قرار مارك زوكربيرغ السيئ للعام الجديد

4 دقائق
يريد الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" إجراء حوار حول "مستقبل التكنولوجيا في المجتمع"، لكنه يؤطر الحوار بصورة سيئة.

يعتقد مارك زوكربيرغ أن مستخدمي فيسبوك أغبياء، هذا على الأقل ما استنتجته بعد قراءة منشور له حول "تحدي" عامه الجديد الذي اعتزم فيه أن "يستضيف سلسلة من النقاشات العامة حول مستقبل التكنولوجيا في المجتمع". لم يقدني التحدي نفسه إلى ذلك الاستنتاج، على الرغم من أنه يبدو وكأنه سلسلة طويلة أخرى من الحملات الدعائية التي تهدف إلى جعل المستخدمين يعتقدون أن فيسبوك يتصدى لعثراته السابقة. كان ذلك سؤالاً واحداً على قائمة زوكربيرغ الذي تبلور بالنسبة لي وكأنّ "فيسبوك" ورئيسه التنفيذي مندوبان للمبيعات لا يتمتعان بالنزاهة، ونحن المشترون السذّج الذين يحاولان خداعنا.

يسأل زوكربيرغ: "هل نريد أن تستمر التكنولوجيا في إسماع صوت المزيد من الناس؟ أم سيتحكم المسؤولون التقليديون في الأفكار التي يمكن التعبير عنها؟" كما لو أن التحدي الأعظم لحرية التعبير في حياتنا يمكن أن يُختزل إلى خيار ثنائي بسيط. إن الصياغة نفسها مضلّلة، إذ ترسم "التكنولوجيا" كأنها سلعة مجتمعية محضة تنثر على الناس الغبار السحري المتمثل في التعديل الأول (الذي يحمي العديد من الحريات الأساسية) عند كل تسجيل دخول إلى الموقع.

أنا أؤمن بقدرة التكنولوجيا على إسماع صوت مَن لا صوت له. إذ بدأت مسيرتي المهنية في دعم الناشطين المدافعين عن الديمقراطية في أوروبا الشرقية عندما بدأت العديد من حركات المعارضة الملهمة عبر الإنترنت. ولكن عندما تتطور تلك الحركات المعارضة، فإنّ لدى التكنولوجيا القدرة على إحلال الصمت. ويساعد "فيسبوك" أحياناً على ذلك، إذ يستجيب إلى مطالب الحكومات الاستبدادية بحجب المحتوى الذي يعتبر حساساً من الناحية السياسية. كما أن شركة "فيسبوك" كانت بطيئة للغاية في إدراك انتهاكات الحقوق المدنية على المنصة، بما في ذلك تفشي خطاب الكراهية، وجهود قمع الناخبين، والإعلان الموجه القائم على التمييز. وبينما بدأت الشركة في التحقق من الحقوق المدنية في عام 2018، أُجري تحرياً موازياً لما يُسمى بالتحيز المعادي للتوجه المحافظ الذي قاده سيناتور أميركي جمهوري سابق إلى جانب مؤسسة بحثية محافظة.

إن هذه التحريات، مثل سؤال زوكربيرغ الذي صيغ بصورة سيئة، تقدم ثنائية زائفة. يريد منا فيسبوك الاعتقاد أن حماية خطاب المجموعات المهمشة والمحافظين هي قضايا منفصلة، بينما تُعتبر في جوهرها متعلقة بالتطبيق العادل والشفاف لمعايير مجتمع المنصة، تكمّلها عملية الاستئنافات المخطط لها. في الوقت الراهن، يُعتبر هذا الأمر غير متوازن، إذ يسمح فيسبوك للعابثين باستخدام المنصة من أجل نشر الكراهية، في حين أنّ أهدافهم مرفوضة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لمنصة فيسبوك وذلك للانتهاكات البسيطة مثل استخدام كلمات النقمة. من دون تطبيق شفاف، فإن الخطاب الحر الراديكالي سوف يُسكت بالفعل أولئك الذين ينبغي تمكينهم. ويمكن لأي شخص كان هدفاً للإساءة عبر الإنترنت أن يشهد على ذلك.

أما الشق الثاني من سؤال زوكربيرغ فيما يتعلق بـ "المسؤولين التقليديين"، فإنه يكشف عن ازدراء ساخر للمجموعة، معتبراً أن فيسبوك هو على الأغلب أكبر متحكم في الإعلام على مستوى العالم. هنا، يستغل زوكربيرغ حقيقة أنّ معظم مستخدمي فيسبوك لا يدركون أن آخر الأخبار التي تظهر على حساباتهم ليست تصنيفاً أساسياً لتأملات أصدقائهم وأخبارهم الجديرة بالثقة. فقد كشف تقرير حديث حول محو الأمية المعاصر (أي اكتساب مهارات التفكير النقدي للأخبار والمعلومات) الصادر عن "معهد رويترز لدراسات الصحافة" التابع لـ "جامعة أكسفورد" (Oxford University’s Reuters Institute) أن 40% من الناس لا يعلمون كيف تُتخذ "القرارات الفردية حول ما يتم عرضه على الناس من المواضيع الإخبارية على فيسبوك". ويعتقد 23% آخرون أن تلك القرارات يتخذها الصحفيون في وكالات الأنباء أو في فيسبوك. بينما يُعتبر 29% فقط على علم بالحقيقة، وهي أن آخر الأخبار عامرة بالخوارزميات التي تقرر ما قد يرغب المستخدمون في مشاهدته استناداً إلى سلوكهم واهتماماتهم السابقة، وهو ما سيُبقي المستخدمين على المنصة ويدفعهم إلى النقر على الإعلانات المدرة للإيرادات. وذلك التفصيل يُعتبر أشد وضوحاً بين المستخدمين الذين تتجاوز أعمارهم الـ 65 عاماً، ولا يدرك سوى 18% منهم كيف يعمل قسم آخر الأخبار على المنصة.

يتحكم فيسبوك بالفعل في المعلومات التي نتلقاها، لكن معظم المستخدمين لا يدركون ذلك. ويتضح من خلال إطار سؤال زوكربيرغ أنه يرغب في إبقاء الأمر على هذا النحو. يريد من المستخدمين الاعتقاد بأن آخر الأخبار التي تصلهم على فيسبوك هي عبارة عن كتاب يختارون منه مغامراتهم الخاصة مع نهايات غير محدودة، بينما في الواقع هو عبارة عن فيلم رعب يتم فيه حقن المستخدم بمشروب مخدر مصمم بعناية ويهدف إلى تشتيت الانتباه والإصابة بالوهن إلى أقصى حد. إن التوجيه المضلل المقصود هو السمة المميزة لتجربة فيسبوك. وبالطبع سوف يتجلى ذلك في تحدي العام الجديد لرئيس شركة "فيسبوك" التنفيذي.

وللإيضاح أكثر، أنا لا أرفض فكرة هذه النقاشات المباشرة. إذ تستحق الفقاعة النموذجية لوادي السيليكون المزيد من غرزات الإبر، وتحتاج أميركا إلى تذكر ما يكون عليه الحوار المدني. ولكن إذا كان زوكربيرغ وشركته يرغبان في اختبار النمو الشخصي والمهني اللذين يدعيان أنهما يسعيان إليه، فيجب أن يبدأ التحدي من خلال ضمان أن يكون إطار النقاش شفافاً وصادقاً ومفتوحاً بقدر الإمكان. وبدلاً من طرح أسئلة من قبيل: "هل ترغب في الحصول على حساب مجاني على منصة فيسبوك؟ أو هل ترغب في أن تتدخل الحكومة الكبيرة السيئة ووسائل الإعلام الرئيسة في حقوقك المتمثلة في التعديل الأول؟" (لأن هذا ما يطرحه السؤال أساساً)، قد يسأل عوضاً عن ذلك: إلى أي مدى وفي أي المناطق ينبغي على فيسبوك إجراء تعديل على المحتوى؟ وكيف يمكننا أن نقدم ما هو أفضل لتشجيع النقاش وحرية التعبير بينما نحمي الأصوات المهمشة؟ وكيف يمكننا تعليم المستخدمين على نحو أفضل حول كيفية عمل خدمتنا حتى نعزز الوعي لدى المستهلكين لكي لا يقعوا ضحية لحملات التضليل؟

في الإجابة عن هذه الأسئلة، آمل ألا يتوجه زوكربيرغ فقط إلى "القادة والخبراء والأشخاص في مجتمعنا من مختلف المجالات" المحددين من خلال منشوره، ولكن أيضاً إلى الأشخاص الذين هم خارج فقاعة وادي السيليكون والأشخاص الذين تضرروا بسبب إهمال شركته، وخاصة الأقليات. فعوضاً عن نشر المعلومات المضللة حول النقاد، وذلك كما فعلت الشركة عندما عبّر جورج سوروس عن رفضه للمنصة، كان يتعين على فيسبوك دعوته إلى النقاش.

إذا كان "فيسبوك" يهدف حقاً إلى ربط الناس ودعم الحوار الديمقراطي وليس مجرد جني الأرباح، فينبغي عليه أن يبدأ بتغيير علاقته مع مستخدميه، ليس فقط من خلال نهجه في هذه النقاشات ولكن أيضاً من خلال تفاعلاته اليومية معهم. اعمل على تمكين المستخدمين، امنحهم المعلومات النقية التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات مدروسة بشأن كيفية تعاملهم مع تلقيهم للأخبار ومع بياناتهم، وتواصل معهم ليس مثل مندوب مبيعات يحاول إقحام صفقة سيئة، لكن مثل شخص يحاول مساعدة صديقه لاتخاذ قرار صعب. عندها سيكون هذا التحدي يستحق العناء، أنا مستعدة لإجراء حوار، هل أنت مستعد يا زوكربيرغ؟

المحتوى محمي