قضية جاك دورسي عديمة الجدوى حول إمكانية أن تكون عملة البيتكوين خضراء

11 دقيقة
قد تحتاج العملة المشفرة إلى الطاقة النظيفة لكن حاجة الطاقة النظيفة إلى العملة المشفرة ليست واضحة على الإطلاق.

على اعتبار جاك دورسي رئيساً تنفيذياً لشركتي "تويتر" و"سكوير"، فهو يقضي وقتاً طويلاً في كتابة التغريدات حول العملة المشفرة، كما أن سيرته الذاتية في حسابه الشخصي على موقع "تويتر" هي عبارة عن كلمة "بيتكوين" وبجانبها رمز العملة الذهبية. في هذه الأيام نلاحظ أن صفحته مكونة من سلسلة شبه مستمرة من التوقعات حول التغيير الذي ستحدثه العملة المشفرة في العالم، مع إعادة نشر عدد من التغريدات عن قدرة العملة المشفرة على مساعدة السكان الأميركيين الأصليين ودعم الفنون المستقبلية الإفريقية وتأسيس مجتمعات "دائرية" صغيرة ومكتفية ذاتياً ممولة بعملة البيتكوين، فماذا عن عملة البيتكوين الخضراء تحديداً؟

كما قال دورسي لصحيفة "سيدني مورننغ هيرالد" (Sydney Morning Herald) في عام 2019، فإنه يرى أن البيتكوين هي "الرهان الأفضل" بين العملات المشفرة لأنها بحسب قوله: "الأكثر مرونة وهي موجودة منذ 10 أعوام، وعلامتها التجارية قوية وتم اختبارها عدة مرات"، ما يزيد احتمالات أن تصبح عملة البيتكوين "العملة الأصلية في عالم الإنترنت". واليوم، يعمل جزء من شركة "سكوير" بالعملة المشفرة وهي تملك ما تصل قيمته إلى مئات ملايين الدولارات من البيتكوين، وتشاركت مؤخراً مع شركة "آرك إنفست" (Ark Invest) التي اشترت لتوها ما تقرب قيمته من 20 مليون دولار من البيتكوين، لتأليف تقرير ورقة بيضاء بعنوان "البيتكوين عنصر أساسي في مستقبل الطاقة النظيفة الوفيرة". في الأسبوع الماضي، نشر جاك دورسي هذا العنوان في تغريدة علق عليها الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا"، إيلون ماسك، بقوله "هذا صحيح".

عملة البيتكوين الخضراء

من الممكن أن يعتبر هذا التعليق مستفزاً حتى بين بعض عشاق العملة المشفرة، فالبيتكوين لها سمعة سيئة بسبب استهلاكها الكبير للطاقة نتيجة لبعض الميزات التي تجعلها جذابة بالنسبة لمستثمرين معينين؛ التنقيب عن عملات بيتكوين جديدة (أو توليدها) يتطلب تشغيل معالج جهاز الكمبيوتر باستمرار لحلّ أحجيات معقدة، هذه الأحجيات تحمي العملة من الدخلاء وتؤكد قيمتها الحقيقية، وهي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة لحلها. نمت شعبية عملة البيتكوين وازداد المنقبون عنها على الإنترنت، وقدّر الباحثون في عدة دراسات أن التنقيب عن البيتكوين وحده يستهلك طاقة تساوي بمجملها استهلاك الدول الصغيرة من الطاقة الكهربائية أو تتفوق عليه، وأن استهلاك الطاقة لكل عملية تخص البيتكوين (يجب تسجيل هذه العمليات على البلوك تشين وبالتالي فهي تستهلك مزيداً من الطاقة) يتفوق بدرجة كبيرة على العمليات المماثلة التي تتطلب إنتاج أنواع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الكهربائية المائية (هذا ولم ندخل في مستلزمات الطاقة بالنسبة للعملات المشفرة الأخرى). وفي نفس الوقت، أجرى مركز "كامبريدج للتمويل البديل" الذي يدرس العملات المشفرة، استطلاعاً للآراء توصل من خلاله إلى أن ثلثي شبكة البيتكوين العالمية تعتمد على طاقة الوقود الأحفوري التي تسهم في نسبة كبيرة من انبعاثات الكربون. حتى العملات المشفرة التي يفترض أنها "خضراء" (أي التي يتم التنقيب عنها بواسطة وحدات معالجة أكثر كفاءة) لا تزال تسهم في نقص إمداد الوقود في سوق الرقائق وأشباه الموصّلات المتوتر فعلاً.

الحجة الأساسية لتقرير شركة "سكوير" هي أن التنقيب عن البيتكوين يمكن أن يساعد فعلياً في تحفيز إنتاج المزيد من الطاقة المتجددة، على عكس الوقود الأحفوري. قد تكون الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مرغوبة لرخص ثمنها وملاءمتها للبيئة، لكن مصادرها غير منتظمة (فالشمس لا تشرق دائماً، والرياح تهبّ عندما لا تكون بحاجة إليها أحياناً)، ولا توجد سعة تخزين كافية لتخزين فائض الطاقة التي تولدها هذه المصادر (بسبب مشكلات ازدحام الشبكة والنقل، فضلاً عن النقص الحالي في بطاريات الليثيوم أيون المتاحة للتخزين). وفقاً لشركتي "سكوير" و"آرك إنفست" فإن حاجة عملة البيتكوين إلى استهلاك كثير من الطاقة تكمّل مشاريع الطاقة المتجددة والتخزين الجارية إذ تشكل الملاذ الأخير لشراء الطاقة. الفكرة هي أنه إذا قامت إحدى شركات إنتاج الطاقة بإعداد عملية تنقيب عن البيتكوين في موقع توليد الطاقة فسوف يساعدها ذلك على خفض تكاليف الإنتاج لأنها ستستخدم فائض الطاقة في عمليات التنقيب عن بعض عملات البيتكوين، وقد يؤدي ذلك إلى دخول المزيد من الشركات المشغّلة إلى سوق الطاقة المتجددة وزيادة العرض. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يزيد كلّ ذلك من قدرة التنقيب عن البيتكوين ما سيؤدي إلى تزايد طلب المنقبين للطاقة أكثر. من وجهة نظر التقرير فإن عملة البيتكوين هي عبارة عن حلقة آثار ذاتية الدفع للحتمية الاقتصادية، أو على الأقل يمكن أن تكون كذلك في نهاية المطاف على الرغم من "احتمال استمرار ارتباط علميات التنقيب بكهرباء الشبكة في الفترات الأخرى التي يكون ذلك مربحاً فيها، لذلك لن تكون البيتكوين خضراء تماماً من اليوم الأول".

يبدو ذلك شرطاً مهماً من أجل الوصول إلى مفهوم عملة البيتكوين الخضراء. تدعي شركة "آرك إنفست" في التقرير أنه "من دون التنقيب عن البيتكوين يمكن أن توفر الطاقة الشمسية 40% فقط من طاقة الشبكة (لأنها مصدر متقطع للطاقة) قبل أن تضطر المنشآت إلى مواجهة الحاجة إلى تمويل استثمارات ضخمة نظراً لارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية. ولكن إذا اتحدت مؤسسات إنتاج الطاقة الشمسية مع شركات تصنيع البطاريات والمنقبين عن عملة البيتكوين، كما يدعي التقرير، فمن الممكن تلبية 99% من احتياجات الشبكة مع "الحفاظ على الربحية"؛ ستسمح زيادة طاقة التنقيب لشركات إنتاج ألواح الطاقة الشمسية ببناء المزيد من الخلايا من دون الحاجة إلى القلق بشأن ضياع الطاقة الفائضة لأنها ستوجه إلى البلوك تشين من أجل عمليات التنقيب، في حين ستزداد أيضاً سعة نظام البطارية مع مرور الوقت. ومن الجدير بالذكر أن التقرير يقول إن البطاريات ستظل "أهم تكنولوجيا لتخزين طاقة منتصف النهار الشمسية غير المكلفة لتلبية الطلب في أوقات الذروة المسائية".

إذن، هل هذه فكرة جيدة؟

الأمر ليس واضحاً على الإطلاق. بما أن تقرير شركة "سكوير" يعتمد على كثير من الافتراضات والتوقعات الاقتصادية التي تبدو هشة ما إن نفكر في العوامل التي ذكرها التقرير بإيجاز أو تجاهلها.

لنبدأ بالمسألة الأساسية حول عملة البيتكوين الخضراء التي يهدف هذا التقرير إلى حلها: إن مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على اعتبارها مصادر "متقطعة" للطاقة لا تنتج دائماً كمية الطاقة التي يريدها العملاء لا سيما في ساعات ذروة الطلب. لا شكّ في أن مدة استمرار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تعتمد على مناخ منطقتك، لكن تكنولوجيا توليد الطاقة من هذين المصدرين قطعت أشواطاً طويلة وأصبحت تساعد فعلاً في حلّ هذه المشكلة دون مساعدة البيتكوين. تتبع الغالبية العظمى من الولايات سياسات القياس الصافي بهدف تحقيق الفائدة لأصحاب المنازل الذين يقومون بتركيب ألواح توليد الطاقة الشمسية المتصلة بشبكة الكهرباء ما يسمح لهم بتغذية الشبكة مباشرة بفائض الطاقة التي ينتجونها وزيادة رصيدهم لدى المنشأة مقابل هذه الطاقة، وذلك يؤدي بالتالي إلى توفير التكاليف عليهم وتوزيع الطاقة الكهربائية في النظام للاستخدام الشامل وليس للتنقيب عن عملة البيتكوين فقط.

أضف إلى ذلك أن أنواعاً جديدة من الحلول التكنولوجية لتوليد الطاقة الشمسية، مثل خلايا "بيرك" والخلايا الترادفية والأشجار الشمسية والخلايا ذات الوجهين، تزداد كفاءتها عندما يتعلق الأمر بتحويل الطاقة الشمسية، وبالتالي فهي تتعدى قدرة السيليكون التقليدي وخلايا الطاقة الكهروضوئية وتزيد فعالية استخدام الطاقة الشمسية. تستخدم النرويج بالفعل الطاقة الحرارية من أجل زيادة إنتاج الطاقة الشمسية والاستفادة من فائض الطاقة التي تولدها الألواح. تستفيد التطورات المماثلة القابلة للتكييف من طاقة الرياح؛ إذ تعمل التوربينات العالية الارتفاع والتوربينات المغطاة وغيرها من التوربينات البديلة على توسيع نطاق وصولها وفعاليتها، وتبقى طرق تخزين الطاقة البديلة مثل الهواء المضغوط والحذافات قابلة للاستخدام، ويتم إنشاء مزيد من مرافق التخزين والإخراج الهجينة لطاقة الرياح والبطاريات، لا سيما مع زيادة جاذبية احتمال استخدام الرياح البحرية. وأيضاً، يتوقع المحللون في مجال الطاقة أنه بإمكان محطات الطاقة الهجينة التي تعمل على الرياح والبطاريات والطاقة الشمسية بمفردها توفير طاقة موثوقة في ساعات ذروة الطلب على استهلاك الطاقة. كل ذلك من دون العملة المشفرة!

وفي الوقت نفسه يبدو قطاع الطاقة المتجددة بالفعل قوياً إلى حدّ ما حالياً. وفقاً لتقرير "وكالة الطاقة الدولية"، تعرضت شركات الوقود الأحفوري للدمار في الجزء الأول من أزمة فيروس كورونا، في حين كانت قطاعات الطاقة المتجددة أكثر مرونة بكثير في مواجهة قيود الإغلاق العام وانخفاض الإنتاج، بل إنها زادت قدراتها الكلية بنسبة تقرب من 50% في عام 2020. تم اعتماد الطاقة الشمسية على نطاق أوسع في دول مثل أستراليا وفييتنام على مدار العام، في حين أن مبادرات الحكومة الأميركية معدّة بالفعل لتوسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة على الصعيد المحلي وفي الدول الأشد فقراً أيضاً عن طريق أشكال الدعم والضرائب والائتمانات وتكامل الشبكة ومناطق الطاقة المتجددة (المناطق التي يكون المناخ فيها مثالياً لبناء المصانع للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج طاقتها). وفي هذه الأثناء قالت "إدارة معلومات الطاقة الأميركية" العام الماضي إن مصادر الطاقة المتجددة تتجه أخيراً نحو التفوق على الغاز الطبيعي في مزيج توليد الطاقة، وحددت دراسة حديثة أجرتها شركتي "بيركلي" (Berkeley) و"غريدلاب" (GridLab) القدرة الحالية والمسارات الاقتصادية القائمة لتحقيق شبكة نظيفة بنسبة 90% بحلول عام 2035، وخفض استهلاك الغاز الطبيعي إلى 10% وإلغاء الحاجة إلى إنشاء معامل لاستخراج الفحم والغاز الطبيعي. كما أن الرياح البرية في طريقها لتصبح أرخص أشكال الكهرباء بحلول عام 2025 حتى من دون الإعفاءات الضريبية ومن دون احتساب التأثير الاقتصادي لمشاريع توليد طاقة الرياح البحرية المستقبلية.

رأي "عشاق البيتكوين"

يسارع بعض عشاق البيتكوين لقول إن أسعار خلايا توليد الطاقة الشمسية قد ارتفعت للمرة الأولى منذ عام 2013، وقد يكون السبب هو زيادة الطلب ونقص العرض (على مادة البولي سيليكون في حالة توليد الطاقة الشمسية)، الأمر الذي تسبب بالتوتر في العديد من القطاعات مع انتهاء الجائحة في الولايات المتحدة. ولكن من المتوقع أن تنتهي هذه الأزمة على الأقل قبل انتهاء أزمة نقص أشباه الموصّلات التي تفاقمت بسبب زيادة الطلب على منصات التنقيب عن البيتكوين.

مع وضع هذه العوامل المتعقلة بموضوع عملة البيتكوين الخضراء في الاعتبار، لا يبدو واضحاً أن التنقيب عن البيتكوين ضروري لخفض التكاليف والاحتفاظ بفائض الطاقة المنتجة، وإجراء تحسينات واسعة النطاق في نظام توليد الطاقة المتجددة الذي يبدو أنه يتفوق على التوقعات فعلاً على جميع الأصعدة. (قد يكون جديراً بالذكر أن ادعاء شركة "آرك" بأنه من غير الممكن أن يتوسع توليد الطاقة الشمسية على النحو الملائم بمفرده يستند جزئياً إلى تقرير "مركز يو إن سي كينان فلاغلر للطاقة" (UNC Kenan-Flagler Energy Center report)، الذي صدر عام 2018 وشارك في كتابته 3 من خبراء الوقود الأحفوري القدامى).

ومع ذلك، وفقاً لتقرير "سكوير - آرك" حول عملة البيتكوين الخضراء فثمة مشكلة نفايات وشيكة فيما يتعلق ببطاريات الليثيوم أيون المستهلكة تدفع المهندسين إلى استكشاف طرق لإعادة استخدامها وتدويرها، ومن الأفضل ألا تستدعي هذه الطرق استخدام الوقود الأحفوري. وفي الوقت نفسه، فإن هذه البطاريات والمواد البلاستيكية (كلوريد البوليفينيل) ومواد توربينات الرياح تتطلب التنقيب (الواقعي) عن معادن الأرض النادرة المحدودة. يؤكد ذلك الحاجة إلى ضمان ألا يؤدي استخراج هذه المعادن إلى نشوء مشكلات بيئية جديدة أو استغلال الدول الأصغر، وضمان جعل عمليات التعدين نفسها مستدامة أكثر (وذلك يشمل في جزء منه إعادة استخدام نفايات الوقود الأحفوري)، وضمان ألا ينحصر اعتماد الدول التي توسع إنتاج الطاقة المتجددة على دولة واحدة أو دولتين فقط من التي تعمل على استخراج المعادن الأرضية النادرة على نطاق واسع، مثل الصين.

لذا فإن أي شكل آخر من أشكال استخدام الطاقة وتخزينها بهدف زيادة إنتاج البطاريات وتوليد الطاقة المتجددة ليس بالفكرة السيئة على الإطلاق. ولكن لدينا بالفعل بدائل عملية للبطاريات يكون إنتاجها أقلّ تكلفة و(أو) استهلاكاً للطاقة، ومنها بطاريات أيونات الزنك وبطاريات أيونات الصوديوم و بطاريات التدفق. ولا يزال من غير المؤكد أن عملة البيتكوين ستكون منقذاً مثالياً للطاقة غير المخزنة في البطاريات. فعلى كلّ حال لا يحتاج المنقبون "سوى إلى الاتصال بالإنترنت" وفقاً للتقرير، لكن الإنترنت نفسها تتطلب استخداماً كبيراً للمواد الأرضية النادرة، سواء كان ذلك لصناعة كابلات الألياف الضوئية أو للاستخدام في أنواع شبكات الحوسبة والبيانات التي تضمن استمرار عمل البلوك تشين. إضافة إلى أن الاتصال بالإنترنت والوصول إليها يحتاج بصورة متزايدة إلى الاستخدام المكثف للطاقة ويصبح عرضة للصدمات المناخية على نحو متزايد، وهو الحلّ الذي يعيش أو يموت مع الإنترنت ويزيد تكاليف الطاقة المتزايدة والمتقلبة اللازمة لإبقاء الأنظمة في متناول اليد.

مشكلة النفايات

وكما هو الحال بالنسبة للنفايات التي تخلفها صناعة البطاريات يجب على بيتكوين أيضاً التحقق من مشكلة النفايات الخاصة بها؛ في عام 2013، تحول عشاق البيتكوين من التنقيب عن العملة باستخدام وحدات المعالجة المركزية (CPU) العادية التي لا تلبي كفاءتها احتياجاتهم إلى الدوائر المتكاملة لتطبيقات محددة (أسيك) (ASICs). والآن، تستخدم الدوائر المتكاملة لتطبيقات محددة (أسيك) طاقة أقل عند الاستثمار في البيتكوين، لكن الغرض الوحيد منها هو التنقيب ولذلك فهي لا تدوم أكثر من 18 شهراً كحدّ أقصى، لتتخلف عن بطاريات أيونات الليثيوم في المرونة، وليس من الممكن إعادة استخدامها لخلق قيمة أخرى أو توليد الطاقة. خلصت حسابات الخبير الاقتصادي الهولندي أليكس دي فريس إلى أن القيام بمزيد من أعمال التنقيب عن البيتكوين باستخدام الدوائر المتكاملة لتطبيقات محددة (أسيك) سيؤدي إلى توليد كميات هائلة من النفايات الإلكترونية التي ستتراكم بمعدل أسرع من تراكم نفايات المواد البلاستيكية (كلوريد البوليفينيل) أو نفايات البطاريات الأقل سميّة، في حين أن استخدام معالجات قابلة للتكيّف مثل وحدات المعالجة المركزية للقيام بمزيد من عمليات التنقيب عن البيتكوين سيؤدي إلى استهلاك أكبر وأكثف للكهرباء، ما سيستهلك قسماً كبيراً من الطاقة الكلية المولدة بغض النظر عن مصدرها. قال لي دي فريس في مقابلة شخصية أجريتها معه إن المنقبين عن البيتكوين يحاولون تقصير الوقت الذي يحتاجون إليه لعمليات التنقيب بأقصى قدر ممكن عن طريق استخدام آلات أكثر كفاءة لا تعمل 24 ساعة بل نصف هذا الوقت، وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من الاستخدام وإنتاج النفايات.

وعلى كلّ حال لا يمكن أن تزداد كفاءة التنقيب عن عملة البيتكوين الخضراء بحدّ ذاتها ما دام تكوينها يعمل ضمن البلوك تشين كما هو الوضع حالياً، فالأحاجي التي ينبغي حلّها من أجل الحصول على بضع عملات تساعد في تعزيز الأمان المحكم للشبكة وقيمة الممتلكات الرقمية المتداولة في البلوك تشين وملكيتها.

أنواع الطاقة التي ستحفزها البيتكوين

لنتحدث عن العنصر الثالث، ألا وهو أنواع الطاقة التي ستحفزها البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى فعلاً. يجدر بنا العودة إلى اعتراف تقرير الورقة البيضاء بأن البيتكوين ستضطر إلى الاعتماد على "كهرباء الشبكة في الفترات الأخرى التي يكون ذلك مربحاً فيها". لا يزال الوقود الأحفوري يهيمن على شبكات الكهرباء في الدول التي تضم أكبر مواقع البيتكوين مثل الصين والولايات المتحدة، ولا تزال انبعاثات الكربون تصدر منها بسرعة. من الجدير بالثناء أن الدول الأصغر وعدداً قليلاً من مزارع البيتكوين الأكبر حجماً توصلت إلى طرق لإمداد العملة بطاقة غالبيتها خضراء، نذكر منها الطاقة الكهربائية المائية على وجه التحديد (على الرغم من أن الطاقة الكهربائية المائية المستخدمة في التنقيب عن البيتكوين في بعض مناطق الصين تدمر بيئاتها المحلية، وقد أشار دي فريس إلى هذه النقطة أيضاً).

قد يكون المؤشر الجيد لاستهلاك الطاقة في المستقبل هو الأنشطة الأكثر تطوراً التي يمارسها المنقبون عن العملات المشفرة. ذكرت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"غريست" مؤخراً أن معامل الفحم المغلقة في مونتانا ونيويورك وكونكتيكت قد مُنحت حياة جديدة عندما انتقلت شركات العملات المشفرة إلى مواقع بعيدة ومدت عمليات التنقيب عن العملات بطاقة الغاز الطبيعي. لماذا يستخدم الغاز الطبيعي على الرغم من انبعاثات غاز الميثان؟ السبب هو عملية الاشتعال التي تحرق بقايا الغاز وتطلق الكربون؛ من غير الممكن تخزين بقايا الغاز أو استخدامها بطرق أخرى ولذا يمكن للمنقبين عن البيتكوين الاستفادة منها أولاً وإعادة استعمالها في عمليات التنقيب. ومع ذلك، فإن استخدام الغاز الطبيعي الرخيص يتطلب أخذ الغاز الفائض من عمليات استخراج النفط، وفي الوقت الحالي لا يزال اقتصاد كلّ من الولايات المتحدة والصين قائماً بدرجة كبيرة على الوقود الأحفوري على الرغم من أن كلتا الدولتين قطعتا أشواطاً طويلة في مجال التكنولوجيا الخضراء. وفقاً للمنطق الاقتصادي المقترح في تقرير الورقة البيضاء الصادر عن شركتي "سكوير" و"آرك"، فإن المنقبين عن البيتكوين الذين يستخدمون مصانع الوقود الأحفوري الموجودة كمراكز قائمة على الطاقة القذرة لعمليات التنقيب عن العملات المشفرة سوف يحفزون تطوير الوقود الأحفوري أكثر في كلتا الدولتين. وبالفعل فإن الولايات المتحدة تحاول جذب الباحثين عن كنوز العملات المشفرة لتنشيط معامل الفحم المهجورة بدلاً من تنظيف أبنيتها من المخلفات السامة وتعديلها لتصبح ملائمة لجهود توليد الطاقة النظيفة. كما رفعت الصين مؤخراً حجم عمليات توليد الطاقة اعتماداً على الفحم لتتفوق به على الدول الأخرى بدرجة كبيرة. ما لم تتمكن شبكة البيتكوين من إقناع الحكومة الصينية بوقف مشاريع الوقود الأحفوري السريعة الجديدة، فلا دليل على أن الحوافز وحدها ستؤدي إلى تشغيل عمليات التنقيب عن العملات المشفرة هناك على نحو مستدام أكثر.

في نهاية المطاف، تضع قضية البيتكوين الأكثر مراعاة للبيئة الثقة في السوق الحرة لمعرفة مكامن الخلل، لكن عندما يتعلق الأمر بمناخنا لا يمكننا الاعتماد على ذلك حقيقة. أحدث إيلون ماسك الذي كان يضخ عملتي البيتكوين والدوجكوين (Dogecoin) على مدى أشهر انعطافة كبيرة مؤخراً عندما قال إن شركة "تيسلا" لن تقبل بعد الآن بالبيتكوين كوسيلة للدفع طالما أن تأثيرها البيئي كبير جداً. يبدو أنه لا يزال مؤمناً بالعملات المشفرة، لكنه ليس ممن يعزمون على دمج هذه التكنولوجيا مع جهودهم فيما يتعلق بتوليد الطاقة النظيفة.

وكما قال لي أليكس دي فريس حول عملة البيتكوين الخضراء فإن أهمية رسالة كرسالة دورسي تعتمد على القيمة الشخصية التي ننسبها إلى قدرة عملة البيتكوين على تغيير طرق حياتنا. ولكن إذا كان الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة يسير على نحو جيد من دون البيتكوين كما تشير الأدلة، وإذا كانت البيتكوين ستستمر على المدى المنظور في استهلاك الطاقة بدرجة كبيرة اعتماداً على الوقود الأحفوري فقط، فحريّ بنا أن نسأل: لماذا نحتاج إلى عملة البيتكوين في مجال الطاقة النظيفة؟ لماذا نحتاج إليها أساساً؟

مجلة "فيوتشر تنس" هي شراكة بين مجلة "سليت" (Slate) ومركز التفكير "نيو أميركا" (New America) وجامعة أريزونا ستيت، وهي تتمعن في القضايا المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة والسياسات العامة والمجتمع.

المحتوى محمي