أصبحت مبادرات التحول الرقمي استراتيجية، وتستعد العديد من الشركات لتنفيذها أو قامت بالخطوات الأولى من أجل ذلك.
ومع انتشار جائحة كوفيد-19، اضطرت الشركات لتسريع خطواتها، ولكن بعض الشركات أصبح يعاني من إجهاد التحول الرقمي والاستسلام في منتصف الطريق بسبب النفقات الكبيرة دون رؤية نتائج ملموسة، بينما البعض الآخر أوقف مبادراته مؤقتاً أو بشكل نهائي.
ومع ذلك، هناك شركات تمكنت من النجاح في مشاريع التحول الرقمي الخاصة بها، ما انعكس إيجاباً على مكانتها في السوق وتحقيق النمو. في هذا المقال، سنلقى نظرة على أبرز قصص التحول الرقمي الناجحة والدروس التي يمكن للشركات الأخرى التعلم منها.
التحول الرقمي ضرورة ملحة وليس خياراً
عند النظر قليلاً إلى الوراء، نجد أن هناك الكثير من الشركات قد ازدهرت أعمالها خلال انتشار جائحة كوفيد-19 بصورة غير متوقعة، بينما عانى بعض الشركات الأخرى في مواكبة المتغيرات الجديدة، وقد أدى ذلك إلى خروج بعضها تماماً من سوق العمل.
كان المفتاح الأساسي في نجاح الشركات التي ازدهرت هو تبني استراتيجيات التحول الرقمي كنموذج لأعمالها.
في ذلك رسالة مهمة مفادها أنه من الضروري أن تعيد الشركات التي لم تبدأ بعد في عملية التحول الرقمي التفكير في استراتيجياتها وتتبنى التحول الرقمي كوسيلة ليس فقط لتكون أكثر مرونة في المستقبل ولكن أيضاً للنمو، حيث أظهر بحث شركة جارتنر للأبحاث نُشر في عام 2017 أن أكثر من 56% من قادة الشركات ذكروا أن الابتكار والتحسينات الرقمية قد أدت بالفعل إلى زيادة الأرباح.
اقرأ أيضاً: ما هو أثر التحول الرقمي على خفض تكاليف العمليات في المؤسسات؟
عاجلاً أو آجلاً، يتعين على الشركات الاستفادة من التحول الرقمي، فالأسواق تتغير باستمرار استجابة للتكنولوجيات الناشئة. وعلى الرغم من أن معظم الشركات لا تستطيع تحمل مثل هذا التغيير الضخم في وقت واحد، فإنه من الضروري أن تفهم ماهية مكونات التحول الرقمي التي هي في أمس الحاجة إليها، وتحديد أولويات أنشطة التحول بناءً على أهداف نموذج أعمالها كجزء من عملية التخطيط الاستراتيجي لتحقيق نتائج أعمال أفضل والحفاظ على قدرتها التنافسية.
أبرز قصص التحول الرقمي الناجحة
إليك بعضاً من أبرز قصص التحول الرقمي الناجحة لأبرز الشركات العالمية:
شركة دي إتش إل (DHL)
دفع انتشار جائحة كوفيد-19 شركة الشحن العالمية دي إتش إل (DHL) إلى الإسراع بجهود الرقمنة في عملياتها، حيث تستثمر الآن أكثر من ملياري دولار في مبادرات التحول الرقمي حتى عام 2025، كما تمتلك الشركة الآن مركزاً متقدماً لمراقبة الجودة (AQCC)، وهو عبارة عن نظام أساسي مدعوم بالذكاء الاصطناعي يقوم بتفسير البيانات الضخمة، وإجراء تحليلات تنبؤية بشأن المشكلات في الوقت الفعلي وعمليات التسليم وحركات الشحن.
يستخدم النظام نماذج التعلم الآلي لتكييف نفسه وتحسين عملياته باستمرار، وقد أدى ذلك إلى تحسين تجربة العملاء بشكل كبير، حيث تسمح روبوتات المحادثة الخاصة بها للمستخدمين بجدولة وقت تسليم العناصر الخاصة بهم وتلقي معلومات في الوقت الفعلي حول موقع الطرود، والتي تحتوي على ملصقات رمز الاستجابة السريعة لسهولة الإرجاع وتقليل اللمس المادي.
اقرأ أيضاً: تحديث النموذج الذهني حول مفهوم التحول الرقمي
شركة ليغو جروب (Lego Group)
في عام 2004 كانت شركة الألعاب الشهيرة ليغو جروب (Lego Group) صاحبة العلامة التجارية الشهيرة في صناعة الألعاب ليغو (Lego) على وشك الإفلاس، حيث أدت سلسلة من الاستثمارات الفاشلة إلى ابتعاد الشركة عن أعمالها الأساسية، ولكن مع قدوم إدارة تنفيذية جديدة، تغير الكثير داخل الشركة، ما أسهم في عودتها مرة أخرى لسوق صناعة الألعاب.
بدأت الإدارة الجديدة أولاً بإنشاء نظام رقمي جديد لتعزيز مشاركة البيانات داخلياً وخارجياً، ثم قامت الإدارة بإشراك المجتمع في تصميم الألعاب وإنتاج تصميمات من إنشاء المستخدم، كما أنتجت أفلاماً زادت أرباحها بشكل كبير. ولخلق تجربة متماسكة لعملائها، وضعت الشركة النجاحات الإعلامية لاستخدامها من خلال دمجها في عروض المنتجات الخاصة بها.
شركة نتفليكس (Netflix)
حتى مع تمكنها من تأجير مليار قرص دي في دي (DVD) في عام 2007، اعتقد العديد من خبراء الصناعة أن شركة نتفليكس (Netflix) لن تنافس شركة بلوك بوستر (Blockbuster) الرائدة (استحوذت عليها نتفليكس لاحقاً)، حيث كان يُنظر لشركة نتفليكس على أنها مجرد شركة لتوزيع أقراص الفيديو، حتى قامت بتنفيذ مبادرات التحول الرقمي الخاصة بها لتتفوق على جميع المنافسين لاحقاً.
ركزت نتفليكس على التحليلات الرقمية وطوّرت محرك التوصيات الخاص بها سيني ماتش (Cinematch) الذي حسّن عملياتها اللوجستية حول تفضيلات المستخدم وتوقعاته. وفي الوقت نفسه، أدركت الشركة ضرورة الحاجة إلى إعادة ابتكار نموذج أعمالها بالكامل، والذي أدى لظهور خدمة بث الفيديو عبر الإنترنت. وقد كانت نتائج مبادرات التحول الرقمي التي اتبعتها ساحقة وذات أثر كبير في تحولها إلى إحدى أكبر خدمات البث عبر الإنترنت حالياً متقدمة بفارق على كبير على منافسيها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تساعد الحكومات على تعزيز التميز العملياتي؟
شركة أيكيا (IKEA)
في أثناء انتشار جائحة كوفيد-19، أغلقت شركة الأثاث أيكيا (IKEA) نحو 75% من متاجرها لمدة 7 أسابيع تقريباً، وخسرت نحو 1.5 مليار دولار من الإيرادات، ومع ذلك تمكنت من الحفاظ على موقعها في السوق، وهذا يعود إلى إعدادها بالفعل استراتيجية التحول الرقمي الخاصة بها، من خلال التحول إلى نموذج عمل البيع بالتجزئة الرقمية.
قامت الشركة مسبقاً بتغيير تجربة عملائها التسويقية، عبر نقل التفاعلات وعملية الشراء ودعم المبيعات والإرشادات إلى الإنترنت، وتحديث سلسلة التوريد بأكملها وإعادة هندستها وتحسينها، كما قامت أيضاً بتطوير استراتيجية التحول الرقمي عبر إدخال تكنولوجيات الواقع الافتراضي والمعزز في نموذج عملها، حيث يمكن للعملاء اليوم تصور منتجاتها وتصميمها في غرفهم قبل الشراء، من أجل دفع العملاء إلى مزيد من التقدم في رحلة الشراء.
ما الدروس التي يمكن استخلاصها من مبادرات التحول الرقمي؟
توضح قصص النجاح المذكورة سابقاً كيف أن كل جانب من جوانب التحول الرقمي، بما في ذلك ابتكار نموذج الأعمال وتجربة المستخدم النهائي والعمليات التجارية والتحسينات التكنولوجية تُترجم إلى نمو أعمال غير مسبوق. وفيما يلي بعض الدروس والنصائح والنتائج السريعة التي يمكن أن تحفّز مبادرات التحول الرقمي لعملك:
1. عدم الاستعجال في عملية التحول الرقمي
تتعرض الشركات لضغوط كبيرة للتحول الرقمي وتحقيق النتائج، نتيجة لذلك، يقوم البعض بمشاريع التحول الرقمي دون تحليل شامل لاحتياجاتهم. النصيحة الذهبية هنا هي ألا تتسرع في التحول الرقمي لأنك تعتقد أنك تخلفت عن الركب، فإذا قمت بتنفيذ التحول قبل أن تفهم تأثيره التجاري والتكنولوجي على شركتك فإن الفشل وارد بشدة.
اقرأ أيضاً: أهمية تحديد أهداف الحكومة في سعيها نحو التحول الرقمي
2. أهمية قياس التقدم والنجاح
يتطلب التحول الرقمي الناجح اعتماداً مستداماً للتكنولوجيا، ويساعدك قياس نجاح التحول الرقمي في معرفة ما إذا كان كل شيء يتقدم بشكل جيد، لذا عندما تعرف المقاييس التي يجب أن تتبعها، يمكنك تحديد ما إذا كانت رحلتك الرقمية على المسار الصحيح أم لا.
3. لا تعتمد على التكنولوجيا فقط
تؤدي التكنولوجيا دوراً مهماً في كل شركة، ومع ذلك لا تعتمد فقط على التكنولوجيا الجديدة من أجلها، حيث إن الفكرة الرئيسية وراء التحول الرقمي هي تمكين ودعم استراتيجية العمل الشاملة، لذا يجب أن تزيد من مستوى المشاركة على مستوى الشركة وتبسط سير العمل وتعزز إنتاجية الموظفين وتعزيز التواصل عبر الإدارات.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعمليات التحول الرقمي أن تساعد في الانتقال إلى عالم أكثر استدامة؟
4. التحول الرقمي هو جهد جماعي
لا يتعين على الشركات تعيين مسؤول رقمي كبير فقط لتوجيه التحول الرقمي، المهم هو اتباع نهج جماعي عبر إشراك الجميع في العملية كُل حسب موقعه، مثل خبراء تكنولوجيا المعلومات والأعمال الذين يوجهون جهود التحول الرقمي، وفريق يضم مهندسي أتمتة خبراء على دراية بتكنولوجيات الأتمتة المختلفة.
5. أهمية التوقف لقياس تأثير التحول الرقمي
يعتبر التحول الرقمي مشروعاً يمتد لفترة طويلة من الزمن والتي تختلف باختلاف الأهداف الموضوعة لها، وهذا يعني أهمية تبني التغيير المستمر والتوقف المؤقت بين فترة وأخرى لتقييم تأثيره على نموذج عمل الشركة، حيث يمكن أن يكون التوقف المؤقت فرصة للشركات لمعرفة ما ينجح وما لا ينجح، ويوفر فرصة لإعادة صياغة المبادرات.
ختاماً، التحول الرقمي ليس بالأمر السهل، ولا توجد خارطة طريق واحدة تناسب الجميع، بدلاً من ذلك، يجب أن يتم قبول هذا التطور الشامل الذي يقوده الرئيس التنفيذي للشركة عادة، ما يتطلب تعاوناً بين الإدارات وتحولات في فلسفات الأعمال الحالية، وعدم انتظار حدوث التغيير الجذري بين عشية وضحاها.