اكتشف الباحثون أضخم ثقب أسود تم رصده على الإطلاق في مجرة تبعد حوالي 700 مليون سنة ضوئية عن الأرض. إنه ضخم لدرجة أن الفلكيين يعتقدون أن من الممكن تشكيل صورته باستخدام نفس مصفوفة التلسكوبات الراديوية التي أنتجت الصورة الأولى لثقب أسود أصغر منه بكثير في وقت سابق من هذه السنة.
أما المجرة المعنية -التي تسمى هولم 15 إيه- فهي الأكثر سطوعاً بين مجموعة المجرات المسماة أبيل 85، التي تقع في كوكبة سيتوس، ويمكن رؤيتها من كلا نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. وقد اكتُشفت في 1937 من قِبل الفلكي السويدي إيريك هولمبيرج.
ولم يكن من الممكن دراسة المجرات البعيدة إلى هذه الدرجة بالتفصيل قبل إطلاق التلسكوب الفضائي هابل في 1990، وبناء المزيد من التلسكوبات العملاقة على الأرض لاحقاً، وقد أدرك الفلكيون بسرعة أن هولم 15 إيه غير اعتيادية بطريقة أو بأخرى. يقول كيانوش ميرجان في معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج الأرض في ألمانيا ومجموعة من زملائه: "ما يميز هولم 15 إيه هو ضخامة منطقة الانتشار المركزي وخفوتها". وعلى الرغم من أن النواة الداخلية عاتمة إلى درجة كبيرة، فإن بقية المجرة ساطعة نسبياً، ولكن كيف؟
يعتقد ميرجان وزملاؤه الآن أنهم تمكنوا من حل هذا اللغز، وذلك بالاعتماد على بيانات من التلسكوب العملاق، وهو مصفوفة من أربعة تلسكوبات متصلة يبلغ قطر كل منها 8 أمتار، وتقوم برصد سماء الليل في الأجزاء المرئية وتحت الحمراء من الطيف. ويقع هذا التلسكوب على ارتفاع 2,600 متر في صحراء أتاكاما في تشيلي، وقد أصبح منذ بداية عمله في 1988 أحد أكثر المراصد الفلكية إنتاجية على الإطلاق.
وقد استخدم ميرجان وزملاؤه هذه البيانات لتخطيط بنية المجرة بشكل أكثر تفصيلاً مما كان متاحاً من قبل. وبعد ذلك أجروا عدداً من عمليات المحاكاة لفهم سبب خفوت مركز المجرة إلى هذا الحد، وكيف تشكلت هذه المجرة في المقام الأول.
وحصل الباحثون على نتائج مثيرة للاهتمام. فقد أشارت المحاكاة إلى أن هولم 15 إيه تشكلت -ولا بد- في تصادم هائل بين مجرتين يافعتين، وهو حدث تكرر كثيراً في بداية الكون. ويقول الفريق إن سبب خفوت نواة المجرة يعود لوجود ثقب أسود هائل يهيمن عليها، وإما أن يكون قد ابتلع النجوم القريبة أو نبذها إلى المناطق الخارجية من المجرة.
ويُعتبر هذا الثقب الأسود ضخماً، حتى بالمقاييس الفلكية. ويقول الفريق إنه أضخم من الشمس بأربعين مليار ضعف وفقاً للتقديرات المتحفظة. وللمقارنة، نذكر أن الثقب الأسود في مركز درب التبانة، ساجيتاريوس إيه، أضخم من الشمس بأربعة مليارات ضعف فقط. يقول الباحثون: "إن الثقب الأسود الهائل في هولم 15 إيه ليس الأضخم حتى الآن وحسب، بل إنه أضخم مما توقعنا بأربعة إلى تسعة أضعاف أيضاً"، وقد أشار الفريق إلى أنه أضخم بمرتين من الرقم القياسي السابق.
وبفضل هذا الحجم الهائل، فإن الثقب الأسود في هولم 15 إيه مرشح جيد للتصوير؛ ففي وقت سابق من هذا العام، التقط الفلكيون أول صورة لثقب أسود باستخدام مصفوفة من ثمانية تلسكوبات راديوية حول العالم لعبت دور تلسكوب راديوي بحجم الكوكب. تعرف هذه المصفوفة باسم مصفوفة أفق الحدث، وتتمتع بدقة 20 ميلي ثانية قوسية، أي ما يعادل الدقة المطلوبة لرؤية أثر قدم نيل أرمسترونج على القمر من الأرض.
يحتل الثقب الأسود الجديد منطقة من السماء تساوي 18 ميكرو ثانية قوسية بارتياب 3.7 ميكرو ثانية قوسية، ولهذا فقد يكون قابلاً للتصوير باستخدام تلسكوب أفق الحدث. يقول الباحثون: "إن الثقب الأسود الهائل في هولم 15 إيه مرشح جيد للتصوير المباشر".
إنه عمل مثير للاهتمام، ويكشف عن مدى التطور الذي وصلت إليه أساليب التصوير في السنوات الأخيرة. ولكن بوجود تلسكوبات ذات قدرات أكبر قيد البناء حالياً، فمن غير المرجح أن تحتفظ هولم 15 إيه بهذا الرقم القياسي طويلاً.
المرجع: arxiv.org/abs/1907.10608:
ثقب أسود بكتلة تساوي 40 مليار من كتلة الشمس في مركز هولم 15 إيه، المجرة المركزية للمجموعة أبيل 85.