لماذا يقلق علماء المناخ من فوز ترامب بفترة رئاسية أخرى؟

6 دقائق
لماذا يقلق علماء المناخ من فوز ترامب بفترة رئاسية أخرى؟
مصدر الصورة: أسوشييتد برس/ أندرو هارنيك

أمضى دانيال شراج معظم حياته في العمل في مجال تغير المناخ؛ حيث درس في وقت مبكر من حياته المهنية فترات الاحترار القديمة التي شهدها كوكب الأرض، كما عمل مستشاراً لشؤون المناخ للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويعمل الآن مديراً لمركز البيئة التابع لجامعة هارفارد.

لكنه عندما يتخيل الاحتمالات التي قد تترتب على إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، لا تصبح قضية تغير المناخ هي أكثر القضايا التي تثير قلقه.

ويقول شراج: “أشعر حالياً بالقلق على المؤسسات الديمقراطية. أنا قلق بشأن الفساد العميق والمتغلغل في جميع المستويات، بما في ذلك وزارة العدل”.

ويضيف: “الخبر السار هو أنه بعد أربعة أعوام -أو عندما ينتهي هذا الأمر- ستكون هناك الكثير من الأشياء التي لا يزال يمكننا القيام بها من أجل المناخ. لكن هذا لن يتحقق إذا كنا قد دمرنا المؤسسات الديمقراطية الأساسية”.

وقد سمعت ردوداً مماثلة مراراً وتكراراً عندما استطلعت آراء علماء المناخ وخبراء السياسات بشأن ما الذي قد تعنيه إعادة انتخاب ترامب. وبعد سنوات من مراقبة الإدارة وهي تهدم سياسات المناخ وتقوّض سيادة القانون وتستميل المحاكم إلى صفها وتسيّس الجائحة وتعرقل العملية الانتخابية وتلمّح إلى استمرار الرئيس لفترتين ثالثة ورابعة، يشعر الأشخاص الذين سألتهم بالرعب مما قد يفعله الرئيس إذا ظل في منصبه لأربعة أعوام أخرى أو أكثر.

وقال كين كالديرا، عالم المناخ في معهد كارنيجي: “حسناً، أولاً وقبل أي شيء، ثمة سؤال: هل ستتحول الولايات المتحدة إلى نظام ديكتاتوري شمولي؟”.

ويجيب داني كولينوارد، وهو محاضر في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، قائلاً: “لا يوجد جانب يتعلق بسياسة المناخ في هذه القصة؛ فالولايات المتحدة ستتحول عندئذ إلى دولة فاشلة”.

والواقع أن النقاشات الأكاديمية الساخنة التي تدور اليوم بين خبراء المناخ حول المزيج الأكثر فاعلية من السياسات والتقنيات الأميركية قد تبدو قريباً نقاشات غريبة وخارجة عن السياق.

فلا توجد سياسات جديدة مطروحة فعلياً، ومن المرجح للغاية أن يكون مآل السياسات القديمة الفشل. وسيستمر تغير المناخ نفسه في التسارع مع تناقص الوقت المتبقي على إمكانية تجنب المستويات البالغة الخطورة من الاحترار.

وتقول جين لونج، المديرة المساعدة السابقة في مختبر لورانس ليفرمور الوطني: “إذا لم يُنتخب، فلن يجعلني ذلك أتوقف عن القلق بشأن تغير المناخ؛ إذ سيظل التصدي له أمراً صعباً للغاية. ولكن إذا تم انتخابه، فلن يكون الجنس البشري بمنأى عن الانقراض. يمكننا اتخاذ مجموعة من القرارات السيئة للغاية والقضاء على حياة الكثيرين”.

ومع ذلك، فقد طلبت من الخبراء أن يفكروا فيما هو أبعد من مخاوفهم ووجهات نظرهم السياسية، وأن يتحدثوا بالتفصيل عما يمكن أن تعنيه ولاية ثانية لترامب بالنسبة لتغير المناخ. وهنا، برزت عدة موضوعات واضحة.

تراجعات تنظيمية

إن استمرار ترامب لأربعة أعوام أخرى سيسمح للبيت الأبيض بتأكيد تراجعه عن السياسات البيئية -سواء تلك التي كان قد تراجع عنها بالفعل أو التي يسعى إلى التراجع عنها- التي تغطي تقريباً كل الأدوات الفدرالية الرئيسية المتاحة لخفض الانبعاثات التي تدفع عملية التغير المناخي.

وتشمل قائمة السياسات الطويلة جداً التي حاولت الإدارة إضعافها أو عكسها: القواعد التي تُلزم شركات النفط والغاز ودفن النفايات بمنع تسرب غاز الميثان الذي يُعد أحد غازات الدفيئة شديدة القوة، والقيود المفروضة على مُركّبات الهيدروفلوروكربون (وهي غازات الدفيئة المستخدمة في عمليات التبريد وتكييف الهواء)، والمعايير الفدرالية الخاصة بالانبعاثات الصادرة عن المركبات، وقدرة ولايات مثل كاليفورنيا على وضع قواعد أكثر صرامة خاصة بها.

وتقول ليا ستوكس، خبيرة السياسات البيئية بجامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، إن كل هذه الجهود تواجه تحديات قانونية، إلا أن إعادة انتخاب ترامب ستمنح الإدارة المزيد من الوقت لخوض تلك المعارك، ومراجعة الحجج والإستراتيجيات القانونية، واستمالة المحاكم إلى صفها.

كما أنها ستعني أربعة أعوام أخرى من طرد أو تكميم أفواه العلماء الذين يعملون في الوكالات الفدرالية واستبدالهم بطاقم موالي لقطاع الصناعة.

علاوة على ذلك، فإن وفاة القاضية بالمحكمة العليا روث بادر جينسبيرج، أواخر الأسبوع الماضي، ستضمن قدرة الرئيس على إمالة المحكمة أكثر نحو اليمين؛ إذ يبدو أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يستعدون لاستبدال جينسبيرج بمرشح يختاره ترامب قبل الانتخابات، ولديهم الأصوات اللازمة لتنفيذ هذه الفكرة.

لذا، فحتى لو فاز جو بايدن بالرئاسة وحصد الديمقراطيون أغلبية المقاعد في مجلسي الكونجرس، وتمكنوا من سن قوانين مناخية شاملة، فإن مثل هذه التشريعات ستصبح أكثر عرضة للفشل في اجتياز الفحص الذي تجريه المحكمة العليا.

ومن ناحية أخرى، إذا فاز ترامب، فإن الأحكام التي تصدرها المحكمة العليا أو المحاكم الفدرالية لاحقاً قد تدعم العديد من السياسات التنظيمية التي يضعها البيت الأبيض، وترسي سوابق في القانون البيئي يمكن أن تدوم لعقود.

وسيؤثر هذا الأمر فعلياً على التقدم الذي تم إحرازه في مجال المناخ. ووفقاً لتحليل حديث أجرته مؤسسة روديوم جروب، فإن التغييرات التنظيمية المذكورة أعلاه سترسل وحدها ما يعادل 1.8 مليار طن آخر من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي بحلول عام 2035، أي أكثر من الانبعاثات السنوية الناتجة عن الوقود الأحفوري في روسيا.

وتقول آن ويكس، المديرة القانونية لمنظمة “Clean Air Task Force” غير الربحية، إن وفاة جينسبيرج “مثلت حدثاً مزلزلاً بالنسبة لمسار الأحداث طيلة العقود القادمة”.

نهاية اللوائح التنظيمية

سبق للإدارة أن ألمحت بالفعل إلى وجهتها التالية؛ فهي لن تهاجم قواعد محددة فحسب، وإنما ستهاجم الأسس التي تقوم عليها اللوائح التنظيمية البيئية نفسها، حيث تعيد وكالة حماية البيئة (EPA) حالياً صياغة قواعد المحاسبة التنظيمية على نحو يحد من قدرة الحكومة على تبرير فرض قيود على القطاع الصناعي لخدمة الصالح العام.

وأعلن مدير وكالة حماية البيئة أندرو ويلر، عن خطط تهدف لتحريف نتائج حسابات التكاليف والفوائد التي تُجرى على أي قاعدة تنظيمية مقترحة، عن طريق تجاهل الفوائد غير المباشرة التي تعود على الصحة العامة التي تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات. واستناداً إلى هذه النتائج الجديدة، فقد دعا بالفعل إلى التراجع عن القواعد المتعلقة بانبعاثات الزئبق من محطات الفحم. ومن الجدير بالذكر أن الزئبق هو أحد السموم العصبية التي تلوث المجاري المائية وتسمم المأكولات البحرية.

وبشكل منفصل، تضع وكالة حماية البيئة اللمسات الأخيرة على قاعدة تُلزم أي تحليل تنظيمي باستبعاد إجراء بحث علمي عندما لا تتوفر البيانات الأولية الأساسية. ويُعد هذا الأمر محاولة لتجاهل العلوم التي تمس البشر، والتي إما لا يمكن فيها مشاركة البيانات الطبية الشخصية أو تلك التي يتطلب فيها الإفصاح عن هذه البيانات بذل جهود باهظة الثمن لتنقيحها. كما تتطلب هذه القاعدة أن تتجاهل السياسات العامة الدراسات الهامة التي تبرهن بوضوح على الآثار الصحية الوخيمة والوفيات المبكرة المرتبطة بتلوث الهواء.

وفي الحالتين، تحاول إدارة ترامب تقليص أو إسقاط جانب الفوائد من سجل الحسابات التنظيمية، على نحو يمكن استخدامه لتبرير تقويض كل أشكال الحماية المفروضة حالياً على الهواء أو المياه أو الأنواع أو المناخ.

وتقول ويكس: “إذا لم يكن بإمكانك إجراء تحليل التكاليف والفوائد، فكيف تبرر إذن وضع لوائح تنظيمية بيئية؟ الأمر برمته خبيث للغاية”.

تقدم دولي

تسهم الولايات المتحدة بصورة مباشرة بنحو 14% من إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري في العالم، بيد أن الانتخابات قد تخلف تأثيرات أوسع نطاقاً بكثير على ما يفعله -أو ما لا يفعله- العالم أيضاً للتصدي لتغير المناخ.

وكان ترامب قد أعلن عن خطط للانسحاب من اتفاق باريس للمناخ خلال الأشهر الأولى من رئاسته، وسيتمكن من القيام بذلك رسمياً في أوائل شهر نوفمبر. وإذا أعيد انتخابه، فإن ما قد يتم التغاضي عنه حالياً باعتباره انحرافاً عن السياسة الأميركية سيبدو بالنسبة إلى بقية العالم وكأنه خسارة دائمة للدور القيادي الذي تضطلع به أميركا في هذه القضية.

في عهد ترامب، تقول إحدى أغنى دول العالم بشكل عملي إنك ستكون أحمق إذا أبطأت النمو الاقتصادي من أجل الشواغل العالمية.

ويقول كالديرا إن “هذا الأمر من شأنه أن يرسل إشارة إلى بقية العالم مفادها: ‘اسمعوا، لتهتم كل دولة بنفسها؛ لذا دعونا نتخذ أرخص مسار للتنمية وليذهب الآخرون إلى الجحيم'”.

والواقع أن زعيمي البرازيل وأستراليا يرفضان الآن علناً الدعوات المطالبة ببذل المزيد من الجهود القوية لحماية المناخ، ويبدو أن الهند تزيد اعتمادها على الفحم مرة أخرى، كما تتصاعد المشاعر القومية المتطرفة في أجزاء كبيرة من العالم. إلا أن مناطق أخرى -أبرزها الاتحاد الأوروبي والصين- تكثف جهودها الرامية إلى خفض الانبعاثات أو تعزيز التصنيع المحلي للطاقة النظيفة، واستغلال الفرص الجيوسياسية والتجارية التي تتنازل عنها الولايات المتحدة. وكانت الصين قد تعهدت هذا الأسبوع، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن تصبح محايدة كربونياً بحلول عام 2060.

الأوراق الرابحة

ومع ذلك، فربما لا تزال هناك بعض القيود التي تعوق قدرة الرئيس على وقف كل التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة في مجال المناخ.

وإذا أُعيد انتخاب ترامب، وفي نفس الوقت تمكن الديمقراطيون من السيطرة على مجلس الشيوخ وحافظوا على أغلبيتهم بمجلس النواب، فقد يحد ذلك من قدرة الإدارة على تمرير القوانين والتعيينات في المحكمة العليا، كما يمكن أن يؤدي إلى فتح تحقيقات جديدة، بل وقد يجدد إمكانية عزل الرئيس وإقالته من منصبه.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستمر كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وغيرها من الولايات في قيادة الجهود المناخية، وتوفير الأسواق الإقليمية ونماذج الاختبار لللوائح التنظيمية والتقنيات اللازمة لخفض الانبعاثات.

إن نضج سوق التكنولوجيا النظيفة يعني أن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة والبطاريات والمركبات الكهربائية ستستمر في الانخفاض وأن الطلب عليها سيرتفع. وبغض النظر عن اللوائح التنظيمية، فإن أعداداً متزايدة من الشركات الكبرى تتخذ خطوات أكبر لتقليل انبعاثاتها الكربونية وإدارة المخاطر المناخية التي تهدد أعمالها التجارية. وحتى شركات النفط والغاز باتت تواجه ضغوطاً متزايدة من الرأي العام إضافة إلى ضغوط السوق؛ نظراً لتراجع الطلب وهبوط الأسعار وتزايد صعوبة جمع رأس المال لمشروعاتها.

ولكن إذا كانت كل هذه الأسباب تبدو واهية وميؤوس من أن تجعلنا نشعر ببعض التفاؤل، فإن هذا يرجع إلى أنها كذلك فعلاً. فالولايات المتحدة على شفا كارثة، وعلى بعد خطوة واحدة من الدخول في أزمات ذاتية قد لا تتعافى منها الدولة ولا المناخ أبداً.

المحتوى محمي