البيانات الضخمة: كيف تحول الأرقام إلى قرارات فعالة؟

7 دقيقة
Summit Art Creations
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Summit Art Creations

يشهد العالم اليوم تدفقاً هائلاً من البيانات الضخمة، ما يمثل فرصة استراتيجية للمؤسسات، ولكن تكمن القيمة الحقيقية للبيانات في قدرتها على تحويل عملية اتخاذ القرار من الاعتماد على الحدس إلى نهج قائم على المعلومات.

- أهمية البيانات الضخمة: ليست مجرد معلومات، بل هي أداة لتحوي…

في الوقت الحالي، يغمر العالم الحديث فيض هائل من البيانات المولدة من الأنشطة اليومية لمليارات الأشخاص وأجهزتهم المتصلة بالشبكات، ففي عام 2024 وحده أنتج البشر نحو 402 مليون تيرابايت من البيانات يومياً، أي نحو 147 زيتابايت سنوياً، ومن المتوقع أن يتضاعف معدل إنشاء البيانات العالمي كل أربع سنوات تقريباً، ما يشير إلى نمو سريع في إنتاج البيانات واستهلاكها.

يمثل هذا الكم الهائل من البيانات فرصة ذهبية للشركات، ومع ذلك يبقى سؤال جوهري: كيف يمكن استغلالها لاتخاذ قرارات أفضل؟ الحل يكمن في تكنولوجيا البيانات الضخمة، إذ إن القيمة الحقيقية لا تكمن في البيانات نفسها بل في العملية المعقدة والمنضبطة لتحويلها إلى معلومات، ما يتيح تحولاً جذرياً من عملية اتخاذ القرار التقليدي القائم على الحدس إلى اتخاذ القرارات القائمة على البيانات، ويحسن فهم سلوك العملاء واتجاهات السوق وكفاءة العمليات.

ما هي البيانات الضخمة وأهميتها في عملية صنع القرار؟

البيانات الضخمة ليست مجرد مرادف لكمية هائلة من المعلومات، بل هي مجموعة بيانات من مصادر متنوعة وهائلة ومعقدة لدرجة يصعب معها معالجتها أو تحليلها باستخدام أدوات تحليل البيانات أو قواعد البيانات التقليدية. وتتميز بـ 5 خصائص أساسية هي:

1- الحجم: حيث يقاس كمها الهائل بالبيتابايت والإكسابايت والزيتابايت، وهي أكبر بشكل كبير من الغيغابايت والتيرابايت في مجموعات البيانات التقليدية.

2- السرعة: حيث تنشأ وتتدفق وتعالج بمعدلات فائقة بطريقة آنية أو شبه آنية، فقيمتها تتوقف على مدى حداثتها وتوقيتها.

3- التنوع: يمثل أكبر التحديات، فهو يصف أنواع البيانات وتنسيقاتها المختلفة، فبخلاف البيانات التقليدية المهيكلة، تشمل البيانات الضخمة مزيجاً معقداً من البيانات المهيكلة وشبه المهيكلة وغير المهيكلة.

4- المصداقية: تشير إلى دقة المعلومات وموثوقيتها، فإذا لم تتمكن أي مؤسسة من ضمان نظافة بياناتها واكتمالها وموثوقيتها، فإن أي رؤى مستمدة منها ستكون معيبة ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة.

5- القيمة: وهي الهدف النهائي للبيانات الضخمة بأكملها. فعلى الرغم من الجهد المبذول في جمع البيانات وتخزينها ومعالجتها، في النهاية ستكون عديمة الفائدة إذا لم تُستخلص رؤى عملية منها.

ما هي التحديات التي تواجهها المؤسسات مع البيانات الضخمة؟

تعد رحلة بناء مؤسسة قائمة على البيانات محفوفة بتحديات كبيرة أبرزها زيادة تحميل البيانات وضعف جودتها، إذ يؤدي النمو الهائل في حجم البيانات إلى ما يعرف بمفهوم "انتشار البيانات"، حيث تنتشر البيانات عبر أنظمة وصيغ متباينة، ما يعقد عملية التحليل وإمكانية الوصول إليها.

وتتفاقم هذه الفوضى بسبب ضعف جودة البيانات، حيث يؤدي عدم اتساق البيانات أو نقصها إلى تحليلات خاطئة واتخاذ قرارات خاطئة. ومن التحديات الرئيسية الأخرى نقص الكفاءات، إذ وجدت دراسة أجريت في الأردن أن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تواجه صعوبات في تبني البيانات الضخمة بسبب نقص الخبرة الداخلية ونقص الكوادر الماهرة، ما يشكل تحدياً كبيراً أمام استخلاص القيمة من البيانات الضخمة.

كما تتعلق التحديات الأكثر عمقاً بالأمن الرقمي والخصوصية، فمع وجود لوائح عالمية صارمة يتعين على الشركات اعتماد تدابير قوية لحماية المعلومات الحساسة، ويمكن أن تؤدي مخاطر خرق البيانات إلى غرامات باهظة وعواقب قانونية وأضرار جسيمة بالسمعة.

وإلى جانب الجوانب التقنية والتنظيمية، توجد مشكلة أخلاقية أعمق، إذ تصمم الخوارزميات التي تشكل جوهر تحليل البيانات المتقدم من قبل البشر وتدرب على بيانات جمعت منهم، ما يثير خطراً حقيقياً يسمى "التحيز المرمز"، حيث ترث الخوارزمية دون قصد التحيزات الموجودة في بيانات التدريب.

اقرأ ايضاً: تعرف إلى أهم طرق تخزين البيانات الضخمة

كيف يمكن للمؤسسات تحويل البيانات الضخمة إلى رؤى وقرارات عملية فعالة؟

ليس جمع البيانات الضخمة سوى نصف المعركة، إذ إن القيمة الحقيقية لها في تحويلها إلى رؤى واضحة تساعد على اتخاذ القرارات الاستراتيجية من خلال 7 خطوات رئيسية هي:

الخطوة الأولى: ابدأ بأسئلة عمل واضحة

بدلاً من طرح أسئلة عامة مثل "ماذا تظهر بياناتنا؟"، ينبغي صياغة أسئلة دقيقة تتوافق مع الأهداف الاستراتيجية للعمل مثل: "لماذا انخفضت معدلات التحويل في الربع الثاني بنسبة 15%؟"، ما يضمن أن يكون التحليل هادفاً ويؤدي إلى إجابات قابلة للتطبيق.

الخطوة الثانية: مركزية بياناتك وتنظيفها

للحصول على رؤى موثوقة ينبغي جمع البيانات من المصادر ذات الصلة في منصة واحدة موحدة، وتتضمن هذه العملية خطوة أساسية هي تنظيف البيانات بدقة لإزالة التكرارات وتوحيد التنسيقات وسد الفجوات لضمان جودة البيانات وبناء قاعدة موثوقة للتحليلات المستقبلية جميعها.

الخطوة الثالثة: تطبيق تقنيات تحليل البيانات

بعد تنقية البيانات وتوحيدها، يمكن للمؤسسات استخدام التحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحويل البيانات الخام إلى رؤى ذات معنى، إذ تعمل هذه التقنيات محركاً لتحويل البيانات إلى أنماط واضحة، ما يساعد على فهم سلوك العملاء وتحديد الاتجاهات بمرور الوقت.

الخطوة الرابعة: تبسيط التعقيد باستخدام لوحات المعلومات

غالباً ما تقدم البيانات لأشخاص غير مختصين يحتاجون إلى فهم سريع للمعلومات لاتخاذ القرارات، ومن ثم تحول المرئيات سهلة الاستخدام كالمخططات والرسوم البيانية البيانات المعقدة إلى قصة واضحة وسهلة الفهم، إذ إن الهدف الأساسي من لوحات المعلومات هو الفهم الفوري الذي يمكن من اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة.

الخطوة الخامسة: التفسير مع السياق

لتحويل نتائج تحليل البيانات الأولية إلى رؤى قابلة للتنفيذ ينبغي طرح أسئلة مثل: "ماذا تعني هذه النتائج؟" و"لماذا تحدث؟" وربطها بأحداث عمل فعلية أو سلوكيات العملاء. على سبيل المثال، تعد البيانات التي تظهر انخفاضاً في حركة مرور موقع الويب مجرد مقياس حتى تُربط بحدث واقعي محدد، مثل إطلاق منتج جديد لمنافس أو تغيير حديث في حملة تسويقية.

الخطوة السادسة: تحويل الرؤى إلى أفعال

تتحول الرؤى إلى قيمة حقيقية عندما تؤثر على القرارات وتحدث تغييراً ملموساً في أداء الأعمال، ويتطلب ذلك تحويل الرؤى إلى إجراءات عملية من خلال تقديم توصيات واضحة وملموسة ووضع خطط تنفيذ قابلة للتكرار والاستفادة من أدوات الأتمتة لتطبيق التغييرات بسرعة.

الخطوة السابعة: مراقبة رؤيتك وتطويرها باستمرار

الرؤى المستمدة من البيانات ليست مشروعاً ينتهي بمجرد تطبيقه، بل هي عملية مستمرة تتطلب التكيف مع تطورات السوق وسلوكيات العملاء. وللحفاظ على قيمتها ينبغي إنشاء حلقات ملاحظات مستمرة مع فرق العمل ومراجعة مصادر البيانات بانتظام للتأكد من شموليتها، وإعادة تقييم الأولويات لضمان التركيز على التأثير الأكبر على الأعمال.

ما هي التقنيات والأدوات التي تساعد على تحويل البيانات إلى قرارات فعالة؟

القدرة على تنفيذ إطار عمل قائم على البيانات تعتمد على اختيار التقنيات والأدوات المناسبة أشهرها:

1- أباتشي سبارك Apache Spark: منصة تحليلات مفتوحة المصدر مصممة للبيانات الضخمة والتعلم الآلي. تعرف بسرعتها الفائقة بفضل استخدامها المعالجة في الذاكرة، ما يجعلها أداة مثالية للتحليلات في الوقت الفعلي واستكشاف البيانات التفاعلي.

  1. جوجل بيغ كويري Google BigQuery: يتميز بقابليته العالية للتوسع وفاعليته من حيث التكلفة، مصمم لتشغيل استعلامات فائقة السرعة على مجموعات البيانات الضخمة، ويستخدم بشكل واسع في استخبارات الأعمال والتحليلات التنبؤية، ويتكامل بسلاسة مع خدمات جوجل السحابية الأخرى.
  2. سنو فلايك Snowflake: منصة بيانات سحابية تتميز بمرونتها وسهولة استخدامها، تعمل على تسهيل تخزين البيانات الضخمة وتحليلها وتدعم البيانات المهيكلة وشبه المهيكلة، ما يجعلها حلاً متعدد الاستخدامات لتحليل البيانات الحديثة.

اقرأ أيضاً: ما أبرز طرق وأدوات تحليل البيانات الضخمة؟

أمثلة لتحويل البيانات الضخمة إلى قرارات فعالة: السعودية نموذجاً

لا يعد اعتماد البيانات الضخمة مجرد توجه عالمي، بل هو عنصر أساسي في المبادرات الوطنية الاستراتيجية لدى العديد من الدول في المنطقة العربية. ففي المملكة العربية السعودية يتجلى التوجه نحو اقتصاد قائم على البيانات بوضوح في رؤيتها 2030 التي تشجع الابتكار التكنولوجي كمحرك للتحول الاقتصادي.

ويقود هذا التوجه بنشاط قطاعي المالية والطاقة. على سبيل المثال، أظهرت شركة أرامكو الرائدة في مجال الطاقة التزاماً قوياً بتطبيق تحليلات البيانات الضخمة لتحسين الكفاءة التشغيلية والإنتاجية والقدرات التنبؤية، وبالمثل تبنى مصرف الراجحي تحليلات البيانات الضخمة لخلق قيمة مضافة وتعزيز مبادراته الرقمية، حتى إن الشركة السعودية للكهرباء حازت جائزة أفضل مؤسسة في العالم العربي تطبق تحليلات البيانات الضخمة في إدارة الصيانة في الدورة الثالثة عشرة من الجائزة العربية للتشغيل والصيانة.

علاوة على ذلك، وجدت دراسة أجريت على الشركات السعودية المدرجة اتجاهاً فريداً، وهو أن اعتماد البيانات الضخمة ليس حركة فردية ولكنه مدفوع برؤية وطنية من أعلى إلى أسفل، ما يوفر حافزاً قوياً في رحلة التحول الرقمي.

وكشف البحث أن الشركات الأكبر حجماً ذات البنية التحتية الرقمية المتفوقة أظهرت معدلات تبني أعلى واستخداماً أكثر تقدماً للبيانات الضخمة من نظيراتها الأصغر حجماً.

كيفية قياس نجاح القرارات المبنية على البيانات الضخمة

لا يمكن قياس نجاح أي مبادرة قائمة على البيانات بمجرد تنفيذها الفني، فالنجاح الحقيقي يعرف بتأثيره الملموس في نتائج الأعمال، وتشمل المؤشرات الأربعة الرئيسية لقياس هذا النجاح ما يلي:

1- نمو الإيرادات: يتتبع التأثير المالي المباشر للقرارات القائمة على البيانات صافي أرباح الشركة، ويمكن أن تشمل المقاييس تحليل نمو إيرادات المبيعات أو هوامش الربح بعد تطبيق استراتيجيات التسعير أو الحملات التسويقية المستندة إلى البيانات.

2- الكفاءة التشغيلية: تقيس قدرة البيانات على تبسيط العمليات وتحسين الإنتاجية من خلال تتبع الانخفاض في التكاليف التشغيلية وتسريع دورات الإنتاج واستخدام الموارد بكفاءة أكبر، ما يوضح القيمة المضافة لتحليلات البيانات في تحسين سير العمل وتحقيق وفورات مالية.

3- رضا العملاء: يقيس تأثير الاستراتيجيات التي تعتمد على البيانات في تحسين تجربة العملاء وزيادة ولائهم، مثل صافي نقاط الترويج ومعدلات الاحتفاظ بالعملاء وقيمة عمر العميل. ويبرز هذا المؤشر دور البيانات في تقديم تجارب مخصصة وتطوير منتجات أفضل تلبي احتياجات العملاء.

4- جودة القرار وسرعته: يركز على عملية اتخاذ القرار نفسها ويقيس التحسينات في سرعة وجودة القرارات من خلال مقارنة نتائج الخيارات المتخذة باستخدام تحليلات البيانات مع الحدس.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للمؤسسات التعليمية الاستفادة من البيانات الضخمة؟

نصائح للمدراء في كيفية الاعتماد على البيانات في اتخاذ القرارات الفعالة

يبدأ إنشاء ثقافة أكثر اعتماداً على البيانات في اتخاذ القرار ببساطة باستخدام البيانات في كثير من الأحيان. ومع ذلك فإن قول هذا أسهل من فعله، لذا جرب هذه النصائح لتصبح أكثر اعتماداً على البيانات في اتخاذ قراراتك:

  • ابحث عن القصة: مفتاح تحليل البيانات والأرقام والرسوم البيانية هو البحث عن القصة، فدون السبب أو طرح سؤال يبدأ بـ "لماذا" فإن البيانات نفسها ليست مفيدة كثيراً، وتكون عملية اتخاذ القرار أكثر صعوبة، لذا إذا كنت تحاول أن تصبح أكثر اعتماداً على البيانات في عملية صنع القرار، ابحث عن القصة التي ترويها البيانات وسيكون هذا جزءاً لا يتجزأ من اتخاذ القرارات الصحيحة.
  • راجع البيانات: قبل اتخاذ أي قرار اسأل نفسك: هل تدعم البيانات ذلك؟ البيانات موجودة في كل مكان ويمكن تطبيقها على أي قرار رئيسي فلماذا لا تستشيرها عند اتخاذ خيارات صعبة؟
  • تعلم تمثيل البيانات: يصبح العثور على القصة وراء البيانات أسهل عندما تكون قادراً على تمثيلها بوضوح، ففي حين أن تعلم كيفية تمثيل البيانات غالباً ما يكون أصعب جانب في إنشاء ثقافة تعتمد على البيانات، فإنه أفضل طريقة للتعرف إلى الأنماط والتناقضات فيها.

المؤسسات التي تستمع إلى بياناتها اليوم ستقود الغد

في سوق عالمية متزايدة التنافسية، لم تعد القدرة على جمع البيانات وتحليلها والتصرف بناءً عليها رفاهية، بل ضرورة أساسية للبقاء والنمو، وسيتم تعريف مدراء المستقبل من خلال قدرتهم على تحويل البيانات الخام إلى قرارات قابلة للتنفيذ، ما يخلق ميزة واضحة على منافسيهم الأقل دراية.

علاوة على ذلك، فإن المؤسسات التي تستفيد من البيانات للتخصيص تشهد زيادة كبيرة في ولاء العملاء، وهذا التحول من نموذج واحد يناسب الجميع إلى تجربة شخصية لا يقتصر على جعل العملاء أكثر سعادة فحسب، بل يتعلق الأمر ببناء نموذج أعمال مستدام ومربح.

فمن خلال الاستثمار في التحليلات وتعزيز عقلية التعلم المستمر من البيانات، لا يمكن للمؤسسات فقط التكيف مع ظروف السوق المتغيرة، بل أيضاً صياغتها بشكل استباقي، خاصة مع توقع ازدياد الفجوة بين المؤسسات التي تعتمد على البيانات وتلك التي لا تستخدمها، ما يؤكد أن الاستماع إلى بياناتك اليوم هو الطريق الوحيد للقيادة غداً.

المحتوى محمي