تمثل المنظومات الوكيلة (agents) إحدى أكثر التكنولوجيات رواجاً وإثارة للاهتمام في قطاع التكنولوجيا حالياً. وتتسابق الشركات الكبرى، بدءاً من جوجل ديب مايند (Google DeepMind) وأوبن أيه (OpenAI) آي وصولاً إلى أنثروبيك (Anthropic)، نحو تعزيز النماذج اللغوية الكبيرة من خلال تزويدها بالقدرة على تنفيذ المهام بنفسها. هذه الأنظمة معروفة باسم "الذكاء الاصطناعي الوكيل" (agentic AI) وفق المصطلحات المعتمدة في الصناعة، وقد أصبحت بسرعة الهدف الجديد للضجيج الإعلامي في وادي السيليكون. ويتحدث الجميع، بدءاً من شركة إنفيديا (Nvidia) وانتهاء بسيلز فورس (Salesforce)، عن التغيرات الجذرية التي ستحدثها هذه الأنظمة في صناعة التكنولوجيا.
زعم سام ألتمان في منشور حديث عبر مدونته قائلاً: "نعتقد أننا في 2025 قد نشهد أولى المنظومات الوكيلة تنضم إلى صفوف القوى العاملة، وتحدث تغييراً ملموساً فيما تنتجه الشركات".
وفقاً لأكثر التعاريف عمومية، فإن المنظومة الوكيلة (agent) نظام برمجي يمكن تشغيله ليتولى تنفيذ مهمة معينة، وغالباً ما يخضع للإشراف بحده الأدنى أو لا يخضع لأي نوع من الإشراف. وكلما زاد تعقيد المهمة، زاد مستوى الذكاء المطلوب من المنظومة الوكيلة. بالنسبة إلى الكثيرين، أصبحت النماذج اللغوية الكبيرة الآن ذكية بما يكفي لتشغيل منظومات وكيلة تستطيع تنفيذ مجموعة كاملة من المهام نيابة عنا، مثل ملء الاستمارات، أو البحث عن وصفة لإعداد الطعام وإضافة مكوناتها إلى سلة البقالة الإلكترونية عبر الإنترنت، أو استخدام محرك بحث لإجراء بحث في اللحظة الأخيرة قبل اجتماع مهم وإنشاء ملخص سريع يتضمن مجموعة من النقاط.
في أكتوبر/تشرين الأول، عرضت شركة أنثروبيك إحدى أكثر المنظومات الوكيلة تطوراً حتى الآن: وهي امتداد لنموذجها اللغوي الكبير كلود "Claude" وتحمل اسم "كمبيوتر يوس" (Computer Use)، أي استخدام الكمبيوتر. وكما يوحي الاسم، تتيح لك هذه المنظومة الوكيلة توجيه كلود لاستخدام الكمبيوتر كما يفعل شخص عادي، أي من خلال تحريك المؤشر والنقر على الأزرار وكتابة النصوص. وبدلاً من إجراء محادثة مع كلود ببساطة، يمكنك الآن أن تطلب منه تنفيذ مهام معينة على الشاشة نيابة عنك.
تشير أنثروبيك إلى أن هذه الميزة ما زالت مربكة ومعرضة للأخطاء. لكنها متاحة منذ الآن لمجموعة صغيرة من مختصي الاختبارات، بمن فيهم مطورون من شركات خارجية مثل دور داش (DoorDash) وكانفا (Canva) وأسانا (Asana).
اقرأ أيضاً: هل يتفوق نموذج شركة أنثروبيك على تشات جي بي تي والنماذج الأخرى؟
تمثل المنظومة الوكيلة "كمبيوتر يوس" لمحة عن مستقبل المنظومات الوكيلة. وللتعرف على ما ينتظرنا في هذا المستقبل، تحدثت إم آي تي تكنولوجي ريفيو إلى المؤسس المشارك في أنثروبيك وكبير علمائها، جاريد كابلان. ونقدم فيما يلي 5 توجهات لتحسّن المنظومات الوكيلة في 2025.
(خضعت إجابات كابلان لتعديلات طفيفة لأغراض الإيجاز وزيادة الوضوح).
1- ستتحسن المنظومات الوكيلة على صعيد استخدام الأدوات
"أعتقد أن التفكير في قدرات الذكاء الاصطناعي يتجه وفق اثنين من المحاور: المحور الأول هو درجة تعقيد المهمة التي يستطيع النظام أن ينفذها، ومع تزايد ذكاء هذه الأنظمة، فإنها تتحسن وفق هذا الاتجاه، أما المحور الآخر، وهو محور مهم للغاية، فيتعلق بأنواع البيئات أو الأدوات التي يستطيع الذكاء الاصطناعي التعامل معها.
"لذا، إذا عدنا بالزمن 10 أعوام تقريباً إلى الخلف. عندما طرحت جوجل ديب مايند نموذج ألفاغو (AlphaGo) الذي يمارس لعبة غو، فقد كان لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي ذات قدرات خارقة تفوق قدرات البشر من حيث براعتها في الألعاب اللوحية. غير أن نطاقها كان محصوراً بتلك الألعاب، ما يعني أنها تعمل في بيئة مقيدة للغاية. وعلى الرغم من أن هذا النظام ذكي جداً، فإنه لا يقدم أي فائدة حقيقية.
مع ظهور النماذج النصية، ثم النماذج المتعددة الوسائط، وصولاً إلى كمبيوتر يوس الآن -وربما الروبوتات في المستقبل- فنحن نتحرك نحو وضع الذكاء الاصطناعي في مواقف مختلفة وتكليفه بمهام مختلفة، وجعله مفيداً.
"لقد كنا متحمسين إزاء كمبيوتر يوس لهذا السبب من الناحية الأساسية. فحتى وقت قريب، كان استخدام النماذج اللغوية الكبيرة يتطلب تلقيمها بأوامر محددة جداً، ومنحها أدوات محددة للغاية، إضافة إلى أنها كانت مقيدة بنوع محدد من البيئات. من وجهة نظري، ستتحسن منظومة كمبيوتر يوس بسرعة على الأرجح من حيث مدى قدرة النماذج على أداء مهام مختلفة، ومهام أكثر تعقيداً. وأيضاً من حيث إدراكها بأنها ارتكبت خطأ ما، أو إدراكها بأنها تتعامل مع سؤال ذي أهمية بالغة ويتطلب منها الحصول على ملاحظات من المستخدم".
2- ستتمكن الأنظمة الوكيلة من فهم السياق
"يحتاج كلود إلى معرفة ما يكفي من المعلومات حول وضعك الخاص والقيود التي تعمل في ظلها حتى يكون مفيداً. وتتضمن هذه المعلومات الدور المحدد المناط بك، وأساليب الكتابة أو الاحتياجات الضرورية لديك ولدى المؤسسة التي تعمل فيها".
"أعتقد أننا سنشهد تحسينات على ذلك الصعيد حيث سيتمكن كلود من البحث في أشياء مثل مستنداتك أو حسابك على منصة سلاك (Slack) وغير ذلك، ومعرفة ما هو مفيد حقاً بالنسبة لك.
في حالة المنظومات الوكيلة، لا تحظى هذه المسألة بما يكفي من الاهتمام. فمن الضروري ألا تكون هذه الأنظمة مفيدة وحسب، بل آمنة أيضاً، بحيث تنفذ ما تتوقع منها فعله.
"ثمة مسألة أخرى، وهي أن الكثير من المهام لن تتطلب من كلود الكثير من التفكير، فليس من الضروري أن تجلس وتفكر عدة ساعات قبل أن تفتح تطبيق جوجل دوكس (Google Docs) أو ما شابه. ولهذا أعتقد أن الكثير من التطورات التي سنشهدها لاحقاً لا تقتصر فقط على رفع مستوى التفكير، بل اللجوء إلى التفكير في الحالات المفيدة والمهمة فعلاً، وأيضاً، عدم إضاعة الوقت عندما لا يكون ذلك ضرورياً".
اقرأ أيضاً: من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً: دليل شامل لوكلاء الذكاء الاصطناعي
3- ستؤدي المنظومات الوكيلة إلى تحسين مساعدات البرمجة
"أردنا أن نصدر نسخة تجريبية أولية جداً من كومبيوتر يوس للمطورين للحصول على تعليقاتهم وملاحظاتهم عندما كان النظام لا يزال بدائياً نسبياً. لكن مع تحسّن هذه الأنظمة، قد ينتشر استخدامها على نطاق أوسع، وتتعاون معنا فعلياً في العديد من النشاطات".
"أعتقد أن شركة دور داش وشركة براوزر كومباني (Browser Company) وشركة كانفا تجرب كلها أنواعاً مختلفة من التفاعلات مع متصفحات الإنترنت، وتصممها بمساعدة الذكاء الاصطناعي".
"أتوقع أيضاً أننا سنشهد تحسينات إضافية على مساعدات البرمجة. وهو أمر يثير حماسة كبيرة لدى مطوري البرمجيات. ثمة اهتمام كبير باستخدام "كلود 3.5" (Claude 3.5) للبرمجة، حيث لا يقتصر الأمر على الإكمال التلقائي للرموز البرمجية كما كان قبل عامين. فهو يفهم فعلياً المشاكل الواردة في الرموز البرمجية، ويعمل على استكشاف الأخطاء ومعالجتها (debubbing)، أي إنه ينفذ الرموز البرمجية ويرى ما يحدث، ويعمل على تصحيحها".
4- يجب أن نجعل المنظومات الوكيلة آمنة
"أسسنا أنثروبيك لأننا توقعنا أن يتقدم الذكاء الاصطناعي بسرعة كبيرة، ولهذا اعتقدنا أن المخاوف المتعلقة بالأمان والسلامة ستصبح مهمة حتماً. وأعتقد أن هذه المسألة ستزداد وضوحاً وأهمية هذا العام، لأنني أعتقد أن المنظومات الوكيلة ستصبح أكثر اندماجاً في عملنا. علينا أن نستعد لمواجهة التحديات، مثل مشكلة حقن الأوامر النصية (prompt injection)".
(حقن الأوامر النصية هو هجوم برمجي يجري خلاله تلقيم نموذج لغوي كبير بأمر نصي خبيث بأساليب لم يتوقعها مطورو النموذج أو يقصدوا استخدامها. ومن الطرق المستخدمة في هذا الهجوم إضافة الأمر النصي إلى مواقع ويب يمكن لهذه النماذج أن تزورها).
اقرأ أيضاً: وكلاء الذكاء الاصطناعي في بيئة عمل رقمية: أين ينجحون وأين يفشلون؟
"من المرجح أن حقن الأوامر النصية يمثل أحد أهم الأشياء التي نفكر فيها على صعيد الاستخدام الأوسع نطاقاً للمنظومات الوكيلة. وأعتقد أن هذا مهم على نحو خاص بالنسبة لكمبيوتر يوس، وهو يمثل جانباً نعمل عليه بتركيز كبير، لأنه في حالة نشر كمبيوتر يوس على نطاق واسع، قد تكون هناك مواقع ويب خبيثة -أو ما يشبهها- تحاول إقناع كلود بفعل شيء يجب ألا يفعله.
ومع ظهور النماذج الأكثر تطوراً، يظهر المزيد من المخاطر. لدينا سياسة محكمة لتوسيع نطاق العمل ونشر التكنولوجيات، حيث نشعر، مع تزايد قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى درجة كافية، بأننا يجب أن نكون قادرين حقاً على منع إساءة استخدام هذه الأنظمة. نحن نتحدث عن حالات مثل استخدامها لمساعدة الإرهابيين".
"ولهذا، أنا متحمس حقاً بشأن سبل الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، فقد أدى استخدامه داخل أنثروبيك في الواقع إلى رفع وتيرة العمل إلى مستوى عالٍ جداً، حيث يعتمد العاملون هناك على كلود بأساليب شتى، خصوصاً في البرمجة. لكننا سنشهد بالطبع الكثير من التحديات أيضاً. أعتقد أن هذا العام سيكون حافلاً ومثيراً للاهتمام".