كيف تساعد الروبوتات في مكافحة فيروس كورونا في الصين؟

4 دقائق

لا يزال فيروس كورونا المستجد يحتل عناوين صفحات الأخبار مع انتشاره المتزايد حول العالم في أكثر من 78 دولة، كما أن عدد الحالات المؤكدة في المنطقة العربية لا يزال في تزايد، وقد تجاوز عدد الإصابات 105,000 ووفاة أكثر من 3,500 إنسان معظمهم في الصين. وفي غياب لقاحٍ فعال يمكن استخدامه ضد الفيروس، لا تزال الطريقة الأساسية في مكافحة انتشاره تعتمد على اتباع سلسلة من الإجراءات الصحية مثل التعقيم المستمر وتجنب الاحتكاك المباشر مع المصابين المحتملين بالإضافة لإجراءات الحجر الصحي لعزل المرضى حتى شفائهم. 

وبالرّغم من الصورة القاتمة حتى الآن فيما يتعلق بانتشار الفيروس حول العالم، إلا أن بعض الأخبار الإيجابية قد بدأت تظهر؛ حيث بدأ عدد الحالات المؤكدة والمكتشفة يومياً بالصين بالتناقص ليُصبح أقل من 100 حالة يومياً وذلك للمرة الأولى منذ 18 يناير الماضي، مع تزايدٍ في عدد حالات المرضى الذين تمكنوا من الشفاء من الفيروس. تُشكل هذه الأخبار بارقة أمل إيجابية تؤكد أن الفيروس سيكون بالإمكان احتواؤه ولو أن الأمر سيتطلب بعض الوقت، وبهذا الصدد يبرز دور عاملٍ هام لم ينتبه له الكثيرون، وهو أثر استخدام الروبوتات الذكية في مكافحة الفيروس والحد من انتشاره؛ حيث تمتلك الروبوتات ميزةً كبيرة لا يمتلكها البشر، وهي أنها لا تصاب بالفيروسات، وهكذا يمكن لها أن تُستخدم بكفاءةٍ عالية في كثيرٍ من المهام في المناطق والأماكن الخطرة. وفي دولةٍ متقدمة تقنياً مثل الصين، تم استخدام الروبوتات في عمليات مكافحة الفيروس وفي أكثر من مجال. 

على صعيدٍ آخر، تمتلك الصين القدرة التقنية الكافية لتستثمر ما تمتلكه من خبراتٍ في مجال تصنيع الروبوتات لمكافحة فيروس كورونا المستجد: يوجد ما يقارب 800 شركة صينية مختصة بتصنيع الروبوتات، وتستحوذ الصين على حصةٍ قدرها 39% من إجمالي سوق الروبوتات الصناعية حول العالم، كما أنها تمتلك خطةً طموحة لتطوير كافية تقنيات التصنيع لتعتمد أكثر على الروبوتات الذكية والعمليات المؤتمتة بحلول عام 2025. 

وقد مثّل انتشار فيروس الكورونا فرصةً كبيرة للكثير من الشركات والتقنيات لوضع منتجاتها في خدمة قضيةٍ ذات أبعادٍ صحية واجتماعية، وهذا الأمر سيُشكل فرصةً ممتازة لدمج الأنظمة الروبوتية بشكلٍ أكبر في المجتمع إن تمكنت من إظهار قدراتٍ ممتازة على معالجة بعض الأزمات الصحية، كانتشار فيروس كورونا المستجد، وحتى الآن ومع الأخبار والصور الآتية من الصين، يبدو أن الروبوتات تبلي بلاءً حسناً بهذا السياق. 

إحدى أبرز النواحي التي برزت قدرة الروبوتات فيها هي إجراء عملية التعقيم والتطهير، وذلك بدءاً من مدينة ووهان التي لا تزال أكبر بؤر انتشار الفيروس والمكان الذي يُعتقد على نطاقٍ واسع أن الفيروس قد بدأ منه، وتحديداً ضمن إحدى الأسواق الشعبية المختصة ببيع الأسماك ولحوم الحيوانات المختلفة. فُرض حظر كامل ضمن المدينة ويقبع كل مَن فيها لحجرٍ صحيّ صارم وعملت السلطات الصينية على بناء مستشفى خلال سرعةٍ قياسية لاحتواء كل الحالات، ولكن هذا لا يكفي؛ إذ إن الفيروس أصبح منتشراً في كل مكان وعملية التخلص منه تتطلب تعقيماً شاملاً. وهنا يأتي دور الروبوتات التي يتم استخدامها بكفاءةٍ عالية لرش المواد المعقمة في شوارع المدينة ضمن الجهود الرامية لضمان أعلى تعقيم ممكن. يتم التحكم في هذه الروبوتات عبر متطوعين يتنقلون باستخدام السكوتر الكهربائية. استخدام الروبوتات بهذه الطريقة يتيح عدة أمور بنفس الوقت: توفير تعقيمٍ من الفيروس في المناطق التي قد يكون خطراً على البشر الوصول إليها، وحماية الفرق الطبية من خطر استنشاق المواد السامة المتواجدة ضمن المعقمات التي يتم بثها في الجو وعلى الأسطح المختلفة. 

المتطوعون في مدينة ووهان يتحكمون في الروبوتات لإجراء عمليات تعقيم الشوارع.زظ
مصدر الصورة: China OUT

لا تقتصر استخدامات الروبوتات في مجال التعقيم على رش المواد المعقمة في الشوارع والأماكن المختلفة، بل يمكن أيضاً استخدامها لإجراء عمليات فحص البشر والتأكد من سلامتهم وتزويدهم بمواد التعقيم في كل مكان، بدءاً من المستشفيات وصولاً للشوارع. وقد أظهرت العديد من التقارير والصور كيفية استخدام الروبوتات في الصين ضمن المستشفيات من أجل إجراء عمليات الفحص والتحقق من سلامة الفرد، مع امتلاكها لأذرعٍ آلية تسمح برش المواد المعقمة على الأيدي، وبذلك تعمل هذه الروبوتات كمنصات تشخيص ووقاية متنقلة تقلل من الاحتكاك والتواصل بين البشر، بما يسهم في الحد من انتشار الفيروس بين الأفراد، كما أنها تعمل على مكافحته عبر التقاطه وتأمين تعقيمٍ لكل من حولها. 

روبوت متنقل في أحد مستشفيات شين يانج في الصين، الذي يمتلك القدرة على فحص درجة حرارة البشر وتزويدهم بموادٍ معقمة فضلاً عن قدرته على تعقيم وتطهير المساحات والأسطح المختلفة. 
مصدر الصورة: STR/AFP

بما أن فيروس كورونا المستجد لا يزال من دون دواءٍ أو لقاحٍ يستخدم في مكافحته، فإن الطريقة الأمثل حالياً لاحتوائه والحد من انتشاره هي تقليل الاحتكاك بين البشر وعزل المصابين. المشكلة أن تطبيق هذا الأمر على نطاقٍ واسع قد يكون أمراً مستحيلاً؛ لأنه ينطوي على أن الحماية الأمثل من الفيروس ستتطلب منا عدم مخالطة أي شخصٍ على الإطلاق، وهذا أمرٌ غير ممكن؛ فكيف سنقوم بشراء حاجاتنا اليومية؟ وكيف سنستطيع الاستمرار في ممارسة أعمالنا، حتى في المستشفيات نفسها، وكيف سيتم التواصل بين الطاقم الطبي والمرضى؟ مرة أخرى، يبرز بهذا المجال دورٌ فعال للروبوتات التي تستطيع أن توفر آلياتٍ ممتازة للحد من التواصل بين البشر والتقليل من خطر العدوى عبر الاختلاط بالأشخاص المصابين. ةالأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة: تستخدم الكثير من المستشفيات في الصين روبوتاتٍ لإجراء عمليات طهي الطعام وتقديمه للمقيمين، وفي أحد المستشفيات يستطيع روبوت أن يقوم بإعداد حوالي 100 طبق من الأرز خلال ساعةٍ واحدة، ومع وجود أذرع آلية تقوم بتقديم الطعام، تم تقليل معدل الاحتكاك بين البشر بشكلٍ مُذهل، فلم يعد هنالك طباخون يعملون أو طاقم تخديم، بدلاً من ذلك هنالك روبوتات. 

روبوت طباخ في أحد مستشفيات الصين. 
مصدر الصورة: China News Service

لا يقتصر مهام الروبوتات على الطبخ وتحضير الطعام، فهي قادرة أيضاً على إيصاله، وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الأماكن التي تتطلب درجة عالية من العقامة مثل المستشفيات، بل أيضاً على الأماكن العامة التي يرتادها البشر بشكلٍ يوميّ، مثل المطاعم. بدأت العديد من المطاعم في الصين باستخدام الروبوتات لإيصال الطعام للزبائن كوسيلةٍ للحد من التواصل والاحتكاك بين الزبائن وطاقم المطعم، ومع وجود روبوتاتٍ قادرة على إجراء عمليات التعقيم، سيكون بالإمكان الدخول للمطعم وطلب الطعام وتناوله ومن ثم تعقيم كل شيء من دون حدوث أي احتكاكٍ أو تواصلٍ بشريّ. وتمثل هذه الخطوة إجراءً وقائياً ممتازاً يكفل تقليل احتمال العدوى بشكلٍ فعال دون أن يضطر البشر لتغيير نمط حياتهم بشكلٍ جذريّ. فقط بدل التواصل مع إنسان سنضطر للتواصل مع روبوت، ولا يبدو أن هنالك مشكلةً كبيرة في هذا حتى الآن. 

روبوت تقديم الطعام في أحد مطاعم الصين. 
مصدر الصورة: Feature China/Barcroft Media

تُظهر صورٌ أخرى استخدام الروبوتات بكفاءةٍ عالية ليس فقط في مجال التخديم ضمن البيئات المغلقة، وإنما أيضاً في مجال التخديم على نطاقٍ واسع، حيث بدأت شركة JD الشهيرة في الصين بمجال التسوّق الإلكترونيّ بالاعتماد على روبوتاتٍ متنقلة ذاتية الحركة يمكن لها أن تقوم بإيصال المواد المختلفة التي يطلبها المستخدمون. مثلت هذه الآلية طريقةً ممتازة لكثير من سكان مدينة ووهان غير القادرين على التنقل بحرية، والذين سيحتاجون بكل تأكيد لمستلزمات الحياة المختلفة، دون تعريض أنفسهم أو غيرهم لخطر الإصابة بالفيروس وبما يُساهم أيضاً بالجهود الرامية لعزله واحتوائه.

نظام روبوتي ذاتي الحركة من شركة JD الصينية لتوصيل الطلبات للمستخدمين في مدينة ووهان. 
مصدر الصورة: China Daily

المحتوى محمي