كيف استعادت هواوي قدرتها التنافسية مع آبل في سوق الهواتف الذكية؟

4 دقائق
كيف استعادت هواوي قدرتها التنافسية مع آبل في سوق الهواتف الذكية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/JHVEPhoto

في نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، فاجأت شركة هواوي الصينية العالم بإطلاق الجيل التالي من سلسلة هواتفها الذكية ميت 60 برو (Mate 60 Pro)، ومصدر المفاجأة هو أن هذه السلسلة بالتحديد تحتوي على رقائق صُنِعت بمعمارية 7 نانومتر لتدعم شبكات الجيل الخامس (5G) على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، والتي قيّدت من وصولها إلى هذه التكنولوجيا.

فمنذ سنوات أكدت الولايات المتحدة أن شركات التكنولوجيا الصينية، ومن ضمنها شركة هواوي، أصبحت تمثّل خطراً على الأمن القومي بسبب صلاتها المزعومة بالحزب الشيوعي الصيني والجيش الصيني، على الرغم من نفي الشركة هذه الاتهامات مراراً وتكراراً.

إلّا أنه بدءاً من عام 2019، فرضت الولايات المتحدة الأميركية التي كان يرأسها دونالد ترامب آنذاك، عدداً من العقوبات التي قيّدت الشركة الصينية من الوصول إلى التكنولوجيات الرئيسية التي تنتجها الشركات الأميركية وحلفاؤها من الشركات التي تستخدم التكنولوجيا الأميركية، بما في ذلك أشباه الموصلات الفائقة وبرامج خدمات جوجل للهواتف الذكية (Google Mobile Services)، ما أخرج شركة هواوي بشكلٍ شبه كامل من سوق الهواتف الذكية.

إذاً، كيف تمكنت شركة هواوي من تصنيع رقائق تدعم شبكات الجيل الخامس؟ وهل تمكنت الشركة الصينية من إعادة إشعال الحرب الباردة التكنولوجية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين؟

قيود وعقوبات أضرّت كثيراً بالشركات الصينية التكنولوجية

إلى جانب شركتي آبل وسامسونج، تُعد شركة هواوي واحدة من الشركات القليلة في العالم التي تمكنت من تصميم معالج خاص بها لهواتفها الذكية، وقد تم ذلك من خلال قسم هاي سيليكون (HiSilicon) التابع للشركة الصينية، ومع ذلك فإن الرقائق صُنِعت من خلال شراكتها مع الشركة التايوانية لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC).

ولكن منذ سريان العقوبات عليها، لم تتمكن شركة هواوي فعلياً من استخدام التكنولوجيا الأميركية من أي مكان خلال عملية تصنيع الرقائق، وهو ما يعني أن الشركة لم تعد قادرة على اقتناء الرقائق من الشركة التايوانية التي تستخدم التكنولوجيا الأميركية في بيئتها التصنيعية.

وتُعد شركة تصنيع الرقائق التايوانية الشركة المُصنّعة لأشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم، حيث لا توجد شركة صينية يمكنها أن تفعل ما تفعله، ولهذا السبب كانت موجات الصدمة والمفاجأة كبيرة في سوق الهواتف الذكية، لقدرة الشركة الصينية على تجاوز العقوبات الموقعة عليها والقدرة على إنتاج هذه الرقائق ودمجها في هواتفها الذكية.

 ولكن تحليل شركة البرمجيات تك إنسايت (TechInsights) لهاتف ميت 60 برو، أظهر أن الهاتف يحتوي على رقائق تدعم شبكات الجيل الخامس من تصنيع شركة تصنيع أشباه الموصلات الصينية الدولية إس إم أي سي (SMIC)، وهي من ضمن الشركات المدرجة في القائمة السوداء التجارية للولايات المتحدة الممنوعة من شراء التكنولوجيا الأميركية.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا النانو: كيف تتغير حياة البشر بمقياس متناهي الصغر؟

كيف تمكنت هواوي من إنتاج رقائق تدعم شبكات الجيل الخامس؟

يُطلق على شريحة الهاتف الذكي من هواوي اسم كيرين 9000 إس (Kirin 9000S)، وهي تدعم شبكات الجيل الخامس والمكالمات الهاتفية عبر الأقمار الصناعية، وقد صُنِعت الشريحة بمعمارية 7 نانومتر؛ أي أنها متأخرة بجيلين فقط عن خطوط إنتاج شرائح الهواتف الذكية الأكثر تقدماً.

وعلى الرغم من أن شركة هواوي لم تؤكد بعد أن هاتف ميت 60 برو قادر على دعم شبكات الجيل الخامس، فإن المراجعات أظهرت أن الهاتف قادر على الوصول إلى سرعات التنزيل المرتبطة بشبكات الجيل الخامس.

وتعتبر عملية تصنيع رقائق بمعمارية 7 نانومتر متقدمة للغاية في سوق أشباه الموصلات، على الرغم من أنها ليست أحدث الرقائق الموجودة الآن، حيث إن أحدث شريحة مستخدمة موجودة الآن هي بمعمارية 4 نانومتر من شركة آبل، وهي أى 16 بيونيك (A16 Bionic) الموجودة في أحدث سلسلة من هواتفها الذكية التي صدرت مؤخراً، آيفون 15 (iPhone 15).

ويعتبر هذا الاختراق إنجازاً كبيراً لشركة SMIC التي كافحت لسنوات عديدة لإنتاج رقائق بمعمارية تصنيع تبلغ 7 نانومتر، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم تمكنها من الحصول على جهاز باهظ الثمن وحاسم للغاية في تصنيع هذه الرقائق، وهي آلة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (اختصاراً إي يو فيEUV) التي تصنعها شركة أيه إس إم إل (ASML) الهولندية، التي توقفت عن إرسال هذه الآلات إلى الصين بموجب العقوبات الأميركية.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى العظماء الذين وقفوا وراء صناعة الرقاقات الإلكترونية

هل عادت هواوي مرة أخرى للتنافس في سوق الهواتف الذكية؟

يتفق العديد من المحللين من منظور تكنولوجي على أن قيام الشركة الصينية SMIC بتصنيع رقائق بمعمارية 7 نانومتر اختراق مهم للغاية، وقد يمهّد لعودة شركة هواوي لسوق الهواتف الذكية الرائدة من جديد، دون الحاجة إلى استخدام المعدات الأميركية أو الاعتماد على الشركاء الأوروبيين الذين يستخدمون التكنولوجيا الأميركية.

ومع ذلك يتفقون أيضاً على أنه من المرجح أن تتم هذه العملية بكفاءة أقل دون استخدام المعدات المتطورة التي توفّرها الشركات الأميركية أو شركاؤها في أوروبا، ومن ثَمَّ في حين أن شركة SMIC أثبتت أنها قادرة على إنشاء شرائح بمعمارية 7 نانومتر، إلّا أنه من غير الواضح مدى كفاءة وربحية واستدامة ذلك على نطاق أوسع، حيث إن المقياس الأساسي هو العائد الربحي الذي يمكن أن تحصل عليه.

فإذا كان إنتاج الشركة المُصنّعة للرقائق الداعمة لشبكات الجيل الخامس منخفضاً، فلن يُنظر إلى العملية على أنها فعّالة ويمكن أن تكون مكلفة، لذا يتفق المحللون على أن هذا الأمر سيكون بمثابة لعبة انتظار لمعرفة ما إذا كانت شركة SMIC قادرة على إنتاج عدد الرقائق التي تحتاج إليها شركة هواوي على نطاق مربح.

اقرأ أيضاً: في إطار الحرب عليها: هواوي تقرر استثمار 300 مليون دولار سنوياً في الأبحاث

شركة آبل أكبر الخاسرين من الحرب الباردة بين البلدين

من المؤكد أن هاتف شركة هواوي الجديد قد هز صُنّاع القرار في العاصمة الأميركية، حيث أصدرت وزارة التجارة الأميركية بياناً قالت فيه إنها تتطلع للحصول على مزيدٍ من المعلومات حول رقاقة هاتف هواوي الجديد.

حيث كشفت عملية تصنيع رقاقة بمعمارية 7 نانومتر الخاصة بشركة SMIC أيضاً عن بعض نقاط الضعف في استراتيجية تقييد الصادرات الأميركية، التي قد تؤدي إلى مزيدٍ من القيود، ومن ثَمَّ قد تكون هناك ضغوط على الولايات المتحدة لإعادة النظر في استراتيجية ضوابط التصدير، التي كانت مبنية على افتراض أن الضوابط ستمنع الشركات الصينية من إنتاج الرقائق المتقدمة.

ومع استمرار التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في الظهور على السطح، ربما تشكّل عودة هواوي المحتملة أكبر تهديد لشركة آبل، حيث يُنظر إلى شركة آبل على أنها شركة مُصنّعة للهواتف الذكية المتطورة، وكانت شركة هواوي تتنافس بشكلٍ مباشر مع الشركة الأميركية في الصين لسنوات، لكن مبيعات هواوي تراجعت بشدة عندما لم تتمكن من تجهيز هواتفها الذكية بتكنولوجيا اتصال الجيل الخامس وأحدث الرقائق.

اقرأ أيضاً: ما معنى أن تُحظَر هواوي من استخدام أندرويد؟ وما أثر ذلك عليها؟

حيث بدأت أولى بوادر معاناة شركة آبل في الصين مع منع موظفي الحكومة المركزية الصينية من استخدام هواتف آيفون، وغيرها من الهواتف ذات العلامات التجارية الأجنبية في العمل أو إحضارها إلى المكتب، فمُنِع أي نوع من الانتعاش في هذا المجال، كما هو الحال مع هاتف ميت 60 برو الذي يمكن أن يجعل هواتف هواوي الجديدة خياراً جذاباً مرة أخرى للمشترين الصينيين.

وذلك لأن منتجات شركة هواوي لا تتمتع بصورة العلامة التجارية المتميزة نفسها التي تتمتع بها شركة آبل فحسب، بل إنها أيضاً فخر وطني في الصين. بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديد الأكبر من هواوي هو تطورها المستمر في التكنولوجيا وليس فقط في احتواء هواتفها على أحدث المعالجات والرقائق، ولكن أيضاً في عوامل الشكل الجديدة مثل الأجهزة القابلة للطي.

المحتوى محمي