قبل عامين ونصف العام تقريباً، أنشأت فيسبوك فريقاً متخصصاً لأعمال البحث والتطوير تحت مسمى "بلدينج 8 (المبنى 8)" للتركيز على ابتكار أدوات مستقبلية، قائلةً إن المشاريع السرية ستجعل هدف الشركة في توصيل العالم يمضي قدماً.
وفي 19 أبريل من العام 2017 (ثاني أيام مؤتمر F8 السنوي للمطورين) كشفت شركة فيسبوك الستار عن اثنين من المشاريع الستة التي يجري تنفيذها، والتي تبدو كأنها من عالم الخيال العلمي.
وقد قالت فيسبوك إنها تأمل أن يتم تطوير نوع جديد من الواجهات التخاطبية غير الباضعة بين الدماغ والآلات -مثل غطاء أو عصابة للرأس- تتيح للناس الكتابة باستخدام أذهانهم ببساطة، إضافة إلى مشروع آخر يهدف إلى تطوير جهاز قابل للارتداء -ربما عصابة للذراع- يمكِّنك من "سماع" الكلمات عبر بشرتك.
وفي الوقت ذاته ذكرت ريجينا دوجان (قائد الفريق) أن العمل في كلا المشروعين قد بدأ مع حلول نوفمبر من العام 2016، وأن فيسبوك سوف تقرِّر في غضون عامين من ذلك التاريخ ما إذا كانا جديرين بالاستمرار أم لا (ربما نسمع قريباً عن هذا القرار). وقد عملت دوجان -قبل عملها مع فيسبوك- في شركة جوجل بصفتها قائداً لمجموعة المشاريع والتقانات المتطورة (التي تشبه في تصميمها فريق فيسبوك)، ومديراً لوكالة أبحاث داربا في البنتاغون.
كما يقود مارك شيفيليت مشروع تحويل الأفكار الذهنية إلى نصوص، وقد عمل سابقاً أستاذاً مساعداً في علم الأعصاب في جامعة جونز هوبكينز. وقد قال شيفيليت إن الهدف على مدار العامين هو تطوير نظام غير باضع يمكنه التقاط إشارات الكلام داخل الدماغ، ويسمح للناس بتحويل تلك الأفكار بصمتٍ إلى نصوص بسرعة 100 كلمة في الدقيقة.
قال شيفيليت: "نريد فقط أن نتمكن من الحصول على تلك الإشارات مباشرة قبل أن تبدأ في إصدار الأصوات، وبالتالي لن تضطر إلى نطق الكلمات بصوت مرتفع على الإطلاق".
وقد قالت فيسبوك في تلك الفترة إنها تعمل -بالتعاون مع جامعة جونز هوبكينز، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو- على تنفيذ المشروع الذي يقول شيفيليت إنه يركز على إيجاد طريقة لاستخدام الضوء -مثل المصابيح الثنائية LED أو أشعة الليزر- في استشعار الإشارات العصبية التي تصدر عن القشرة المخية.
ويرتبط نجاح هذه الطريقة بكيفية استخدام التحليل الطيفي الوظيفي للنطاق القريب من الأشعة تحت الحمراء في الوقت الحالي لقياس النشاط الدماغي.
وقد يكون جهاز كهذا -عصابة للرأس أو نوع من غطاء للرأس- مفيداً للأشخاص المصابين بدرجة من الشلل تمنعهم حتى من التواصل. لكن فيسبوك تعتقد أنه بمرور الوقت، قد تغدو واجهات الدماغ التخاطبية وسيلةً تمكِّننا من التفكير في الرسائل بدلاً من كتابتها، أو إرسال النصوص أثناء المحادثات، وقد تغدو أيضاً وسيلةً للتواصل مع الآخرين في الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز، وهما تقنيتان تبذل فيسبوك في سبيلهما جهوداً كبيرة.
وقد تحدث شيفيليت عن وجود عددٍ من العروض التوضيحية الجيدة عن واجهات الدماغ الحاسوبية، كتلك الدراسة التي نشرت في فبراير 2017، والتي تمكَّن فيها 3 أشخاص مشلولين من استخدام أذهانهم في اختيار الحروف بمساعدة مؤشر ظاهر على الشاشة، وقد كتب أحدهم بسرعة 8 كلمات في الدقيقة. وفي تلك الدراسة قامت زرعة دماغية بتسجيل الإشارات العصبية. كما قام آخرون بإجراء تجارب حاولوا فيها تفسير الأصوات التي يصدرها الناس أو يفكرون فيها.
وتضمنت مشاريع "فك الرموز" الخاصة بالكلام إجراء جراحة لتثبيت زرعة إلكترونية داخل الدماغ، على سطحه الخارجي. وقد بدأ الباحثون في فيسبوك منذ العام الماضي يستكشفون ما إذا كان من الممكن معرفةُ ما يريد أحدهم أن يقوله عن طريق كشف الإشارات خارج الدماغ، ثم ترجمتها إلى نصوص، وإن إجراء ذلك بدقة -في الزمن الحقيقي، وبالمعدل الذي تقترحه فيسبوك- سيمثِّل خطوة هائلة إلى الأمام تتجاوز الإمكانات التي أظهر علم الأعصاب إمكانية تحقيقها حتى الآن.
حتى أن علماء الأعصاب الذين حضروا العرض التقديمي لدوجان في مؤتمر فيسبوك للمطورين ذلك اليوم قد خرجوا بتساؤلات أكثر مما حصلوا عليه من إجابات، حيث يقول مارك سلوتزكي (طبيب الأعصاب، ومختص في الهندسة العصبية في جامعة نورث ويسترن): "الأمر الذي كان في غاية الغموض تماماً هو: كيف سيحصلون على نشاط عصبي مباشر من هذه التقنيات الضوئية؟ هذا هو السؤال المهم، فإذا كان بإمكانهم إثبات ذلك، فإنه سيفتح عالماً جديداً بأكمله من الإمكانيات، ولكن أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لا يزال بعيداً جداً عما سمعناه. ويبقى أن نرى مدى الإمكانية الواقعية للحصول على هذه المعلومات التفصيلية للغاية بأسلوب لا يتطلب الجراحة".
كما يقول سلوتزكي إن الزرعات الدماغية التي توضع تحت الجمجمة، يمكنها حتى الآن أن تفك رموز أصوات الكلمات التي يفكر الناس في إصدارها بدقة تتراوح فقط من 40% إلى 50%.
أما المشروع الآخر -الذي يركز على تمكين الناس من التعرف على الكلمات باستخدام بشرتهم- فهو مستوحى من "برايل وتادوما"، وهي طريقة للتواصل يقوم فيها الأشخاص المصابون بكلٍّ من الصمم وفقدان البصر بوضع إحدى اليدين على وجه الشخص المقابل للإحساس بالاهتزازات والهواء عندما يتحدث.
وقد طور الباحثون خلال إحدى التجارب جهازاً يحتوي على 16 مشغِّلاً ميكانيكياً، وربطوه على ذراع إحدى المهندسات، وكان لدى مهندس آخر حاسوب لوحي يعرض على شاشاته 9 كلمات، وبينما كان ينقر على الكلمات المختلفة -مثل "التقط grasp"، "أسود black"، و "مخروطاً cone"- شعرتْ المهندسة بحدوث اهتزازات على ذراعها تتوافق مع الكلمات، وتمكَّنت من تفسيرها بشكل صحيح، وأن عليها التقاط مخروط أسود من الطاولة التي كانت أمامها.
ولتحقيق ذلك يتناول الباحثون إحدى الكلمات المنطوقة -مثل "أسود black"- وتحليلها إلى مكوناتها الترددية، ثم نقل هذه الترددات إلى المشغِّلات الميكانيكية المثبتة على الذراعة، وذلك حسب تعبير دوجان، وتضيف: "بدلاً من نقل الإشارة من قوقعة أذنها إلى دماغها، أصبحت تنقل الإشارة من ذراعها إلى دماغها".
ويرى الباحثون في ذلك طريقةً لنقل اللغة عن طريق البشرة، آملين أن يتمكن الناس في نهاية المطاف من استخدام هذه الطريقة في التمييز بين نحو 100 كلمة، كما أنهم قد يستخدمون إشارات غير لفظية مثل الضغط ودرجة الحرارة.
وقالت دوجان إن الفكرة تهدف في النهاية إلى الحصول على أداة قابلة للارتداء ترسل رسائل يمكنك الإحساس بها، دون الحاجة إلى أن تتناول هاتفك وتقاطع محادثة شخصية تجريها مع شخص ما على سبيل المثال.
وعلى الرغم من أن أياً من هذه المشاريع لن يقدم أداة يمكنك شراؤها يوماً ما، إلا أن دوجان تقول إنها تتوقع حدوث ذلك في نهاية المطاف، حيث قالت أخيراً: "أعتقد أن علينا -في غضون عامين- أن نشكِّل صورة جيدة للغاية عما إذا كان بإمكاننا تطويرها لتصبح سلعاً استهلاكية".