يمكن تزويد النماذج الصغيرة المزروعة مخبرياً بالدماغ البشري بقبعات لقياس نشاطها، تماماً مثل قبعات التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) التي تسجل الإشارات الكهربائية التي ينتجها الدماغ البشري كامل الحجم.
أدمغة صغيرة
تعتبر هذه الأدمغة الصغيرة أمثلة عن العُضيّات، وهي كتل ثلاثية الأبعاد من الخلايا الحية المزروعة في المختبر، والتي تحاكي العضو البشري الفعلي من حيث البنية والوظيفة، وتتيح للباحثين مراقبة تطورها. وغالباً ما يقوم الباحثون بتعديلها جينياً بالفيروسات أو تعريضها للمواد الكيميائية لدراسة كيفية تغيرها مقارنة بعضيّات أخرى لا تخضع لأي تأثير.
وحتى الآن، لم يتمكن الباحثون من دراسة عضيّات دماغية بحجم أكبر من بضع خلايا وحسب. وعلى حين تكون العضيّات كروية الشكل، فإن الأدوات التقليدية المستخدمة في دراستها، مثل مصفوفة صفائح الأقطاب الميكروية والتي تتضمن أقطاباً لقياس النشاط الكهربائي، مسطحة الشكل.
أما هذه القبعة الصغيرة الجديدة، والتي ابتكرها فريقٌ من جامعة جونز هوبكنز، فيمكن أن تلتف حول عضيّ الدماغ، وتتيح للباحثين التقاط تسجيلات ثلاثية الأبعاد للسطح بأسره. وهذه المعلومات الأكثر غنى بالتفاصيل يمكن أن تساعدنا على فهم كيفية عمل الدماغ بشكل أفضل. ومن أحد استخدامات هذه الطريقة مراقبة تواصل العصبونات مع بعضها بعضاً خلال اختبار العقاقير.
اقرأ أيضاً: الواجهات الدماغية الحاسوبية تمكن رجلاً مصاباً بشلل كامل من استعادة التواصل مع محيطه
قبعات صغيرة تستشعر الإشارات
تم توصيف هذه القبعات الصغيرة في بحث منشور في مجلة ساينس أدفانسس (Science Advances) مؤخراً، وهي عبارة عن أغلفة لينة ومرنة من البوليمر الشفاف مع أسلاك من الذهب وصفائح توصيل. وعند وضع القبعة الصغيرة في الوسط المحيط بالخلايا، فإنها تنتفخ وتلتف حول العضيّ، والذي لا يتجاوز نصف مليمتر في الحجم.
وإضافة إلى مساعدة الباحثين على مراقبة العضيّات، يمكن لهذه الطريقة أيضاً أن تؤمّن بديلاً أقل تكلفة وأكثر أخلاقية للاختبارات التي يتم إجراؤها على الحيوانات للتأكد من أن المواد الكيميائية لا تتسبب بمشكلات في تطور الدماغ، كما يقول المختص بالكيمياء والهندسة الحيوية الجزيئية في جامعة جونز هوبكنز، وأحد مؤلفي الدراسة، ديفيد غراسياس.
ويقول: "هناك الكثير من المواد الكيميائية التي تتسبب بأمراض في الدماغ، ولكن ليست لدينا وسيلة سهلة لدراستها". "ويمكن أن تكلف دراسة مادة كيميائية واحدة ما يصل إلى مليون دولار، بسبب تكاليف الحيوانات، إضافة إلى المخاوف الأخلاقية".
تم تصنيع هذه القبعات بعملية مستوحاة من الرقاقات الميكروية الإلكترونية، ويمكن استخدامها لصنع قبعات بمقاسات مختلفة، بحيث تكون أكثر ارتخاءً أو أكثر ضغطاً على العضيّات من أحجام مختلفة، ما يعني أنها يمكن أن تقيس النشاط الكهربائي في عدة مراحل مختلفة من التطور.
اقرأ أيضاً: الدماغ البشري يُقدم مصدر إلهام جديد لتعزيز ذاكرة الذكاء الاصطناعي
وبعد إثبات نجاح هذه القبعات على عضيّ واحد، يخطط الفريق لتضخيم التجربة، وذلك ببناء خط عمل مؤلف من 100 عضيّ لإجراء الاختبارات على التوازي. ويمكن توصيل هذه القبعات مع الرقاقات الميكروية أو عضيّات أخرى في المستقبل. كما يمكن لزملائهم المختصين بعلوم الدماغ استخدام هذه العضيّات المتصلة أيضاً لدراسة العقاقير والعلاجات المحتملة للتوحد وألزهايمر وباركنسون وغيرها من أمراض الدماغ.
يقول غراسياس: "يعتقد الكثيرون أن الدماغ هو الجبهة النهائية التي لم نتوصل بعد إلى اقتحامها بالكامل، ولقد كنا نفكر بوصل هذه الأدمغة مع الحواسيب، أو مع بعضها بعضاً، فإذا كان من الممكن تصنيع دماغ مصغر، فمن الممكن وصله مع دماغ مصغر آخر. إنه أمر مثير للحماس إلى درجة كبيرة".