قراصنة بيولوجيون يحاولون بناء نسخة رخيصة من علاج جيني بملايين الدولارات

6 دقائق
مصدر الصورة: إم آر- إم إس تك

في ضوء الارتفاع الهائل الذي تشهده تكاليف الأدوية الجديدة، يقول أفراد مجموعة دولية من القراصنة البيولوجيين إنهم يعملون على بناء نسخة رخيصة من علاج جيني بملايين الدولارات.

أما الدواء المستهدف فهو جلايبيرا، وهو علاج جيني كان أغلى دواء في العالم عندما طُرح في الأسواق الأوروبية عام 2015 بسعر مليون دولار لكل معالجة. وكان أول علاج جيني تمت الموافقة عليه لعلاج مرض وراثي على الإطلاق.

والآن يقول مجموعة من البيولوجيين المستقلين والهواة إنهم قاموا ببناء نموذج أولي لنسخة أكثر بساطة وأقل تكلفة من جلايبيرا، وأنهم يخططون للاتصال بإحدى الجامعات وإشراك العلماء في هذا العمل؛ من أجل دراسة هذا النموذج وتحسينه واختباره على الحيوانات.

وتقول المجموعة إنها ستبدأ بمشاركة المواد وتوصيف نشاطها قريباً في مؤتمر "بايوهيك ذا بلانيت"، وهو مؤتمر في لاس فيجاس للعلماء الهواة والصحافيين والباحثين، ويمتد لفترة يومين من العروض التقديمية حول الزرعات الجراحية، والسلامة البيولوجية، ومواد الهلوسة.

جلايبيرا.
مصدر الصورة: ويكيبيديا

يقول جابرييل ليسينا، وهو قرصان بيولوجي في ساوث بيند بإنديانا: "لقد تم تطوير هذا الدواء في كوخ في ميسيسيبي، ومستودع في فلوريدا، وغرفة نوم في إنديانا، وحاسوب في النمسا". ويقول إن النموذج الأولي للعلاج الجيني كلف أقل من 7,000 دولار.

وتباينت وجهات نظر الخبراء الذين استُشيروا بشأن هذا المشروع إلى حد الانقسام؛ فقد قال البعض إنه مشروع مُضلل ومن المرجح أن يفشل، في حين قال آخرون إن التكلفة الهائلة للعلاج الجيني لم تترك للمرضى أية خيارات، وأدت إلى تحفيز البحث عن إنجازات في المجال الجيني عن طريق القرصنة. وتقول رايتشل ساكس، البروفسورة المساعدة في القانون بجامعة واشنطن ساينت لويس، وخبيرة في تسعير الدواء: "إن تركيز القراصنة البيولوجيين على العلاجات الجينية أمر هام؛ لأن النتائج المحتملة قد تكون كبيرة للغاية. وهم يعتقدون غالباً أنهم يقدمون خدمة للمرضى".

في هذه السنة، أطلقت شركة الأدوية السويسرية نوفارتيس علاجاً جينياً آخر -واسمه: زولجيسما- مخصصاً لضمور العضلات الشوكي، وقد وصلت تكلفته إلى 2.1 مليون دولار. وبسبب هذه التكلفة، واجه بعض الأهالي الكثير من المصاعب للحصول عليه من أجل أولادهم، كما أن من غير المرجح أن يكون هذا العلاج متوافراً في أغلب أنحاء العالم.

تغيير الوضع السائد
تمت الموافقة على جلايبيرا -العلاج الجيني الذي يقول القراصنة إنهم يستنسخونه- لعلاج المصابين بمرض نادر للغاية في الدم، وهو عوز ليباز البروتين الشحمي. ولكنه لم يحقق الجدوى الاقتصادية المطلوبة، وقامت الشركة المصنعة، يونيكيور، بسحبه من الأسواق في 2017. وحتى الآن، لم توافق أية شركة تأمين على دفع تكاليف العلاج بهذا الدواء، باستثناء شركة واحدة في ألمانيا.

يقول أندرياس ستورمر، وهو أخصائي في التقانة البيولوجية ومهندس بيئي في لينز بالنمسا، إنه فكر باستخدام الهندسة العكسية على العلاج، واقترح الفكرة على ليسينا. وقد تم هذا التعاون عبر رسائل فيسبوك واتصالات سكايب، واعتمدا أيضاً على مساعدة ديفيد إيشي، وهو قرصان بيولوجي في ميسيسيبي.

مصدر الصورة: أندرياس ستورمر

وفي مثال أحدث على استنساخ العلاجات الجينية، قام قرصان بيولوجي في فلوريدا عام 2018 بإنتاج وتناول علاج جيني لعدم تحمل اللاكتوز، معتمداً على بحث علمي نُشر منذ 20 سنة كوصفة للعمل. يقول ليسينا، وهو أيضاً أحد مؤسسي مختبر التقانة البيولوجية العمومي سايهاوس في إنديانا: "المبدأ الأساسي هنا هو تغيير الوضع السائد. ما المانع؟".

مصدر الصورة: ديفيد إيشي

أحد الأسباب التي تشكل مانعاً هو أن استنساخ وبيع الدواء يمكن أن يشكّل تعدياً على حقوق الملكية الفكرية ليونيكيور. ويقول توم مالوني، الناطق باسم يونيكيور، إن الشركة لم تُبلّغ بمحاولة الاستنساخ، كما يقول إنها ما زالت تمتلك براءة اختراع الدواء، ولكنها لا تعتقد أنه يوجد طلب كبير عليه، لذلك يقول: "من هذه الناحية، فإن وجود نسخة (رخيصة) من جلايبيرا قد يواجه مشاكل قانونية وتجارية كبيرة".

إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الأميركية للغذاء والدواء قالت إن من المخالف للقانون بيع معدات العلاج الجيني للعمل بشكل منفرد. غير أن بعض القراصنة البيولوجيين ما زالوا لا يجدون مشكلة في الحصول على المعلومات من الأبحاث المنشورة، حتى لو كان بعضها محمياً ببراءات اختراع. يقول إيشي: "هذا الشيء محمي بعشر أساليب مختلفة. ولكنني لا أكترث، لأنني لن أبيعه".

تحقيق المطلوب

من أجل صنع العلاج المُقلَّد، قام القراصنة البيولوجيون بدراسة أبحاث جلايبيرا الأساسية للحصول على المعلومات حول السلاسل الجينية التي يحتاج المرضى إلى نسخ مصححة منها. ومن ثم قدموا طلباً إلى شركة لتصنيع الجينات للحصول على نسخة من الدنا، الذي أضيف إلى بنية جينية دائرة تسمى "الدائرة المصغرة minicircle". وعند إضافتها إلى خلية، ستبدأ الدائرة المصغرة بتصنيع مقادير صغيرة من أنزيم ليباز البروتين الشحمي.

هنا يكمن فرق هام بين العلاج المُقلد وجلايبيرا الأصلي، الذي كان يعتمد على حقن كمية من الفيروسات في عضلة الساق لإيصال الجين إلى داخل الجسم. وعلى الرغم من تعقيد استخدام الفيروسات في هذه العملية، فإنها الطريقة الأكثر شيوعاً في العلاج الجيني. ولا يستطيع القراصنة البيولوجيون استخدام الفيروسات بسبب تكاليفها الكبيرة، ولكنهم يقولون إن من الممكن استخدام الدائرة المصغرة بطريقة الحقن أيضاً.

يقول روبرت كوتين، وهو خبير في إنتاج العلاج الجيني، إن تكنولوجيا الدائرة المصغرة مثيرة للجدل، وإنها تعطي نتائج متضاربة. وفي حين أنه يمكن تطبيق الدائرة المصغرة بشكل متكرر -على عكس الفيروسات- فإنها ليست بفعالية الفيروسات في دفع الخلايا إلى اتباع التعليمات الجينية.

يقول إيشي عن الدوائر المصغرة المبنية على تصميمه: "إنها ليست مماثلة للفيروسات، ولكنها تستطيع تحقيق المطلوب، وإن كانت بفعالية أقل". ويعتقد إيشي أنه يمكن حقن الدوائر المصغرة على فترة 6 أشهر، قائلاً: "إذا أردت أن تحفر حوض سباحة، يمكنك أن تحضر آلية ثقيلة وتنهي العمل في يوم واحد، أو تستخدم رفشاً وتنفذ العمل على مدى عدة أشهر".

ادعاءات القرصنة البيولوجية
ليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها هذه المجموعة الضجيج بادعائها العمل في المجال الجيني؛ فقد حاول إيشي (دون نجاح) أن يعدل دنا الكلاب، كما عمل ليسينا وستورمر مع شركة ناشئة باسم أسيندانس بيوميديكال، التي قام رئيسها التنفيذي آرون ترايويك في 2018 بحقن نفسه بلقاح غير مُجرب ضد القوباء، مثيراً موجة من الانتقادات الحادة. وعُثر على ترايويك في وقت لاحق ميتاً داخل حجيرة للعوم، وقد اعتُبر غرقه عرضياً ولا علاقة له بتجاربه الجينية.

مصدر الصورة: جابرييل ليسينا

ولكن في هذه المرة، قرر الفريق اتخاذ خطوات إضافية لإثبات أن اختراعهم الجيني الجديد -الذي أطلقوا عليه اسم "سلايبيرا"- يجب أن يُؤخذ على محمل الجد. وفي حدث أقيم في لاس فيجاس مؤخراً، أعلنوا عن حاجتهم إلى المساعدة في اختبار علاجهم على الحيوانات؛ لأن التكاليف المرتفعة تمنعهم من القيام بذلك بأنفسهم. يقول ليسينا: "لم أقل إنه لدينا علاج جيني كامل، بل قطعة واحدة فقط". وتقول المجموعة إن سلايبيرا ليس جاهزاً في الوقت الراهن للمرضى، ويحتاج إلى المزيد من التطوير.

المرض المؤلم
بما أن جلايبيرا سُحب من الأسواق الأوروبية منذ سنتين، لم يعد هناك الكثير من الخيارات أمام المصابين بالمرض الذي يعالجه هذا الدواء، وهو عوز ليباز البروتين الشحمي (اختصاراً LDLD). وتُشخص الإصابة بهذا المرض عادة في الطفولة، وتتميز بوجود جزيئات الشحم في الدم، مما يمنحه منظراً حليبياً أبيض. ويجب على المرضى الالتزام طوال حياتهم بحمية قاسية، والامتناع عن تناول الكحوليات والسكر، وإلا سيتعرضون إلى آثار جانبية عديدة، مثل التهاب البنكرياس، كما أن الكثير من المصابات بهذا المرض غير قادرات على الإنجاب.

تقول جيل براور، وهي مؤسسة المجموعة الاستشارية للمصابين بهذا المرض في المملكة المتحدة إل بي إل دي ألايانس: "إن هذه الحمية ذات القيود الشديدة تؤدي إلى درجة عالية من العزلة. لقد شعرت بخيبة أمل كبيرة عند سحب جلايبيرا من الأسواق، ولكنني لا أعرف الكثير عن القرصنة البيولوجية، خصوصاً من ناحية السلامة والفعالية، ناهيك عن وضعها القانوني". وتتساءل براور عن "أهمية سلامة المرضى ومصلحتهم" بالنسبة للقراصنة البيولوجيين، الذين يعملون في مجال التقانة البيولوجية كهواية، كما تسأل عن "الإجراءات المتخذة لمواجهة المشاكل التي يمكن ان تقع".

عدالة اجتماعية
يعمل دانييل جوديه طبيباً في مونتريال، ويعالج المصابين بهذا المرض (الذين تلقى 19 منهم جلايبيرا أثناء التجارب السريرية)، ويعتقد أن خطة القراصنة البيولوجيين تتسم بالسذاجة. وعلى الرغم من أنه يتفق معهم في أن جلايبيرا كان مكلفاً للغاية، فإنه يعتقد أن تطوير علاج جيني أمرٌ شديد التعقيد وينطوي على مخاطرة كبيرة بالنسبة للهواة، ويقول: "لا شك في أن الوصول إلى الدواء وتحمل تكاليفه تحديات كبيرة وحقيقية. يجب أن نكون مبدعين لمواجهة هذه المشكلة، ولكن القرصنة البيولوجية ليست بالحل الملائم".

ولكن هناك من يعتقدون أنه يجب ألا نلغي دور القرصنة البيولوجية تماماً. فقد كان أخصائي الجينات مايكل هايدن رئيس الفريق البحثي الأصلي الذي عمل على مشروع جلايبيرا في جامعة كولومبيا البريطانية. وما زال يتذكر حماسة الجميع عند نجاح العلاج على الحيوانات، والأمل في إمكانية مساعدة المرضى، ولهذا قاموا بتأسيس شركة إيه إم تي (التي تحولت لاحقاً إلى يونيكيور) بهدف إجراء دراسات مثبتة على المرضى.

وهنا بدأت المشاكل، كما يقول هايدن: "لقد فقد العلماء السريريون -أي نحن- السيطرة على المشروع تماماً، وقد قررت الإدارة الجديدة أن تتقاضى مليون دولار ثمن الحقنة الواحدة. وفي أوروبا، عام 2012، كان هذا فعلاً مشيناً دون شك".

ويضيف هايدن: "إن حق الوصول إلى الدواء قضية عدالة اجتماعية. وأنا أشجع أية طريقة لإفادة المرضى، ولن أقف على الإطلاق في طريق القراصنة البيولوجيين". بل يقول إنه مهتم بالتواصل مع الفريق الذي يحاول قرصنة دوائه، ويضيف: "نرغب في أن نتعلم المزيد".

المحتوى محمي