخب الرقمي المستمر ليس مجرد إزعاج بسيط، بل ظاهرة منتشرة تعرف باسم الحمل الزائد للاتصال، إذ تؤدي هذه الظاهرة إلى تشتيت الانتباه والتركيز نتيجة لتلقي كمية كبيرة من الإشعارات أو الكثير من المعلومات عبر عدد كبير من القنوات خلال يوم عمل واحد، ولها عواقب مدمرة أهمها الإضرار بشكل مباشر بالإنتاجية.

علاوة على ذلك، تشير هذه الظاهرة إلى قضية منهجية متجذرة في ممارسات الاتصال التنظيمي، إذ إن السبب الأساسي لحدوثها هو الافتقار إلى بروتوكولات اتصال واضحة، ما يثير سؤالاً حاسماً: مع وجود عدد لا نهائي من قنوات الاتصال المتوفرة، هل ينبغي الاستغناء عن بعضها لاستعادة التركيز أم أن هناك طريقة أكثر ذكاءً لإدارتها؟

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم التكنولوجيا لتحسين إدارة فريقك؟ أدوات عملية لمدير ذكي

من البريد الإلكتروني إلى منصات الدردشة: الثمن الخفي لتعدد قنوات التواصل

أصبح وجود العدد الكبير من قنوات التواصل الآن وانتشارها والتبديل بينها عبئاً كبيراً على الأفراد وسبباً رئيسياً في تراجع الإنتاجية وزيادة العبء المعرفي وتفكك سير العمل، ما يؤدي في النهاية إلى العديد من العواقب السلبية التي تتجلى في أشكال مختلفة منها:

1. إجهاد الإشعارات والتعب الرقمي

من السلبيات الأساسية لحمل الاتصال الزائد هو ظهور مفهوم إجهاد الإشعارات، فعندما يتلقى الفرد الكثير من الإشعارات المستمرة يصبح أقل استجابة للإشعارات الضرورية أو القابلة للتنفيذ الفوري، إذ إن الحجم الهائل للإشعارات غير الضرورية أو الزائدة على الحاجة يؤدي مباشرة إلى تضاؤل القدرة على تحديد الأولويات والاستجابة الفعالة للقضايا المهمة، مثل رسالة مهمة من فريق الأمن السيبراني أو تفويت المواعيد النهائية الحاسمة.

علاوة على ذلك، يرتبط تعدد قنوات التواصل ارتباطاً وثيقاً بمفهوم التعب الرقمي، وهو حالة يشعر فيها الفرد بالإرهاق العميق بسبب عمليات تسجيل الدخول التي لا نهاية لها للمنصات المختلفة والأنظمة المجزأة والمعلومات المتناثرة، ويأتي هذا الإرهاق في المقام الأول من الطلب المستمر على التبديل بين العديد من قنوات التواصل المختلفة طوال يوم العمل.

2. تكلفة تبديل السياق

تبديل السياق يعرف بأنه فعل تحويل انتباه المرء من مهمة إلى أخرى، وهو أكثر بكثير من مجرد قاتل للإنتاجية ويستنزف معنويات الفرد وطاقته العقلية، إذ إن التكاليف الملموسة المرتبطة به كبيرة للغاية، إذ تظهر الأبحاث انخفاضاً بنسبة 40% في الإنتاجية للأفراد الذين يحولون السياق بشكل متكرر مقارنة بأولئك الذين لا يفعلون ذلك.

كما أن الوقت الضائع في هذه التحولات مهم أيضاً، إذ وجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا أن الأمر يستغرق في المتوسط 23 دقيقة و15 ثانية للعودة إلى المهمة الأصلية بعد الانحراف عنها، هذا يعني أن ما لا يقل عن ثلاث حالات تبديل سياق في اليوم يمكن أن تؤدي إلى أكثر من ساعة من فقدان الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر التبديل المتكرر للسياق بشكل عميق في الوظيفة المعرفية، ما يؤثر سلباً في الذاكرة العاملة ويقلل مدى الانتباه ويستنزف بسرعة احتياطيات الطاقة في الدماغ.

3. التأثير في الإنتاجية والرفاهية ونتائج الأعمال

تؤدي أدوات الاتصال المتعددة إلى قضاء الموظفين ما يقرب من 1.8 ساعات يومياً في البحث عن المعلومات، كما أن الحمل الزائد للتواصل له تداعيات وخيمة على العمل ككل، إذ يعد سبباً رئيسياً لعدم الالتزام بالمواعيد النهائية وفقدان المعلومات المهمة، والأهم من ذلك يزيد بشكل كبير مخاطر فقدان المواهب، إذ إن الموظفين المثقلين بأدوات التواصل الرقمية المتعددة أكثر عرضة بمرتين لترك وظائفهم.

هل تحتاج حقاً إلى تقليل قنوات التواصل؟ وهل هو الحل الجذري لاستعادة التركيز؟

قد تبدو الإجابة بـ" نعم" مغرية، إذ إن وجود قنوات تواصل أقل يعني عبئاً معرفياً أقل وتشتتاً أقل، كما يمكن أن يؤدي دمج أساليب التواصل في تطبيق أو تطبيقين إلى مركزية المعلومات وتبسيط التعاون وإنشاء سجل قابل للبحث في المناقشات وتمكين الموظفين من الوصول إلى التحديثات كلها في مكان واحد، ما يؤدي إلى اتخاذ القرارات بشكل أسرع وبقاء أعضاء الفريق كلهم على اطلاع دائم.

ومع ذلك فإن إغلاق معظم قنوات التواصل باستثناء قناة أو قناتين ليس الحل دائماً، إذ إن كل قناة تواصل تخدم احتياجات مختلفة. على سبيل المثال، يظل البريد الإلكتروني الأفضل للاتصالات الرسمية أو الخارجية، بينما تتفوق منصات مؤتمرات الفيديو في المناقشات المباشرة، وتتناسب منصات الدردشة الفورية مع العصف الذهني السريع أو الدردشة الاجتماعية.

كما يكمن خطر التخلص من معظم قنوات التواصل في أنك قد تجبر أنواعاً مختلفة من الرسائل بالمرور عبر قناة غير مناسبة. لذا، فإن القضية الأساسية المطروحة ليست مجرد وجود قنوات تواصل متعددة، إنما إساءة استخدامها والتواصل العشوائي عبرها هو الذي يولد الفوضى، ما يشير إلى أن مجرد وجود عدد أقل من القنوات لن يحل المشكلات الأساسية إذا كانت المعلومات داخلها غير ذات صلة أو مفرطة أو سيئة التنظيم.

لذا فإن الحل الأذكى: إدارة واعية لقنوات التواصل وفهم أعمق لدور كل قناة وتحديد هدف واضح لاستخدامها لضمان إعطاء الأولوية لجودة وملاءمة المعلومات المقدمة من خلال كل قناة، ما قد يحول التركيز من مجرد تقليل القنوات إلى تحسين نوعي في تدفق المعلومات بالكامل داخل الشركة وضمان أن كل فرد في الفريق يبقى مطلعاً على آخر المستجدات بحسب دوره الوظيفي.

اقرأ أيضاً: ما هي منصات التواصل الاجتماعي البديلة لفيسبوك وإنستغرام؟

أفضل الممارسات لتحديد استخدام كل قناة تواصل حسب ميزاتها

لتحسين الاتصال ومنع الحمل الزائد للمعلومات، ينبغي للشركات وضع إرشادات واضحة لوقت استخدام كل قناة تواصل لضمان أن تخدم كل قناة الغرض المقصود منها، ما يزيد الكفاءة والوضوح.

1- البريد الإلكتروني: الأفضل للاتصال الرسمي والمفصل وغير المتزامن.

  • استخدمه من أجل: مشاركة المستندات التفصيلية أو المقترحات الرسمية أو تحديثات المشاريع أو التعليمات أو المعلومات الحساسة التي تتطلب وتيرة مصقولة وسجلاً شاملاً.
  • تجنب استخدامه في: الأسئلة السريعة أو المشكلات العاجلة التي تتطلب ردوداً فورية أو العصف الذهني في الوقت الفعلي.

2- تطبيقات التعاون والدردشة الفورية: مصممة للسرعة والتعاون غير الرسمي والاستفسارات السريعة.

  • استخدمها من أجل: التفاعلات في الوقت الفعلي والأسئلة السريعة والتعليقات الفورية والمهام العاجلة والتعاون غير الرسمي في الفريق.
  • تجنب استخدامها في: التبادلات الرسمية أو المستندات التفصيلية أو حفظ السجلات طويلة الأجل أو المناقشات المعقدة، حيث يمكن أن يضيع السياق بسهولة في الدردشات الجماعية النشطة.

اقرأ أيضاً: كيف يسهم تطبيق واتساب للأعمال في رفع مستوى رضا العملاء وتسريع خدمتهم؟

3- تطبيقات مؤتمرات الفيديو: الأفضل للمناقشات التفاعلية في الوقت الفعلي والموضوعات المعقدة وبناء العلاقات.

  • استخدمها من أجل: جلسات العصف الذهني وحل المشكلات والمناقشات المعقدة المباشرة والترابط الجماعي والمواقف التي تكون فيها الإشارات غير اللفظية حاسمة.
  • تجنب استخدامها في: التحديثات البسيطة أو نشر المعلومات التي يمكن أن ترسل عبر البريد الإلكتروني أو تطبيقات الدردشة.

4- أدوات إدارة المشاريع: منصات مركزية لإدارة المهام والتواصل الخاص بالمشروعات.

  • استخدمها من أجل: تعقب المهام وإدارة المواعيد النهائية ومشاركة تحديثات المشاريع وتعيين الموارد والاحتفاظ بسجل مركزي لتقدم المشروع.
  • تجنب استخدامها في: الدردشة في الوقت الفعلي أو الاتصالات الخارجية الرسمية لأنها مصممة لإدارة سير العمل لا للمحادثة المباشرة.

5- قنوات الاتصال غير المتزامنة: استراتيجية واسعة تنطبق على العديد من الأدوات والتطبيقات والمنصات المختلفة.

  • استخدمها من أجل: الإتصالات التي لا تتطلب استجابة فورية، ما يسمح للمستلمين بالمشاركة في الوقت الذي يناسبهم مثل تقارير مفصلة أو تحديثات شاملة أو مناقشات تستفيد من الردود المدروسة بدلاً من الردود الفورية.
  • تجنب استخدامها من أجل: الأمور أو المواقف العاجلة التي تتطلب حلاً فورياً للمشكلات في الوقت الفعلي.

اقرأ أيضاً: 6 أدوات من جوجل تساعدك في الحصول على وظيفة جديدة

بدلاً من التركيز على تقليل قنوات التواصل بشكل جذري، ينبغي للقادة إدارة واعية ومدروسة لكيفية استخدام القوى العاملة لكل قناة. فمن خلال وضع إرشادات واضحة وفهم الغرض من كل أداة، يمكن تقليل الضوضاء الرقمية لإبقاء الموظفين مطلعين دون إثقال كاهلهم بالمعلومات المتكررة أو غير الضرورية مع استعادة التركيز وتعزيز الإنتاجية والرفاهية في بيئة العمل الحديثة.

المحتوى محمي