أثارت جوجل في شهر مايو الماضي ضجة كبيرة عندما أطلقت دوبلكس، وهو مساعد صوتي يشبه البشر إلى حد يُثير الخوف، ويستطيع إجراء الاتصالات الهاتفية لحجز الطاولات في المطاعم والمواعيد لدى مصفف الشعر. وبدا أنه يمثل بداية علامة فارقة جديدة في توليد الكلام وفهم اللغة الطبيعية، وهو يكشف لنا عما قد يحمله مستقبل التفاعل ما بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
ولكن أثناء عمل جوجل ببطء على إطلاق الميزة للعموم بشكل محدود، كان المساعد الصوتي من شركة علي بابا يعمل بأقصى طاقته. وفي 2 ديسمبر خلال مؤتمر الأنظمة العصبونية لمعالجة المعلومات -وهو من أكبر اللقاءات السنوية لأبحاث الذكاء الاصطناعي- استعرضت علي بابا برنامج خدمات الزبائن لشركة اللوجستيات التابعة لها: كاينياو. ويقول جين رونج (مدير مختبر الذكاء الآلي والتكنولوجيا في علي بابا) إن البرنامج يعمل حالياً على تلبية الملايين من طلبات الزبائن يومياً.
وقد تضمَّن العرض التجريبي اتصالاً سابق التسجيل، يقوم فيه البرنامج بسؤال الزبون عن وجهة تسليم الطرد، وأثناء تبادل الحديث ما بين الزبون والبرنامج، نجح البرنامج في التعامل مع عدة عناصر في الحوار بشكل يُبرهن مدى قدراته في مجال اللغة الطبيعية.
ولنرَ معاً هذا الحوار في بداية الاتصال، مترجماً من لهجة الماندرين الصينية:
البرنامج: مرحباً، أنا المساعد الصوتي لكاينياو. واسمي...
الزبون: مرحباً
البرنامج. أجل، مرحباً، سنقوم بتوصيل طرد باسمك في الصباح إلى العنوان 588 طريق كالتشر ويست. هل يناسبك أن تستلمه هناك؟
الزبون: من أنت؟
البرنامج: أنا المساعد الصوتي لكاينياو. وأرغب في تأكيد عملية توصيل الطرد الخاص بك إلى العنوان 588 طريق كالتشر ويست. هل هذا مناسب لك؟
الزبون: أنا لست في المنزل صباحاً.
البرنامج: إذن فهل لديك عنوان آخر ترغب في استخدامه؟
وخلال ثلاثين ثانية، تمكَّن البرنامج من التعامل بسلاسة مع ثلاثة عناصر شائعة وصعبة في الحوار، هي: المقاطعة، الحوار غير الخطي، والمغزى الضمني. المقاطعة واضحة؛ حيث يستطيع البرنامج أن يستجيب لمقاطعة الزبون ويستمر بتقديم المعلومات المفيدة من دون أن يعيدها من البداية أو يضيع الوقت.
في حين ظهر الحوار غير الخطي عندما سأل الزبون: "من أنت؟" وهو ما دفع بالبرنامج إلى ملاحظة أن الزبون لم يُجب عن السؤال السابق بل بدأ يستفسر عن موضوع آخر. واستجابة لهذا، قام البرنامج بتقديم نفسه مرة أخرى قبل العودة إلى السؤال الأصلي.
أما المغزى الضمني فقد ظهر عندما قال الزبون: "أنا لست في المنزل صباحاً"؛ حيث إنه لم يقل بشكل صريح ما يعنيه فعلياً، وهو أن عملية التوصيل إلى المنزل غير ممكنة، غير أن البرنامج تمكن من فهم قصده والاستجابة له بشكل صحيح.
قد تكون هذه العناصر شائعة للغاية في الحوارات البشرية، ولكن غالباً ما تعاني الآلات لاستيعابها. وقدرة المساعد الصوتي من علي بابا على استيعابها تشير إلى أنه أكثر تطوراً من جوجل دوبلكس، وذلك بعد المقارنة مع اتصالات مماثلة استعرضتها جوجل، ولكن من الجدير بالذكر أن الاتصال التجريبي من علي بابا مصمَّم بشكل خاص للعرض التقديمي، وأن التجربة الحقيقية قد تكون مختلفة تماماً.
وحالياً، يعمل البرنامج فقط على تنسيق عمليات التوصيل للطرود، ولكن جين يقول إن من الممكن توسيعه ليشمل مسائل أخرى. ولم يكشف جين بشكل كامل عن طريقة تدريب البرنامج، ولكنه لمح إلى استخدام كميات هائلة من تسجيلات اتصالات الزبائن، وهي الموجودة تحت تصرف الشركة بطبيعة الحال، إضافة إلى مصادر أخرى؛ حيث تتلقى الشركة في يوم عادي 50,000 اتصال خدمة من الزبائن وسطياً، وذلك وفقاً للشرائح في العرض التقديمي، وهو رقم يتضاعف خمس مرات في يوم العازبين (11 نوفمبر)، فهو يوم العطلة الذي تولِّد الشركة فيه أعلى دخل لها على مدار السنة.
وتعمل علي بابا أيضاً على تطوير مساعدات رقمية لبعض النواحي الأخرى من أعمالها، مثل برنامج لطلب الطعام، وهو برنامج قادر على تسجيل طلبك في المطاعم والمتاجر المليئة بالضوضاء، ومساعد افتراضي شبيه بالبشر للإجابة عن الأسئلة حول منتجات علي بابا، وبوت دردشة مخصص للمساومة على الأسعار، وقد بدأ باستخدامه 20% من البائعين على منصة إعادة البيع شيانيو التابعة لعلي بابا.
وتعتمد كل من هذه المساعدات الرقمية في بنيتها الأساسية على محرك للتعرف على الكلام ومعالجة اللغة الطبيعية اسمه ألي-مي AliMe، وقد تم تطويره من قِبل مختبر الذكاء الآلي والتكنولوجيا التابع للشركة، وبعد ذلك يتم تجهيز هذه المساعدات الرقمية وتعديلها لتناسب أجزاء محددة من العمل.
ومن أهم الأفضليات التي تتمتع بها علي بابا في هذا المجال هي وفرة البيانات المتاحة للتدريب؛ حيث تتعلم المساعدات وتتحسن بسرعة كبيرة بفضل التدريب المكثف الذي تحظى به للتعامل مع كافة أنواع الأوضاع المختلفة، ناهيك عن وجود حافز كبير يدعو إلى إطلاق هذه التقنيات بسرعة من أجل تحسين العمل. وتتعامل علي بابا مع عدد كبير من اتصالات دعم الزبائن، إضافة إلى توصيل مليار طرد يومياً، ولا شك في أن تكليف الذكاء الاصطناعي ببعض المهام سيساعد في تخفيف العبء عن البشر ويحافظ على سلاسة سير العمل.