تحول الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من مجرد مفهوم نظري إلى أداة عملية تحدث تحولاً جذرياً في أداء الشركات والمؤسسات عبر مختلف القطاعات. لم تعد هذه التكنولوجيا محصورة في مختبرات البحث والتطوير، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات الأعمال، حيث تؤدي دوراً محورياً في تحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار.
وتشير نتائج استطلاع عالمي أجرته شركة الوساطة التأمينية غالاغر لعام 2025، إلى أن أكثر من ثلثي كبار قادة الأعمال يعتبرون أن مسارات تحولهم نحو الذكاء الاصطناعي ناجحة. وسجلت المؤسسات الكبرى -التي تمتلك موارد أوسع لتسخيرها في عملية التحول- ارتفاعاً في معدل نجاح تبني الذكاء الاصطناعي بنسبة 82% مقارنة بـ 69% في العام الماضي.
اقرأ أيضاً: هل نحن مستعدون لمجتمع يشكل فيه الذكاء الاصطناعي الرأي العام؟
نماذج واقعية لتبني الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل
تجمع العديد من الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل جوجل ومايكروسوفت، باستمرار قصص نجاح حقيقية لمؤسسات وشركات استفادت من الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج استثنائية، مستعرضة كيف ساهمت هذه التكنولوجيا في تحسين عمليات اتخاذ القرار وتطوير المنتجات وتعزيز تجربة العملاء وتقليل المخاطر التشغيلية.
في هذه المقالة، نستعرض ملخصات لعدد من قصص النجاح التي ترصد الأثر الحقيقي لاعتماد الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال، وتوضح كيف أسهم تبني المؤسسات قدرات الذكاء الاصطناعي في رسم ملامح تحولها المستقبلي.
- اكتشاف الأعطال والصيانة التنبؤية: اعتمدت شركة تصنيع معدات البناء والتعدين "كاتربيلر" على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعالجة تحديات الأعطال المفاجئة في المعدات، التي قد تكلف الشركات المصنعة ملايين الدولارات نتيجة التوقف عن العمل. استخدمت الشركة التعلم الآلي لتحليل بيانات أجهزة الاستشعار واكتشاف مؤشرات الأعطال في مراحلها المبكرة، ما أدى إلى تقليص زمن اكتشاف تلوث الزيت من 10 أيام إلى 2.4 ساعات، ما وفر نحو 360 ألف دولار من تكاليف الصيانة، كما ساعد نموذج آخر على اكتشاف انزلاق العجلات على تجنب خسائر تقدر بـ500 ألف دولار نتيجة التوقف عن العمل.
- تطوير منصة سحابية بالذكاء الاصطناعي: استخدمت شركة "أركيتكت" خدمات منصة "أزور أوبن أيه آي" وأداة "غيت هاب كوبايلوت" البرمجية لتطوير منصة أو بي أيه سويت (OBA Suite) السحابية، والمؤسسة وفقاً لبنية "الخدمات المصغرة"، مع دمج قدرات متقدمة للذكاء الاصطناعي. يمكن للمنصة تنفيذ نماذج أولية لتجربة المستخدم وواجهاته خلال 25 دقيقة بدلاً من يومين، دون الحاجة إلى تعلم البرمجة، كما تعزز تجربة المستخدم من خلال مساعدات ذكية وخدمات مخصصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
- زيادة الإنتاجية عبر التحول الرقمي: نجحت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" في رفع السعة الإنتاجية لحقل "سطح الرزبوط" البحري "صرب" بنسبة 25%، ما أضاف 140 ألف برميل يومياً لإجمالي إنتاج الحقل خلال العام الماضي، وذلك من خلال توظيف تقنيات رقمية متقدمة في قطاع الطاقة. وتمكن الحلول الرقمية المستخدمة من تشغيل عمليات الحقل عن بعد عبر مركز تحكم متطور يقع في جزيرة "زركوه"، على بعد 20 كيلومتراً. ويعتمد المركز على تقنيات مراقبة متقدمة وأنظمة تشغيل الآبار الذكية ومنصات إدارة الإنتاج، إلى جانب العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي، ما أسهم في تعزيز كفاءة العمليات التشغيلية وتحقيق نتائج ملموسة في زيادة الإنتاج.
- تنفيذ حملات إعلانية مبتكرة: نفذت شركة النقل والتخزين "بودز"، بالتعاون مع وكالة الإعلانات "تومبراس"، حملة إعلانية مبتكرة تحت عنوان "أذكى لوحة إعلانات في العالم"، مستفيدة من قدرات نموذج "جيميناي" الذي طورته شركة جوجل لإنشاء لوحات تفاعلية على شاحناتها تتكيف مع كل حي من أحياء مدينة نيويورك. وتمكنت الحملة من تغطية الأحياء كلها البالغ عددها 299 حياً خلال 29 ساعة فقط، مع إنتاج أكثر من 6000 عنوان فريد يعكس خصوصية كل منطقة.
- تحسين تجربة الموظفين: استفادت شركة إدارة الأصول الكندية "بريتيش كولومبيا إنفستمنت مانجمنت كوربوريشن" من قدرات منصة "مايكروسوفت 365 كوبايلوت" ومنظومة "مايكروسوفت أزور" لتطوير تجربة الموظفين وتحسين العمليات التشغيلية، من خلال تقليص المهام اليدوية عبر الأتمتة وميزات كوبايلوت التي تبسط إعداد التقارير، ما يمنح الموظفين وقتاً أكبر للمهام الاستراتيجية والإبداعية. وقد حققت الشركة زيادة في الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 10% و20% لدى 84% من مستخدمي "كوبايلوت"، مع ارتفاع في الرضا الوظيفي بنسبة 68%. كما وفرت الشركة أكثر من 2300 ساعة عمل بفضل الأتمتة، وتمكنت من تقليص الوقت المستغرق في كتابة تقارير التدقيق الداخلي بنسبة 30%، وتوفير شهر كامل من وقت المعالجة لتحليل 8000 تعليق وارد من الاستبيانات.
- دعم العائلات ذات الدخل المحدود: تسعى مؤسسة "هيد ستارت هومز" لمعالجة أزمة السكن في أستراليا من خلال مساعدة العائلات ذات الدخل المحدود على الادخار والبحث عن منزل وشرائه. ومع تجاوز عدد المؤهلين لخدماتها قدرتها الاستيعابية، استعانت المؤسسة بمساعد ذكي في صياغة المحتوى وتعزيز التعاون بين أعضاء الفريق ودعم عمليات التوظيف وإنجاز المهام المكررة. وقد أدى استخدام الذكاء الاصطناعي إلى رفع إنتاجية فريق القيادة بنسبة تفوق 30%، ما أتاح للموظفين التركيز على خدمة العملاء وتحقيق نتائج أفضل، والتوسع لدعم المزيد من العائلات في تملك المنازل.
- التحول الذكي لدعم النمو: تسعى شركة "معادن"، العاملة في قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية، إلى زيادة معدل النمو بمقدار 10 أضعاف بحلول عام 2040. وفي سبيل ذلك، اعتمدت الشركة على حلول تشمل "مايكروسوفت 365 كوبايلوت" وخدمة "أزور أوبن أيه آي" لدعم الموظفين في تنفيذ المهام اليومية مثل الاستعلام السريع عن السياسات وإعداد العروض التقديمية وصياغة الرسائل الإلكترونية ومحاضر الاجتماعات وتلخيص المحتوى. وقد أسهم استخدام الذكاء الاصطناعي في توفير ما يصل إلى 2200 ساعة عمل شهرياً، ما جعل المهام مثل إعداد الوثائق وتحليل البيانات أكثر كفاءة، وساعد "معادن" على الاقتراب من تحقيق أهدافها الطموحة.
- تحسين سلامة الرياضيين: تعمل رابطة لاعبي دوري كرة القدم الأميركية على تعزيز سلامة اللاعبين خلال فترة الإجازة من خلال إيجاد حلول فعالة لمراجعة مقاطع التدريب، حيث واجهت تحدياً في متابعة جلسات تدريب 32 فريقاً تمتد ساعتين يومياً على مدى 9 أسابيع، لضمان السلامة ومنع مخالفات القواعد. وللتغلب على ذلك، دمجت الرابطة الذكاء الاصطناعي في عملية مراجعة الفيديو، ما ساعد على تقليص زمن تحليل المقاطع بنسبة تصل إلى 73%، ووفر وقتاً أكبر للموظفين وأسهم في تعزيز سلامة اللاعبين.
- تعزيز الأمان في النقل الذكي: تطور شركة "704 أبس" تطبيقات تخدم قطاع النقل، حيث تربط يومياً بين آلاف السائقين والركاب. خلال الرحلات، يرسل المحتوى الصوتي للمحادثات داخل المركبة إلى نموذج "جيميناي" الذي يحلل "درجة الحرارة العاطفية" للكلمات المتداولة. ويعمل النظام على تصنيف كلمات محددة مثل "سرقة" و"اعتداء" و"اختطاف" ضمن فئة المصطلحات العدائية، ما يفعل تنبيهات استباقية تهدف إلى رصد المواقف الخطرة قبل وقوعها، وبالتالي تعزيز الأمان للمستخدمين كافة.
- إجراء تحليل قانوني ذكي: طور بنك "جي بي مورغان تشيس" منصة كوين COiN لتحليل المستندات القانونية باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتعتمد المنصة على تقنيات التعلم الآلي لاستخلاص البيانات الأساسية من العقود القانونية، ما يتيح مراجعة 12 ألف اتفاقية ائتمان تجاري في ثوانٍ معدودة، ما يوفر آلاف الساعات من العمل اليدوي. أسهمت هذه المنصة في تعزيز الكفاءة التشغيلية وتوفير أكثر من 360 ألف ساعة عمل سنوياً، بالإضافة إلى تقليص التكاليف المالية وتقليل أخطاء المراجعة، ما عزز دقة تقارير الالتزام القانوني.
- تحول رقمي في التصنيع: اعتمد قسم البلاستيك الصلب في "مجموعة العبيكان للاستثمار" منصة أو 3 أيه آي O3ai الذكية، التي طورت داخلياً، لتحسين كفاءة تحليل بيانات الإنتاج. في السابق، كان المهندسون والمشغلون يدونون البيانات يدوياً ويقضون ساعات طويلة، بل أحياناً عدة أيام، لتحديد أسباب الأعطال أو العيوب في العبوات. أما الآن، فتتيح المنصة مراجعة بيانات اليوم السابق خلال دقائق، ما يتيح للمهندسين التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها بدلاً من التعامل معها بأثر رجعي، وهو ما عزز سرعة الاستجابة وكفاءة التشغيل بشكل ملحوظ.