إثبات جديد من فيزياء الكم حول إمكانية تحقيق السفر الآني عن بعد

2 دقائق
مصدر الصورة: شاترسبوك

هل يمكن لشيءٍ أن ينتقل من مكانٍ إلى آخر بشكلٍ فوريّ؟ يبدو أن هذا الأمر غير قابل للتحقيق بالنسبة لنا كبشر أو حتى بالنسبة لمعظم الأجسام المادية ذات الحجم الكبير نسبياً. أما بالنسبة لعالم الجسيمات الذرية وما دون الذرية المحكوم بقواعد فيزياء وميكانيك الكم، فإن القصة دوماً مختلفة؛ يمكن لظاهرة السفر الآني (أو الانتقال الآني) أن تحصل ضمن عالم الكم، ولو أنها لا تعني انتقالاً فيزيائياً للمادة من مكان إلى آخر بشكلٍ آنيّ، بل قد تعني حصول نقل آني وفوري لبعض المعلومات المرتبطة بالمادة (ولنقل الجسيمات) من موقعه الأصليّ لموقعٍ بعيدٍ عنه.

أحد الخواص الفريدة لسلوك الجسيمات الذرية التي تفسرها فيزياء الكم هي ما يُعرف بخاصية التشابك الكمي (Quantum Entanglement)، التي تعني ببساطة أن الحالة الكمومية لجسيمٍ ما مرتبطة بحالة جسيمٍ آخر قد يكون بعيداً جداً عنه ولا يوجد بينهما اتصال فيزيائيّ، وهذا يعني أنه عند حدوث تغير في حالة الجسيم الأول فإن هذا سيوّلد تغيراً فورياً في حالة الجسيم الثاني، وبالتالي سيحصل انتقال "آني" للمعلومات من الجسيم الأول للجسيم الثاني. وبالرّغم من أننا اليوم نتقبل مفهوم التشابك الكمي رغم غرابته، إلا أن الكثير من الفيزيائيين رفضوا القوانين والتفسيرات التي تم استخلاصها من فيزياء الكم، ومنهم ألبرت آينشتاين الذي وصف التشابك الكمومي سنة 1935 على أنه تأثير شبحي عن بعد (Spooky Action at a Distance).

تم سابقاً إثبات إمكانية تبادل معلومات بين زوجٍ من الفوتونات (جسيمات الطاقة الكهرومغناطيسية) لا يوجد بينهما أي رابطٍ فيزيائيّ، وهو ما يمثل تأكيداً على إمكانية تنفيذ انتقال آني للمعلومات بين جسيمين. الخطوة الجديدة اليوم هي تحقيق نفس المهمة، أي انتقال آني للمعلومات، ولكن بين الإلكترونات بدلاً من الفوتونات، وهو ما تمكن فريقٌ بحثيّ مشترك من جامعتي بوردو وروشستر من تحقيقه.

تعتبر الفوتونات والإلكترونات من الطرق المستخدمة من أجل بناء البتات الكمومية (أو الكيوبت) وهي وحدات تمثيل المعلومات في الحواسيب الكمومية. بدلاً من الاعتماد على مجالات الجهود الكهربائية المستخدمة من أجل ترميز حالات البت الرقمي (البت هو وحدة تمثيل المعلومات في الحواسيب الحالية) تعتمد الحواسيب الكمومية على الحالات الكمومية المختلفة التي يمكن للجسيمات أن تمتلكها من أجل ترميز حالات الكيوبت، مثل جهة الدوران الذاتي للجسيم.

أظهر الباحثون أنه وإلى جانب الفوتونات، يمكن أيضاً للإلكترونات أن تستخدم كوسيلة من أجل بناء الكيوبتات وتحقيق تبادل آني للمعلومات في نظام اتصالات داخل حاسوب كمومي، ويشير القائمون على البحث إلى أهمية هذا الأمر بسبب سهولة تفاعل الإلكترونات كجسيماتٍ مع بعضها البعض فضلاً عن قابلية التطوير الخاصة بالكيوبتات المعتمدة على الإلكترونات. تحقيق هذا الأمر -أي تكوين زوج إلكترونات متشابك- لم يكن بالأمر السهل؛ نظراً لكون الإلكترونات عادةً ما تكون مرتبطة بمكانٍ وحيزٍ فيزيائيّ محدد، بمعنى أن فصلها عن بعضها البعض لضمان عدم وجود رابط فيزيائي بينهما ليس أمراً سهلاً، بخلاف الفوتونات التي بطبيعتها تسافر مسافات طويلة.

من أجل ضمان عدم بقاء الإلكترونات المتشابكة مع بعضها ضمن نفس الحيز الفيزيائيّ، طور الباحثون تقنيةً جديدة تعتمد على فكرة أنه لا يمكن لإلكترونين يمتلكان نفس العزم المغناطيسي أن يتواجدا مع بعضهما البعض في نفس المكان ونفس الوقت، وإلا فإنها ستتبادل بشكلٍ مستمر حالاتها الكمومية. تم استثمار هذه الخاصية لإنشاء إلكترونات متشابكة وتوزيعها لتكون بعيدة عن بعضها ومن ثم نقل حالة جهة الدوران الخاصة بها، وهو ما يمكن استثماره ضمن الحواسيب الكمومية ومن دون الحاجة للاعتماد على الفوتونات من أجل بناء الكيوبتات.

نشر الباحثون نتائج الدراسة الخاصة بهم في مجلة نيتشر كوميونيكشنز (Nature Communication) تحت عنوان انتقال آني شرطي لحالات السبين الخاصة بالنقاط الكمومية (Conditional Teleportation of Quantum-Dot Spin States).

المحتوى محمي