علماء الصواريخ يطورون جيلاً جديداً أخف وأكثر كفاءة من محركات الدفع بالبلازما

4 دقائق
مصدر الصورة: ناسا

عام 1964، أطلق الاتحاد السوفييتي مركبة فضائية تحمل اسم "زوند 2" باتجاه المريخ. كانت مهمتها الدوران حول الكوكب الأحمر، وتصوير سطحه، والبحث عن دلائل على وجود الميثان في غلافه الجوي، وإطلاق مركبة لتهبط على سطحه.

إلا أنه بعد عدة أشهر من إطلاقها، تعطلت وحدة إمداد الطاقة المثيرة للمتاعب لزوند 2، ففقد السوفييت الاتصال بالمركبة ولم يتمكنوا من معاودة الاتصال بها مرة أخرى. واليوم، يُنظر إلى البعثة إلى حد كبير على أنها فاشلة، وهي ليست سوى واحدة من العديد من البعثات الفاشلة التي كان المريخ هدفاً لها.

لكن زوند 2 كان لديها هدف آخر؛ فقد كانت المركبة الفضائية مزودة بستة محركات دفع ثورية للتحكم في الاتجاه، هذه الأجهزة -التي تُعرف باسم محركات البلازما النفاثة- لم يتم استخدامها في الفضاء من قبل، إلا أنه خلال الاختبارات المختلفة التي أجريت بعد الإطلاق، أثبتت زوند 2 أن استخدامها فكرة مجدية.

ومنذ ذلك الحين اعتمدت مركبات الفضاء على هذا الشكل من الدفع (وعلى شكل مختلف قليلاً باستخدام المحركات الدافعة الأيونية). وهذه المحركات تتمتع بميزات مهمة مقارنة بالصواريخ الكيميائية التقليدية لأنها أبسط، وأخف وزناً، وأكثر كفاءة.

كما أنها أصغر بكثير من المحركات الدافعة الكيميائية، وهذا يجعل منها مفيدة لصانعي الأقمار الاصطناعية النانوية، وهي المركبات الفضائية الشائعة بشكل متزايد والتي تقل كتلة الواحدة منها عن 10 كيلوجرامات، وهي غالباً ما تكون أكبر قليلاً من مكعب الروبيك.

ولكن محركات دفع البلازما ليست مثالية، فتحويل الوقود الدفعي على متن المركبة إلى بلازما والتحكم في تدفقه قد يكون عملاً صعباً يهدر الطاقة، وقد يدمر المحرك نفسه في بعض الأحيان؛ لذا فإن إيجاد طرق لتحسين محركات دفع البلازما يعد مثارَ اهتمام كبير بالنسبة لصانعي الأقمار الاصطناعية الصغيرة.

وهنا يأتي دور آدم باتل وزملائه من جامعة بوردو في ويست لافاييت، في إنديانا؛ حيث توصل هؤلاء الشبان إلى تصميم جديد لمحرك دفع بلازما يعادل ما سبقه من المحركات بالصغر، ولديه القدرة على تحقيق درجة أكبر من الموثوقية والكفاءة.

أولاً، لنتطرق إلى بعض المعلومات الأساسية عن الوقود الدفعي الذي تعتمد عليه محركات دفع البلازما. حيث يستخدم معظم هذه المحركات وقوداً دفعياً صلباً مثل متعدد رباعي فلورو الإيثيلين، الذي يعرف باسم تيفلون. ومن السهل تخزين هذا النوع من الوقود، ولكن استخدامه يحتم تبخيره عن طريق تمرير تيار عبر سطحه.

يتم بعد ذلك إشعال البخار، مما يُحدث "وميضاً متأججاً" يحوله إلى بلازما. ثم تمر البلازما بعد ذلك عبر حقل كهرطيسي، حيث تتعرض لقوة متسارعة تدفع المركبة الفضائية في الاتجاه المعاكس.

وتكمن المشكلة في أن هذا التبديد يعتبر عملية عشوائية؛ فمن الصعب التحكم في معدل التحويل، وهذا قد يجعل الدفع غير منتظم. كما أن سطح التيفلون قد يتحلل في بعض الأحيان، ويتسبب في خروج حطام في شكل جسيمات كبيرة تعيق عمل المحرك.

والأكثر من ذلك، هو أن جهاز الإشعال الذي يُطلِق عملية الوميض المتأجج يمكن أن يتعلق للتلف بمرور الوقت. فكل هذه المشاكل قد تحد في نهاية المطاف من كفاءة محركات دفع البلازما العاملة بالوقود الصلب لتصبح أقل من 15%.

وإحدى الطرق المتبعة للتغلب على هذه المشكلة هي تخزين الوقود الدفعي على شكل غاز، والتحكم في تحريره باستخدام نظام للحقن بالغاز. يزيد هذا من كفاءة المحرك بنسبة تصل إلى 70%. لكن هذه الأنظمة ضخمة ومعقدة، ويمتلك الغاز نفسه حجماً أكبر بكثير من الكتلة الصلبة المكافئة له. هذا يجعل من بنائه ضمن قمر اصطناعي نانوي أمراً صعباً.

والآن، يقول باتل وزملاؤه إن بإمكانهم حل هذه المشاكل باستخدام وقود دفعي سائل؛ حيث يقولون: "يمكن لمحرك دفع البلازما النبضي الذي يتم تغذيته بإحدى المواد السائلة، أن يتغلب على العديد من العيوب المتعلقة بأجهزة دفع البلازما النبضية التقليدية".

في الواقع، لقد قاموا ببناء نظام للدفع الصغري -يبرهن صحة المبدأ- تتم تغذيته بإحدى المواد السائلة، ووضعوه موضع الاختبار في حجرة فراغية. ويستخدمون خماسي الفينيل ثلاثي الميثيل ثلاثي السيلوكزان (C33H34O2Si3) كوقود دفعي، وهو سائل لزج يتميز بخاره بضغط منخفض، كما أنه عازل كهربائي ممتاز.

وقام الفريق أيضاً بتصميم نظام إشعال جديد ذي طاقة منخفضة، هذا النظام يتكون من قطبين كهربائيين صفيحيين يفصل بينهما عازل كهربائي. ويعمل هذا النظام عن طريق زيادة الجهد عبر الصفيحتين ليصل قيمة حدية (عتبة) يتبخر عندها العازل ويتحول إلى بلازما.

في هذه الحال، يكون العازل الكهربائي هو الوقود الدفعي السائل، ثم تدخل البلازما بعد ذلك الحقولَ الكهرطيسية، حيث تتسبب في تسارعها.

وتتمثل ميزة هذا النوع من أجهزة الإشعال في أن عتبة الجهد هي نفسها دائماً، وبالتالي فإن كمية الطاقة اللازمة للوميض المتأجج محدودة دائماً. وهذا يحد من الأضرار المحتملة التي يمكنها أن تصيب مجموعة الوميض المتأجج بمرور الوقت.

وخلال الاختبارات، استخدم باتل وزملاؤه جهاز الإشعال لأكثر من 1.5 مليون عملية وميض متأجج دون أن يلحظوا تعرض الجهاز لأي ضرر كبير، في حين أن هناك تصميمات أخرى قد تفشل في بعض الأحيان بعد 400 دورة إشعال فقط.

وقد مضى باتل وزملاؤه في عملهم إلى حد قياس سرعة عادم البلازما عند 32 كيلومتر في الثانية، مما سمح لهم بحساب أن المحرك ينتج قوة دفع جيدة تصل إلى 5.8 نيوتن. إنها خطوة أولى حقيقية نحو تحسين أنظمة الدفع الصّغري للأقمار الاصطناعية النانوية.

ومع ذلك، هناك المزيد من أعمال التطوير المقبلة؛ حيث تتمثل إحدى المهام الهامة المستقبلية في تصميم وبناء نظام بسيط تتم تغذيته بمادة سائلة، ويعمل بموثوقية في ظروف انعدام الجاذبية. وفي هذه التجارب، قام الباحثون بحقن السائل داخل جهاز الإشعال يدوياً باستخدام محقنة.

ليس من الصعب تخيل كيفية تنفيذ هذا العمل بشكل آلي، ولكن من الصعب جداً التحكم في السوائل أثناء انعدام الجاذبية. لذلك سيتوجب على باتل وزملائه العمل بجهد كبير لتطوير نظام بسيط يمكن لصانعي الأقمار الاصطناعية أن يعتمدوا عليه. إلا أنه تكمن حكاية أخرى في هذا الأمر.

لا شك أن باتل وزملاءه لديهم طموحات أكبر بشأن جهازهم؛ حيث يقولون: "تقدم نتائج هذه الورقة البحثية معلومات قيمة تساعد على تمكين تطوير محرك دفعٍ بالبلازما نبضي يعمل بمادة سائلة". سيكون من المثير للاهتمام معرفة كيفية قيامهم بذلك.

المرجع: arxiv.org/abs/1907.00169:
محرك الدفع بالبلازما النبضي العامل بالسوائل لدسر الأقمار الاصطناعية النانوية

المحتوى محمي