من المتصوّر أن ينطوي استخدام الحمض النووي للتخزين على إمكانية حفظ كافة الصور التي قمتَ بالتقاطها وكافة ملفاتك الموسيقية وجميع حلقات مسلسل دكتور هو (Doctor Who) الـ 839 في جزيء صغير لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، مع بقاء مساحة كبيرة لاستخدامها أيضاً.
ولكن ماذا لو أمكنك الاحتفاظ بكل تلك المعلومات الرقمية في جسمك في جميع الأوقات، أو حتى بشكل مدمج في جلدك؟ يعتقد عالم الوراثة بجامعة هارفارد جورج تشرش وفريقه بأن ذلك قد يكون ممكناً يوماً ما.
استخدم الباحثون تقنية كريسبر الخاصة بتعديل الجينات لإدخال صورة متحركة قصيرة (GIF) إلى جينوم بكتيريا الإشريكية القولونية الحية. كما قام الباحثون بتحويل البيكسلات المفردة لكل صورة إلى نيوكليوتيدات، والتي تعدّ الوحدات الأساسية للحمض النووي.
وقام الباحثون بإدخال الصورة المتحركة إلى البكتيريا الحية على شكل خمس إطارات لصور لحصان يركض وعلى ظهره فارس، والتي قام بالتقاطها المصور الإنجليزي إدوارد مويبريدج، والذي أنتج أول صور متعاقبة بإطارات ثابتة في سبعينيات القرن التاسع عشر. تمكّن الباحثون بعد ذلك من استعادة البيانات عن طريق إجراء تسلسل للحمض النووي للبكتيريا، حيث أعادوا تشكيل الصورة المتحركة بدقة 90% من خلال قراءة الرمز النيوكليوتيدي للبيكسلات.
وتعدّ هذه الطريقة التي تم نشر تفاصيلها في مجلة نيتشر (Nature) في عام 2017 خاصة بالبكتيريا، لكن يانيف إرليك -العالم المتخصص في الكمبيوتر والبيولوجيا بجامعة كولومبيا والذي لم يشارك في الدراسة- يقول بأنها تمثل طريقة قابلة للتطوير لتخزين المعلومات في الخلايا الحية والتي يمكن استخدامها في الخلايا البشرية في نهاية المطاف.
في العالم الحديث، يتزايد توليد كميات هائلة من البيانات الرقمية، ويرى العلماء بأن الحمض النووي يعتبر وسيلة مدمجة ودائمة لتخزين هذه المعلومات. فبعد كل شيء، لا يزال من الممكن في المختبر استخراج الحمض النووي الموجود منذ آلاف أو حتى مئات الآلاف من السنين، وإجراء تسلسل له.
وقد انطوت الكثير من أبحاث استخدام الحمض النووي للتخزين على الحمض النووي الاصطناعي الذي قام العلماء بتصنيعه. وتمثّل هذه الصورة المتحركة -التي يبلغ حجمها 36 × 26 بيكسل فقط- كمية صغيرة نسبياً من المعلومات مقارنة بما تمكّن العلماء من تخزينه في الحمض النووي الاصطناعي. ولكن يعدّ تحميل المعلومات إلى الخلايا الحية أكثر صعوبةً من تحميلها إلى الحمض النووي الاصطناعي، لأن الخلايا الحية تتعرّض باستمرار للحركة والتغيّر والانقسام والموت.
ويقول إيرليك بإن إحدى فوائد حفظ البيانات في الخلايا الحية كخلايا البكتيريا هي تأمين حماية أفضل. فعلى سبيل المثال، لا تزال بعض أنواع البكتيريا حية حتى بعد الانفجارات النووية أو التعرّض للإشعاع أو لدرجات الحرارة المرتفعة للغاية.
وإلى ما هو أكثر من مجرد تخزين البيانات، يقول سيث شيبمان -العالم الذي يعمل في مختبر تشرش الذي قاد الدراسة في جامعة هارفارد- بأنه يريد استخدام التقنية لإعداد "مستشعرات حية" يمكنها تسجيل ما يحدث داخل الخلية أو في محيطها.
ويقول شيبمان: "ما نريد إعداده حقاً هو خلايا يمكنها تخزين المعلومات البيولوجية أو البيئية حول ما يجري داخلها وحولها".
وعلى الرغم من أنه لن يتم استخدام هذه التقنية عمّا قريب لتحميل كميات كبيرة من البيانات إلى جسمك، إلا أنها قد تكون أداة بحثية قيّمة. إذ يتمثّل أحد استخداماتها الممكنة في تسجيل الأحداث الجزيئية التي توجّه تطوّر أنواع الخلايا، مثل تكوين الخلايا العصبية أثناء نمو الدماغ.
ويقول شيبمان بأنه يمكنك وضع هذه الأقراص الصلبة البكتيرية في الجسم أو في أي مكان في العالم لتسجيل شيء قد تكون مهتماً به، ومن ثمّ جمع البكتيريا وإجراء تسلسل للحمض النووي لمعرفة المعلومات التي تم التقاطها أثناء ذلك.