فيروس كورونا ينسف أسطورة ابتكارات وادي السيليكون

3 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك/ غيتي إيميدجيز، أنسبلاش

مما لا لبس فيه وجود إحباط في منشور مارك أندريسين حول فشلنا في الاستعداد والاستجابة بكفاءة لوباء فيروس كورونا، فضلاً عن تشخيصه القاطع للأمر بقوله: "إنه فشل في القيام بإجراءات، وتحديداً عجزنا الكبير في البناء". فلماذا لا توجد لدينا لقاحات وأدوية، أو حتى كمامات وأجهزة تنفس صناعي؟ وكتب: "كان بإمكاننا أن نحصل على هذه الأشياء، ولكننا اخترنا ألا نقوم بذلك. ما اخترناه تحديداً كان عدم إنشاء الآليات والمصانع والأنظمة اللازمة لتصنيع هذه الأشياء. اخترنا عدم البناء".

إذا تناسينا للحظة أن هذا الكلام قد صدر عن نفس الشخص الذي اشتهر بتوضيحه في عام 2011 "لماذا تقوم البرمجيات بالتهام العالم"، فإن أندريسين -أحد أيقونات وادي السيليكون- معه حق. وكما كتب جورج باكر في مجلة أتلانتيك، فقد كشف وباء فيروس كورونا عن الكثير من الأمور المتزعزعة والآخذة بالانهيار فيما يتعلق بالسياسة والمجتمع في الولايات المتحدة، ومن الأمثلة القاتلة على ذلك عدم قدرتنا على صنع الأدوية والأشياء التي نحتاجها بشدة، مثل معدات الحماية الشخصية ومستلزمات العناية الحرجة.

بشكل عام، كانت استجابة وادي السيليكون والشركات التكنولوجية الكبيرة للأزمة قاصرة. من المؤكّد أن هذه الشركات وفرت لنا برنامج زوم ليتمكّن المحظوظون من بيننا من الحفاظ على عملهم، وشبكة نتفلكس للحفاظ على نفسيتنا. كما تعتبر شركة أمازون بمنزلة المنقذ هذه الأيام للأشخاص الذين يتجنبون زيارة المتاجر. وهناك طلب كبير على أجهزة آي باد، وتساعد شركة إنستاكارت في توفير الغذاء للكثير من الأشخاص الذين يخضعون للعزل الذاتي. لكن هذا الوباء قد كشف أيضاً عن القيود ومواطن الضعف التي تعاني منها أغنى الشركات في العالم (في المكان الأكثر ابتكاراً على وجه الأرض، كما كان يقال لنا) في مواجهة هذه الأزمة الصحية العامة.

شركات التكنولوجيا الكبيرة لا تبني أي شيء؛ فمن غير المرجح أن توفر لنا لقاحات أو اختبارات تشخيصية، ويبدو أننا لا نعرف حتى كيف نصنع مسحة قطنية. وسيخيب أمل أولئك الذين يأملون بأن تتمكن الولايات المتحدة من استثمار مجالاتها الصناعية التكنولوجية المهيمنة وتحويلها إلى مولّد للابتكار لمواجهة الوباء.

لا تعدّ هذه الشكوى جديدة. فقبل عقد من الزمان، في أعقاب ما أطلقنا عليه سابقاً "الركود الكبير"، كتب أندرو غروف، أحد العمالقة السابقين في وادي السيليكون، مقالاً في مجلة بلومبيرغ بيزنس ويك ينتقد فيه فقدان الولايات المتحدة لمهارتها في التصنيع. ووصف كيف تم بناء وادي السليكون من قِبل مهندسين عازمين على تطوير ابتكاراتهم، بقوله: "إنها لحظة الإنشاء الأسطورية في المرآب، حيث تنتقل التكنولوجيا من النموذج الأولي إلى الإنتاج الضخم". وقال غروف إن أولئك الذين جادلوا بضرورة السماح "بموت الشركات القديمة المتعبة التي تعمل في مجال تصنيع السلع الأساسية" كانوا على خطأ، لأن توسيع نطاق المنتجات وإنتاجها بكميات كبيرة يعني بناء المصانع وتوظيف آلاف العمال.

لكن غروف لم يكن قلقاً فقط بشأن الوظائف التي تمت خسارتها بسبب انتقال إنتاج أجهزة آيفون والرقائق الاصطناعية إلى الخارج؛ حيث كتب: "إن فقدان القدرة على التوسّع سيضر في نهاية المطاف بقدرتنا على الابتكار".

لقد أوضح الوباء هذه المشكلة المتجذرة، فلم تعد الولايات المتحدة تمتلك القدرة الكبيرة على ابتكار أفكار وتقنيات جديدة مرتبطة باحتياجاتنا الأساسية، بل يمكنها بشكل رائع ابتكار التقنيات البراقة التي تعتمد على البرمجيات بشكل أساسي وتجعل حياتنا أكثر راحة بطرق عديدة، لكنها أقل إنجازاً بكثير في إعادة الابتكار في مجال الرعاية الصحية وإعادة التفكير في التعليم وجعل إنتاج الغذاء وتوزيعه أكثر كفاءة، وتطبيق خبرتها التقنية على أكبر القطاعات الاقتصادية بشكل عام.

يفضّل علماء الاقتصاد قياس الابتكار التكنولوجي بنمو الإنتاجية، أي تأثير الأشياء الجديدة والأفكار الجديدة على توسيع الاقتصاد وجعلنا أكثر ثراءً. وعلى مدى العقدين الماضيين، كانت هذه الأرقام بالنسبة للولايات المتحدة مثيرة للتشاؤم، فحتى مع ازدهار وادي السيليكون وصناعات التكنولوجيا الفائقة، فقد تباطأ نمو الإنتاجية.

يقول جون فان رينين، الخبير الاقتصادي في جامعة إم آي تي الذي كتب مؤخراً عن المشكلة (ملف بي دي إف)، إن العقد الماضي كان مخيباً للآمال بشكل خاص. ويقول بأن الابتكار هو السبيل الوحيد لدولة متقدمة مثل الولايات المتحدة للنمو على المدى الطويل. هناك الكثير من الجدل حول الأسباب الكامنة وراء تباطؤ نمو الإنتاجية، ولكن كما يقول فان رينين، هناك أيضاً أدلة كثيرة على أن الافتقار إلى البحث والتطوير الممول من الشركات والحكومات هو أحد العوامل الرئيسية.

تعتبر تحليلاته شديدة الصلة الواقع الآن، لأن الولايات المتحدة عندما ستبدأ بالتعافي من جائحة فيروس كورونا واستئناف الأعمال، فإنها ستستميت لإيجاد طرق لخلق وظائف عالية الأجور وتعزيز النمو الاقتصادي. وحتى قبل تفشي الوباء، كان فان رينين قد اقترح "مجموعة ضخمة من موارد البحث والتطوير ليتم استثمارها في المجالات التي يكون فيها فشل السوق هو الأكثر أهمية، مثل تغير المناخ". وبالفعل، يقوم كثيرون بتجديد الدعوات من أجل التوجه الصديق للبيئة والاستثمار بشكل أكبر في البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها

لذا، دعونا نقوم بالبناء! ولكن أثناء قيامنا بذلك، دعونا نتذكر أحد أهم الإخفاقات التي كشف عنها فيروس كورونا، ألا وهو ضعف قدرتنا على الابتكار في المجالات المهمة حقاً، مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ. يمكن أن يكون هذا الوباء بمثابة دعوة للصحوة، التي تحتاجها بلد مثل الولايات المتحدة للبدء بمعالجة هذه المشاكل.

المحتوى محمي