في يوم من أيام شهر مارس الماضي وبين جدران إحدى المستشفيات في غربي بكين، قامت أخصائية الأشعة للكشف عن السرطان المدعوة "شونجشونج وو" بتحميل صورة شعاعية بدت مثيرة للشك في برنامج حاسوبي يشبه الفوتوشوب. حيث قامت شبكة عصبونية تم تدريبها على الآلاف من عينات الصور الشعاعية السابقة بالإشارة إلى وجود عُقيدات بوضعها ضمن مربعات حمراء اللون، والتي قامت وو بفحصها بعناية.
قامت وو بتصحيح تشخيصين إيجابيين زائفتين حيث حددت الشبكة العصبونية بعض الأوعية الدموية خطأً على أنها أورام خبيثة محتملة. ولكنها عثرت أيضاً على عُقيدة كانت قد أغفلتها سابقاً، ربما تشير إلى كونها علامة مبكرة على الإصابة بالمرض.
تُقدِم الصين على مبادرة كبيرة تهدف إلى إضافة الذكاء الاصطناعي إلى الرعاية الصحية باستخدام أدوات كهذه. يعكس هذا الاتجاه بطريقة أو بأخرى ما يحدث في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن القيود المفروضة في الصين على استخدام البيانات والتقانات الجديدة تعد أكثر مرونة، وتبدو الحاجة إلى الأتمتة فيها أكثر وضوحاً. فهناك ما يعادل 1.5 طبيب لكل 1,000 شخص في الصين، مقارنة مع 2.5 طبيب في الولايات المتحدة.
تتقدم الصين بخطى سريعة، حيث تعمل نحو 131 شركة حالياً على تطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية في البلاد، وذلك وفقاً لشركة "يو إنتيليجنس" الاستشارية والتي تتخذ من بكين مقراً لها. وقد كان مقرراً اعتباراً من الشهر التالي أبريل، أن تبدأ إحدى مستشفيات بكين بتمرير جميع صور الرئة الشعاعية لديها إلى خوارزمية للذكاء الاصطناعي بهدف تسريع عملية الفحص.
وقد دعت الحكومة الصينية إلى الاستعانة بهذه التكنولوجيا لكي تساعد في عمليات التشخيص الطبي المحوسب كجزء من المرحلة الأولى من خطتها الكبرى لتبني الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2020. في تقرير تم نشره في فبراير الماضي، توقعت الشركة الدولية للبيانات IDC أن حجم السوق الصينية لخدمات الرعاية الصحية بمساعدة الذكاء الاصطناعي سيصل إلى 5.9 مليار يوان (930 مليون دولار أميركي) في العام 2022. كما أن هذه السوق يتم استهدافها أيضاً من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين. فكل من "علي بابا" و "تيسنت" لديها وحدات بحثية مكرسة لتطوير أدوات التشخيص التي تستخدم الذكاء الاصطناعي.
قد تؤدي الطريقة التي ينظر فيها الناس إلى الذكاء الاصطناعي في الصين؛ إلى تسهيل الأمر على هذه التكنولوجيا لكي تزدهر في مجال الطب. في الغرب، أدى التقدم الذي يتم إحرازه في مجال الذكاء الاصطناعي إلى إثارة النقاش حول فقدان الوظائف، ولكن يبدو أن معظم الأطباء الصينيين تحمسهم فكرة استبدال أعمالهم الأكثر تكراراً بعمليات مؤتمتة.
ولكن مع ذلك، يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الطب عدداً من التحديات. فقد تتوصل أدوات التشخيص إلى استنتاجتها باستخدام عمليات رياضية معقدة يصعب تفسيرها. حتى الآن، ليس هناك جدل كبير بشأن تحديد هوية المسؤول عن الأخطاء التي تقع عندما يتم توكيل عمليات التشخيص الطبية إلى هذه الخوارزميات.
في العام الماضي، أدرجت إدارة الأغذية والأدوية الصينية أدوات التشخيص باستخدام الذكاء الاصطناعي ضمن قائمتها الخاصة بالأجهزة الطبية المصرح باستخدامها، ولكن الشركات بحاجة إلى تقديم طلبات للحصول على الموافقة من أجل كل منتج قبل تحديد الأسعار.
برنامج الذكاء الاصطناعي الذي استخدمته وو، والذي قامت بتطويره شركة ناشئة مقرها في بكين وتسمى بيريدوك، جرى تنصيبه في أكثر من 20 مستشفى في الصين. قامت بيريدوك ببناء شبكة ضمت أكثر من 180 مستشفى تعمل معاً كجهات متعاونة في المجال البحثي.
تعد صياغة الخوارزميات التي يمكنها معالجة الصور الطبية، كصور الأشعة المقطعية، وصور الأشعة السينية، مجالاً مثيراً للغاية على وجه الخصوص بالنسبة للشركات الناشئة في الصين. وأحد أسباب ذلك هو أن تصنيف الصور يمكنه أن يستفيد من قوة أحدث خوارزميات التعلم العميق.
ولكن الذكاء الاصطناعي يستخدم أيضاً في مجالات أخرى، حيث يتعاون "بيجن إلفي" أخصائي البدليات السنية في بكين مع جامعة تسينغ-هوا على تطوير برنامج للذكاء الاصطناعي يمكنه تصميم أطقم للأسنان. وقد تم تدريب خوارزمية تجريبية باستخدام مجموعة من القواعد على تصميم أطقم الأسنان، مستمدة من الكتب الدراسية، و 30,000 حالة حقيقية قام عدد من الأطباء بوصفها. يقول إلفي: "يمكنها أن تستنسخ خبرة الأطباء المتمرسين من ذوي الخبرة". يخطط إلفي لإجراء تجارب سريرية للخوارزمية في وقت لاحق من هذا العام.
ومن جهته بينج ليو، الطبيب المختص في سرطان الغدد اللمفاوية في بكين، يعمل مع باحثين من جامعة تسينغ-هوا على تطوير خوارزمية للتعلم الآلي يمكنها أن تستخدم بيانات الموجات فوق الصوتية للكشف عن التجلطات الدموية (الخثرات) التي يتسبب بها علاج سرطان الغدد اللمفاوية. إذا تم اكتشافها مبكراً، غالباً عن طريق مسح أوردة المريض بالموجات فوق الصوتية، عندها يمكن علاج تجلطات الدم بسهولة. ولكن المستشفيات لا تملك في الغالب موارد كافية لفحص كل مريض ما لم تكن هناك أعراض محددة.
وهناك باحثون آخرون في الصين يواجهون مشاكل تتعلق بالمعارف الطبية العامة. فقد تشاركت آي فلايتك مع جامعة تسينغ-هوا في ابتكار نظام للذكاء الاصطناعي تفوق على أكثر من 96% من المتسابقين البشر في امتحان رخصة مزاولة مهنة الطب في الصين العام الماضي. لا تكمن صعوبة ابتكار نظام كهذا في استيعاب سعة المعرفة الطبية القائمة، وإنما تكمن في تعليم الآلات على فهم الصلات المعقد التي تربط بين الحقائق الختلفة، واستخدام هذه النتائج في الاستدلال واتخاذ القرارات.
هذا النظام في جوهره، عبارة عن نظام لمعالجة اللغات الطبيعية، حيث يبرع على وجه الخصوص في التعامل مع الأسئلة الطبية. والطريقة التي يتوصل فيها إلى نتيجة عند معالجته سؤالاً متعدد الخيارات؛ مختلفة تماماً عن الطريقة التي يختار بها الإنسان أفضل إجابة. حيث تبحث الخوارزمية عن الأدلة اللازمة للإجابة عن سؤال معين من خلال حساب أوجه التشابه الإحصائية بين الكلمات الممثّلة بشكل رياضي.
يظهر التحليل المفصل لنتائج الامتحان، حيث لا يمكن للآلات أن تنافس البشر: المنطق السليم والأخلاق. فقد سجلت الخوارزمية نقاطاً أقل من المعدل الوطني في الجزء الذي يختبر القدرة على إطلاق الأحكام أثناء التعرض لحالات التوتر والإجهاد، مثل النزاعات الأسرية.
يستكشف جي وو، الأستاذ المساعد في جامعة تسينغ-هوا الذي قاد المشروع، عدداً من الطرق لوضع هذه الخوارزمية قيد التطبيق السريري. ولكنه يعترف بأن الأمر لن يكون ببساطة تنصيب هذا البرنامج في الحاسوب الخاص بكل طبيب.
مع ذلك، يمكن للأطباء الذين بدأوا باستخدام الأدوات الجديدة أن يجدوا فيها عوناً كبيراً لهم. ففي مستشفى الطبيبة شونجشونج وو في بكين، على سبيل المثال، يستقبل قسم العيادات الخارجية حوالي 10,000 شخص كل يوم، وبالتالي ليس لديها الوقت الكافي لتفحّص كل صورة على حدة بالقدر الكافي الذي ترغب به من العناية. وتقول؛ إن برنامج معالجة صور الأشعة "يمكنه أن يخفف عني هذا العبء".